108 - إمبراطورة الفراغ (1)
الفصل 108: إمبراطورة الفراغ [1]
بوم!
انفجر سقف القطار.
تمزق المعدن مثل الورق. قطع تطايرت في كل مكان كما سقط شكل من السماء. سريع وثقيل. مثل نيزك يسقط على الأرض.
طقطقة!
ارتطم حذاء بصدر الطائفة بقوة مدوية. لم يكن لديه حتى وقت للرد.
طار جسده للخلف. تحطم وانزلق عبر أرضية القطار حتى اصطدم بالحائط، وهو يئن من الألم.
امتلأ الهواء بالدخان والغبار.
رمش كايل، مذهولاً. سال الدم على جانب وجهه. صرخ كل شبر من جسده من الألم. حاول رفع رأسه. حاول أن يفهم ما حدث للتو.
ثم رآها.
وقفت بهدوء في منتصف عربة القطار المحطمة.
لم يكن من الممكن أن تكون قد تجاوزت الثلاثين من عمرها. لكن كان هناك شيء لا يشيخ عنها.
كان لديها شعر أبيض طويل يلمع في الضوء، وعيناها. ذهبيتان، تتوهجان بشكل خافت. بدوا وكأنهم يبصرون من خلال الفولاذ.
كانت ترتدي معطفًا داكنًا يرفرف حول ساقيها. كانت وقفتها مستقيمة ومسترخية.
لكن كانت هناك قوة في كل حركة. انزلقت عنها كحرارة من نار.
نظرت إلى كايل وإليانورا. كان تعبيرها هادئًا ولكنه ليس قاسيًا.
قالت بصوت هادئ وواضح: “لقد أحسنتم يا أطفال. يمكنكما الراحة الآن. دعوا كل شيء لي.”
أراد كايل التحدث. أن يسألها من تكون، أن يقف على قدميه. لكن جسده لم يعد يتحمل.
انزلقت أصابعه من مقبض دراجته النارية “زالريل”.
انهارت ركبتاه.
وانهار.
آخر ما رآه هو استدارتها، متجهة نحو ريو.
سارت بعزم. طقطقة حذائها على الأرض بهدوء وهي تصل إلى جسد ريو. كان مستلقيًا على ظهره. بالكاد يتنفس، والدم يتجمع تحته.
انحنت بجانبه. ضغطت إصبعان برفق على رقبته.
خرجت تنهيدة خفيفة من شفتيها.
قالت بهدوء: “يا له من رجل محظوظ”. “لا يزال حيًا.”
وضعت كفها على صدره. انبعث من يدها وهج ذهبي دافئ. يلتف حول جسد ريو.
بدأت جروحه تلتئم. ليس تمامًا. لكن بما يكفي لإيقاف النزيف. بما يكفي لإبقائه على قيد الحياة.
حدقت إليانورا، بالكاد تستطيع رفع رأسها. كانت شفتها مشقوقة، وجسدها ضعيفًا. لكن عينيها اتسعتا.
عرفت ذلك الوهج. عرفت ذلك الصوت. تلك القوة.
“إمبراطورة الفراغ…” همست.
لا يمكن أن تكون أي شخص آخر.
الشعر الأبيض.
العيون الذهبية.
هالة سحر الفضاء الكثيفة التي بدا الهواء وكأنه يلفها.
لم تكن قوية فحسب، بل كانت أسطورية.
نائبة مدير أكاديمية سولفاين.
تسابقت أفكار إليانورا. “ماذا تفعل هنا؟”
قاطع أنين أفكارها.
كان المتعبد يتحرك مجددًا.
دفع نفسه عن الأرض، وغضبه يلف وجهه.
كان معطفه ممزقًا، والدم يتسرب من جلده. لكنه كان لا يزال يتنفس. لا يزال غاضبًا.
“أنتِ…” زمجر. “كيف تجرؤين على التدخل!”
لم ترمش المرأة حتى.
وقفت ببطء ونفضت الغبار عن معطفها.
كان تعبيرها جامدًا. متعبًا.
“لا تتخيلين كم أنا منزعجة الآن،” قالت ببرود.
“لقد عدت للتو من مهمة استمرت شهرين. كنت في طريقي إلى سولفاين. حمام ساخن. سرير ناعم. لا صراخ. لا دم.”
ضاقت عيناها الذهبيتان.
“ثم حدث ما حدث.”
زمجر المتعبد.
اختفت.
هكذا تمامًا. اختفت في لمح البصر.
ثم—
فجأة!
ظهرت أمامه مباشرة. أمسكت وجهه بيدها المغطاة بالقفاز قبل أن يتحرك.
“هذا المكان ضيق بعض الشيء،” تمتمت.
ومضة.
انحنى العالم حولهم، واختفوا.
في الخارج.
كانت السماء واسعة ومظلمة فوق القطار، والرياح تعصف في كل اتجاه.
ظهروا عالياً فوق الأرض، معلقين في الهواء الطلق.
اتسعت عينا المتعبد.
“ماذا؟”
كان هذا كل ما استطاع قوله.
بحركة واحدة نظيفة. التفت في الهواء وألقته أرضاً.
سقط كحجر.
وااااام!
انفجرت الأرض تحته عندما اصطدم بها. انفجر الغبار والحطام لأعلى في سحابة كثيفة. هزت موجة الصدمة القطار نفسه.
بعيداً فوقه. حلقت إمبراطورة الفراغ في السماء، سليمة.
تمايل شعرها الأبيض في الريح. أشرقت عيناها الذهبيتان كضوء الشمس.
حدقت في الحفرة حيث يرقد المتعبد.
وهذه المرة. لم تكن تبتسم.
———
ضرب المتعبد الأرض بقوة. جسده يرتطم بالتراب بصوتٍ عالٍ يُهزّ العظام.
انشقت الأرض تحته، مُشكّلةً حفرةً واسعة.
تصاعد الغبار في الهواء، وتدحرجت قطعٌ من الحجارة على الأرض الجافة. لم يتحرك لبضع ثوانٍ.
ثم-
سعالٌ رطب. قاسٍ ومُتكسر.
تأوه وتدحرج على جانبه، يرتجف في كل مكان. تدفق الدم من أنفه وفمه، يتساقط على الأرض المتشققة.
كانت إحدى عينيه منتفخة ومغلقة. كانت أضلاعه تنبض مع كل نفس.
امتدت يده المرتعشة إلى الخنجرين التوأمين الموجودين بالقرب.
بجهد. أمسكهما. ومض مانا الماء إلى الحياة، مُغطّيًا النصلين بلمعانٍ رقيقٍ مميت.
لمع الهواء من حولهما من شدة الحدة.
زمجر. دفع نفسه للأعلى وانقض-
لكن الخناجر تجمدت في الهواء.
لم تسقط. توقفت فحسب. عالقة في مكانها كما لو كانت عالقة في جليد غير مرئي.
تجمد هو أيضًا. عيناه متسعتان.
لم تتحرك إمبراطورة الفراغ خطوة واحدة.
وقفت بهدوء أمامه. شعر أبيض طويل يرفرف في النسيم. عيناه الذهبيتان تتوهجان بضوء خافت.
رُفعت إحدى يديها، وتباعدت أصابعها قليلًا.
تجمد الفراغ حول الأسلحة. تحول الهواء نفسه إلى زجاج.
تأوه المتعبد، مجهدًا، وعضلاته منتفخة وهو يحاول تحريك الخناجر. لكنها لم تتحرك. كأنها ملحومة في مكانها.
ارتسمت ابتسامة بطيئة على وجهها. لم تكن لطيفة.
“أوه؟” قالت بهدوء. “هل ظننت حقًا أن هذا سينجح؟”
ثم –
كرانش.
انطوى الفراغ.
التفت ذراعه اليمنى في الاتجاه الخاطئ. تحطم مرفقه، وارتد معصمه للخلف، وتجعد أصابعه كأغصان مكسورة.
سقطت الخناجر من يده التي لم تعد صالحة، وارتطمت بالتراب.
فتح فمه ليصرخ:
“ههه!” .
قوة خفية ارتطمت بصدره.
طار للخلف، محطمًا صخرة قريبة. تحطم الحجر. تكسرت ضلوعه بصوت أعلى هذه المرة.
شهق، ورئتاه تحترقان، يسعل دمًا.
لكنه لم يتوقف.
انحنى العالم من حوله مرة أخرى.
فجأة. كان في الهواء. على ارتفاع عشرين قدمًا عن الأرض، يطفو كدمية خرقة. أطرافه تتدلى بلا فائدة.
وقفت إمبراطورة الفراغ تحته. لا تزال عيناها مثبتتين عليه كصياد يراقب فريسته.
قالت بصوت هادئ لكن بارد: “كما تعلم، أكره عندما يحاول أحدهم إيذاء طلابي.”
نقرت بأصابعها.
سقط.
بوم.
ارتطم بالأرض، وتناثر الغبار من الصدمة. ارتطم جسده ككيس من العظام المكسورة. تناثر الدم من فمه مرة أخرى.
ثم…
طقطقة.
التفت ذراعه اليسرى. انكسر مرفقه للخلف بصوتٍ مُقزز.
صرخ بصوتٍ عالٍ وأجش.
لم ترمش الإمبراطورة.
تقدمت ببطء، وحذاؤها يسحق التراب تحتها. لم ترمش عيناها الذهبيتان. لم تلين.
قالت: “لنجرب هذا مجددًا”. صوتها هادئٌ يخترق الهواء كالسيف.
اقتربت خطوةً، وعيناها الذهبيتان تضيقان.
“من أنت؟ من أرسلك؟ وما غرض هذا الهجوم؟”
شهق المتعبد وهو يكافح لالتقاط أنفاسه. زبد الدم على شفتيه. ارتفع صدره وهبط في دفعاتٍ سطحيةٍ متقطعة.
نظر حوله بيأس. عيناه تتجهان نحو الأرض المكسورة. القطار المُدمر في البعيد، السماء في الأعلى.
لكن لم يكن هناك شيء.
لا مفر.
لا أحد يأتي لإنقاذه.
وحدها هي.
سحق حضورها كل شيء. حرّكت قوتها الهواء. تدلى جسده المكسور أمامها عاجزًا، مرفوعًا بسحر الفضاء كدمية.
“أنا…” شهق وهو يبصق دمًا على التراب. “لن… أخبرك بأي شيء…”
أمالت إمبراطورة الفراغ رأسها قليلًا.
“كما تعلم،” قالت، وكأنها تفكر، “سأمنحك فرصة لتسهيل الأمر عليك.”
رفعت يدها قليلًا، فانتفض ذراعه المكسور. أرسل موجات ألم جديدة عبر جسده.
“لماذا مهاجمة القطار؟ لماذا استهداف المدنيين الأبرياء؟” سألت مجددًا. نبرتها حادة الآن، تخترق الهواء كالسوط.
“ماذا كنت تسعى إليه؟ من أعطى الأمر؟”
تأوه العضو في الطائفة. ارتجفت شفتاه. كان الألم لا يُطاق. لكنه ظل متمسكًا بصمته.
“تكلم،” أمرته بصوت أبرد من ذي قبل. “وإلا سأبدأ بتحطيم الأشياء ببطء.”
صر على أسنانه. سال الدم من ذقنه. تدحرجت إحدى عينيه إلى الوراء بينما اجتاحته نوبة ألم أخرى عبر أطرافه المحطمة.
انقبض فكه. بصق دمًا على الأرض.
“اذهب إلى الجحيم-”
طقطقة.
انحنت ركبته اليمنى جانبًا، وعظمة تخترق جلده.
مزق صراخه الهواء، أعلى من ذي قبل.
تنهدت الإمبراطورة حزنًا خفيفًا.
“إجابة خاطئة.”
رفعت يدها مرة أخرى.
طاف جسد الطائفة عن الأرض. معلقًا في الهواء كدمية. تدلت ذراعاه بزوايا غريبة.
تدفق الدم من أنفه وأذنيه ومفاصله المكسورة.
أمالت رأسها.
“الفرصة الأخيرة،” قالت بهدوء. “من. أرسل.ك؟”
ارتعش فمه.
ثم ابتسم. ابتسامة مكسورة ملتوية.
“لن… تعرف أبدًا…” همس.
بدأ جسده يتغير.
تشققت عظامه. تسللت عروق سوداء عبر جلده. برزت الأورام من صدره.
تحولت أسنانه الحادة إلى أنياب، وتحولت عيناه إلى اللون الأحمر الدموي.
تحولٌ فاسد.
لم ترتجف الإمبراطورة.
نقرت بلسانها. ارتسم الاشمئزاز على وجهها.
“مقرف.”
ثم فرقعت أصابعها.
انضغط الفراغ حول رأسه في لحظة.
للحظة. صمت.
ثم –
فرقعة.
انفجرت جمجمته.
تناثر الدم والأدمغة والعظام في ضباب أحمر. لكنها لم تصطدم بالأرض.
تجمدت في الهواء، معلقةً داخل كرة مشوهة من الفضاء.
سقط جسده. بلا حياة، يصطدم بالأرض بصوت مكتوم.
نظرت إلى الدم العائم، وأنفها يتجعد.
“آه.”
بحركة كسولة من يدها، اختفت الفوضى العائمة. لم تُنظف. مُحيت.
اختفت وكأنها لم تكن.
وتبع ذلك الصمت.
هبت الرياح برفق عبر ساحة المعركة. صرّ القطار المتضرر من بعيد وهسهس، والدخان لا يزال يتصاعد من سقفه.
ثم استدارت
— — ومشت.
———