114

الفصل 114.

____

بعد أن فعّل دراجون اللفافة الفضية — والتي تُعرف أيضًا بلفافة الانتقال السحري من الدرجة المنخفضة — انتقل جسده من موقعه الحالي وسافر بسرعة مذهلة نحو وينترسيد. أولئك الذين شهدوا ذلك المشهد أُصيبوا بالدهشة. أما “ر”، فقد ظل يبتسم وهو يحدّق في خيال دراجون المتلاشي لبضع ثوانٍ.

ومع ذلك، ورغم أن لفافة الانتقال السحري من الدرجة المنخفضة كانت تُعد من الأدوات السحرية المهمة في التنقّل، إلا أنها كانت تحمل العديد من السلبيات بحكم درجتها المنخفضة.

ليس بعيدًا عن ساحة القرية، وفي مكانٍ خفيّ عن أنظار السكان، كان هناك شخصان يرتديان دروعًا سوداء يراقبان تحرّكات دراجون — لم يكونا سوى كساندروس وأليستر. كان كساندروس يرتدي تعبيره المعتاد المليء بالكراهية، بينما ظل شقيقه الأكبر، أليستر، محتفظًا بملامح جامدة.

كان بالإمكان رؤية أليستر وهو يحمل في يده شيئًا صغيرًا يتوسّطه شاشة زجاجية.

وفي اللحظة التي فعّل فيها دراجون لفافة الانتقال السحري، أضاءت الشاشة في يد أليستر بلون أحمر ساطع.

في الحال، أخرج كساندروس لفافة انتقال سحرية من الدرجة المتوسطة ومزّقها، فاختفى هو وأليستر من موقعهما، متتبعين الإشارة التي ظهرت على الجهاز في يد أليستر.

وينترسيد

كانت الشمس في كبد السماء، وروان ورجاله يمكن رؤيتهم وهم يحفرون الأساسات لمشروعهم القادم. كانوا على وشك الانتهاء، ولم يتبقَ سوى أربعة مواقع فحسب.

ليس بعيدًا عن الرجال الذين كانوا يحفرون، كان هناك آخرون يضعون أساسات المنازل باستخدام الخشب والحجارة. وكان يمكن رؤية بعض الرجال الآخرين وهم يخلطون الطين ويضيفونه إلى الأساسات لجعلها أكثر صلابة.

كان بالإمكان رؤية روان وهو يعمل وحده في أحد المواقع، وعلى وجهه ابتسامة مشرقة للغاية.

مزاجه كان مرتفعًا بشكل واضح بعد التطور الأخير الذي شهدته أراضيه.

لكن لا أحد كان يعلم بذلك.

ومع ذلك، كان روان قادرًا على ملاحظة تأثير تطور أراضيه في القرويين، وخاصة الرجال الذين يعملون معه.

عادةً، يتطلب الأمر مئة جندي ليوم كامل لإتمام العمل في موقع واحد، لكن اليوم، كان عدد أقل بكثير من الجنود على وشك الانتهاء من العمل نفسه، ولم يكن المساء قد اقترب بعد!

كما لاحظ روان التأثيرات على الجميع، وليس فقط الجنود. وأثناء قدومه إلى هنا، شاهد بعض الفلاحين المسنين والضعفاء وهم يزيلون الأعشاب بسرعة وبلا مشقة تُذكر.

لم يكن باستطاعته ملاحظة التغييرات لدى جميع سكان القرية، لكن من خلال من رآهم حتى الآن، أدرك أن التأثير عبارة عن تعزيز (buff). ولم يستطع منع نفسه من تخيّل مدى قوة هذا التأثير عندما يصل إلى المرتبة F!

ظل روان يعمل بلا كلل، بينما كانت شمس الظهيرة تسطع على كتفيه المصقولين وجسده العضلي، حين لاحظ فجأة تغيرًا ما حوله، فرفع رأسه ليرى دراجون واقفًا أمامه بابتسامة على وجهه.

وصول دراجون جذب انتباه الجنود الموجودين في المنطقة، والذين رمقوه بنظرات مليئة بالريبة.

“هل رأيته يمر من أمامنا؟” سأل أحد الجنود زميله.

“لم أره، وكنت أراقب طوال الوقت. كيف وصل إلى اللورد روان دون أن ننتبه له؟” أجابه زميله، وكان كلاهما يبدو عليه الحيرة الشديدة.

والآخرون معهم كانوا حائرين كذلك.

راقب دراجون ردود فعلهم جميعًا، ولوّح لهم بيده مبتسمًا.

لكنهم جميعًا سخروا منه وعادوا إلى أعمالهم، متجاهلين وجوده تمامًا.

تنهد دراجون وأدار نظره نحو ابنه، الذي كان يحدّق به بتعبير محايد. بدأ بتحيته أولًا، ثم شرع في سرد قصة إنجازه في “وينترسيد الثانية”.

ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث شارك شكوكه قائلًا إن الهجوم بدا وكأنه مُخطط له وليس عشوائيًا. وبالطبع، روان كان يشك في ذلك منذ البداية، إذ من المستحيل أن تتعاون وحوش من أعراق مختلفة وتهاجم قرية من جميع الجهات في نفس الوقت.

لو كان الهجوم من عرق واحد فقط، كأن يكون مجموعة من الوحوش الشبيهة بالذئاب الجائعة، لكان الوضع أكثر منطقية قليلًا، إذ أن الوحوش من نفس العرق تميل إلى التحرك جماعيًا لصيد فريستها.

في وقت من الأوقات، لم يستطع روان منع نفسه من الظن بأنه يواجه شريرًا يختبئ في الظلال.

لكنه لم يغرق في هذه الأفكار كثيرًا، وسارع إلى شكر دراجون.

قال مبتدئًا: “شكرًا لمساعدتك لي. لو لم تكن موجودًا، لكان أولئك الأبرياء قد فقدوا حياتهم على يد تلك الوحوش.”

وكلما واصل الحديث، اتسعت ابتسامة دراجون أكثر فأكثر. فمنذ عودته، كانت هذه أول مرة يتحدث فيها ابنه إليه دون كراهية أو خيبة أمل، ولهذا امتلأ قلبه بالفرح.

قال دراجون بفخر: “فعلت ما كان يجب عليّ فعله، وأنا سعيد لأن ما فعلته أنقذ حياة هؤلاء الناس. إذا واجهت مشاكل مثل هذه مجددًا، لا تنسَ أن تُعلِم والدك القادر.”

لكن روان هز رأسه فقط. فقد كان بإمكانه بسهولة قراءة ما يدور في عقل والده — كان يحاول استغلال المساعدة التي قدّمها للتقرب منه مجددًا وإصلاح علاقتهما.

روان الذي ينتمي لهذا العالم ربما كان ليقع في ذلك الفخ، لكنه لم يفعل. فقط أومأ برأسه وعاد إلى عمله.

سأل دراجون عندما رأى أن روان لا ينوي مواصلة الحديث: “كيف حال رييلا؟”

فأجابه روان دون أن ينظر إليه: “بخير.”

تابع دراجون: “كيف كانت في الفترة الأخيرة؟ هل ظهرت عليها أي أعراض غريبة؟”

أجاب روان عن جميع أسئلته دون أن يتجاهل أيًا منها.

توصل روان إلى استنتاج: “إنه يعرف حقًا أن لرييلا ميولًا سحرية.”

جميع أسئلة دراجون كانت تدور حول علامات تدل على يقظة قوى سحرية، تمامًا كما قرأ روان في الروايات على الأرض.

لكن، لم يكن بمقدور روان إخباره مباشرة بأنها تمتلك ميولًا سحرية، لأن ذلك قد يثير الشبهات حوله، فقرر أن يسأله:

“ما الغرض من كل هذه الأسئلة؟”

أجابه دراجون بسؤال: “هل أخبرتك رييلا أنني عالجتها عندما كانت فاقدة للوعي؟”

فقال روان: “نعم، شكرًا لك على ذلك، لكن هذا لا يجيب على سؤالي. أشعر أن أسئلتك لا علاقة لها حقًا بعلاجها، لا بد أن هناك أمرًا آخر.”

ابتسم دراجون وأومأ برأسه، فخورًا بأن ابنه ذكي بما فيه الكفاية — مثله — ليستشف النوايا الحقيقية من كلمات الآخرين.

قال أخيرًا: “روان، رييلا لديها القدرة على أن تصبح ساحرة قوية.”

روان سأل بتعجب مصطنع: “أن تصبح ساحرة؟”

أجاب دراجون بحماسة: “نعم، لقد شعرت بالمانا تتدفق منها عندما كنت أعالجها في ذلك اليوم، وهذا يدل على أنها قادرة على استخدام السحر مثلي. وبصراحة، أن تمتلك هذا القدر من المانا في قرية كهذه، حيث تكاد لا تُلحظ المانا في الأجواء، فهذا يعني أن توافقها مع المانا مذهل!

إذا نالت الرعاية المناسبة، فقد تصبح آركماج (ساحرة عظيمة) خلال أقل من خمسين عامًا!”

كان الحماس في صوته أشبه بحماس طفل صغير وهو يخبر أصدقائه عن أبطاله الخارقين المفضلين.

تظاهر روان بالدهشة، ثم شرع في طرح أسئلة عن السحر بشكل عام — فقد رأى أنها فرصة مثالية ليبدأ ببناء أساسه كساحر!

بدأ بسؤاله عن السحر بصفة عامة، وما الذي يجب فعله لاكتساب القوة السحرية، وكيف يستطيع الشخص معرفة ما إذا كان موهوبًا في مجال السحر، وما هي درجات السحر، والعديد من الأسئلة المهمة الأخرى.

وعندما رأى دراجون مدى اهتمام روان بالسحر، ابتسم بسعادة كبيرة، وبدأ يشرح له كل شيء بلغة بسيطة ومفهومة.

ومع ذلك، وبينما كان الأب والابن يتحاوران، كان هناك اثنان آخران يراقبانهما من السماء — مستخدمَين تعويذة إخفاء سحرية — لم يكونا سوى أليستر وكساندروس، وهما يستمعان إلى حديثهما.

قال أليستر بابتسامة ساخرة: “شخص لديه القدرة ليصبح آركماج، هاه؟ قلت لك إننا سنجني فوائد أكثر من تركه حيًا بدلًا من قتله.”

أجاب كساندروس وهو يراقب دراجون: “أعترف أن حكمك كان دقيقًا يا أخي.”

لكن عيني أليستر كانتا تركزان في الغالب على روان، لأنه كان يشعر بنوع غريب من القوة تنبعث منه. كان من الواضح أن روان أقوى من الإنسان العادي، لكنه لا يبدو أنه يمتلك أدنى قدر من المانا!

تمتم أليستر لنفسه: “غريب…”

واصل مراقبة الرجال المحيطين بروان، وكيف كانوا يؤدون مهامهم بكفاءة عالية.

ومن موقعه في السماء، كان بإمكانه رؤية كل ما يحدث في القرية — من الأطفال الصغار وهم يمرحون، إلى الفلاحين العاملين في الحقول، والجنود الذين يقفون لحراسة حدود القرية.

فوجئ أليستر قليلًا بأن قرية صغيرة كهذه يمكن أن تكون بهذا القدر من النظام والتعاون — وكل هذا تحت قيادة شاب مثل روان.

فكر في نفسه: “لكي يُصدر هذا النوع من السيطرة، فلا بد أنه شخص مميز فعلًا.”

ثم التفت إلى كساندروس، فوجده ما يزال يحدق بغضب نحو دراجون، فلم يستطع إلا أن يتنهّد، متذكّرًا حادثة معينة.

__________

المترجم : أرجو من الجميع كتابت رأيكم في التعليقات .