180 - (آلمع نجم) (النهاية)
بووم!
انفجار مدوٍ دوّى في المكان، وجسد آزاريا ارتطم بقوة بالأرض.
يداه قبضتا بإحكام حول كلٍ من تيفاني وويلز، محميين بجناحيه.
“هاف… هاف…”
أنفاسه المتهالكة ترددت عبر أرجاء الحديقة بينما كان ينظر حوله.
أينما وقعت عيناه، كان كل شيء ساكنًا، جامدًا كأنهم تماثيل.
أنفاسه المتقطعة بدأت تهدأ قليلًا، ونظره استقر على الفتاة الراكعة.
شعور بالارتياح اجتاحه وهو يحدق بها.
[فقط ٤ ثوانٍ يا آز… اهرب!]
صوت “إل” أيقظه فجأة، فاندفعت أجنحته لترفعه عن الأرض.
بأقصى سرعة، اندفع نحو آشلين، والتقطها بين ذراعيه في اللحظة التي انتهى فيها استيقاظه.
استدار، ليلمح “روين” واقفًا بلا حراك.
رغبة في قتله في تلك اللحظة ومكانها لمعت في عقله، لكنه سرعان ما هز الفكرة بعيدًا.
‘ليس الوقت الآن.’
بخفقان أجنحته وإمالة جسده للأعلى، رفع نفسه والآخرين عاليًا في السماء، فارًا بكل ما تبقى له من قوة.
سرعان ما بدأت طاقته تستنزف وهو يحملهم، وثقبان في معصميه يشتعلان ألمًا.
عضلات ظهره كانت تتمزق، وأجنحته تحتاج قوة أكبر مع كل خفقة، بينما الوزن الثقيل الذي يحمله لم يساعده على الإطلاق.
حلّ الظلام في رؤيته، وصارت ضبابية، والتعذيب العقلي الذي تحمّله بدأ يأخذ أثره.
[…آز.]
“نعم،” همس آزاريا، مشددًا قبضته عليهم وهو يسمع صوت “إل” المرهق. “مرحبًا… هل أنت بخير؟”
[…سأخلد للنوم لبعض الوقت. لا تمت وأنت من دوني.]
“هاه؟”
صوت مذهول أفلت من فمه حين سمع تلك الكلمات.
“إل، هل حدث لك شيء؟” سأل، لكن لم يأتِه أي رد.
“هااه!”
العالم من حوله عاد للحركة، وضجيج المدينة ملأ الأجواء مجددًا، وزفرة فزع خرجت من شفتي آشلين.
عيناها المربكتان أخذتا تدوران في المكان قبل أن تستقرا بجانبها.
“تيفاني!”
صرخت وهي تمسك بأختها.
“هيه! آشلين!”
صاح آزاريا، حركتها أخلّت بتوازنه.
أجنحته تشنجت من الألم بينما كانوا جميعًا يهويون نحو الأسفل.
“اللعنة.”
تمتم آزاريا بشتيمة وهو ينظر إلى الأسفل، ساقطًا.
عيناه وقعتا على سطح مبنى، ومع إحكام قبضته على الآخرين، لوى جسده ليجعل ظهره يواجه السقف الإسمنتي.
بووم!
صوت مدوٍ تردّد بينما جسده ارتطم بالسقف، والغبار والحطام غطّيا المكان.
أجساد آشلين وتيفاني ارتطمت بقوة على أضلاعه.
“كح… كح…”
سعلت آشلين بعنف، متدحرجة بعيدًا، وعيناها تبحثان بجنون في المكان حتى وقعتا على تيفاني.
“…تيفي.”
همست بخفة، وهي تلف ذراعيها حول أختها وتحتضنها بشدة، والدموع تنساب على خديها.
آزاريا ألقى نظرة عليهما قبل أن يسقط بصره على الصبي المتكور بين ذراعيه.
“هيه، ويليس.” همس آزاريا، وهو يربت على رأسه.
نظر ويليس إليه بعينين دامعتين، وجهه مملوء بالرعب.
“…دادا.” لفظ الكلمة بصعوبة وهو يعانق آزاريا. “هي كانت مخيفة.”
“كانت كذلك.” همس آزاريا وهو يعانقه بدوره. “لكنّك بخير الآن.”
ويليس تنشّق بصوت مرتجف، متمسكًا به كما تمسكت آشلين بأختها.
دموعه بللت جسد آزاريا.
‘…انتظر.’
رفع آزاريا رأسه قليلًا، ناظرًا إلى جسده العاري.
جسده المليء بالكدمات، المغطى بآلاف الجروح، مكشوف أمامهم.
‘…اللعنة!’
شتم وهو يحاول تغطية نفسه بأجنحته.
…لكن كان الأوان قد فات.
“…آ-آز.”
صوت آشلين المرتجف تردّد في أذنيه. تنهد وهو يربّت على ويليس ليبتعد.
ويليس تحوّل إلى كتلة بيضاء قبل أن يعود إلى الوشم المزروع على جانبه.
نهوضًا، اتكأ آزاريا على جدار الشرفة، ناظرًا إلى آشلين.
“…تبدين جميلة.” علّق وهو يتأملها.
عيناها الذهبيتان أصبحتا أكثر إشراقًا، تتوهجان برفق.
شعرها، الذي لم يكن سوى بنيّ عادي، صار الآن مزيجًا من خيوط ذهبية وبلاتينية.
وجهها الجميل غدا أكثر سحرًا، وبشرتها أفتح مما كانت عليه.
وضعت آشلين أختها برفق على الأرض، قبل أن تزحف ببطء نحوه.
توقفت نظراتها على جسده المتضرر. ابتلعت قلقها، وعيناها وكأنهما تعذّبان روحه.
“…كيف؟” سألت، جالسة على ركبتيها.
امتدت يداها المرتجفتان، لتمس الجرح العميق في جذعه.
“…هل أنت بخير؟” همس آزاريا بصوت ضعيف، يراقبها.
كلماته المليئة بالقلق جعلت آشلين تنهار، تتنفس بصعوبة بينما كانت الدموع تنهمر على وجنتيها.
“أنا… أنا آسفة.” تمتمت، وهي تمد يدها بصمت لتمسك بيده، مضغوطةً عليها بإحكام.
“…أنا… آسفة لأني دائمًا… كنت عبئًا.” لفظت الكلمات، وصوتها مملوء بالألم والندم.
رغم أنها لم تعرف كيف حصل على كل تلك الندوب، كانت تعلم أن له علاقة بها.
“…هيه، آشلين.” همس آزاريا بصوت ضعيف، وأجفانه تثقل، “اعتني بي قليلًا.”
“…آز.” همست آشلين برفق، تهزه بقلق.
مدّت يدها لتلمس وجهه، ولاحظت أنه نائم بسلام.
“…”
نظرت إلى وجهه النائم، وجسده متكئ على الحائط.
امتلأت عقلها بعواطف متشابكة بينما أسقطت نظرتها قليلًا.
انتظرت لدقائق، تحدق بلا وعي في وجهه.
بدأت العديد من الأمور تتضح لها الآن.
“…أنا آسفة.”
همست برفق، محوّلة جسدها لمواجهته.
مدّت يديها، ووضعت راحتيها على الحائط على جانبي رأس آزاريا.
ثبّتت نظرتها على عنقه، خائفة من رفع عينيها إلى وجهه.
“…أنا آسفة.”
همست مرة أخرى، شاعرة بالدوار من رائحته الساحرة.
حدقتها القاسية فيه بينما كان وجهها ينخفض ببطء.
حبست أنفاسها، وسمحت لشفتَيها أن تلمسا شفتيه برفق.
ارتجفت أنفاسها، مما جعل استنشاق الهواء أصعب.
ثم ابتعدت ببضع سنتيمترات، ولسانها يلمس شفته السفلى، كما لو كانت تتذوق ما فعلته للتو.
“…أنا آسفة.”
همست، رافعة ذراعيها لتلتف حول عنقه، محتضنة إياه وهي تقبله مرة أخرى وكأنها لن تتحصل على فرصة مماثلة أبدًا.
استنشقت رائحته، متغلغلة في أعماق عقلها، متألّمة مع كل قبلة.
“…آرغ.”
خرج تنهيدة منخفضة من فم آزاريا وهو يتأوه، بينما عضّت شفتيه بقوة أكثر قليلًا.
قفزت سريعًا إلى الخلف من شدة خوفها، وأنفاسها متقطعة.
“…هاه.”
أطلقت تنهيدة ارتياح لأنها رأت أن آزاريا لم يستيقظ.
“…آه.”
بدأ وجهها يسخن حين أدركت ما فعلته.
أسقطت نظرتها نحو صدرها المرتجف، وشفتيها متباعدتين.
“…يا إلهي، لقد ضللت الطريق.”
…..
…..
…..
اقتلْه.
جزء منها تحدث وهي تتجول بلا هدف في الحديقة الفارغة.
اقتلْه قبل أن يجعلك تحبينه مرة أخرى.
‘اصمتي!’
صرخت شيامال في عقلها، رأسها يعتصره ألم خافت نابض.
استمرت الأصوات في ملاحقتها، تكرر الكلمات نفسها مرارًا وتكرارًا.
بدأ الصوت معها عندما كانت طفلة صغيرة، قبل أن تعرف أي شيء.
كان يشجعها، يمدحها، يخفف من قلقها كلما اتبعت أوامره.
مثلما حدث عندما قتلت طائرًا بريئًا في الثالثة من عمرها.
…قطة في الرابعة.
…خادمة في الخامسة.
حدقت عيناها القرمزيتان فارغتين إلى الأعلى، تراقب النجوم التي تزين السماء الليلية بلا حصر.
“…لماذا تركتني، أخي؟” همست بخفوت، مطرحة نظرتها إلى الأسفل. “…من الصعب العيش بدونك.”
تذكرت كيف كان دائمًا موجودًا من أجلها، كيف كان يعتني بكل احتياجاتها، وكيف أحبها دائمًا.
“…”
تصلبت ملامحها بينما خطر شخص آخر في بالها.
صبي ذو شعر وعينين بنفسجيتين، يبتسم ابتسامة مشرقة، يربت على رأسها بيده المليئة بعلامات الخدش.
“…أين هو؟” تمتمت، “…كيف اختفى فجأة دون أن يخبر أحدًا؟”
عضت أظافرها بقلق وهي تتجول في الحديقة.
منذ اليوم الذي عاد فيه من الرحلة، شعرت بشعور مألوف منه.
ورغم سخف الأمر، فقد كان يبعث بالضبط نفس الشعور الذي يبعثه الصوت داخلها.
…نفس الإحساس المشؤوم الذي لم تستطع استيعابه.
أرادت أن تعرف أكثر، رغم أن رغبة القتل ازدادت حوله.
“شيامال؟”
تحولت نظرتها ببطء حين سمعت شخصًا ينادي اسمها.
صبي ذو شعر بني نظر إليها، مرتبكًا. اقترب منها وسأل، “ماذا تفعلين هنا؟”
مالت شيامال برأسها وسألت، بنفس ارتباكها، “…من أنت؟”
لكن مع اقترابه، امتلأ عقلها بالغثيان، فتذكرت من يكون.
“كفى مزاحًا.” ضحك إيثان بخفوت، لكن خطواته توقفت عندما ابتعدت هي بسرعة.
“…ابقَ حيث أنت إذا كنت لا تريد أن تموت”، هددته، محدقة فيه، محاولة كبح رغبتها في القيء.
“…ماذا؟” سأل إيثان، جامدًا في مكانه.
“هل أنت أصم أم ماذا؟” سخرت، وهي تبتعد. “إذا لم يكن لديك شيء لتقوله، سأذهب.”
“هل تتذكرين آشر؟”
توقفت خطوات شيامال فجأة عند الاسم المألوف.
استدارت ببطء، وعيناها مليئتان بالنوايا القاتلة، وهي تتحكم في نفسها وسألت، “…ماذا عنه؟”
أخذ إيثان نفسًا عميقًا، محدقًا فيها. “…كان صديقك للعب عندما كنت صغيرة، أليس كذلك؟”
ظهر منجل في يدها بينما سألت شيامال ببرود، “…من أخبرك بذلك؟”
“لا أحد”، أجاب إيثان، وهو يهز رأسه. “…لا أحد يحتاج ليخبرني بذلك.”
“…ماذا تعني؟” سألت، عابسة.
“….لأني أنا هو”، أجاب إيثان بثبات، محدقًا في عينيها القرمزيتين. “…أنا آشر لاي هيمدال.”