يجب أن يكون الساحر العائد مميزاً - 55 - إيفرناتن (7)
الفصل 55: إيفرناتن (7)
إمتلئت الشوارع بالمتشردين، مما جعلها تبدو كأنها منطقة حرب. تم نشر فرسان للإشراف على توزيع المواد الغذائية وكان برام يتصبب عرقاً بغزارة وهو يعطي الأوامر لجنوده. بات الوضع يزداد صعوبة.
“سنطردهم بعيدًا على أي حال في غضون يومين، لماذا اذن نهدر الطعام هكذا؟” قال جندي، معبرًا عن الانزعاج الذي يشعر به أقرانهم. دق آخرون مع تذمرهم.
“بينما أشعر بالسوء تجاههم، كيف يمكننا الاعتناء بهم اذا لم يكن لدينا ما يكفي من الطعام لأنفسنا؟”
“كما تعلم، لن أشكو إذا كان لدينا طعامًا لمشاركته. بماذا يفكر اللورد، أتسائل؟”
لم يكونوا مخطئين بالضرورة. يميل الأشخاص عادةً إلى المشاركة فقط عندما يكون هناك ما يكفي للمشاركة.
“ديسير…” شقت آجست طريقها نحو ديسير. أشارت لنفسها لتتواصل مع ديسير لكنها توقفت وضغطت شفتيها بشدة. لم يكن هناك أي شيء يمكن أن تقوله.
“يا له من شعورٍ سيّءٍ جدًّا” قال ديسير. لقد كان شعورًا نساه منذ فترة طويلة جدًّا. شعور اليأس، عدم القدرة على انقاذ شخص مهما حاول. الشعور بالعجز عن القيام بأي شيء في موقفٍ لا حول له ولا قوة.
شدّ ديسير قبضتيه.
‘أي شئ سيكون جيدًا. فقط إذا كان بإمكاني الحصول على تلميحٍ واحد… فقط أي مساعدة…”
“هل فكرت في حل؟” سألت إيولان. كانت تشرف على توزيع الحصص الغذائية، ولاحظت وجود ديسير، فسارت نحوه…
“الفارسة إيولان،” رد ديسير، “تتحدثين كما لو أنك لا تريدين مني أن أتوصل إلى حل.”
“بالتأكيد أنت تمزح. قد أمتلك بعض الآراء عن المتشردين، ولكن كيف يمكنني أن أترك مشاعري الشخصية تقف في الطريق عندما تكون أراضي اللورد في خطر؟ أنا أنتظر بفارغ الصبر أن يتوصل خبير التكتيك لدينا إلى حل معقول .”
“من فضلك لا تقلقي. أعتزم القيام بذلك حتى بدون أن تضغطي علي.”
“أنا متأكدة أنك ستفعل، بما أنك متشردٌ بنفسك.”
كون ديسير متشردًا في الواقع كذبة. من أجل كسب اللورد، كذب ديسير ليخلق صورة مثالية عن نفسه. بأي حال، لم تكن هناك حاجة لشرح ذلك لإيولان لأن رأيها بالنسبة لديسير لم يكن مهمًّا. بالإضافة إلى ذلك، إذا تم الكشف عن الكذبة، فلن يثق بهِ اللورد بعد الآن.
“كَخبير التكتيك،” تابعت إيولان، “يجب أن تفهم بحلول الآن أن الحل الوحيد هو طرد جميع المتشردين. عندما يحين الوقت لتنفيذ هذا الأمر، سأتأكد من طرد جميع المتشردين دون استثناءات.”
رددت إيولان ما قاله اللورد ببساطة، ولكن كان هناك تأكيد على عبارة ‘لا استثناءات’.
“أنت تقول أنك كنت راكعًا من أجل إنقاذ الآخرين،” قالت إيولان، “لا تجعلني أضحك. في النهاية، ألم تقم بالركوع لإنقاذ نفسك؟ إنه لا يختلف عن التوسل بشكل مثير للشفقة من أجل حياتك .”
في تلك اللحظة، أمسك ديسير بذراع آجست. بالكاد منعها من ضرب إيولان. حاولت آجست التحرر من ذراعه، لكن همس ديسير في أذنيها.
“هذا ليس مثلكِ. لا تكوني مستاءةً جدًّا.”
“أتسائل،” استمرت إيولان، غير مدركة أنها تجنبت بصعوبة صفعة على الوجه، “لماذا كل متشرد أناني للغاية ويهتم فقط بنفسه…؟”
فقط في ذلك الوقت، سُمِعت أصوات عالية بين المتشردين، وتتصاعد تدريجيّا في الحجم. تم إرسال عدد قليل من الجنود بسرعة للتعامل مع الإضطرابات.
“هل تعلم أن حادثة كهذه تحدث كل ساعة؟ المتشردون يحاولون سرقة حصص بعضهم البعض. يا لهم من همجيين. ”
“…”
ومع ذلك، لا زال الصراخ يرتفع. وانتشر المزيد من الجنود وكانوا يشقون طريقهم وسط الحشد.
‘هل هو قتال؟’
رفض ديسير الفكرة على الفور. بعيدًا عن كونه قتالًا، بدا وكأن الجنود كانوا يحاولون إيقاف شيءٍ ما. أحدهم كان يحاول شق طريقه إلى ديسير و آجست وكان الجنود يغلقون الطريق. كان من الصعب رؤية ما يجري بسبب جدار الجنود المحيطين بهم، لكن إستطاع ديسير سماع صوتٍ محبط.
“مهلا ، اتركني! لقد أخبرتك للتو، هناك شخصٌ أحتاج إلى التحدث معه هناك!”
“لا يجوز لكِ الاقتراب من خبير التكتيك خاصتنا.”
“لكنِّي أعرفه!”
شارك آجست وديسير نظرة فارغة. كان الصوت مألوفًا بالتأكيد.
“هل هذه رومانتيكا؟”
أومأت آجست برأسها وشق الثنائي طريقهما نحو الإضطراب. فضوليّةً، تبعتهم إيولان.
“أقسم أنني أعرفهم!”
“كيف تجرئين على الادعاء بمعرفتهم عندما تكونين مجرد متشرد!”
“كم مرةً يجب أن أخبرك أنني لست متشرّدًا، أيها المغفل!”
كلما إقتربوا، تأكد ديسير من أن الصوت ينتمي لرومانتيكا.
“دعها تذهب. أنا بالفعل أعرفها.”
“أوه، سيدي.” تردد الجندي قبل أن يتنحى. وُجِدَت أمامهم آنسة شابة.
“أخبرتك!” منزعجةً، هزت رومانتيكا قبضتها على الجنود قبل أن تتجه نحو ديسير. “لقد مرت مدة، يا ديسير!”
“أنا سعيدٌ أنك بخير، يا رومانتيكا.”
“بالطبع! من تظن أنا؟ أنا رومانتيكا، ساحرة دائرة ثالثة!” وضعت رومانتيكا قبضتيها على خصرها ونفخت صدرها بفخر. برأيتها ممتلئةً بالطاقة، ابتسم ديسير بلطف.
“أين انتهى بكِ الأمر؟”
“إقليم كيرفان، سفر يوم واحد من هنا بالعربة. لقد مسحت مهمتي هناك وبعدها رأيت المهمة الرئيسية، حيث قادتني إلى هنا. لكن قالوا إنني بحاجة إلى نَوْعٍ من المستندات لدخول القلعة؟ على أي حال، أنا الآن محاصرة في هذه الفوضى.”
شعر ديسير بالفخر من رومانتيكا. استطاعت إنجاز الكثير بنفسها.
“يبدو الوضع هنا سيئًا،” تابعت رومانتيكا، “لماذا تراجع تقدم المهمة؟”
بما أن رومانتيكا كانت في إقليمٍ آخر، لم تكن على علم بالوضع الحالي. شرح ديسير لها بدقة لكي تعلم بمجريات الأمور. أخبرها عن التدفق الكبير من المتشردين، مما تسبب في تراجع تقدم المهمة بحدة.
“يبدو الوضع سيئا، رومانتيكا.”
المشكلة الأكبر كانت الطعام. ببساطة لم يكن هناك ما يكفي للتجول.
“الرأي العام تجاه المتشردين ليس عظيمًا أيضًا. إذا لم أتوصل إلى حلٍّ في غضون يومين، فسيطردون من المنطقة.”
علم ديسير أنه إذا حدث ذلك، فإن حزبه سيفشل في المهمة. وستكون النهاية.
“همم… هل الأمر كذلك؟” قالت رومانتيكا وهي تنقر على ذقنها.
“في الوقت الراهن، يجب أن ترتاحي. لا بدّ أنها كانت رحلة طويلة. سأخبرهم ليتوقعوا وصولك إلى القلعة،” قال ديسير بمراعاة. لقد أراد أن ترتاح رومانتيكا بعد رحلتها الطويلة. وفي نفس الوقت، لم يكن لديه أي خطط لتحسين تقدم المهمة حتى الآن.
“سأقبل عرضك بكل سرور،” ردّت رومانتيكا مومأةً برأسها “كما يمكنك أن تقول، أنا متعبة للغاية. ومع ذلك، هل هذه هي المشكلة الوحيدة المتبقية لدينا للتعامل معها؟”
“همم؟”
“هل سيتم حل مشكلة المتشردين إذا تمكنّا من حل مشكلة نقص الغذاء؟”
لم يكن ديسير متأكدًا إلى أين تتّجه رومانتيكا مع هذا النوع من الأسئلة.
“ليس تمامًا، ولكن ربما معظمها. السبب الرئيسي وراء طردنا للمتشردين هو أننا لا نملك ما يكفي من الطعام.”
“هذا صحيح. بغض النظر عن نوع الحل الذي توصلنا إليه، سيكون بلا فائدة إذا لم يكن لدينا طعامٌ بعد.”
بعد تحديد المشكلة الجذرية، عقدت رومانتيكا ذراعيها وحاولت جاهدةً ألا تضحك. ومع ذلك، لم تستطع إمساك إبتسامتها لأنها كانت تشعر بسعادة غامرة لأن لديها أمرٌ تفوقت فيه على ديسير في هذا الموقف.
“هل فكرتِ في شيءٍ ما؟” سأل ديسير
“هاااا؟ فكرت في شيءٍ ما؟ لماذا تسأل؟” سخرت رومانتيكا، مستمتعةً باللحظة. “هل أحتاج حقًّا إلى التفكير في حل إذا كان لدي بالفعل إجابة؟”
“ماذا؟”
“سأحل المشكلة من أجلك. سأزودك بالط-ع-ا-م”
إتّسعت عيون ديسير. لم يستطع تصديق أذنيه.
“كيف يمكن لِنكرة مثلك أن تحل مشكلة نقص الغذاء لدينا؟” قاطعتها إيولان. كان من السهل متابعة المحادثة لأن صوت رومانتيكا كان مرتفعًا. ومع ذلك، كان من الوقاحة التدخل في محادثة خاصّة. إنّ قيام إيولان بذلك يعني أنها كانت تنظر باستخفاف إلى كل من ديسير ورومانتيكا. التفتت رومانتيكا لتنظر إلى إيولان بتعبيرٍ بارد.
“نكرة؟ من أنتِ لتقولي ذلك؟”
“أنا فارسة مشرفة أخدم إيفرناتن. نائبة القائد إيولان ليليستيك.”
“أوه، هل هذا صحيح؟ نبيلة هاه؟ يا له من لقبٍ مبهرج. لا عجب أنه يمكنك التحدث بثقة.”
حدقت رومانتيكا في الفارسة. لم يكن إنطباعًا أولًا جيدًا لأي منهما.
“يا لها من وقاحة!” زأرت إيولان بصوتٍ عالٍ، “ماذا قلتِ لي للتو؟”
“هيا الآن، إستمعي إليّ. ألم تبدئي أنتِ أولاً، أيتها العجوز الشمطاء؟ أنتِ الشخص الذي ناداني بأنه نكرة. هل تعرفين حتى من أنا؟”
سحبت الفارسة سيفها بطريقة مخيفة، لكن رومانتيكا فقط رفعت حاجبها. لن يدعها فخرها تتراجع الآن. عند رؤية ذلك، فقدت إيولان رباطة جأشها وترنحت. ثم تحدثت مرةً أخرى، هذه المرة بصوتٍ أهدأ.
“ألستِ متشردة؟”
“كم مرّةً يجب عليّ أن أخبركم أنني لست متشردة!؟ لقد بدأ الأمر يزعجني. لقد اكتفيت!”
في هذه اللحظة لاحظ ديسير أن ملابس رومانتيكا كانت غير عادية.
~~~~