645 - شعلة الحياة
وجهة نظر الموت بلا اسم
عندما استخدمت ليونورا تعويذة [مولود التعويذة]، أغرق الموت بلا اسم الحدادة بوعيه.
لقد كانت تقنية سمحت له باستشعار محيطه.
لقد أتقنها خلال سنوات طويلة قضاها في صَهر رحم الشيطان.
كان وعيه قادرًا على الامتداد خارج جسده. ورغم أن المدى لم يكن واسعًا، إلا أنه منح وضوحًا فاق أي شكل آخر من أشكال الاستشعار.
كل تقلب عنصري، كل حركة لجسيم، وحتى الاتصالات التخاطرية المتبادلة بين من كانوا ضمن مجاله… كان قادرًا على استشعارها جميعًا.
وفوق ذلك، إن كان أحدهم أضعف منه، استطاع أن يفحص شكل روحه، والتقنيات والعالم داخل نواته، وبذرة وجوده.
بل كان بإمكانه الإحساس بالطبقات داخل بذرة الوجود نفسها — وهو أمر يصعب حتى على حاصدي الأرواح إدراكه — وكذلك القصد من الوجود المختبئ في أعمق طبقة.
وبكلمات أبسط، إذا التقى الموت بلا اسم بشخص أضعف منه، فإنه يستطيع أن يرى حياته كاملة، وذكرياته، وتجاربَه وتقنياتِه بنظرة واحدة.
أما الآن، فقد استخدم ذلك لمراقبة عملية ولادة التعويذة.
تركّز انتباهه على الكرة الطافية برفق في الهواء أمامه — ذلك الجرم من الضوء الذي يحمل تأثير التعويذة.
وقفت ليونورا قرب الكرة، لكنها لم تكن تحافظ على استمرار التعويذة في كل لحظة.
لقد أُلقيت التعويذة بالفعل.
لم يكن الأمر يحتاج إلا إلى تعزيز كل بضعة أسابيع لإبقائها مستقرة.
كانت تتدخل بين الحين والآخر، تضع يدها فوق الضوء، تتمتم بتعاويذ قصيرة، ثم تتراجع.
على عكسها، لم يرتَح الموت بلا اسم.
لم يُحوّل تركيزه.
ظل وعيه متشبثًا بالطفل المتشكّل داخل الكرة.
سمحت له حواسّه برؤية ما لا يستطيع الآخرون رؤيته.
كانت التعويذة تعمل على تثبيت قصدٍ ومنع تلاشيه.
في الظروف العادية، تتشتت قطعة النية المتبقية بعد فترة وجيزة من انفصالها عن المُلقي. وتعتمد مدة التبدد على قوة المُلقي.
لكن هنا، كانت التعويذة بمثابة وعاء ومُثبّت.
لقد أبقت القصد “حيًا”.
قوة الساحر لم تعد مهمة للحفاظ على القصد لفترات طويلة.
راقب الموت بلا اسم عن كثب.
القصد — وما تبقّى منه — كان مجزأً وضعيفًا.
كان من المفترض أن يتلاشى بالفعل.
لكن قوة التعويذة أبقته في مكانه.
وببطء، حاول القصد أن يتعافى.
كان يحاول أن يصبح كاملًا من جديد.
ورغم أن التعافي الحقيقي مستحيل من دون وعي المُلقي الأصلي، إلا أن القصد واصل الصمود.
تكرر الأمر مرات لا تُحصى على مدى عدة أشهر.
ثم حدث أمر غير متوقَّع.
في قلب ذلك القصد المتذبذب، اندلع شيء للحياة.
شعلة بيضاء.
ضيّق الموت بلا اسم عينيه وتقدّم خطوة.
تلك الشعلة… كان يعرفها.
لقد كانت شبيهة بالشعلات البيضاء التي يمكنه هو نفسه أن يخلقها باستخدام طاقة العالم — شعلات منسوجة من خيوط القصد المتراقصة والمتمايلة معًا.
ومع ذلك، كانت مختلفة.
حين راقب أكثر، أدرك سبب شعوره بأن الشعلة مألوفة رغم اختلافها عن تلك التي يخلقها.
“إنها شبيهة بـ [الشعلات] التي رأيتها في بحر كل الوعي.”
تقلصت عيناه.
“ما هذه الـ [شعلة]؟” تمتم وهو يراقب التعويذة.
بدأت [الشعلة] شيئًا فشيئًا تُحيط بالقصد.
لم تحرقه. بل أحاطت به، ورعته.
وحين تشابكا معًا، شعر بشيء يتغيّر.
القصد الضعيف، الذي أبقته التعويذة متماسكًا والآن محميًّا بـ [الشعلة]، بدأ في تشكيل شيء جديد.
قطعة من روح.
انعقد حاجباه قليلًا.
أثر القصد المتبقي هذا — حتى لو صمد طويلًا — لم يكن ينبغي أن يعيد تشكيل الروح.
وفي حالات نادرة، إن أعاد تشكيلها، لكان من المفترض أن تكون مطابقة تمامًا لروح المُلقي التعويذة (أي الشخص الذي انتمى إليه القصد).
وفي هذه الحالة، كان من المفترض أن تتشكل شظية من روح ليونورا.
لكن هذه الروح لم تكن روح ليونورا.
لقد كان يعرف ذلك.
لقد تغيّر القصد.
لقد حمل ندوبًا من تحلّله البطيء وهو محفوظ بواسطة التعويذة.
إن حضور [الشعلة] قد شفاه، لكن بسبب تلك الندوب، صار القصد المشفى مختلفًا عن قصد ليونورا.
الروح التي وُلدت من هذا القصد لم تكن روح ليونورا.
لقد كانت روحًا جديدة بالكامل.
ثم حدث تغيير آخر.
غطّت [الشعلة] الروح، وواصلت رعايتها.
كبرت الروح بمرور الوقت بمعونة [الشعلة].
و…
بدأت بذرة وجود تتشكل في قلب الروح الوليدة.
كانت هشة، لم يكتمل بناؤها بعد، لكنها وُجدت.
تحركت [الشعلة] مرة أخرى، هذه المرة لتلتف حول بذرة الوجود.
وتكرر الأمر.
اشتدّت [الشعلة]، وبدأت تغذّي بذرة الوجود.
ثم، في مركز بذرة الوجود تمامًا، ومضة — قصد وجود.
ومع مرور الوقت، بدأت الروح والبذرة والقصد في التزامن.
انسجمت معًا كقطع أحجية معقّدة.
كان شكل جديد من الحياة على وشك أن يولد.
وأخيرًا، بدأ أول أثر لجسد في الظهور، ليس مصنوعًا من لحم، بل من بُنية الروح نفسها.
لم يقاطع العملية.
وقف هناك وحسب، يراقب، يحفظ، ويحاول أن يفهم ما الذي يحدث.
“تلك [الشعلة]… لديها القدرة على خلق شيء جديد من لا شيء.”
“لا، هل يجب أن أقول إنها تملك القدرة على ’الشفاء‘؟ إن قدرتها على الشفاء قوية لدرجة أنها تعيد خلق ما هو ضروري لبقاء هدفها.”
على سبيل المثال، إن كان شخص ما يفتقد قلبًا، وأحاطته [الشعلة]، فسوف يحصل على قلب جديد.
لقد فعلت الشيء ذاته مع القصد، والروح، وبذرة الوجود، وقصد الوجود.
“مثير للاهتمام.”
عقد ذراعيه، وهو ينظر إلى الكرة الصغيرة من الضوء.
بداخلها، كان جسد يتشكّل.
سيستغرق وقتًا قبل أن يصل إلى النضج. لكن الآن، الأساس كان مكتملًا.
“من أين تأتي [الشعلة]؟”
شعلته البيضاء الخاصة، التي استخدمها عند تسخير طاقة العالم، كانت قوية.
لكن هذه [الشعلة]… لقد ظهرت من العدم.
وبينما كان يحاول التفكير بشأن [الشعلة]، قطع صرخة مفاجئة الهواء.
وجه نظره نحو الكرة.
شهقت ليونورا وتعثّرت إلى الأمام، كادت تُسقط الحامل بجانبها.
“الطفلة—!”
لقد وصلت التعويذة إلى نهايتها.
بدأ الضوء يخفّ.
تشقق الجرم برفق وتفكك.
لم يحدث ذلك بانفجار أو وميض نور، بل كما يتلاشى الضباب أمام الشمس.
ومن الداخل، انسابت هيئة صغيرة نحو الأسفل.
تقدّم الموت بلا اسم ورفع يديه دون تردّد.
هبطت الطفلة بين ذراعيه.
كانت دافئة.
صغيرة، لكنها ليست هشة.
لم تبكِ مجددًا.
بل عيناها — زرقاوان فاتحتان — رفعتا النظر إليه.
رمشتا، واسعتين وهادئتين، كأنهما تحاولان أن تفهما من هو أو ما هو.
بادلها النظر.
“أظن أن لا بأس بالأطفال… طالما أنهم ليسوا من نسلي.” فكّر.
وقفت ليونورا متيبّسة، يداها مقبوضتان عند جانبيها. كانت كتفاها ترتجفان.
“ه-هل يمكنني حملها؟” سألت، بصوت بالكاد يُسمع.
أومأ الموت بلا اسم قليلًا، وناول الطفلة إليها بلطف.
احتضنت ليونورا الصغيرة بحذر، كما لو كانت تخشى أن تؤذيها إن أمسكت بها بقوة.
امتلأت عيناها بالدموع في اللحظة التي شعرت فيها بوزن الطفلة على صدرها.
تبدلت تعابيرها بسرعة — فرح، قلق، اندهاش، وارتباك تتابعت على وجهها.
“إنها…” حاولت أن تتكلم، لكن عجزت، وعضّت شفتها. “إنها حقيقية…”
أعطاها الموت بلا اسم لحظة قبل أن يتحدث.
“كما وعدت، سأهتم بها. لستِ مضطرة للقلق.”
رفعت ليونورا نظرها. “هـه؟ ح-حسنًا…”
لكن حتى وهي تقول ذلك، لم تتحرك ذراعاها. يداها رفضتا أن تتركا.
ترددت، تتأرجح بنظرها بين الطفلة وبينه.
ثم أخيرًا، وببطء، مدت ذراعيها.
أخذ الموت بلا اسم الطفلة مجددًا. لقد بدأت بالفعل في النوم.
نظرت ليونورا إلى يديها، ثم رفعت بصرها.
“لقد كانت دافئة.” همست.
لم يرد.
استدار الموت بلا اسم وسار نحو الجانب الآخر من الحدادة.
لم يكن بحاجة إلى أن يقول ذلك بصوت عالٍ، لكنه قرر بالفعل أنه سيربي الطفلة بدلاً من استخدام استنساخ أو استدعاء ذو ذكاء.
على الأقل حتى تستطيع أن تمشي بمفردها، وتتحدث، وتفكر بوضوح.
وبما أن لديها جينات بشرية، فإن نموها سيكون سريعًا.
لن يستغرق الأمر سوى بضع سنوات.
بالنسبة له، ستمر تلك الفترة كرمشة عين.
أما ليونورا، فقد يبدو الزمن أطول قليلًا، لكن ليس بكثير.
لقد عاشت ما يكفي لتتعامل مع السنوات كما يتعامل معظم البشر مع الأسابيع.
بمجرد أن تكبر الطفلة بما يكفي، سيتمكن من العودة إلى مهمته الحقيقية — خلق عِرق جديد.
الآن وقد شهد الدورة الكاملة للحياة وهي تولد من قصد وروح وبذرة وجود، أصبح لديه المعرفة الأساسية لمحاولة إعادة ذلك.
“المشكلة الحقيقية هي [الشعلة].”
إعادة إنتاجها كان أمرًا يتجاوز قدراته الحالية.
لقد حاول بالفعل أن يلتهمها، ليرى إن كان قادرًا على إعادة إنشائها من خلال مفهوم النواة الظل.
لكن [الشعلة] كان من المستحيل لمسها.
كان ظلامه يمرّ من خلالها مباشرة، غير قادر على ملامستها.
كأن تحاول أن تقبض على الهواء بأصابع مكسورة.
بعيدة المنال تمامًا.
ومع ذلك، كان لديه فكرة عن كيفية إعادة إنتاج [الشعلة].
لكن ذلك سيكون لاحقًا.
أما الآن، فهناك طفلة بين ذراعيه.
اقتربت ليونورا ببطء، وهي تُزيح خصلة شعر خلف أذنها. بدت مترددة مرة أخرى.
لكن هذه المرة، لم تمد يدها.
“ماذا يجب أن نسميها؟” سألت.
***
ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات