معركة الرايخ الثالث - 149 - هنا يقف الجنود
المجلد 5 | الفصل الثامن عشر | هنا يقف الجنود
.
.
“سعادتك ، من هو شارل ديول الذي جاء على لسان الجنرال ديفايل سابقًا؟ أتذكر أنني سمعت هذا الاسم من قبل ، لكنني الآن لا أتذكر أين. ويبدو أنك على دراية بهذا الاسم… هذه هي المرة الأولى التي أراك فيها متفاجأ إلى هذا الحد عند سماع إسم. وأشعر بالفضول حيال هذا. أتمنى أن تجيبني على شكوكي ، فوهرر.. ” بذل العقيد دوجان جهد لكبح فضوله. فوجئ بشدة بالمفاجأة غير المسبوقة ورد فعل الفوهرر عند سمعه لاسم القائد الفرنسي لأول مرة.
دار هذا السؤال في ذهن دوجان خلال ساعة الغداء، ولم يكن من المناسب له طرحه نظرًا لوجود العديد من الأشخاص. الآن بعد أن غادر هؤلاء الأشخاص غير المعنيين ، وجد أخيرًا الفرصة لمحاولة سؤال الفوهرر.
اختار دوجان كلماته بعناية شديدة ، وجعل سؤاله لبقًا قدر الإمكان، محاولا أن لا يبدو فظ للفوهرر.
“إسمه تشارلز ديغول. عزيزي العقيد دوجان.” صحح له شي جون بلامبالاة.
نفض شي جون رماد سيجارته في منفضة سجائر ألمنيوم عسكرية ألمانية جميلة على الطاولة ، ثم التقط فنجان القهوة أمامه.
“أوه ، نعم سعدة فوهرر… إنه تشارلز ديغول…” احمر وجه دوجان خجلا قليلاً ، ثم سأل: “ولكن هل هناك أي شيء مميز حول تشارلز ديغول هذا؟ أعتقد أنه شخص مهم.”
“هذا ليس صحيحًا ، عزيزي دوجان. كيف يجب أن أصف لك أمر هذا الرجل …”
وضع شي جون الكأس في يده ، ووجه نظره إلى الجانب الأخر من الخيمة وبدا غارق في ذكريات بعيدة.
في تلك اللحظة ، أقسم دوجان أنه شعر كما لو كأنت النظرات العميقة للفوهرر الشاب تخترقت القماش ، وتتوغل في البعيد ، بل وتختر الزمن. في تلك اللحظة ، شعر دوجان أنه رأى مبعوثا إلاهي حقيقيًا ، مبعوث مهيبًا وحكيمًا مع لمحة من الحزن الأسير ، مما جعل الناس يرغبون في عبادته.
فقط عندما أراد دوجان رؤية المزيد من تلك العيون العميقة ، اختفت هذه المشاعر فجأة كما لو لم تظهى قط.
وكان الفوهرر قد سحب أنظاره بالفعل. لكن دوجان لم يعتقد أن هذه المشاعر كانت مجرد هلاوسه أو خيلته، وقد صدق دوجان بتجاربه أن العيون تقص عن الشخص أكثر مما يبديه، لقد كان يعتقد أن تلك المشاعر كانت حقيقية ، لقد رأى شيئًا ما ، شيئًا حركه ، كان يهتم حقًا ببلده.
لم يعرف شي جون أن شردته اللحظية ستجلب الكثير من المشاعر إلى مساعده ، فابتسم قليلاً إلى دوجان ، ثم قال بخفة.
“بالنسبة لفرنسا ، تشارلز ديجول يمتلك مقومات بطل. لديه بعض الصفات الضرورية ليكون قائداً عظيماً. على الرغم من أن الكثير من الناس لا يستطعون رؤية هذا الآن ، أعتقد أن الجميع سيتفقون معي إن سنحت لهم الفرصة لرؤيته الجانب الأخر لذلك الرجل.”
“ماذا تقصد بالنسبة لفرنسا سعادتك؟”.
“أعني أنه بالنسبة لنا ، وبالنسبة لألمانيا ، سيصبح مسببًا للمتاعب، وصداع للرأس”. أجاب شو جون باستخفاف.
جوديريان ، الذي كان جالسًا على الجانب الآخر من طاولة الطعام يحتسي القهوة بصمت ، أضاف فجأة. “أحقا لا تعرفه عقيد دوجان ، ألم تسمع بكتاب “نحو جيش محترف”؟ يشرح هذا الكتاب جدوا استخدام القوات المدرعة في الحروب الحديثة. توافقت الأفكار الواردة في ااكتاب هذا مع أغلبية نظرياتي وقتها. ومعها، حصلت على بعض الأفكار الجيدة وقمت بإتقان نظريتي عن القوات المدرعة. ويمكن القول أن ما شرح في هذا الكتاب يماثل نهج القوات الألمانية المدرعة إلى حد ما ، ومؤلف هذا الكتاب هو تشارلز ديغول”.
سأل دوجان في مفاجأة: “أوه ، تقصد أن ذلك الرجل هو عبقري عسكري؟ سعادة الجنرال جوديريان”.
“عزيزي دوجان ، لا تقلق. هذا الرجل ليس عبقريًا عسكريًا ، إنه على الأكثر مجرد خبير تكتيكي ببعض الرؤى المتقدمة.” أجاب جوديريان دونما إكتراث.
قال رئيس الأركان واييرل الجالس بجوار جوديريان بابتسامة: “لقد درسته أيضًا، لهذا السبب أجريت سلسلة من الاستطلاعات عنه منذ زمن، ديجول ليس مميز ، ومقارنة بإنجازاته العسكرية ، فهو الآن يفضل المشاركة في السياسة. بالمقارنة مع جنرالنا جوديريان ، ديجول ليس جنديًا مؤهلًا لمجاراته، فكيف نقول ذلك ، لديه بصيرة دون تطبيق، ولا تزال هناك فجوة كبيرة بين نظرياته التكتيكية ونظريات الجنرال جوديريان”
“كما أن هذا الشخص مغرور جدًا ، وإتجاهه لا يرضي ضباطه أبدًا ، ولا يمكن فهم نظرياته وقبولها من قبل هؤلاء الضباط ذوي التفكير الجامد، والذين يؤمنون أن المدرعات لها الغاية التي ولدت من أجلها، ألا وهي دعم المشات. بالطبع ، هذا ليس بالأمر السيئ بالنسبة لنا. على الأقل يوفر علينا الكثير من الجهد .. تخيل لو ركز الجيش الفرنسي حقًا على استخدام دباباته وفقًا لنظريات ديجول؟ على الرغم من أن ذلك لن يغير النتيجة النهائية للحرب فالنصر كتب بالفعل ، إلا أننا قد ندفع المزيد مقابل النصر النهائي ، ولعله يكون ثمنا باهظًا”.
“أنا أتفق مع معظم آرائك جنرال واييرل. لكن هناك أشياء بسيطة لا أتفق معك فيها… مثل أني لا أعتقد أننا كنا لنتكبد القدر الذي تتحدث عنه وإن تبعو أفكار ديجول، على الرغم من أنني أعترف أن المزايا التي وجدها الفوهرر في هذا الشخص قد عمينا عنها ، ولا أعرف لماذا يملك سعادته مثل هذا الرأي عن هذا الرجل ، لكن ما أعرفه هو بسيط للغاية، من وجهة نظر الجندي ، ديجول ليس بذلك التأثير، ولن تسبب نظرياته الكثير من المتاعب لانتصارنا. وإن طبقت. دعونا لا نتحدث عن الفجوة من حيث المعدات، وعن جودة الجنود والتكتيكات التي تلقو ترديب عليها، ودعونا لا نتحدث أيضا عن رداءة نوعية ضباطهم. ويمكن ملاحظة ذلك من التفسير النظري لاتجاه استخدام جنود العدو ميزة المدرعات في المعركة حتى الآن”.
“لم يكن ديغول على دراية بالقضايا الاستراتيجية ، ولأكون أكثر دقة، لم يكن لديه رؤية استراتيجية على الإطلاق ، وكانت جميع نظرياته عن القوات المدرعة مقتصرة على المستوى التكتيكي. في جميع كتاباته لم أرى وصف واحد للاستخدام الاستراتيجي لقوات الدبابات ، فهو يبحث فقط مزايا الاستخدام التكتيكي لقوات الدبابات على نطاق واسع. بينما نحن ننظر إلى استخدام القوات المدرعة بشكل أكبر من منظور استراتيجي، وهذا هو ما نختلف فيه عن الفرنسيين ، وهو أيضًا السبب الأساسي وراء تفوقنا في هذا الجانب. على مستوى ديغول هذا، ربما يمكنه فقط أن يكون في مستوى قائد تكتيكي عادي في الجيش الألماني ، وأعتقد أن مستواه التكتيكي لا يقارع حتى الجنرال المرحوم روميل. وبالمقارنة مع الدافع والقدرة على التكيف مع الموقف ، فإنه يفضل القيام بذلك نوع من التكهنات التكتيكية .. كل هذه المشاكل يمكن ملاحظته بقراءة كتاباته”.
لوح جوديريان بيده متململا “عموما لو كنت أنا ، لما سمحت لمثل هذا القائد بصياغة أي خطة أكبر من حجم فيلق ، لأنها ببساطة ستتجاوز الحد الأقصى لقدرته. حسب المعلومات التي نعرفها حتى الآن ، يمكن ملاحظة أنه يقوم بمغامرة تكتيكية جنونية ، فإذا كان لديه القليل من البصيرة الإستراتيجية ما كان ليصوغ مثل هذه الخطة الغبية. وهو ليس الوحيد ، فأنا شخصيا لم أرى الكثير من كبار القادة في الجيش الفرنسي ممن لديهم رؤية استراتيجية مميزة ، وحتى لو وجد مثل هؤلاء، فهم يبقون متعصبين تجاه تجربتهم مع الحرب الأخيرة”.
بعد أن أنهى جوديريان حديثه ، مسح شاربه وزفر.
“حسنًا ، دعونا نوقف النقاش في هذه المسألة في الوقت الحالي. نظرًا لأن الجميع هنا ، فلنتابع ما كنا نفعله بالفعل. فلدينا هنا خطة لنناقشها إضافة للمعلومات السابقة التي لدينا ، ومعرفة ما إذا كنا بحاجة إلى إجراء بعض التعديلات للتماشي مع الوضع”. أشار شي جون إلى المنظم الواقف جانبًا ، وسارع الجندي إلى الأمام ليضع الوجبات الخفيفة وأدوات المائدة بعيدًا ، مما يفسح المجال على الطاولة. غادر ضابط الأركان الطاولة ، ونشرو خرائط كبيرة على المنضدة أمام شي جون.
“أيها السادة الأفاضل”. وقف شي جون وأشار إلى الخريطة أمامه بقلم رصاص في يده وقال “دعوني أذكر بأن وضعنا ليس سهلا، وقد وضعنا أيدينا على الوضع العام لخطة الجيش الفرنسي الهجومية من قنوات مختلفة. وفقًا للمعلومات الاستخبارية ، كان هدف ديغول الأصلي هو إنشاء ممر من الجهة اليمنى لمجموعة الجيش الأولى – A ، ثم إنشاء نقطة هبوط قوية للجيش البريطاني قبل أن يتمكن جيشنا من الرد”.
“لقد خطط للانضمام إلى القوات البريطانية التي ستهبط على الساحل لتدمير واعتراض خط الإمداد الخلفي ، وإذا نجحت خطته ، فإنها ستشكل بالفعل تهديدًا لنا ، على الأقل ستمنعنا من التقدم، بينما في أسوأ الحالات ، سيتعين علينا سحب بعض القوات للحفاظ على خطوط الإمداد الخاصة بنا. في هذه الحالة ، قد يتأخر انتهاء الحملة لمدة شهر أو شهرين ، وربما نصف عام، وأجد أن تحديد حجم التأخر سيكون مستحيل، وهو محل لوضع التكهنات”.
“ما يجذب الفرنسيين أكثر هو أنه بعد حصولهم على الوقت الكافي للتنفس والحصول على الدعم من الجزر على الجانب الأخر من المضيق، قد يتمكنون من الصمود على الجبهات معنا. ويعتقدون أن هذا هو أخر ما نريد أن نراه، لذلك يأملون في النجاح في صنع السلام معهم في هذه الحالة”.
“من وجهة النظر هذه ، لا يزال لدى الفرنسيين القليل من التفكير الاستراتيجي. ولكن كما قال الجنرال جوديريان سابقا ، الفرنسيين يفتقرون إلى الضباط ذوي الرؤية الإستراتيجية ، فهم يريدون فقط نصرًا عظيمًا، وإذا كان هدفهم أصغر ، فلربما يكونون قد نجحوا حقا”.
“إنهم ينسون أن هذه ليست حرب الخنادق، وأن الجيش الألماني الحالي ليس مثل ما كان عليه وقتها ، إنهم يعيشون في خيالات الماضي، فاليوم لدينا مزايا مطلقة من الناحيتين الاستراتيجية والتكنولوجية” نظر شي جون إلى الضباط الحاضرين ، ثم تابع: “خطة ديغول خطأ منذ البداية. لم ينظر إلى الوضع الحالي بشكل استراتيجي. لقد أراد فقط تحقيق نجاح ساسي عظيم، وسأشرح لماذا”.
“لدى ديغول عدة مشاكل خطيرة للغاية للتعامل معها، أحدها أن الجيش الفرنسي لم يعد كما كان قبل الحرب ، سواء من حيث نوعية الجنود والضباط أو احتياطي المعدات أو التقنية. لقد قضينا على معظم قوات النخبة الفرنسية في المرحلة الأولى من الحرب. والقوات في أيدي الفرنسيين الآن ماهي إلى جموع من قوات الدرجة الثانية أو بقايا قوات الدرجة الأولى المعاد تنظيمها. إن نوعية الجنود مخفضة إلى حد كبير، وجزء منهم من المجندين الذين ليس لديهم خبرة قتالية ولم يجتازوا حتى التدريب العسكري كاملا”.
“لكن لأسف ديغول، ليست لديه قوات أخرى ليستخدمها ، فهذه هي القوة الاحتياطية الوحيدة التي يمكن أن تحشدها فرنسا ، قوات النخبة تقاوم الآن هجومنا على خط الدفاع ، لذلك من المستحيل حشدهم. من الواضح أنه يحلم بإستخدام هذا النوع من القوات لإكمال مفهوم حملته ، لكن تلك القوات لا تملك مطلقًا القدرة على اختراق دفاعاتنا والاستمرار في التقدم بعمق كما تخيله”.
“لذلك ، بعد التخطيط الدقيق ، اختار نقطة الإختراق جنوبا، كان الارتباط بين جيش جوديريان وجبهة فرقة المشاة السادسة هو الذي عزز موقعه خلف جيش ساربيروس”.
“من أجل الحفاظ على زخم الهجوم ، قام جيش جوديريان بتقليص خط دفاعه ، ونتيجة لذلك ، ظهرت فجوة بعرض ثلاثة كيلومترات هنا قبل أسبوع. لم ينتبه أي منا إلى ذلك وقتها ، وحتى القيادة العليا لم تلاحظ هذه الثغرة. لكن ديغول علم بوجودها، وانتهز هذه الفرصة ، ومن وجهة النظر هذه ، يبدو أنه ذكي للغاية ، إنه اختيار جيد له وموفق أن يختار هذه النقطة”.
“لا بد أنه أدرك جيدا أننا لن نتخيل أبدًا إمتلاكه الجرأة للعب الحيل بين أقوى الأفواج ألمانية. في هذه النقطة ، أستغل هذه الفرصة للتنويه على أننا كانا جميعًا مهملين للغاية. ولو لم نكتشف ذلك ، فلز مضى في خطته وخترق فعلا في النهاية لعانينا كثيرا”.
“فوهرر. لقد صدقت” علق واييرل : “لكن أرى أن ديغول قد فوت بعض النقاط، على الرغم من أن هذه نقطة اختراق جيدة حقا ولا تعوض بالنسبة له ، إلا أنها لا تزال غير كافية لإكمال هدفه بالكامل. والسبب كما ذكر سعادتكم أن الهدف الذي حدده لهذه المعركة كبير للغاية ، فهو يريد اختراق وسط فرقة المشاة السادسة في فترة زمنية وجيزة ، وقطع فرقة المشاة السادسة بشكل غير مباشر ، وبالاعتماد على القوات التي يمتلكها ستكون بالتأكيد مهمة صعبة. على الرغم من أن فرقة المشاة السادسة ليست سوى وحدة مشاة بحتة في الاسم ، إلا أنها تحظى بدعم من كتيبة دبابات وسريتي مشاة ميكانيكيين وقد إستقر ساربيروس خلفها. كما أنها تحتفظ بعدد كبير من المدفعية والذخيرة الفرنسية التي استولى عليها فيلق ساربيروس ، لذلك إن محاولة اختراق دفاعاتها بالتأكيد ليست شيئًا يمكن القيام به في يوم أو يومين. إذا لم تتمكن قوات ديغول من القيام بذلك قبل أن نتمكن من الرد ، فإن هذه القوات الفرنسية ستقع في شرك الهجوم المزدوج لجيشنا وستقع في حصار”.
“ناهيك عن أن فرق المشاة السبعة والعشرين التي تتبع مجموعة الجيش الأولى – A تتجمع في العمق ، ويمكنهم الوصول إلى ساحة المعركة في غضون يومين. في ذلك الوقت ، حتى لو كان للجيش الفرنسي ضعف قوته ، فلن يتمكن أبدًا من الهروب من تطويقنا. مصيرهم محتوم حقا”
هنا سأل جوديريان بإرتياب “ومع ذلك يوجد ما يزعجني ، كيف وجد ديغول هذه الثغرة في دفاعاتنا أصلا؟ ألم يذكر الفوهرر أنه حتى القيادة العليا كانت مهملة بشأن هذا؟ لا أستطيع تصديق أن للفرنسيون على هذا القدر من الإطلاع”
“وهل هذا شيء يرقى إليه شك؟ إنه شخص في صفنها هو الذي كشفها للفرنسيين. إنه لأمر لا يغتفر أن هذا الخائن اللعين كاد يدفع جنودنا الشجعان إلى حافة الخطر سعياً وراء إرضاء أنانيته” قال واييرل ببرود أثناء مسحه عدسته الأوحادية بمنديل. وبدأ أنه فِعل يقوم به في كل مرة يكون فيها متوترا.
“أوه. خونة؟ فهمت.” أومأ جوديريان، وبعد الدهشة، أظهر الغضب.
“لا تتحدثو عن هذا الآن، دعونا نركز على الحاضر”. قاطع شي جون باستخفاف :”قال رئيس الأركان واييرل في وقت سابق إنهم اختاروا هدفًا غير قابل للتحقيق. هذا أول خطأ إستراتيجي لديغول ، فقد نظر فقط في المشكلة من المستوى التكتيكي ، وفكر فقط في نوع المقاومة التي سيواجهها في الوقت الحاضر ، لكنه لم يفكر في كيفية نشرها. كان هدفه أكثر طموحًا ، فقد أراد استعادة شيربورج بعد اختراق دفاعات فرقة المشاة السادسة. كما أنه لم يفكر في الكيفية التي يمكننا بها مشاهدة أكثر من اثني عشر فرقة تعبر خط دفاعنا دون أن نحرك ساكنين، على الرغم من أنه يمتلك جيشا يمكن القول أنه قوي ، إلا أنه يفتقر إلى الأسلحة والتقنية الكافية لدعمه، ولديه فرقتان مدرعتان فقط”.
“وفوقها لم يكن لديه غطاء جوي لأخذ شيربورج منا، لدينا أجواء فرنسيا، ويمكننا قصف ما نريد وقتما نريد. العبرة من فرقة المشاة الفرنسية 42 أمام أعيننا مباشرة ، مما يسمح لنا برؤية مصير وحدة المشاة التي لا تمتلك تفوق جوي أو قوة نيران مضادة للطائرات كافية لحمايتها. وهذا أيضا خطأ يجب أن لا يقودها الغرور للوقوع فيه في المستقبل. والعبرة في ذلك ليست فقط لقوات المشاة، بل هي عبرة أيضا لقواتنا المدرعة، جنرال جوديريان”.
“نعم فوهرر ، سأضع ذلك في الحسبان” أومأ جوديريان برأسه وأجاب.
“على كل حال، دعكم مما سلف، كما ترون إن هدف ديغول تغير الآن. لقد تخلى خطته التي تطلب منه الأمر الكثير من الوقت لأدراك أنها مستحيلة. عندما حشد القوات لأول مرة ، لاحظت القيادة العليا ذلك بالفعل ، لكننا لم نعتقد أبدًا أن الفرنسيين سيكون لديهم مثل هذه الخطة المجنونة حتى بدأوا الهجوم رسميًا ، و لم نستطع رؤية هدفهم الحقيقي. من ما دفع القيادة العليا لحشد اثني عشر فرقة مشاة وثلاث فرق مدرعة لاعتراضهم شمالا ، لكن كانوا بلا جدوى، والجيش الألماني بعدته وعتاده إلتف حوله العدو، والذي غير هدفه دونما سابق إنذار”.
“نعم ، كما تبادر إلى أذهانكم ولا شك، هناك سبب واحد دفع الفرنسيين لتغيير مسارهم فجأة، الأمر أن ديغول حصل من مصدر معلومات ساخن لا يكف عن تقديم المعلومات الطازجة على هدف أكثر جاذبية ، وهذا الهدف كان أنا.” قال شي جون بابتسامة. “وهل توجد لقمة أكبر وألذ من الفوهرر الجديد بالنسبة لديغول أيها السادة؟”.
“نحن الآن في وضع حساس للغاية. نحن في وسط المعركة، ونبعد ستة كيلومترات فقط من الفجوة، وهو أيضًا موقع بارز من خط الجبهة. إنه هدف واضح للغاية. من أجل الهجوم علينا، قاد ديغول قواته للإنحرف بحوالي سبعين درجة ، لكن النتيجة كانت أنهم أفلتوا من خطة الصيد الخاصة بالقيادة العليا بالصدفة، ليس هذا فقط ، لكنهم أيضًا وضعوا لأنفسهم مسافة أمنة مع قواتنا الأخرى. و بسبب سوء تقديرنا لمسار الفرنسيين ، فإن التعزيزات الأقرب إلينا تحتاج يومين للوصول. لقد توغلت ساربيروس بعمق في خط الدفاع الفرنسي ، والآن لا يمكنهم العودة لدعمنا. حتى لو أرادوا القيام بذلك فلن أسمح لهم أنا بذلك. بما أن الفرنسيين قد تخلوا عن خطتهم الأصلية ، فلا يمكننا متابعة الانتشار السابق ، مما سيعطل وتيرتنا الهجومية. يتعين على فرقة المشاة السادسة الدفاع عن الخط الخاص بساربيروس لضمان عدم إعاقة خط إمدادات الجيش ، و لن تكون قادرة على نشر القوات لدعمنا لفترة من الوقت. كما أن قوات الجنرال جوديريان الآن عالقة في طريق مسدود مع الجيش الفرنسي السابع على جناحنا الأيسر ، ولا أريد تحريكهم. الآن يمكننا فقط الاعتماد على إرسال قوات من الخلف للدعم ، الأمر الذي سيستغرق وقتًا. أعتقد أن ديغول لا يهتم كثيرا إن إنسحبت بعد إدراك خدعته، بالعكس قد يكون هربي في مصلحته. هذا مرتبط بشرف قائد. إذا فعلت ، فإنه سوف يضر بمعنويات الجيش الألماني بشدة. يمكن أن يفوز ديغول أيضًا بانتصار دعائي بفعل ذلك، بعد كل شيء ، أجبر رئيس الدولة الألماني على الفرار ، سيكون هذا تشجيع للمعنويات المتدنية في فرنسا ، وقد يمهد له ذلك أن يصبح بطلا فرنسيا”.
“وإذا لم أهرب بعيدًا ، فقد يكون ذلك أفضل، لأنه قد يكون قادرًا على تحقيق انتصارات أكبر بفضل ميزة قوته المؤقتة الحالية. و إذا مت في هجومه ، فعندئذ ستكون ألمانيا في حالة من الفوضى والتمزق السياسي، فأخبار وفات هتلر تهز كل البقاع ولم يهدأ ركامها بعد، والفراغ الذي تركه لا يزال قائما ، وإثر ذلك من الأكيد أن تخسر ألمانيا الحرب ، ولن يصبح ديغول حينها بطلاً لفرنسا فحسب ، بل سيصبح أيضًا بطل أوروبا بأكملها”.
“ويبدو أن ديغول راهن على الشخص الصحيح، فلا نية لي بالمغادرة”.
“من أجل ذلك لم يعد ديغول يفكر في النصر التكتيكي الذي لم يعد يقارن بهذا النوع من الانتصار السياسي، لأنه حتى لو تمكن من إنجاح تلك الخطة ، فإن الفوائد التي يمكنه الحصول عليها محدودة ، ولكن إذا تمكن من تحقيق هدفه الحالي ، فإن الفوائد لا حصر لها”.
“لذا أقول أن ديغول هو رجل سياسة ، وقد اختار هدفًا يمكنه منحه غاية سياسية على أفضل وجه. لم يعد من الممكن اعتباره جنديا خالصا ، فقد تعلم أن ينظر إلى القضايا العسكرية من منظور المنافع السياسية بالكامل ، ولم يتغير قصر نظره في الناحية الإستراتيجية .. إنه بكل هذا يمهد لهزيمته”.
“من خشي البلل لا يركب البحر، سأظهر لديغول تبعات إختياره ، وسأريه كم هو رهيب العدو الذي اختاره لنفسه ، سيحتسي النبيذ المر الذي صنعته يداه”.
“دعه يعرف أن ساحة المعركة المقدسة هي المكان الذي يتلاقا فيه أشجع المقاتلين وأذكى المحنكين، بلا شيء سوا حياتهم كرهان، وهي بالتأكيد ليست مكانًا يمكن أن يلعب فيه رجال السياسة”.
“ديغول بقصر نظره سيعمي عينيه”.
-نهاية الفصل-