معركة الرايخ الثالث - 148 - صيد لم يكن في الحسبان
المجلد 5 | الفصل السابع عشر | صيد لم يكن في الحسبان
.
.
“أيها الملازم الثاني ، خيرُ لك أن تشرح لي ما الذي يجري!”
نظر دوجان إلى مجموعة الضباط والجنود الفرنسيين الذين كانوا راكعين أمامه مطيعين وأيديهم على ورؤوسهم. وقد جعله هذا المنظر مشوشًا ، لا يستطيع معرفة كيف ألت الأمور إلى هذه الحالة.
“سيدي … في الواقع ، حتى أنا لا أفهم كيف حدث ما حدث..” بدا الملازم محرجا، لكن سرعان ما أبلغ “حدث كل هذا بسرعة كبيرة ، وانتهى الأمر قبل أن أتمكن من الرد. كنت على وشك قيادة فريق الكشافة لشن هجوم مناوشة صغير عليهم قبل التراجع ، لكنني لم أتوقع أنه بمجرد أن رأو قواتنا الضئيلة لوحو بالرايات البيضاء مستسلمين. يبدو أن هؤلاء الفرنسيين كانوا ينتظرون هذه الفرصة ، وقد تعاونوا معنا جيدًا من البداية إلى النهاية دون التسبب بأي متاعب ، ولم يمنحونا حتى فرصة لإطلاق النار”.
“إذن تريد أن تقول لي أنك لا تعرف لماذا استسلموا؟” دلك دوجان صدغه وعقد حواجبه، وبدا عليه أنه يكبح غضبه.
“لا أعرف ، لم أسأل أبدًا..”
“ماذا!” استدار دوجان بسرعة وصرخ في وجه الملازم الذي لم يستطع إلى أن يجفل قليلا.
قال دوجان بصوت عالٍ بتعبير مصدوم على وجهه: “هل تقول أنك قبلت استسلام العدو المريب قبل أن تكتشف السبب؟ ليس هذا فحسب، بل وأعدت هؤلاء الفرنسيين معك إلى ما وراء تحصيناتنا!”
لم يفهم قائد الكشافة سبب اندهاش العقيد ، فأجاب بصوت خفيض وبوجه بريء. “لقد نزعنا سلاحهم، لذا…”
بعد سماع إجابة الملازم الثاني ، تنهد دوجان بحنقة : “يا ويلي ، لقد وجدت لنفسي أخيرًا مرؤوسًا أكثر غباءً من راندولف”.
“لماذا لم تبلغ بهذا الأمر على الفور قبل قبول استسلام العدو دون إذن من تلقاء نفسك، هل تعرف مدى فداحة فعلتك؟ كما أنك قدت مجموعة من الجنود الفرنسيين إلى مقدمة موقعنا دون إخطار المقر ، أنا حقا عجز عن فهم ما كنت تفكر فيه، هل تريد الانتحار؟ فلو لم ير المراقب العلم الأبيض على سيارتك بفضل نظراته الثاقبة ، لكنت أمرت الجنود بفتح النار ، ولكان رجالي قد سوك الأرض. بحقك لو حدث ذلك ماذا كنت لتريد مني أن أكتب في إخطار الوفاة الخاص بك ، هل تريدني أن نخبر عائلتك بأننا قد أطلقنا النار عليك لأنك كنت غبي جدا؟”.
تابع دوجان بغضب “أريد منك أن تعطيني تفسيراً معقولاً الآن ، مع العلم أن الضابط الذي ارتكب خطأ كالذي إقترفته يمكن أن يُرسل إلى السجن العسكري دون محاكمة”.
“كلا… سيدي ، من فضلك استمع إلى شرحي أولا يا سيدي!”
تصبب قائد فرقة الآستطلاع عرقا وأجاب على عجل بصوت عالٍ :” ليس أني لم أرد الإبلاغ، بل كنت عاجز عن ذلك فقد تعطلت محطة الراديو في سيارتي قبلها. وكان راديو السيارة الأخرى متعطل منذ الأمس ، ولم أمتلك حقا طريقة للإتصال بكم”.
“لم أتمكن من الانتظار حتى إصلاح الراديو وأنا مع كتيبة من الأسرى الفرنسيين ، إذ خشيت أن يغير الفرنسيون رأيهم بعد فترة طويلة من الإنتظار ويرفعو سلاحهم، أنت تعلم يا حضرة العقيد أن هناك أكثر من 500 أسير فرنسي ، بينما لدي مدرعتا استطلاع ، ودراجتين ناريتين بعجلتين ودراجة نارية واحدة بثلاث عجلات ، وهناك عشرة أشخاص فقط في المجموع. إذا غيروا رأيهم فجأة وهاجمونا ، قد لا تكون لدينا حتى فرصة للمقاومة ، وحينها سنكون نحن الأسرى”.
“لم نتعامل مع وضع كهذا من قبل، ولم تكن أمامنا وسيلة لنأتي من مقدمة الموقع. هذا هو أقصر طريق للعودة. فنحن لم نجرؤ حقا على أخذ هؤلاء السجناء الخطرين البالغ عددهم 500 للالتفاف حول نصف الموقع. كما أن هناك علم أبيض على سطح قافلتهم ، ولا أعتقد أن حراسنا لن يروه”..
“خلاصة القول أنه ثمة سبب لكل لذلك.. سيدي ، من فضلك تفهم الصعوبة التي مررت بها في القيام بذلك…” شرح الملازم الثاني بتلعثم وهو يمسح عرقه.
“هل هذا صحيح؟ ” حملق دوجان في وجه الملازم الثاني. ثم ازاح انظاره ببطئ “انس الأمر ، بسبب مساهمتك العظيمة هذه المرة سأغض الطرف عن السلوك المتهور الذي قمت به. اكتب تقريراً مفصلاً بما حدث، ثم إذهب إلى الدرك لتقضي ثلاثة أيام في الحبس عقابا لك، لا ترتكب مثل هذا الخطأ في المرة القادمة. أيضًا ، سأقدم تقريرًا إلى المقر وسأنسب لك الفضل”.
“شكرا جزيلا سيدي ، كل شيء لألمانيا!” أخيرًا زفر الملازم الثاني.
“بالمناسبة ، هناك شيء آخر لم أذكره سيدي ، طلب قائدهم التحدث إليك” ثم أبلغ الملازم.
“لماذا لم تخبرني بهذا سابقا؟ أيها ملازم أحضره بسرعة ، الحمد لله أخيرا هناك شخص للتحدث معه”.
عدل دوجان زيه الرسمي الأسود ، وضبط قبعته على رأسه، ثم قام بتصويب صدره مع وجه البوكر -يعني نظرة باردة لا تستطيع تخمين أفكار صاحبها- المميز الخاص به ، في انتظار وصول القائد الفرنسي المستسلم.
بعد فترة ، قاد الملازم ضابطا فرنسيا إلى دوجان.
“أبلغك سيدي ، أحضرت زعيمهم. وقد زعم لنا أنه قائد كتيبة المشاة 573 التابعة لفرقة المشاة 42 في الجيش الفرنسي. الرائد ديفيد إدموند هالديروين”. ثم التفت إلى الفرنسي و قال له : “هذا هو قائدنا الذي طلبت رؤيته ، العقيد دوجان”.
من الواضح أن الضابط الفرنسي لم يتوقع أن يكون القائد الألماني ضابطًا في قوات الأمن الخاصة سيئة السمعة ، وقد حدق بهدوء في زي دوجان الأسود المرتب لبعض القوت، ثم أدى تحية عسكرية فرنسية مع تعبير صارم.
“الرائد ديفيد إدموند هالديروين من الجيش الفرنسي ، عزيزي العقيد ، سأقود الآن قواتي للاستسلام لك رسميًا ، وآمل أن تمنح جنودنا المعاملة الطيبة دون أي تجاوزات في حقهم”. قال بألمانية لا تخفى منها اللكنة الفرنسية، ثم ألمح بنظراته إلى هوية دوجان بعتباره ضابط SS.
“أوه ، أهلا بك أيها الرائد” رفع دوجان يده ليرد التحية على الفور ، ولم يظهر أي إهتمام لما يلمح له الرجل، أمال رأسه ونظر إلى الضابط الفرنسي من رأسه حتى أخمص قدميه باهتمام.
كان دوجان قد رأى العديد من الضباط الفرنسيين الذين تم أسرهم من قبل ، لكن هذه أول مرة يراه يستسلم من تلقاء نفسه.
بدا هذا الضابط الفرنسي في الخامسة والأربعين أو السادسة والأربعين من عمره ، بوجه مستدير وشارب جميل مصفف بعناية تحت أنفه، وكانت نظراته مليئة بالفخر والعز.
لم يعر دوطان الكثير من الاهتمام للفخر الذي لا يجب أن يظهره الأسير، لكونه علم أنه من بين الضباط الفرنسيين كان الكثير منهم بين الأربعينيات و الخمسينيات من العمر. وفي الأساس كلهم تحف من مخلفات الحرب الأخيرة ، وعقولهم ما زالت مجمدة على مستوى تلك الحرب. كل واحد من هؤلاء الضباط الفرنسيين كان أكثر مفخرة من الذي سبقه، ويمكن للكبتن الصغير أن يتمتع بفخر يشبه المارشال. هذه الديوك الفخورة تنفخ صدورها وترفع رؤوسها حتى في معسكرات الاعتقال ، كما لو كانوا جميعًا تجسيدات نابليون.
يرتدي الرائد الفرنسي أمام دوجان الآن قبعة أسطوانية للجيش الفرنسي ومعطف ضابط رسمي مترب بدون أي شارة رتبة. مرتديًا مجموعة كاملة من الأحزمة المسلحة الفرنسية على الجزء الخارجي من المعطف ، ولكن تمت مصادرة حقيبة المستندات والمسدس الموجود عليها ، ولم يتبق سوى حامل مسدس فارغ بفم مفتوح على مصراعيه وزجاجة ماء مع حامل قماش لا يزال معلقًا بشكل ملتوي على خصره.
حول دوجان نظره إلى قدمي الضابط ، وكان الرائد يمتلك زوجًا من الأحذية الجيدة. على الرغم من أنها كانت مغطاة بالطين والغبار الآن، إلا أنه وفقًا للتجربة التي تراكمت لدى دوجان الذي كان حريص على تنظيف وتلميع حذائه لعقود ، قدر أن سعر هذا النوع من الأحذية الجلدية الجيدة في ألمانيا قد يصل على أقل إلى 4000 مارك ، لذلك لم يكن من المعقول للغاية رؤيته هنا.
بذلك بدا أن دوجان قد خمن شيء ما.
رفع رأسه ونظر إلى ما يسمى الرائد مرة أخرى بعناية. أخيرًا ، رفع العقيد الحذر حواجبه قليلاً ، وأظهر إبتسامة ساخرة، لقد أصطاد سمكة كبيرة هذه المرة.
“إنه لمن دواعي سروري أن ألتقي بك ، سعادة اللواء.”
ابتسم دوجان ورفع يديه في تحية عسكرية مباشرة.
“ماذا …؟ لا بد أنك ارتكبت خطأ. هل تعتقد أني أبدو مثل جنرال فرنسي؟ وكيف يمكن لجنرال فرنسي أن يستسلم لك بهذه السهولة؟ يا ليتني كنت جنرالا، أنا رائد لهذه الكتيبة لا أكثر، هيه … “
على الرغم من أن الضابط أخفاها جيدًا ، إلا أن زلاته لا تزال تفشل في الهرب من تحت أنظار دوجان.
كان دوجان متأكدًا من صحة تخمينه.
على الرغم من أن الرجل الفرنسي يظهر الآن ابتسامة بسيطة جميلة على وجهه ، ويبدو أنه لا يمكن ربطه حقًا مع هوية الجنرال ، لكن دوجان إستطاع أن يرى شيئًا لا يمكن للآخرين رؤيته من تلك العيون المتلألئة ، وهو الخوف ، والحيرة ، مع أثر التوقع ، و الفخر ، وحتى أثر المكر، لم يصدق دوجان أنه يمكن قراءة الكثير من الأشياء من عيون رائد مغمور ، مما جعله أكثر ثقة في تخمينه.
وثق دوجان بشكل خاص في بصيرته.
“سيادة الجنرال ، أنصحك ألا تحاول خداعي” أومأ دوجان برشاقة إلى الطرف الآخر ، ثم قال بابتسامة: “زيك العسكري خانك. رغم أنك مزقت دائرة التطريز على قبعته ، لكن لا يزال بإمكاني رؤية علامات إزالتها حديثة، أنظر، المكان الذي كان عليه التطريز أكثر لمعان من المناطق الأخر في القبعة، ناهيك عن أن هذا النوع من الحياكة الرائعة ليس بالتأكيد ما يمكن أن تمتاز به القبعات العسكرية العادية المنتجة بكميات كبيرة. أيضًا ، على الرغم من أن معطفك هو زي عسكري فرنسي ، ولكن هذا النوع من الحرفية ليس بالتأكيد ما يمكن للمصنع العسكري النموذجي أن يصنعه. إنه بالتأكيد مخيط يدويًا من أجل شخص مميز. علاوة على ذلك على الرغم من أنك أزلت علامة الرتبة العسكرية على قميصك إلى أن حفر نشب الأوسمة لا تزال ظارهة على القماش الفاخر، بشكل عام ، الضباط الفرنسيون فقط فوق الجنرال سيرتدون أوسمتهم على الجبهة ، وأتكهن شخصيا أنه كان هناك في السابق وسام الفرسان الوطني منشوب على يمين صدرك”.
“لا أحتاج إلى ذكر أن حزامك وأحذيتك مصنوعان أيضًا حسب الطلب ، وهذا النوع من جلد باهظ الثمن بحق، بالطبع هذه ليست سوى تكهنات ، قد تنفيها أنت واحدة تلو أخرى بحجج مختلفة، ولن أستطيع إثبات أي شيء عليك، ربما تقول أنك مجرد ضابط عادي من عائلة ثرية. ولكن بما أنك استسلمت لنا ، آمل أن تكون صادقًا ولا تجرب ذلك ، وإلا … ” بدا دوجان ساخر ولم يتابع كلامه، بل خلع قبعة الضابط العسكرية الخاصة به ، ومسح برفق شعار جمجمة SS اللامع عليها بأصابعه السبابة.
تبعت عيون الضابط الفرنسي أصابع دوجان وهي تتحرك ذهابًا وإيابًا على شعار الجمجمة المرعب ، وبدأت عيناه تكشفان نظرة خوف ، لكنه هدأ على الفور مرة أخرى.
“لا يمكنك فعل أي شيء بي. أنا أسير حرب. يجب أن تلتزم باتفاقية جنيف. فلدي حقوقي …”
“حسنًا ، سعادة اللواء ، طالما أنك تخبرنا بالحقيقة لن نضر لمراجعة إتفاقية جنيف أو غيرها” قال دوجان بابتسامة :”أنا أضمن بشرفي أنك ستحصل على كل العلاج والمعاملة التي تستحقها”.
“نعم ، هذا رائع ، لكن هل لديكم يا ضباط قوات الأمن الخاصة أي شرف على الإطلاق لتستخدمه ضمان لي؟” رد الضابط الفرنسي ببرود بنظرة ساخرة واضحة. ويبدو أنه تخلى عن تحفظه السابق تماما.
أثارت الكلمات المستفزة للفرنسي غضب ضباط قوات الأمن الخاصة الموجودين في لحظة. لولا أن العقيد دوجان لم يحرك ساكنا ، لكان أكثر من نصفهم قد اندفعوا إلى الأمام لإعلام هذا الرجل الفرنسي البدين بمنزلته باستعمال قبضاتهم الحديدية ، بينما بدأ ضباط قوات الأمن الخاصة الآخرون بوضع أيديهم ببطء على الحافظات حول خصورهم، حيث توجد مسدساتهم. ونظرو للفرنسي ببرود.
نظر الفرنسي إلى هذا المشهد، ولم يزده إلى سخرية.
رفع دوجان يده برفق ليهدأ ضباطه بينما إبتسم للرجل الفرنسي أمامه “هذا على إفتراض أن لديك خيارات أخرى”. ثم أشار دوجان حوله “أنت في معقلي، وبين رجالي، فأنى لك أن تفعل؟”.
لم يهتم الضابط الفرنسي بغضب الضابط الألمان خلفه، هز رأسه قليلاً وهز كتفيه وقال بلا حول ولا قوة : “وددت أن أستسلم للجيش وليس لكم بصراحة، لكن كما يقولون، تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن ، لا أنوي أن أخفي أي شيء عنك بعد الآن. يبدو أنني حقًا ممثل فظيع”.
قام بتقويم قبعته العسكرية مرة أخرى ، وشد زر معطفه ، وبدأت عيناه تومض بالفخر الذي لم يعد يحاول التستر عليه، رفع رأسه وقال بصوت واضح لدوجان:” ثم إسمح لي أن أقدم نفسي لك مرة أخرى ، أنا قائد فرقة المشاة الثانية والأربعين في الجيش الفرنسي ، الجنرال جان لويس دي ديفايل. مبارك لك عقيد دوجان ، يمكنك أن تذهب فورًا إلى سيدك لطلب الفضل على إنجازك ، لقد ألقيت القبض على جنرال فرنسي.”
ثم نظر إلى الضباط الألمان من حوله بازدراء ، ثم قال: “أتمنى أن تفي بوعدك وتعطي مرؤوسي العلاج الذي يستحقونه كما وعدت، وأرجو ألا تنسى تعاهدك بشرفك، أنا لا أثق بكم يا قوات الأمن الخاصة الألمان، ولن أخفي ذلك، ولو لم يكن ذلك عائد إلى أن بين رجالي بعض الجرحى الذين يحتاجون إلى علاج فوري لما كان هذا حديثنا”.
“بالطبع.” أومأ دوجان برأسه بهدوء، ولم يأبه لما قاله الجنرال، والتفت إلى مرؤوسيه. وأمرهم :”سلمو هؤلاء الجنود الفرنسيين إلى الشرطة العسكرية واعطوهم الطعام والماء. يجب إرسال الجرحى إلى المستشفى الميداني للعلاج. ما الذي تفعلونه بالتخاذل هناك! نفذو أمري!”.
استدار دوجان وقال للجنرال ديفايل “وأنت يا حضرة الجنرال المحترم ، من فضلك تعال معي”.
“انتظر لحظة ، من فضلك قل لي أولا أين تريد أن تأخذني؟” سألت ديفايل بصوت عالٍ. بدت نظراته حذرة، كان يعلم أنه أهان هذا الرجل للتو.
أجاب دوغان بابتسامة: “لا تقلق ، أيها الجنرال الحترم. سآخذك لرؤية القائد الأعلى الآن ، وأعتقد أنه سيطرح عليك بعض الأسئلة”.
“القائد الأعلى؟ أنت … أنت هل تتحدث عن ذلك الرجل ، هل تقصد مبعوث الإله …؟” قال ديفايل مذهولا.
“أصبت. سآخذك لمقابلته، إنه من ندين له بالولاء، زعيم ألمانيا العظيم، مبعوث الإله.”
…
“دوجان ، أهذا هو الجنرال الفرنسي الذي ذكرته سابقًا؟” جلس شي جون خلف مكتبه وسأل دوجان بلامبالاة.
رفع رأسه ونظر إلى الضابط الفرنسي المحبط والمتوتر أمامه بقليل من الفضول.
مثل دوجان ، كانت هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها ضابطا فرنسيا يستسلم طواعية.
في الماضي ، تم إقناع معظم الضباط والسجناء الفرنسيين بالاستسلام فقط بعد تعرضهم للسحق من قبل الجيش الألماني حتى نفاد كل ما لديهم من ذخيرة والطعام. أو تم القبض عليهم في معركة ، ولكن نظرًا لأن هؤلاء الضباط الفرنسيين يهربون بسرعة بشكل مذهل وأكثر كفاءة في الإنسحاب من نظائرهم البريطانيين ، وغالبا ما يفضلون الموت على السجن، نادراً ما يتم القبض عليهم أحياء في المعركة. وهذه هي أول مرة يسمع فيها باستسلام مباشر دون محاولة القيام بخطوات كهذه.
“نعم حضرة الفوهرر، هذا هو قائد فرقة المشاة 42 في الجيش الفرنسي الذي استسلم لنا، اللواء جان لويس دي ديفايل” ، رد دوجان باحترام.
“أوه ، من فضلك اجلس ، سعادة الجنرال ديفايل.” أشار شي جون لديفايل بإبتسامة.
“شكراً لك ، فخامة رئيس الدولة على كرمك.” أظهر ديفايل ثباته الذاتي ، وانحنى قليلاً إلى شي جون ، ثم جلس على الكرسي أمام المنضدة.
قال شي جون بتساهل “إنه لمن دواعي سروري إستقبالك جنرال. أعتقد أنك ستفهم قريبًا أن الاستسلام لجيشنا هو في الواقع خيار صحيح للغاية. أؤكد لك أنك وجنودك ستحصلون على معاملة عادلة.”
“أتمنى من صميم قلبي أن يكون خياري صحيحًا كما قلت يا صاحب السعادة. لكني أتمنى أن تعلم أن الاستسلام ليس دائمًا أمرًا مشرفًا. وليس لي أن أفخر به، لا يمكنني أن أستمتع بالقرار الذي اتخذته. يا له من عار. إنه عار. وسيلازمني طوال حياتي ، حتى لو مت ، سيترك هذا العار إرث لأولادي وأحفادي. لذا فإن لدي طلب واحد فقط منكم الآن ، من فضلك. ارحم الجنود الفرنسيين الأسرى ، إنهم شجعان جدًا ، إنهم يقاتلون فقط من أجل البقاء ، إنهم ضحايا ألاعيب السياسيين اللعينة الذين أرسلوا إلى ساحة المعركة من أجل الدفاع عن مصالحهم.”
“يمكنني أن أعدك بأنني سأعامل كل جندي فرنسي أسره الجيش الألماني برحمة ، وفي الحقيقة أنا أفعل أكثر من مجرد ذلك. سيخبرك رجالك قريبا أنهم في معسكرات أسرى الحرب الألمانية يتلقون علاج أفضل مما يتلقونه في الجيش الفرنسي ، والمعاملة التي يتلقونها أفضل بكثير من ما يتلقاه أولئك الأسرى البريطانيين المتغطرسين والأغبياء الذين رفضو الإذعان. ماذا عن فنجان من القهوة؟ يبدو أنك متعب للغاية “. أدار شي جون رأسه وقال للمنظم الواقف على الجانب: “اصنع فنجان من القهوة لي ولضيوفي”.
“نعم ، سيادة الفوهرر” أومأ المنظم وخرج.
“جنرال ، هل يمكنني أن أطرح عليك بعض الأسئلة الآن؟” أدار شي جون رأسه وسأل بابتسامة.
“نعم فخامة الفوهرر ، أنا أسيرك فقط ، وقد فعلت الكثير من أجلي ، وأنا على استعداد للإجابة على أسئلتك.” انحنى ديفايل باحترام وأجاب.
سأله شو جون باستخفاف: “حسنًا ، ما أتساءل عنهم هو.. ألست أنت قائد فرقة المشاة الثانية والأربعين؟ إذن لماذا لا يوجد سوى كتيبة المشاة هذه بين الجنود الذين استسلموا معك؟ أين تركتك قواتك؟ أعتقد أن لديك قوات أخرى ، مثل فرق المدفعية. لا أريد التجسس على معلوماتك العسكرية ، لكنني أشعر بالفضول فقط. بالطبع ، ليس عليك أن تجيبني إن كنت لا تستطيع. هذا مجرد السؤال”.
“لا ، أنا أستيطع أن أجيب على سؤالك هذا ، على أي حال ، هو ليس سراً. فقواتي الأخرى ، هيه … “ابتسم ديفير بسخرية ، ثم هز رأسه وقال “كلهم هنا.”
“كلهم هنا؟ لا أفهم ، معالي الجنرال.” عقد شي جين ذراعيه ونظر للجنرال الفرنسي بريبة.
عند سماع ما قاله ديفايل ، كان لدى شو جون بالفعل الإجابة في قلبه ، لكنه لا يزال يريد تأكيدها.
“هذا يعني أن جميع ضباط وجنود فرقة المشاة 42 التابعة للجيش الفرنسي موجودون بالفعل في معسكر أسرى الحرب الخاص بك. 537 جنديًا هم آخر الجنود المتبقين من الفرقة بأكملها. معالي الفوهرر ، لقد قضيت نظريًا على فرقة المشاة 42 التابعة للجيش الفرنسي كوحدة عضوية. في هذه المرحلة ، يمكنك أن تفخر بسلاح جو بلادك ، فهم في الواقع مقاتلون ذوي مهارات عالية ولا يمكنني أن ألومهم على أداء واجبهم تجاه بلادهم، الأشخاص الوحيدون الذي أريد إلقاء اللوم عليه الآن هم السياسيون الذين وافقوا على هذه الخطة الغبية ، ما أكرهه أكثر هو الشخص الذي صاغ هذه الخطة. إذا ظهر أمامي الآن ، سأخنقه حتى الموت دون تردد. من أجل تحقيق خطته اللعينة تم التضحية بجندي عبثًا ، فرقة كاملة بما في ذلك القوات اللوجستية ، سقط أكثر من 12000 رجل على طريق المسيرة دون جدوى. ومالذي تبادل به هؤلاء الجنود مقابل حياتهم؟ كان فقط إرضاء رجل طموح، يا له من أمر مثير للسخرية!”. صر ديفايل أسنانه وفرك عينيه بشدة بيده، ثم قال لشي جون بابتسامة ساخرة: “حسنًا ، سيادة الفوهرر، هل أنت راضٍ عن إجابتي؟ إذا لم يكن لديك أسئلة أخرى ، من فضلك أرسلني إلى رجالي ، أريد أن أبقى معهم”.
“لا تكن في عجلة من أمرك جنرال. لا تزال لدي الكثير من الأسئلة لك. ولكن قبل ذلك. أود أن أدعوك لتناول الغداء معي ، حيث يمكننا الدردشة ببطء على مائدة العشاء ، ويمكنك أن تطمئن إلى أن جنودك سيتم ترتيبهم أمورهم بشكل صحيح.”
“ثم لا يمكنني إلا إطاعة ترتيباتك ، سعادة الفوهرر” رد ديفايل بإيماءة متحفظة.
“بالمناسبة ، أريد أن أسأل ، من الذي وضع هذه الخطة التي تصفها بالغبية؟” التقط شي جون فجان قهوة صبه له المنظم للتو.
قال ديفايل بغيظ وهو يتلقى القهوة من المنظم : “إنه رجل واهم ، نائب وزير الحرب الفرنسية ، تشارلز ديغول”.
“بففت …!” عندما سمع هذا الاسم ، بصق شي جون القهوة من فمه.
-نهاية الفصل-
من هو ديغول؟
إنه في نظري -علما أنني لست مؤرخا- شخصية فرنسية مثيرة للجدل، بدأ مسيرته قائد مدرعات قبل أن يدخل في السياسة، وأصبح معروف بكرهه الشديد لإتفاقية إستسلام فرنسا، سافر إلى بريطانيا بعد سقوط بلاده وأنشأ حكومة جديدة في المنفى، شعارها كان “شرف فرنسا في مواصلة القتال رفقة حلفائها” إلا أن الكثير كان يزعم أنه مجرد دمية لبريطانيا في ذلك الوقت، ولكنه أيضا حاز على تأييد تيار كبير من الفرنسيين غير الراضين بالهزيمة.
على كل حال، بعد إنتهاء الحرب أصبح أحد أهم رموز المقاومة الفرنسية، وقد أصبح رئيس للجمهورية الفرنسية لعدة ولايات متعاقبة، وكان معروف بمناصرته الشديدة لنظام الإستعمار. خاصة في الجزائر.
لماذا أتأخر في تحديث هذه الرواية؟
لأنني أمر بحالة أسميها “ترجمة بلوك”، حيث لا وقت ولا هدوء مناسب لي للترجمة. ففصول هذه الرواية طويلة ومعقدة، وصدق أو لا تصدق، ترجمتها ليست عملا سهلا. خاصة حين لا أمتلك بيئة تسمح لي بالتركيز. فالضجيج والتشويش ينعكس بشدة على جودة الفصل.
على كل حاول سأحاول ترتيب أموري و تعويض ذلك قريبًا!