معركة الرايخ الثالث - 140 - الحديد والنار (I)
المجلد 5 | الفصل التاسع | الحديد والنار (I)
.
.
ظهرت الدبابات الفرنسية في مجال رؤية مناظير شنايدر مصحوبة بموجات من الغبار ، وأدرك شنايدر أنه قد يتعين عليه إعادة النظر في خطته الأصلية.
لم يأخذ في الاعتبار طول طابور الدبابات الفرنسية في ما سبق. كان سِفر الدبابات المتقدمة للجيش الفرنسي أطول بكثير مما كان يتخيله.
كان هناك ما لا يقل عن خمسة عشر مترًا بين كل مجموعة دبابة فرنسية. ويبدو أن القوات الجوية الألمانية أعطت هؤلاء الفرنسيين وقتا جيدًا أمس. وقد علمت الديك* الغالي درس لا ينسى.
(*ملاحظة المترجم: المطلعون على الكريكتيرات السياسية القديمة ربما يدركون أن فرنسا كدولة غالبا ما تصور كديك مغرور أو بالأصح يعاني من خطيئة الكبرياء، في هذا النوع من الوسائط حيث يميل هذا النوع من الكركتيرات الساخرة إلى تصوير نوع من أنواع الخطايا التي يجسدها كل حيوان وربطها ببلد معين- تماما كما يتم تصوير أمريكا كنسر ماكر وروسيا كدب عدواني.)
لكن لعلهم يجهلون الآن أن هذا التشكيل الممنهج ضد الأعداء جوا قد أربك أيضا الألمان المتربصين بهم برا، فهم لا يعرفون من أين يبدؤون في مهاجمة هذه القافلة المتبعثرة.
اجتازت الدبابات الفرنسية شنايدر واحدة تلو الأخرى ، وقبل أن يتمكن من العد حتى الثامنية ، كانت الدبابة الفرنسية الموجودة في الطليعة قريبة بالفعل من مقدمة موقع الكمين الألماني ، وقال التقرير أن الفرنسيين يمتلكون دبابات الثقيلة من طراز B1 وهذه الدبابات في الطليعة لم تكن كذلك.
بسبب التشكيل الفرنسي، لم يعد بإمكان شنايدر المضي في مهاجمة القسم الأوسط من الرتل الفرنسي وفقًا للخطته الأصلية ، وإلا فإن مجموعة الدبابات الخاصة به ستضر للتعامل مع الدبابات الفرنسية في كلا الطرفين. و ستكون عواقب ذلك كارثية تمامًا ، فقد عرف شنايدر أن الدرع الجانبي للدبابة من نوع بانزر 4 لم تكن قوية بما يكفي لتحمل قصف مدفع الدبابة الفرنسية 37 ملم.
قرر شنايدر أن يبتلع المخاطر، وأن يمضي قدما أبكر من ما أراد ، وصلى سرا ألا يأتي رد الفرنسيون بالسرعة الكافية بعد تعرض طليعتهم للهجوم مباغت ، وإلا فإن سرية الدبابات الخاصة به ستقع في معركة وجهاً لوجه. وهو ما لا قِبل لهم به في حالتهم هذه.
“انتباه إلى كل الفصائل ، لقد تغيرت الخطة وسنمضي قدمًا بعد إشارتي”. قال شنايدر بهدوء ممسكا بجهاز الإتصال الداخلي : “حسب الوضع، لتختار كل فصيلة هدفها”.
ضغط شنايدر على الميكروفون وخفض رأسه وقال لمدفعيه : “صوب عند الدبابة التاسعة ، قذيفة الخارقة للدروع. تأكد من إصابة الهدف”.
“نعم سيدي.” رد المدفعي هانك بصوت منخفض. أدار رأسه وأمر محمل القذائف كارل بإقتضاب :” قذيفة خارقة للدروع”. بدأ المدفعي يستهدف بدقة.
ضغط هانك برفق على دواسة دوران البرج. وسط صوت التشغيل المنخفض للمحرك الكهربائي وصوت الاحتكاك المعدني الخفيف من مقعد البرج ، تحرك برج الخزان والمسدس القصير للغاية عيار 75 ملم ببطء نحو الهدف. كان المدفعي من ذوي الخبرة فقد ضغط بالفعل بقوة عند H35 الفرنسية على محدد الإتجاه.
“القذيفة الخارقة للدروع جاهزة.”
دفع كارل قذيفة خارقة للدروع إلى الفوهة ، وأغلق فتحة مدفع الدبابة تلقائيًا وأدار الترباس المقعد مع صوت تأثير معدني هش.
“جميع أطقم العمل عند إشارتي.”
وقف شنايدر على البرج ، ونفخ صدره ، ثم صرخ بصوت عالي: “نار!”
بمجرد أن انهى كلمته ، انطلق هدير المدافع المدوي. وأضاء الإنفجار الناري المنبعث من الفوهة الخارجية الشجيرات المظلمة بلمعانه المشرق ، بينما فجرت الموجة الناجمة عن القذيفة المندفعة شفرات العشب والغبار على الأرض أمام الدبابة. تمزق الشجيرات الكثيفة الموضوعة كتمويه عند مقدمة الدبابة بسبب موجة الصدمة القوية ، وكان الدرع الأمامي للدبابة مغطى بفروع مكسورة وأوراق متناثرة.
هتف المدفعي بصوت عالٍ في الدبابة ، ولكن لم يكن لدى شنايدر وقت للاحتفال الآن. صرخ بشغف عبر سماعته : “انتباه للجميع ، لتخرج من مخابئكم، ولتندفعوا بأقصى سرعة. لكل فصيل اختيار الهدف وأطلاق النار بحرية لكن راعو التشكيل ، حاولو أطلاق النار بأقصى سرعة ممكنة و ألا تتوقفو”
“بالطبع سيدي! “رد قادة الفصائل الأربعة بحزم من سماعات الأذن.
رفع شنايدر يده اليمنى عالياً وتأرجحها للأمام بقوة ، ثم صرخ بصوت عالٍ في جهاز الاتصال: “القوات المدرعة! إلى الأمام!”
بعد صوت قوي لبدء التشغيل الميكانيكي للمحركات وآحتكاك التروس، سمع هدير محرك مايباخ فوق الغابة. اصطفت سرية شنايدر المدرعة في صف منظم وبدأت في الهجوم ، حيث اجتاحت الدبابات من نوع بانزر 4 الشجيرات التي أمامها بهدوء ، ثم زأرت باتجاه مجموعة الدبابات الفرنسية على بعد 500 متر.
بدا أن الهجوم السابق بدأ في إحداث صداه بين القوات الفرنسية، لكن كانت هناك عيوب لوجود فجوة واضحة بين المركبات في خط التقدم الفرنسي، إذ أن أي رد فعل موحد يتأخر كثيرا ، ولم تظهر سرية شنايدر في المكان الذي ينبغي أن يكونوا فيه. إذ غيرو بسرعة مواقعهم للإلتحام مع الفرنسيين.
صاح سائق الدبابة رويك متوترا وهو يضغط على دواسة القيادة ، لكن محرك دبابته ظل يصدر صوت بداية حاد ، لكنه لم يستطع سماع أي تشغيل بعد ذلك، من ما اصابه بالذعر.. “إنها لا تعمل!”
“هل أهملتم الصيانة في ما سبق!؟” صاح شنايدر على طاقمه من خارج البرج.
“لا أعرف حقا ماهية المشكلة سيدي! أقسم أنها كانت بخير تماما منذ نصف ساعة ، ولكن الآن … اللعنة ، ثمة خطب بها الآن من بين كل الأوقات!” كان رويك يتعرق بغزارة أيضًا ، وسرعان ما قام بفحص قراءات الأدوات المختلفة ، وأعاد كل مفتاح كهربائي رئيسي للخلف ذهابًا وإيابًا ، كرر حركة البداية بمهارة مرارًا وتكرارًا ، لكن محرك الدبابة لم يقم بأي حركة.
“دعنا وشأننا، أمضي قدمًا في الهجوم!” واقفاً خارج البرج ، لوح شنايدر بيديه بقوة بينما كان يصرخ بصوت عالٍ على قبطان دبابة الجناح الذي كان ينظر إليه في شك بعد أن رأى أن شنايدر وقومه لا يتقدمون رغم كونهم المركبة الرئيسية، باعتباره قائد دبابة جناح السرية كان يجب عليه أن يظل يمين ويسار الدبابات الأخرى لحماية نقاطها العمياء، ولذا لم تتبع الدبابة 302 التشكيل المهاجم. لكن بأوامر القائد أومأ القبطان برأسه سريعًا لشنايدر ، ومع هدير محركه، انطلقت الدبابة رقم 2 للسرية من الأدغال ، تاركتا خلفا خط كثيفا من الدخان يطفو ببطء بين الأدغال. وطاقم دبابة مكتئب.
“لعنكِ الله!”
قفز شنايدر وشتم دبابته. كان الطريق أمامهم مليئًا بالفعل بالنيران والانفجارات ، وكانت سريته تشتبك بدونه مع الفرنسيين ، لكن كقائد للسرية لم يزده ذاك إلى قنوطا إذ كاد يبصق الدم على دبابته التي تأبى الحراك. كاد شنايدر يصاب بالجنون من الغضب ، لكن بدا أن دبابته المرقمة 301 لم تطي قائدها أي مجاملة ، واستمر المحرك في إصدار صوت البداية البغيض دون أي رد فعل تسلسلي، ولم يمنح شنايدر الصوت الذي تمنى بشدة سماعه.
“اه! لا يهم بعد الآن ، أنا ذاهب إلى الأمام لأتابع سير المعركة، هانك، إبقى أنت والآخرون هنا ، هذه الدبابة الآن تحت إمرتك! استخدم المدفع لتعليم الفرنسيين درسًا.” فقد شنايدر الثقة في عودة الدبابة رقم 301 للعمل، وقرر تركها ومطاردة سريته سيرًا على الأقدام. سيكون من الخطير القيام بذلك ، لكنه لا يستطيع فعل أي شيء إذا بقي هنا. الوضع في ساحة المعركة يتغير بسرعة البرق ويجب عليه كقائد قيادة سريته خلال المعركة لحظة بلحظة. الآن هو نادم على سبب عدم دخوله الدبابة رقم 302 بدل إعطائها أمر بالقتال. لكنه وقتها كان يأمل أن تعمل دبابته، ولا وقت للندم على خياره المتسرع الآن.
“لكن سيدي ، هذا جنون! أعتقد أنه من الأفضل لو تنتظر لبرهة” توقف هانك وصرخ بصوت عالٍ، وبدا عليه أنه منشطن للغاية في محاولة إعادة تشغيل الدبابة عدة مرات.
لكن شنايدر لم يكلف نفسه عناء الرد على كلمات المدفعي ، وبدأ في الخروج من البرج. بمجرد خروجه من البرج وإذ كان على وشك القفز من الدبابة ، سمع دوي محرك دبابته رقم 301 يصدر صدا هش مألوفا مصحوب بصرير التروس.
“يا إلهي ، هذه الخردة العوجاء اللعينة!”. لم يستطع شنايدر إلا أن يشعر بسعادة غامرة ، فقد وجد أن مثل هذه الكلمات الفظة هي فقط التي يمكن أن تعبر عن مزاجه الحالي.
“لا تنطق، لا تضيع الوقت، بما أنها تعمل، تحرك بأقصى سرعة، لا يهمني نوع الخلل الذي عانت منه! إشرعو في تحميل القذائف الخارقة للدروع.” قفز شنايدر إلى مقعده وأمر مرؤوسيه بصوت عالٍ.
“عُلم يا سيدي.”
“القذائف الخارقة للدروع جاهزة!”
بسماع الإجابات القصيرة والواثقة من مرؤوسيه مصحوبة بزئير المحرك ، والشعور بالاهتزاز للدبابة أثناء تحركها ، ورائحة الدخان الذي لم يتبدد بعد في البرج ، شعر سنايدر بشعور أفضل من أي وقت مضى. وحتى قِداس يوم الميلاد في الكتدرائية لن يمنحه إحساس أفضل.
مع صوت تحطم الفروع ، اندفعت الدبابة رقم 302 أخيرا من الغابة إلى ضوء الشمس الساطع. تنتشر جميع أنواع الأغصان والأوراق متساقة من على صفيحتها المدرعة الرمادية ، وبدت لوهله مشابهة لمحارب جرماني قديم مدرع بالكامل ومسلح يندفع نحو عدوه.
عندما هرع شنايدر للخروج من الغابة ووصل إلى ساحة المعركة ، أدرك أن الوضع لم يكن سيئًا كما كان يتصور ، وعلى الرغم من عدم وجود قيادة موحدة ، إلا أن سريته لا تزال تعمل بشكل جيد للغاية.
جميع جنود الدبابات هؤلاء هم من قدامى المحاربين و ذوي الخبرة ، وقادة الفصائل الأربعة محنكون. بعد أن اكتشفوا أن مركبة قائد السرية لم تواكبهم لم يصبهم الذعر على الإطلاق ، فخبرتهم القتالية الغنية أعطتهم فهمًا ضمنيًا على انفراد ، حيث أنطلقو وحطمو الدبابات فرنسية من .
في هذا الوقت ، تم بالفعل دفع أكثر من عشر دبابات H35 إلى جحيم النار والدخان على جانبي ذلك الطريق الضيق. كانت الذخيرة التي كانت تنفجر باستمرار مثل الألعاب النارية من مهرجان، خرجت الدبابات الفرنسية عن الطريق وقد دمر بعضها وجعلتها الإنفجارات وكأنها براكين غاضبة صغيرة.
كانت جثث الجنود الفرنسيين ملتوية ومبعثرة حول مركباتهم ، وكان بعض الجنود لا يزالون يمسكون بمسدساتهم قبل موتهم. وقد أثبت هؤلاء الرجال بدمائهم أنهم جيدون مثل أسلافهم المحاربون الشجعان ، إنه لأمر مؤسف أن خصومهم هذه المرة أقوى بكثير من من ما واجهه أسلافهم.
تسبب الهجوم الأول لسرية شنايدر في خسائر فادحة للقوات المدرعة الفرنسية. على الرغم من أن H35 هي أفضل دبابات فرنسية رئيسية حتى الآن ، وعلى الرغم من أنها تتمتع بمزايا بارزة للغاية مثل قدراتها المضاد للرصاص ودرعها الأمامي الثقيل، وقد تكون مقارعة لبانزر وتتفوق عليها في عدة نقاط، إلا أن الدبابات الألمانية أصابت نقاطها الحيوية بدقة. يبلغ سمك درعها الجانبي 23 مم فقط وهو صدرها الضعيف ، ويمكن للذخيرة الألمانية الخارقة للدروع من مقاس 75 مم اختراقها بسهولة من على مسافة 1500 متر ، ناهيك عن أن المسافة في ذلك الوقت كانت 500 متر فقط.
تلقت القوات المدرعة الفرنسية ضربة قوية من الألمان دون سابق إنذار ، وخسرت القوات المدرعات الفرنسية التي كشفت جوانبهم الناعمة على حين غفلة ست دبابات كاملة في الهجوم الأول لسرية الدبابات الألمانية ، وأصيبت إثنتان بإصابات خطيرة.
تسبب الهجوم المفاجئ في سقوط القوات المدرعة الفرنسية في حالة من الفوضى لدقائق، وسرعان ما وقعو في وضع سلبي، لكن دبابات الفريق الخلفي تسارعت للحاق بالإشتباك، وتجمعت الدبابات الفرنسية معًا.
الأمر الأكثر إثارة للذعر وقتها هو أن لا أحد يستطيع أن يعرف بالضبط من أين جاءهم الهجوم وما الذي هاجمهم ، مما جعل بعض قادة الدبابات يأمرون برفع المدافع و رؤوسهم نحو السماء يبحثون عن الطائرات الألمانية. فقط عندما هرعت الدبابات الألمانية من الغابة واقتربت من مسافة ثلاثمائة متر أدرك الفرنسيون من وماذا هاجمهم.
ومع ذلك ، منعهم النقص في المعدات اللاسلكية من تنظيم الدفاعات بسرعة ، وفي ظل الفوضى ، لم ينتبه أحد لإشارة مركبة القيادة ، ونتيجة لذلك أصبحت دبابتان أخرتان من طراز H35 صيدا إضافيا للقوات المدرعة الألمانية خلال هذه الفترة.
عندما تحررت الدبابات الفرنسية من الفوضى وشكلت تشكيلًا دفاعيًا لإنقاذ الموقف، بقيت ثلاثة فقط من الخمسة عشر H35 في هذه المرحلة. وإقتربت الدبابات الألمانية بالفعل من مسافة مائة متر ، والتي كانت تعد مسافة إلتحام خطرة.
واصطفت سبعة عشر دبابة الطراز بانزر 4 في ثلاث تشكيلات هجومية على شكل مثلث ، واقتربت بسرعة من الدبابات الفرنسية الثلاث ، وفي الوقت نفسه ، كانوا لا يزالون يطلقون نيران الرشاشات على الجنود الفرنسيين الهربين من بداباتهم المدمرة في الوقت المناسب.
منذ فرارهم من دباباتهم ، أطلق هؤلاء الجنود الفرنسيون الأكثر شجاعة النار على أبراج قيادة الدبابات الألمانية بمسدسات للدفاع عن النفس ، ورغم صغر تهديدهم ، قام الألمان بإطلاق النار على نظرائهم الفرنسيين الذين لم يرغبو في الخنوع. لكن شجاعة وجريئة جنود الدبابات الفرنسيين تركت انطباعًا عميقًا على جنود الدبابات الألمانية الموجودين.
انتشرت تشكيلات الهجوم الثلاثة بسرعة ، احتوت إحداها على قوة نيران الدبابات الفرنسية في المقدمة ، بينما بدأ الاثنان الآخران في الالتفاف نحو جوانب الدبابات الفرنسية. في هذا الوقت ، دخلت دبابة شنايدر الميدان.
صرخ شنايدر بصوت عال في جهاز الاتصال “انتبهو إلى الحفاظ على التشكيل! تقدمو هكذا لكن دون الإنعطاف.”
“أمرك سيدي. ماذا أخرك سابقا؟”
سؤال زعيم الفصيل الرابع جعل صدر شنايدر يتألم.
أجاب شنايدر غضبا : “حدثت بعض الأخطاء في السابق لكنها حلت”.
في ذلك الوقت ، ظهرت قوات المتابعة لوحدة الدبابات الفرنسية على الطريق ، وسرعان ما اتجهت عدة سيارات عسكرية مطلية برسوم تمويه بسيطة نحو ساحة المعركة ، وخلفها مجموعة من الشاحنات الخفيفة بريطانية الصنع ومركبة اتصالات ، ربما يكونون قد أسرعوا بعد سماع الانفجار أمامهم. يبدو أن الفرنسيين لم يفهموا الوضع في ساحة المعركة ، فتلك السيارات كانت تندفع نحو مجموعة الدبابات الألمانية بتهور ، ولم يستطع شنايدر إلا أن يبتسم بنشوة وهو ينظر إلى الأهداف التي لا حول لها ولا قوة وهي تقفز إلى حضنه.
في هذا الوقت ، كانت آخر ثلاث دبابات فرنسية من نوع H35 تتراجع بيائس إلى الوراء مع تشغيل الترس العكسي. أثناء القتال يجب ألا تستدير الدبابات، الأمر الذي من شأنه أن يكشف جوانبها الضعيفة أمام العدو. عمل جنود الدبابات الفرنسية بجد للحفاظ على دروعهم الأمامية في مواجهة العدو. كانوا يأملون في الاعتماد على درعهم الأمامي بسمك 40 مم لمقاومة الهجوم الألماني حتى اخر رمق. طالما لم يتم تدميرهم وصمدو حتى وصول القوات المدرعة الأخرى في الخلف ، فيمكنهم أيضًا الحصل على فرصة.
سرعة H35 الأمامية بطيئة ، وسرعتها الخلفية أكثر بطئًا بطبيعة الحال، أثناء الانسحاب ، واصلت جنود الدبابات الفرنسية استخدام مدفعيتها قصيرة الماسورة 37 ملم ومدافعها الرشاشة لإحداث مقاومة ضعيفة. بالإضافة إلى احتمال حدوث أضرار سطحية طفيفة لم يكن لها أي تأثير على الدبابات الألمانية بانزر 4، فأمام الدرع الأمامي لهذه الدبابة لا يمكن أن يشكل هذا النوع من الهجمات أي تهديد على الإطلاق ، إذا كانت المسافة أبعد ، فلن يشعر ركاب الدبابة حتى أنهم قد أصيبوا.
ينظر طواقم الدبابات الألمان الآن إلى المعركة أمامهم بنظرات لعوبة. في النهاية ، اقتربت ثلاث دبابات من طراز بانزر 4 من H35 الفرنسية على بعد خمسين متراً وأنهت الكفاح الأخير للدبابات الثلاث بقذائف شديدة الانفجار خارقة للدروع. وسط الانفجارات العنيفة ، رأى شنايدر بوضوح أن برج إحدى الدبابات قد تم رفعه عالياً ، ثم تدحرج واصطدم بالأرض من جانب واحد. وارتفعت كرة نارية ضخمة ممزوجة بالدخان الأسود ببطء في الهواء. مثل تنين ناري يمتد الأجنحة نحو السماء ، هناك لمسة من العظمة والجمال المرعب.
كما بدت الكرة النارية من الانفجار أذهلت السيارات الفرنسية التي كانت تندفع نحو ساحة المعركة وتوقفت ببطء على مسافة امنة، وبعد أن بقيت في مكانها لبضع ثوان ، رأى الفرنسيون أولا الدبابات والمركبات الألمانية تتجه نحوهم. ثم مجموعة الحطام المحترق للدبابات التي سبقتهم، وسرعان ما بدأ فريق السيارة في اتخاذ منعطفات تراجع فوضوية، ثم تراجعو بسرعة أكبر مما كانت عليه عندما تقدمو.
بالطبع ، لم يكن شنايدر مستعدًا للتخلي عن هذه الفريسة التي تطرق بابه لمجرد حصولهم على هذا التنبيه. أعطته المعركة السلسة قبل قليل أضف إلى ذلك القيادة الضعيفة للقوات المدرعة الفرنسية الثقة في النصر النهائي. قد يكون قادر على أكثر من تأخير الفرنسيين حتى يأتيه الدعم ، فقد إعتقد أنه إن هزم القوات المدرعة الفرنسية قد يكون قادرا على قبل مجريات المعركة بأكملها.
ربما كان متفائلا قليلا، فما جهله شنايدر هو أن لا للمدرعات الفرنسية بمنحه مزيد من الهفوات.
بدأت الدبابات الألمانية في مطاردة الأعداء الفارين بأقصى سرعة. لقد أقنعتهم مركبة القيادة والاتصالات أن ما كان يهرب أمامهم كان قيادة فرنسية، وأن تدميرها بغض النظر عن الرتبة سيكون إنجازًا لائقا.
ومع ذلك ، لا يمكن مقارنة سرعة الدبابة بانزر 4 مع السيارة الخفيفة، خاصة عندما يركض هذا الأخير خلف حياته حرفيا. وبعد مطاردة لأقل من 300 متر ، كان الفرنسيون قد قامو بالفعل بتخطي منحدر صغير على الطريق و اختفو من مجال رؤية شنايدر. قبل ذلك ، ألقى الفرنسيون بعيدًا كل ما من شأنه أن يعيق سرعة هروبهم ، بما في ذلك المدفع المضاد للطائرات عيار 105 ملم الذي جعل شنايدر قلقًا للغاية في ما سبق. عند رؤية المدافع مهجورة على الطريق ، لم يستطع شنايدر إلا أن يشعر بالعار من سلوك هؤلاء الضباط الفرنسيين ، إذا كانت لديهم نصف شجاعة جنود الدبابات الفرنسية ، فمن المحتمل أن يكون هو وسريته من يهربون الآن بهذه المدافع.
لم يدرك شنايدر أن تفكيره كان خاطئًا تمامًا في ذلك الوقت حتى نهاية الحملة الفرنسية. فلم يكن الضباط الفرنسيون يفتقرون إلى الشجاعة ، لكنهم ببساطة لم يعرفوا أنه يمكنهم استخدام المدافع المضادة للطائرات من هذا العيار لمحاربة الدبابات.. وهو في الواقع ما قد يبدو أمرا غريبا، لكنه في الأصل عائد إلى نقص الخبرة في هذا النوع من المعارك، وهو مشهد تكرر كثيرا خلال المراحل الأولى من الحملة الفرنسية.
“ليتوقف الجميع عن التقدم ، لا يمكننا اللحاق بهم. ولا تزال لدى الفرنسيين دبابات من طراز B1 لم تظهر بعد ، النصر لم يأتي بعد فحافظو على يقظتكم ، قومو بالإستعداد بتشكيل دفاعي.”
بأوامره ، وبدأت السرية في إعادة ترتيب تشكيلها تحت قيادة كل قادة الفصائل ، شكلت الدبابات الألمانية بسرعة تشكيلًا دفاعيًا على شكل قوس.
صاح شنايدر بصوت عالٍ: “لتبلغ كل الفصائل عن خسائرها”.
“الفصيل الأول، لا خسائر”.
“الفصيل الثاني، لا خسائر”.
“الفصيل الثالث، بشكل أساسي لا خسائر. تم تفجير هوائي الاتصال للدبابة رقم 332. وقد أمرته باتباعنا”.
“الفصيل الرابع، لا خسائر. تلف زوج من عجلات الطريق، لكنه لا يؤثر على الحركة”.
“جيد جدًا. هذا يعني أن أمامنا نصرا جميلا. عندما تنتهي هذه المعركة ، أعتقد أنكم ستضمنون ميدالياتكم” قال شنايدر بابتسامة.
“نعم ، ربما ستحصل على صليب حديدي من الدرجة الأولى أخيرا.” رد قائد الفصيل زافت بابتسامة.
“البيرة ستكون على حسابي!”.
“الفرنسيون قادمون!”
بعد صراخ قبطان دبابة ، نظر الجميع نحو المنحدر الصغير ورأو شكلًا أسود طويلًا يظهر ببطء على قمة المنحدر ، وبعد توقف طفيف ، تحرك ببطء نحو مجموعة الدبابات الألمانية في أسفل المنحدر.
“إنه النموذج الفرنسي B1. لينتبه الجميع ، لم نقاتل هذا النموذج من قبل. كونو على حذر، ليبدأ الجميع في التراجع والحفاظ على مسافة أمنة.” أمر شنايدر بصوت عالٍ ، وبدأت مجموعة الدبابات الألمانية في التراجع ببطء. للحفاظ على مسافة من العدو قبل معرفة حقيقته.
عندما ظهرت ظلال سوداء طويلة تلو الأخرى على قمة المنحدر ، شعر شنايدر بعدم الارتياح قليلاً في أعماق قلبه. كان من الواضح أنه كان هناك أكثر من ست دبابات B1 أمامه. هل يمكن أن تكون القوات المدرعة الفرنسية قد تلقت تعزيزات جديدة لا يعلم بها؟ أو أن المراقب قد أخطأ؟
في ذلك الوقت ، لم يتوقع شنايدر أن المعركة بدأت للتو ، وسيواجه هو وسريته أشد الاختبارات عليهم.
ستكون أول معركة مدرعات حقيقية خلال هذه الحملة بين سرية شنايدر وأفضل وحدات الدبابات الفرنسية.
كانت هذه بداية الكفاح الأخير للجيش الفرنسي ، فهل كانت مقاومة سرية دبابات شنايدر هي القشة الأخيرة التي قصمت ظهر الجيش الفرنسي؟
هناك نقطة أخرى أعمي عنها شنايدر ، ولكن حتى لو قيلت له فربما لن يصدقها. فكما كان يقاتل بضراوة ضد القوة المدرعة الفرنسية الرئيسية التي كان حجمها ثلاثة أضعاف حجمه ، كانت قوة دعم ألمانية من مستوى لم يتخيله قط تتقدم مسرعة نحوه.
-نهاية الفصل-