معركة الرايخ الثالث - 134 - بنتيوم (II)
المجلد 5 | الفصل الثالث | بنتيوم (II)
.
.
“كل يا لافاييت ، كل”
وضع ليدول الطبق في يده جانبا ، وأخرج قطعة خبز أخرى من سلة الطعام على الأرض ، ثم قطع نصفها ، ووضع النصف الآخر مطويًا في جيب زيه العسكري.
“لا تسمحو لما حدث سابقا أن يأثر على شهيتك ، أنهي كل الطعامك، من يعلم؟ قد تكون هذه آخر وجبة ساخنة نحصل عليها لوقت طويل للغاية.” مزق ليودل شريحة الخبز بقوة وحشوها في فمه ، ثم التقط وعاء الحساء الساخن وشرب منه و تنهد بإرياح. ووجهه مليء بالرضا.
“لماذا لا تأكلون؟ يجب أن تحرصو على إشباع انفسكم الآن.” مزق ليدول قطعة أخرى من الخبز الصلب.
“من الصعب جدًا طهي مثل هذه الوجبة الساخنة لنا في المطابخ العسكرية في ظل هذا الوضع الحالي ، مع العلم أن أي دخان سوف يجذب انتباه الألمان. من أجل سلامة طباخينا المحبوبين ، سنعتمد على تلك الأطعمة الجافة من الآن فصاعدًا. ستملون الخبز والماء البارد. فشربو كل الحساء بينما هو متاح ، واحتفظو ببقية الخبز ، لن يجلب لك أحد الطعام خلال المعركة! وحينها ستدركون كم هي ثمينة كسرة خبز” لا يزال يودل يبدو غير متأثر إذ اوعز إلى جنوده.
لكن الجنود كانوا في جو مختلف للغاية. فقد كان الصمت هو ردهم على كلمات ليودل ، وكل واحد منهم خفض رأسه في شارد الذهن يحملق في صندوق غدائه بحزن.
“اللعنة ، هل تعتقدون حقا بشبهكم للجنود الآن؟ لقد بدأت المعركة للتو ، والأسوأ لم يأت بعد. وها أنتم محبطون للغاية منذ الآن ، كيف يمكنكم خوض المعركة في المستقبل بمثل هذه العقلية وهذه الروح؟ كيف يمكنكم أن تكونو جديدين بحمية بلدكم ومنازلكم، يا حسرتي على تلك المرأة التي تعتقد أن رجلها شجاع باسل، ليتهن يرونكم مكسورين هكذا! حري بكم أن تخيلو من أنفسكم! فالإخوة الذين تركونا ما زالوا يراقبوننا، وأنتم في حزنكم تشبهون الرجل الذي زنت زوجته.” رمى ليدول الخبز في يده ، و وقف موبخًا هؤلاء الجنود الشبان بصوت عالٍ.
“إرفعو رؤوسكم وانظرو إلي، بيير ، ماريوس ، روستي ، ديلانت ، هناك يراقبون! لقد ضحوا بحياتهم من أجل فرنسا والأمة الفرنسية لن تنساهم أبدا ، لقد أدو واجبهم وماتو رجال شجعانا. ودورنا كمن عاش إكمال العمل غير المكتمل لهؤلاء الأبطال ، وسنرسل هؤلاء الملاعين الألمان إلى الجحيم واحدًا تلو الآخر” ثم أشار ليدول إلى صف من جثامين الجنود الميتين وُضِعوا عند سفح جدار منهار على حافة الموقع. وصاح بصوت عالٍ:” إرادتهم جزء منا ، إنهم إخوتنا ، والآن استقبلهم الإله آملا أن يجدوا الراحة الأبدية في ملكوت السموات. لكن إذا رأوكم هكذا فهل يمكن أن يشعروا بالراحة؟ هل ستفون بما أتمنونا عليه؟ لا يمكنكم الاستمرار على هذا المنوال. الاكتئاب والحزن لا يستطيعان هزيمة الألمان. وطالما دقات قلوبنا سنطلق الرصاص حتى اخر رصاصة، وهذا هو ما علينا فعله، سنقاتل. وسننتقم لهؤلاء الإخوة الذين سقطوا ، وسنطالب الألمان البرابرة بدين الدم”.
بعد أن صراخ بهذه الجمل في نفس واحد ، شهق ليودل ونظر إلى الجنود الجالسين حوله ، وكانت عيناه مليئة بلهيب الغضب. تأثر الجنود بشدة بكلماته فقد أشعلت الشعلة المطفأة في أعماق قلوب الجنود. وأصبحت تعابيرهم حازمة ، ونظر الجميع إلى قائدهم باحترام.
هدأ ليودل من مزاجه الغاضب ، ثم التقط صندوق الغداء الخاص به ، وقال بصوت عالٍ لجنوده: “لا يزال العدو هناك يستعد للهجوم التالي دونما كلل ، وهذه المرة سيكون بالتأكيد أعظم وأشد من ما سبقه. لكننا سنقاتل بشدة ، وربما يموت البعض منا. على الرغم من أن أعظم شرف للجندي هو أن يموت من أجل وطنه ، لن ننتظر هنا مطيعين للألمان لإدخال الحراب في صدورنا ، علينا أن جعل الألمان يدفعون عشرة أضعاف ثمن كل خطوة لهم على أرضنا”.
“هذا ما أريدكم أن تفعلوه ، أنظرو إلى تلك الأرض على مد الأفق شرقا، إنها أرض فرنسا ، ولن تطهر إلى بدماء الألمان. ولكن في حالتكم قبل القيام بذلك ، أطلب منكم أن تأكلو كل الطعام في يديكم ، وحتى إذا لم تستطعو إنهاءه ، يجب عليك تخزينه بشكل صحيح ، فستحتاجون إليه. بعد الوجبة ، سيتم تقسيم الجميع إلى مجموعتين للراحة بالتناوب ، والمجموعة في الخدمة ستكون مسؤولة عن إصلاح التعزيزات معي. حسنًا ، لنبدأ في تناول الطعام” التقطت ليدول صندوق الغداء وشرب كمية كبيرة من الحساء الساخن ، ثم انحنى لالتقاط قطعة خبزه على الأرض ، ونفخ الغبار من عليها ثم حشاها في فمه.
“أيها الرقيب ، أنا …” نهض لافاييت بحماس. وجد أنه رأى أخيرًا بطلًا حقيقيًا ، ولكن عندما كان على وشك أن يقول شيئًا ما ، أوقفه ليودل.
“لا تنطق بأي حرف ، أنا أعرف ما تريد قوله ، كل شيء مكتوب على وجهك. إجلس وتناول طعامك.” ابتلع يودل الخبز وقال بابتسامة ، ثم أدار رأسه وقال لهؤلاء الجنود المتحمسين بنفس القدر: “أنتم مثله ، لستم بحاجة لقول تلك الكلمات التي تجول في اذهانكم. فقط استخدمو أفعالكم لإثبات ذلك لي ، تذكرو ما قلته سابقًا. إذا كان الأمر كذلك ، فسوف أشاهد بجانبك.”
ابتلع الجنود بسرعة ما أرادوا قوله ، أومأوا برؤوسهم بقوة إلى ليدول واحد تلو الأخر، ثم حملوا صناديق غدائهم وأخذوا الخبز وأكلو بشراهة.
‘كلهم فتيان طيبون’ تنهد ليدول سرًا ، ورفع رأسه وشرب الحساء الساخن في صندوق الغداء ، وهز صندوق الغداء ووضعه في حقيبته. استدار ليدول واتكأ على جدار والتقط المنظار ونظر نحو الموقع الذي أمامه.
لم يعد موقعا ، إنه جحيم دموي. لقد فقد الحقل الأخضر أخضراره السابق تمامًا ، وكل ميُرى على مد الأفق كان الحفر المحترقة والتربة التي تشوهت بواسطة القذائف ، والخنادق المنهارة ، وأعمدة الدخان، والحرائق التي لا تزال مشتعلة ، والجدران السوداء المصنوعة من الخيزران التي لا تزال تدخن. شكلت أساس هذا الجحيم. البنادق المكسورة وصناديق الذخيرة المتناثرة والأسلاك الشائكة الملتوية ومخابئ أكياس الرمل المحطمة والأشجار المقطوعة هي الهيكل لهذا الجحيم. ما تبقى هو جثث ودماء ، كانت جثث الجنود وأطرافهم المحترقة وأذرعهم الممزقة منتشرة في كل مكان ، وستكون محظوظ إن وجدت جثة كاملة الأطراف مثل جثث مرؤوسي ليودل في الداخل. لم يترك الكثير من الجنود سوى جذوع محترقة ومشوهة، أو ذراعًا دموية، والكثير منهم إندثر تماما. لقد اختفوا من هذا العالم تحت نيران المدفعية المرعبة للألمان غير تاركين اي أثر خلفهم ، فقط أجزاء من الزي العسكري أو حقيبة ظهر متفحمة تثبت انهم وجودو ذات مرة. وقد تثبت قصاصة ورق أو صورة عائلية في قلادة هوية أحد هؤلاء حتى يترك عند باب مرأته خبر وفاته وأنها ترملت، وأما الأخرون فسيوضعون في قبور أرقام، لا أحد يعرفهم، ولا أحد يتذكرهم.
ذهب خط الدفاع الأول دونما رجعة ، ولم يعد هناك خندق كامل هنا ، وتم تحويل جميع المخابئ ونقاط القوة النارية إلى أنقاض محترقة كان يتصاعد منها الدخان. ترك فصيلتان كاملتان من الجنود في خط الدفاع الأول ، وقد قاتلو بعناد شديد ، ولم يحاول أحد الهروب أو التراجع ، واستغل الجنود حياتهم لإظهار كرامتهم للعدو. لم تذهب تضحياتهم عبثًا ، كما جعلوا هؤلاء الأعداء الأقوياء يدفعون ثمنًا باهظًا. وتناثرت جثث ما لا يقل عن خمسين جنديًا في العراء أمام المركز ، وأثبتت تلك البزات ذات اللون الرمادي هويات هؤلاء الجنود ، وسفك الجيش الألماني الدماء على نفس الأرض في هذا الموقع. لا يزال حطام المركبات الألمانية الثلاث ينبعث منه دخان اسود. وقد فحم اللهب شعار الصليب الحديدي الرائع ولم يتبق منه سوى نصفه. لقد أدى الاحتراق العنيف إلى تدمير الطلاء الرمادي الجميل للمركبات المدرعة ، و هذه الأماكن تظهر باللون الأحمر البرتقالي ، ولون الخلفية المعدنية يجعل هذه المركبات المدرعة ، التي تبدو غريبة في حد ذاتها ، أكثر بشاعة ورعب.
لم تتوقف خسائر القوات المدرعة الألمانية عند هذا الحد ، فقد انهار حطام خمس دبابات من النوع الثاني بشكل متعرج خلف خط المواجهة. وكانت جثث جنود الدبابات الألمان ملقاة حول الدبابات ، وكانو إما محترقين مع دباباتهم إلى رماد ، أو اصبحو قطع مشتعلة تتدلى من مخرج البرج الأسود.
يجب أن يفخر الجنود الفرنسيون في خط الدفاع الأول بإنجازاتهم ، على الرغم من عدم بقاء أي منهم على قيد الحياة للحصول على هذه التكريمات.
لطالما كانت الحرب مضحكة.
مر الهجوم الألماني مثل البرق والرعد ، وعندما فكر ليدول في المعركة القصيرة والمأساوية المقبلة ، شعر بقشعريرة من أعماق قلبه.
عندما ظهر الألمان ، قاد ليودل رجاله لبناء تحصيناتهم. كان الجنود متحمسين للغاية ، وعلى الرغم من أنهم رأوا الجيش الألماني من قبل ، إلا أن هذه كانت المرة الأولى التي قاتلوا فيها بالفعل ضدهم. قبل ذلك ، تراجعوا واستمروا في التراجع أمام الألمان، الآن حان الوقت لهم لمواجهة هؤلاء الألمان أخيرًا ، فكل شخص لديه دافع لا يوصف في قلبه ، دافع للتنفيس عن الإذلال والاكتئاب الذي عانوه قبل شهر.
كانت الدفعة الأولى من الألمان هي وحدة الاستطلاع التابعة لجوديريان ، وقد علموا منذ فترة طويلة من تقرير الاستطلاع لسلاح الجو أن هناك مثل هذه التحصينات في القرية ، وكانت مهمتهم هي الاستيلاء عليها.
لم يقترب الألمان بتسرع في البداية ، لقد راقبوا الوضع هنا من مسافة بعيدة. وطاف فصيل من العربات المدرعة خارج مدى المدافع الرشاشة الفرنسية، ثم توقفو، عرف ليودل أنهم كانوا ينتظرون وصول قوات المتابعة ، وعندما تصل الدفعة التالية من القوات الألمانية ، ستبدأ المعركة رسميًا.
يبدو أن ضباط قيادة الفوج يعرفون هذا، لكن من الواضح أنهم افتقروا إلى صبر الألمان ، أو أنهم افتقروا إلى الثقة لكسب المعركة؟ على كل حال كانت النتيجة أن استخدموا المدفعية لإطلاق النار على مدرعات إستطلاع الألمان أولا. ثم قامت ستة مدافع هاوتزر عيار 105 ملم برشق ثلاثين أو أربعين قذيفة على قافلة الاستطلاع الألمانية ، ولم يتحقق شيء سوى أن الألمان أصيبوا بالذعر وتراجعوا بعيدا.
لقد كان ليدول قانط من السلوك الخرق لرجال المدفعية ، حيث اشتبه في أن القذائف ، إلى جانب إصابة طبلة الأذن لبعض الجنود الألمان ، ربما لم تخدش حتى طلاء المركبات الألمانية المدرعة. كان ليدول يتصبب عرقا بسبب المعركة التي كانو على وشك مواجهتها في وقت لاحق ، وصلى من أجل أن تتصرف المدفعية بشكل طبيعي بعد بدء المعركة.
لكن يبدو ان جنود يودل لم يدركو ما ادركه، فقد أعمتهم روعة القصف ، وصاحوا جميعًا لإعادة تزويد المدفعية بالقذائف. ولما بدأت المدرعات الألمانية في التراجع ، بدأو جميعا في الهتاف مرة أخرى ، كما لو كانو قد انتصرو في معركة ضخمة. قام ليودل بتبريد عقول الجنود المحمومة بطريقته الخاصة ، فقد أعطى الرجل الذي كان يصرخ بشدة صفعة على رأسه ، وسحبه من أذنيه وجرجره إلى مواقعهم. لكن قبل أن يبدأ في تثقيف الجنود الشباب وتوبيخهم ، ظهر جيش ألماني كبير في الأفق.
كان هذا الجيش رادع للجنود الشباب أكثر من أي توبيخ قد يلقيه يودل.
كانت القافلة الألمانية المدرعة ومجموعات المشاة التي لا تعد ولا تحصى مثل مستعمرة النمل الرمادي بمثابة سكب الماء البارد على رؤوس جميع الجنود الفرنسيين الحاضرين. كانوا يعرفون أنهم كانوا سعداء دون سبب ، فالألمان لم يهزموا ببعض القذائف، ووفقًا للوضع الحالي ، قد يكونون هم المهزومين.
شن الألمان خط معركة على بعد أكثر من 2000 متر من القرية ، وهذا في الواقع لا يمكن تسميته بخط معركة ، فقد شكلوا دائرة حول القرية وأحاطوا بها بكثافة. ثم بدأ الهجوم الألماني الأول. لكن الألمان لم يهاجموا في وقت واحد من جميع الاتجاهات ، فقد أكتفى الألمان بشن هجوم صغير على مقدمة القرية ، في الاتجاه الذي كان ليودل يحرسه.
يمكن للجميع أن يرى أن الألمان يريدون اختبار دفاع القرية أولاً ، ولكن لا يمكن لليودل ان يكون متفائل. ففي كثير من الأحيان ، سيتحول الهجوم المؤقت إلى هجوم منتظم واسع النطاق. والأمثلة على ذلك تكثر في الحرب الماضية.
جاء أمر العقيد دي فادواي لقوات الخط الدفاعية الأولى باستخدام كل قوتهم لصد هجوم العدو ، وهذا لا يمكن أن يلقن هؤلاء الألمان المتغطرسين درسًا فحسب ، بل يرفع معنويات الجنود الآخرين أيضًا.
في ذلك الوقت ، لم يكن العقيد يتوقع على الإطلاق أن يكون هذا الهجوم الصغير في ظاهره وحشيًا للغاية ، ولم يكن يتوقع أنه سيدفع ثمن له قوة حراسة الخط الأول بأكملها.
كان الألمان يشنون هجومًا مبدئيًا بالفعل ، لكن طبع الجيش الألماني المتغطرس الجنوني المصابين إلى حد ما بقدر من الاعتزاز الذاتي دفعهم إلى تحويل هذه الهجوم المبدأي إلى هجوم حقيقية بمجرد رؤية مقاومة الفرنسين.
كان أول شيء فعله الألمان هو نصب المدفعية ، حيث استخدمت المدفعية الألمانية مدافع مشاة عيار 75 ملم لفرز المواقع الأمامية الفرنسية بعناية. كان القصف الألماني عنيفًا ومكثف للغاية. ولم يظن أحد أن الألمان سوف يسكبون الكثير من القذائف على مثل هذا الموقع الصغير بتهور. وجعلت الانفجارات المستمرة من الصعب معرفة البداية من النهاية ، وانفجرت كرات النار الضخمة إلى قطع على الخط الأمامي ، وبدت وكأنها غمائم من السحب المتدحرجة والحارقة.
وقتها عند رؤية مثل هذا المشهد الرهيب ، لم يستطع ليودل إلا أن يتساءل عما إذا كان يمكن لأي شخص أن يعيش على خط المواجهة في ظل هذا القصف المكثف.
تسبب القصف الألماني في إحداث فوضى في المواقع الفرنسية ، حيث لم يشهد الجنود الفرنسيون مثل هذا القصف المروع من قبل. بالمقارنة مع قصف الألمان ، كان قصف مدفعية الفوج السابق لا يستحق الذكر..
حدق جميع الجنود الفرنسيين في ساحة المعركة مذهولين، وقد تراقصت سحب الدخان المتصاعدة والكرات النارية المتساقة. أثرن الانفجارات العنيفة على طبلة الأذن الهشة ، وحفز دخان البارود القوي قنواتهم التنفسية. وتخلل ببطء نحو قلوب الجند.
صُدم الجنود من المشهد الذي أمامهم ، فركضوا عبر ساحة المعركة ورؤوسهم بين أيديهم. فتحوا أفواههم وصرخوا بصوت عالٍ ، لكن لم يسمع أحد صراخهم ، ولا حتى هم أنفسهم. كان هناك صوت واحد فقط يسود على كل شيء اخر، وهو صوت الإنفجارات المدوية مثل فرقعة الرعد. وبعد دقيقة أوقف الألمان قصفهم ، لكن القصف استمر في قلوب الجنود الفرنسيين ، وما زالت الانفجارات تدق في آذانهم ، ولا تزال الأرض تهتز تحت أقدامهم.
لم ينتظر الألمان الأرض لتبرد ، إذ بدأو هجومهم بالفعل.
سارت خمس دبابات من النوع الثاني واندفعت ببطء نحو مواقع الخطوط الأمامية للجيش الفرنسي ، وخلف الدبابات كانت هناك اثنتي عشرة عربة مدرعة ومجموعة كاملة من المشاة الألمان.
انعكست جودة المشاة الألمان بشكل مثالي في هذه العملية المنسقة مع بدبابة المشاة. انحنوا لخفض ارتفاع أجسادهم قدر الإمكان ، وتبعوا عن كثب السيارة المدرعة بخطوات صغيرة. ستؤدي القوة النارية والدروع الصلبة للدبابات إلى تمزيق خط دفاع الخصم مفسحة المجال لهؤلاء المشاة ، في حين أن المدافع والرشاشات الموجودة على السيارة المدرعة يمكن أن توفر لهم غطاء ناريًا قريبًا. اختبأ الجنود خلف الهيكل الصلب للعربة المدرعة وتقدموا بأمان نحو موقع الخصم. قبل الاصطدام النهائي ، لم يكن عليهم القلق من خطر رصاص العدو. لم يكن لدى الخصم أي طريقة أخرى لإلحاق أضرار قاتلة بهم إلا قصف. تتمثل مهمة المشاة في القضاء على الجنود المتبقين في موقع الخصم بعد اختراق الدبابات لموقع العدو ، وأخيرًا احتلال موقع العدو بالكامل. وخلال هذا الوقت ، يقومون أيضًا بمهمة حماية الذيل والأجنحة الضعيفة للدبابات والعربات المدرعة ، عندما يريد العدو مهاجمة الدبابات أو العربات المدرعة من هذين الاتجاهين ، فسوف يتعرضون لهجوم لا يرحم من قبل هؤلاء الجنود الألمان.
هذا هو نمط القتال التعاوني الأكثر شيوعًا لدبابات المشاة للجيش الألماني، وهو ليس أسلوب حديث العهد ، وكل شيء فيه يعتمد على الصارمة ودقة.
أخذ قادة المدرعات الألمان في الاعتبار جميع المواقف المحتملة ، وكان أسلوب القتال هذا في نظرهم مثاليًا. اتبع المشاة الألمان هذه القاعدة بصرامة ، وقد أثبت السجل الرائع السابق لهم أن هذه طريقة للقتال فعالة. لكن هذه المرة ، واجهوا مشاكل لم يسبق لهم أن واجهوها من قبل ، وكان أعداؤهم عنيدين للغاية.
راقب قائد الدبابة الأولى المواقع الفرنسي بيقظة من خلال نافذة المراقبة الخاصة به ، وعلى الرغم من أنه كان يعتقد أنه من غير المحتمل أن ينجو أي شخص على الجانب الآخر تحت نيران المدفعية الكثيفة السابقة ، إلا أنه لم يجرؤ على أن يكون مهملاً. مجال رؤية للدبابة من الطراز الثاني ضيق للغاية ، وفي هذا النوع من المعارك ، لا يمكنه الوقوف خارج البرج كهدف بغباء. في هذه الحالة ، ولم يفتح اي من نوافذ الرؤية الأوسع ، لأنه لأن فتحهم قد يجلب له الهلاك في غضون دقائق قليلة. يمكن لقنبلة صغيرة مضادة تجد جريقها إلى داه الدباباة أن تخترق درع دبابته الذي يبلغ سمكها 15 مم فقط وتحولها إلى شمعة مشتعلة.
من المؤكد أنه كان هناك تحرك مفاجئ في الموقع الفرنسي كما توقع. على الرغم من أن القائد كان مستعدًا ذهنيًا بالفعل لذلك ، إلا أنه لم يستطع المساعدة في فتح فمه بدهشة عندما رأى قطعًا من خوذات ادريان الفولاذية الفرنسية تنبثق من الخنادق المحطم. لم يستطع تصديق أن الفرنسيين ليسوا فقط على قيد الحياة ، لكن أيضا لا يمكم القول ان عدد الناجين كان صغيرا ابدا.
“هذه هي الدبابة رقم 1، الفرنسيون ما زالوا على قيد الحياة ومستعدون لإطلاق النار.”
بهذه الكلمات ضغط القائد على مفتاح جهاز الاتصال لتحذير زملائه.
“مفهوم.”
جاءت إجابة قصيرة ولكن حازمة من سماعة الرأس. أدارت الدبابات الخمس أبراجها للبحث عن الهدف ، وزادت سرعتها وبدأت في الانطلاق نحو الموقع الفرنسي المقابل.
نجا الجنود الفرنسيون في خط الدفاع الأول من القصف. وذلك لأن العقيد اعتمد على خبرته ليطلب منهم تعميق الخنادق. وعلى الرغم من إصابة أجزاء قليلة من الخنادق بشكل مباشر وتسببت في سقوط بعض الضحايا ، إلا أنه تمكن من انقاذ عدد اكبر من الجنود. ولم يصب الجنود الناجون بأضرار كبيرة إلا أنهم صُدموا من هول القصف وأصيبوا بضرر مؤقت في السمع. وعندما مر رد الفعل الناجم عن القصف ، وقفوا مرة أخرى من الخنادق واحدًا تلو الآخر.
أمسك الجنود الفرنسيون بإحكام بالأسلحة التي كانوا قد حموها للتو تحت أجسادهم ، ونظروا بحزم إلى الوحش الفولاذي التي كانت تندفع نحوهم ، ونسي الجميع الخوف من الموت. كانوا جميعًا يعرفون ما ستكون عليه النهاية ، لكن أحد لم يفكر في الهروب ، ولم يكن لديهم الإستعداد لتحمل عار الهروب ، وقد حان الوقت للمطالبة العدو بتسديد ديون الدماء.
لا أحد يعرف من أطلق النار أولاً ، لكن المعركة بدأت في تلك اللحظة.
كان الجنود الفرنسيون يكافحون لإطلاق النار على الدبابات الألمانية القادمة. كما تم نصب المدافع الرشاشة القليلة المتبقية وإلقاء النيران على مجموعة المركبات المدرعة الألمانية. امطر الرصاص على الدرع الرقيق للدبابة رقم اثنين الخفيفة، مما تسبب في سلسلة من الصدمات الحادة.
لكن إطلاق الجنود الفرنسيين النار كان عبثًا ، حيث تم صد كل رصاصاتهم بواسطة درع الدبابة. وعلى الرغم من أن درع الدبابة رقم اثنين اثنين بسمك 15 فقط ، إلا أنه كان كافياً لجعلها تصمد أمام هجمات الأسلحة العادية. قام السائق والميكانيكي بخفض الألواح المدرعة على نوافذ المراقبة الخاصة بهم ، والآن يمكن للسائق الاعتماد فقط على ما رآه في فتحتين صغيرتين لمراقبة اتجاهه ، وبدأت سرعة الدبابة في التباطؤ.
أطلق الجنود الفرنسيون النار بقوة أكبر ، ورأوا رصاصاتهم ترتد عن درع الدبابات والمدرعات ، لكنهم استمروا في إطلاق النار ، ولم يبق في أذهانهم سوى القتال ، والموت وحده هو الذي يجعل هؤلاء الرجال يوقفون هذا السلوك الجنوني.
بدأت الدبابات والمدرعات الألمانية هجومها لحظة خروج الجنود الفرنسيين من الخنادق ، وواصلت رشاشات 20 ملم إطلاق النار على الجنود الفرنسيين في الخنادق ، وأحدثت انفجار على حافة الخندق ، وغطى الغبار المنطقة بالكامل بطبقة من الدخان.
تسبب القصف الهائل للرشاشات والمدافع الرشاشة في خسائر فادحة لهؤلاء الجنود الفرنسيين ، ومع اقتراب الدبابات ببطء ، بدأت الهجمات المضادة في الخنادق تتضاءل. كان خط الدفاع الأول على وشك أن يتم اختراقه ، وفي هذا الوقت لم يتكبد الألمان أي خسائر في الأفراد بعد.
شاهد ليدول ورجاله كل هذا بألم من خلف المخبأ ، ولم يكن الألمان قد دخلوا بعد نطاقهم، وكان عاجزين عن فعل أي شيء حيال الموقف في خط الدفاع الأول. كان مرؤوسوه أيضًا مليئين بالألم والغضب وهم يشاهدون انهيار خط الدفاع الأول امام انظارهم. ووجهوا اعنف الشتائم إلى ضباط قيادة الفوج الذين لم يكتفوا بوضع المدافع المضادة للدبابات في المؤخرة بحماقة ، ولكن بسبب عنادهم ، تم وضع المدافع الرشاشة عيار 20 ملم التي تم تقديمها لخط الدفاع الأول وفقًا لما يسمى المخبأ الذي بني في العراء ، وتم تفجيرها في كومة من الخردة الحديدية في الموجة الأولى من قصف الألمان. لن يكون هذا هو الحال إذا كان لدى الجنود الآن مدافع عيار 20 ملم.
تم ذبح رفاقهن، لكنهم لم يحركو ساكنين، لم يستطع جنود ليودل القانطين منع انفسهم من صك أسنانهم وشد قبضاتهم بإحكام. نظروا بغضب إلى المدفعين المضادين للدبابات عيار 37 ملم بجانبهم، ولم يفهموا لماذا لم يأمرهم القائد بإطلاق النار بعد. إذا أطلقوا النار ، فإن هؤلاء الرفاق الذين كانوا يموتون ببطء سيكون لديهم إمكانية الاستمرار في العيش. ولكن تم وضع هذين المدفعين هناك دون جدوى، وكان الجنود مليئين بالغضب والعجز ، فقد أمروا بعدم إطلاق النار لأن دبابات العدو الأقوى لم تظهر بعد ، ولم يكن من الممكن كشف مواقع هذه الأسلحة المهمة.
في هذا الوقت ، تلقى خط الدفاع الثاني أمرًا. عند اختراق خط الدفاع الأول ، يجب عليهم إيقاف الهجوم الألماني بأي ثمن واستخدام جميع الوسائل لتدمير دبابات العدو التي ضربت دائرة الدفاع. وتم التشديد على كلمة “بأي ثمن”.
بدأ الألمان الهجوم ثانية ، واندفعت الدبابات نحو الخندق بسرعتها الكاملة ، وانتشرت العربات المدرعة أيضًا بالترتيب لتغطي الجناحين ، مما أفسح المجال أمام المشاة للهجوم. بدأ المشاة الألمان في تسريع وتيرتهم ، وهم يصرخون ويتجهون نحو الموقع الفرنسي على بعد عشرات الأمتار. كان المشاة الألمان يركضون بسرعة حاملين بنادقهم ، وكانت الحراب بين ايديهم تتألق بضوء بارد مبهر.
لقد وجدوا أنه لا يوجد أي جندي فرنسي في الأفق في المواقع الفرنسية أمامهم. هدر الجنود الألمان بصوت عالٍ ، واندفعوا إلى الأمام بحماس. وبدا أن هؤلاء الجنود قد شاهدوا فجر النصر في تلك اللحظات. وأرادو إثبات أسطورة أن الجيش الألماني جيش لا يقهر ، وسيفوزون بسهولة بنصر باهر دونما تشويق.
لكن بعد ثانية ، تغير كل شيء ، وسقط مطر من الموت على رؤوس الألمان.
تمامًا كما ترنحت الدبابات الخمس عبر الخندق واستمرت في التقدم ببطء إلى عمق الموقع ، ظهرت صفوف من خوذات أدريان على الخندق مرة أخرى ، ثم سقطت أمطار غزيرة من القنابل اليدوية على رؤوس الجنود الألمان. انفجرت قنبلة F1 التي استخدمتها فرنسا في الحرب العالمية الأولى بين الجنود الألمان مرة أخرى بعد أكثر من 20 عامًا لتحصد مزيد من الأرواح.
وعلى الرغم من استبدال صمامات F1 بنوع جديد ، إلا أن قوتها لم تتغير على الإطلاق. وسقط العديد من الجنود الألمان أمام الموقع غارقين في دمائهم ، وتدحرج عدد مم الجنود الألمان وانتحبوا على الأرض المجاورة ممسكين بأجزاءهم المصابة.
سمحت حكمة الجنود الفرنسيين لهم بأخذ زمام المبادرة لأول مرة في هذه المعركة. فبدأوا في إطلاق النار بعنف على المشاة الألمان الذين خرجو من غطاء السيارة المدرعة. وأدى الرصاص الكثيف إلى دفع المشاة إلى الأرض لا يستطيعون رفع رؤوسهم. بعد قمع المشاة الألمان ، استدار الجنود الفرنسيون وتعاملوا مع الدبابات الخمس رقم اثنين التي اندفعت عبر الخنادق ، وقتها قفز عشرات الجنود الفرنسيين من الخندق الذي ظنه الألمان فارغ خلفهم واندفعوا نحو ظهور الدبابات رقم اثنين. وكان كل منهم يحمل زجاجة حارقة بقطعة قماش محترقة موصولة في فم الزجاجة.
علمت الدبابة رقم 2 من الراديو بما حدث خلفها ، والآن بدأت هذه الدبابات تستدير ببطء ، وبدأت أبراجها أيضًا في الالتفاف نحو العدو خلفهم ، لكن الأوان كان قد فات، تم إلقاء الزجاجات الحارقة بدقة على غطاء المحرك في الجزء الخلفي من الدبابات، وكان السائل اللزج الممزوج بالبنزين والمطاط والفوسفور الأبيض الموجود في الزجاجة المكسورة مشتعلًا. بعد أربع ثوان ، اشتعل محرك البنزين في الدبابة بالسائل المشتعل ، وتحول الخزان إلى كرة نارية كبيرة في لحظة.
صرخ أفراد الطاقم في الدبابة وقفزوا من الدبابات ، لكنهم تعرضوا للضرب بعد ذلك من قبل الجنود الفرنسيين الغاضبين ، وقتل بعض جنود الدبابات بالرصاص في مخارج الدبابة الضيقة قبل أن يتمكنوا من الهروب من مركباتهم المحترقة.
المعركة الأمامية لا تزال مستمرة ، والعربات المدرعة المنتشرة على كلا الجناحين عادت للخلف ، واستخدموا القذف الجنون للرصاص لإنقاذ المشاة الألمان من خطر الحصار الفناء بعد خسارة غطاء الدبابات خلفهم، و تحت غطاء العربات المدرعة ، دعم المشاة الألمان الجرحى وقاتلوا ببطء أثناء التراجع. استخدمت المدرعات الرشاشات للتنفيس عن اكتئابها بسبب وقوعهم في فخ الفرنسيين ، وقامو بعكس اتجاه المركبات أثناء قصفهم. فقط بعد ان انسحابو من نطاق رماية الجنود الفرنسيين استداروا واتجهوا نحو مواقعهم.
عندما رأى الفرنسيون الألمان يتراجعون بسرعة ، لم يستطع الجنود الفرنسيون في المواقع الأمامية تصديق أعينهم. لم يتمكنوا من كبح دموع الفرح عندما رأوا جثث الجنود الألمان ملقاة أمام مواقعهم والمدرعات المحترقة. هتفوا بصوت عالٍ ، صرخوا يائسين ، أطلقوا النار في السماء ، ولم يكبحو فرحتهم للنجاة من المعركة الأولى، إذ عبرو عنها بكل طريقة يمكن أن يفكروا بها.
هلل الخط الفرنسي بأكمله ، وصفق الجميع للجنود الشجعان. فاز الجنود الفرنسيون أخيرًا بمعركة بعد الكثير من الهزائم والضحايا، وهذا هو أول انتصار للجيش الفرنسي عندما تكون اليد العليا للجيش الألماني.
لقد فازو حين راهن الكل على خسارتهم.
فقط عندما انغمس الفرنسيون في غمرة فرحتهم ، تردد صدى عويل مألوف في آذانهم.
رفع الجنود رؤوسهم نحو السماء غريزيا، فحتى موجة الهتافات لن تستطع إخفاء ذلك العواء الحاد. لم يستطع الجنود الفرنسيون إلى وقف إحتفالاتهم والنظر في صمت إلى ما كان فوقهم.
إلى السماء المليئة بستوكا.
-نهاية الفصل-
تتميز طائرات ستوكا بصوت مميز، جربو الإستماع إليه على يوتيوب إن سنحت لكم الفرصة. 🙂