معركة الرايخ الثالث - 96 - إكتملت المهمة
المجلد 4 | الفصل السادس عشر | إكتملت المهمة
.
.
“جنرال ، لقد وصلنا.” أخرج صوت هانس شي جون من تأمله إلى العالم الحقيقي.
رفع شي جون رأسه بعيدا عن النافذة ونظر إلى هانس
“جنرال، يبدو لي أنك مشتت. لقد أبلغتك بوصولنا عدة مرات ولم ترد”.
“أحقًا؟ كنت أفكر في ما مررنا وما سنمر به”.
“جنرال، لقد أرهقت نفسك هذه الأيام ، يجب أن تنتبه إلى صحتك ، لا أريد أن أراك تمرض بسبب الإرهاق”. قال هانس بقلق.
“بالتأكيد ، عندما ننتهي من هذا ، أعتقد أننا جميعا نستحق قسط حقيقي من الراحة.” نظر شي جون من نافذة السيارة إلى مجموعة من الحراس الذين كانوا يحيونه وتنهد سراً. وتمنى ‘امل ان يمضي كل شيء على ما يرام’.
كان لا يزال متخوف من رد هتلر، لكنه أيضا لن يظهر مخاوفه لمرؤوسيه.
عبر نقاط التفتيش التي تم تعزيزها أكثر من عشرة أضعاف، تحركت قافلة شي جون ببطء نحو حي اليهود في وارسو.
كانت سيارة مرسيدس بنز الفاخرة تسير ببطء في الشارع القديم ، وتبعتها شاحنتان عسكريتان ممتلئتان بجنود Waffen-SS ، وكانت سيارتان تابعتني للجستابو تسيران في مقدمة الطريق المفتوح للقافلة.
الهالة التي تحيط بالقافلة جعلت كل من رآها يشعر بإحساس ثقيل بالقمع ، خاصة التعبيرات الصارمة والعيون الباردة الجليدية لجنود Waffen-SS ذوي اللباس الأسود على الشاحنتين ، وقد أشعرو كل من ينظر إليهم بالقشعريرة. إذ لا شك في أن هؤلاء الجنود مستعدون للقفز وإطلاق النار على أي شخص يقف أمامهم في لحظة.
هذا الشارع المألوف جعل شي جون يشعر بعدم الراحة. في ذلك المساء قبل خمسة أيام ، سار هو ورجاله نحو المجزرة الرهيب من نفس الطريق.
بدأت وجوه أولئك المذبوحين تظهر بوضوح في ذهن شي جون مرة أخرى ، و بدا أنه سمع صرخات ونحيب هؤلاء الضحايا اليائسين قبل وفاتهم.
نظر شي جون إلى المشهد على جانبي الشارع بجدية. الآن تم نقل يهود جدد للعيش هنا. لأنه من الخسارة أن تبقا هذه المساكن فارغة وغير مأهولة ، بينما يعيش يهود المناطق أخرى يعانون الإزدحام معًا في منازل صغيرة، لذا من الأفضل نقلهم، و بذلك لن يكن هناك أبدا إهدار لمساحة عيش اليهود، وسيجدون دائما أشخاص لنقلهم.
الآن لا توجد أي علامة على الكارثة التي حدثت هنا من قبل. فيبدو أن هؤلاء القاطنين اليهود قد أعادوا ترتيب هذه الشقق ، ونظفوا الشوارع بعناية ، حتى أنهم قامو بصقل اللافتات النحاسية على أبواب تلك الشقق المتداعية. وتمت استعادة المشهد النابض بالحياة ، ظاهريا على الأقل.
عندما شوهدت قافلة شي جون تحتل الشارع، بدأ جو عميق من الرعب يخيم على الحي بأكمله.
نظر اليهود إلى القافلة المهيبة أمامهم بخوف صامت. كانوا جميعا قد خمنو ما حدث هنا قبل قدومهم، فقد شاهدو بأعينهم بقع الدم التي لا يمكن تنظيفها والأمتعة التي تم القائها في كل مكان داخل الشقق وخارجها، وحفر الرصاص على جدران الساحة، سمحت لهم هذه العوامل باستنتاج الإجابة الرهيبة. لذلك عندما دخلت دفعة أخرى من القوات النازية المسلحة رفيعة المستوى الحي ، كان من المستحيل على أي شخص تجاهلها مرتاح البال، ماذا فعل هؤلاء الألمان سابقا ومالذي ينون فعله الآن؟ هذه الأسئلة ملأت قلب كل يهودي يعيش هنا.
انطلاقًا من سيارة مرسيدس الفاخرة التي يحرسها الموكب، والشعار النبيل على السيارة ، يجب أن يكون الشخص الجالس في هذه السيارة شخصية بارزة ، وقد جعلهم هؤلاء الحراس المدججون بالسلاح أكثر ثقة في تخمينهم.
لكن هذا تركهم مع تساؤل من قد يكون؟ فحتى الحاكم العام على بولندا فرانك ، لن تكون لديه مثل هذه الحماية الصارمة، رأى المشاة الذين كانوا يندفعون في الشارع القافلة تقترب ببطء من مسافة بعيدة فتجمدت دمائهم من الخوف، ووقفوا على عجل أمام الحائط في الشارع ، وخلعوا قبعاتهم جميعًا وأنزلوا رؤوسهم لترحيب بالمحتلين الألمان. اليهود لا يعاملون كالبولنديين، إذا رأى البولنديون قافلة كهذه فيمكنهم تحاشيها، أو حتى الهرب، لكنهم كانو مختلفين. إذا تجرأ أي منهم على القيام بسلوك كهذا أمام الألمان ، فسيعتر ذلك بمثابة ازدراء. ونتيجة القيام بذلك ستكون كارثية وقد رأواها عدة مرات ، وتتراوح بين التعرض للضرب المبرح -إن كان الألمان متفرغين- ، إلى فقدان الحياة مباشرة ، وانطلاقًا من مستوى القافلة أمامهم، إذا حاولو تفاديها خائفين بتهور ، ستكون نهايتهم بالتأكيد هي الأخيرة.
نظر شي جون من نافذة السيارة إلى اليهود الواقفين في الشارع ورؤوسهم منحنية له ، وشعر بأحاسيس مختلطة. يجب أن يكون هؤلاء المحتلون الألمان قادرين على الاستمتاع كثيرًا بردود أفعال هؤلاء اليهود ، ويجب أن يكونوا فخورين للغاية بهذا المشهد الذي يرضي عيونهم. معتزين بإحساس التفوق.
لا يوجد فعل أبشع في تاريخ البشرية من أن تبني أمة إحساسها بالتفوق على حساب أمة أخرى.
كما أن رد فعل هؤلاء اليهود جعل شي جون يتدبر بعمق. يبدو أن هذه الأمة معتادة على الاضطهاد. وقد سمحت لهم قدرتهم على التكيف بفهم كيفية إرضاء النفسية المنحرفة لهؤلاء النازيين في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن. وأظهرو لهم الذل والهوان، وقد تعلمو بأنفسهم ما يجب القيام به في مثل هذه البيئة الخطرة للحفاظ على حياتهم، كما لم تسجل الكثير من أعمال المقاومة من قبلهم. لكن لا يجب أن تنخدع بمظهرهم الخاضع وتألفهم معتقدا أنهم حملان وديعة، فهم يخفضون رؤوسهم بحكمة عند الحاجة، لكن أعناقهم لم تنكسر، والكراهية مخفية بعمق خلف الخوف الشديد والرهبة في عيونهم.
إنهم ببساطة أمة تبرع في البقاء على قيد الحياة، وقد أنقذتهم عقولهم وسعة حيلتهم من الأزمات واحدة تلو الأخرى ، ولكن وللمفارقة، لطالما كان دهاءهم المفرط هو ما جلب لهم الكوارث.
إن حنكة وجشع رجال الأعمال اليهود الأثرياء القسات جعل ‘اليهودي’ مرادفًا للتاجار المستغِلين الذين يحيكون المؤمرات للربح في أذهان جميع الأوروبيين. خاصة خلال فترة الكساد العظيم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى ، كانت تصرفات رجال الأعمال حقيرة للغاية، وقد تسبب سعيهم خلف مصالحهم الشخصية في معانات الكثير من الأشخاص ، ويمكن القول إنهم قد سحقو عظام المدنيين الألمان العاطلين بعقودهم والسندات المكلفة. والفائدة العالية التي إشتهرو بوضعها.
لدرجة أن مقولة شعبية إنتشرت بين الألمان في ذلك الوقت تقول ‘إستدن من إبليس ولا تستدن من يهودي’. وربما كانت تحتوي على بعض الوجاهة.
يمكن يعزا أكبر شطر من مسؤولية الفوضى الاقتصادية التي خلفها الكساد العظيم في جميع أوروبا إلى اليهود، فقد أدى سلوكهم لوضع ربحهم الشخصي أولا إلى جعل حياة المدنيين الألمان العاديين الذين كانوا يكافحون بالفعل على خط الفقر أسوأ.
صحيح أن لمعادات السامية في ألمانيا تاريخ طويلا، لكن خلال الأزمة الإقتصادية أخذت أحد منحنياتها الأكثر أهمية، كان المدنيون الألمان ممتلئين بالإحتقار والاشمئزاز تجاه رجال الأعمال وملاك الصناعة والتجار اليهود الذين إستغلوهم خلال الأزمة، وبذلك جاء دور الحزب النازي ليضيف شعلة صغيرة على الحطب والبترول، حيث ألقوا بلائمة الهزمية المرة وخسارة ألمانيا تلك الحرب على كاهل اليهود، صدق الكثير من الناس الذين لا يمتلكون انطباع جيدا عن اليهود هذا، حتى أن هتلر كان يعتقد أن الشيوعية في ألمانيا قد تم نشرها من روسيا -والتي كان يراها بلد من الشيوعيين واليهود- من قبل اليهود ، وهو في الواقع ما كان أمرا عجيبا ، ربما لأنه كان يعتقد أن مؤسس الشيوعية كان يهوديًا. لكن ألم يكن يعلم أن النزعة المعادية للسامية في روسيا في ذلك الوقت قد تجاوزت بكثير تلك في ألمانيا. كيف يمكن لليهود القدوم إلى ألمانيا لنشر الشيوعية التي تفسد التجارة وتحتقرهم؟ هذا مجرد هراء.
نتيجة لذلك ، عندما ارتبطت هذه الخيوط ببعضها، نما شعور الألمان تجاه اليهود من الاشمئزاز إلى الكراهية. مدفوعين بالحرب الدعائية التي قادها الحزب النازي ، وسقطت ألمانيا بأكملها في دائرة معاداة السامية. لقد رمو كل المعاناة والاضطهاد الذي عانوا منه في العقود القليلة الماضية على رأس اليهود، ومن يدري؟ ربما هرب هؤلاء الأغنياء اليهود الماكرون ذو النفوذ إلى الخارج ومعهم عشرات الملايين من الثروة بمجرد أن رأوا الوضع لم يعد في صالحهم. ومن يقيمون في ألمانيا الآن هم أولئك اليهود العاديون الذين عاشوا هنا لأجيال واندمجوا بالمجتمع الألماني منذ فترة طويلة، ولم تلق سوى الهويتين الدينية والعرقية، كانو جميعهم مجرد مواطنين، ولعل بعضهم تنصر أجداده منذ زمن بعيد، وقد كانو مجرد عمال وموظفين سابقا. إن السلوك المجنون والعدواني للألمان لا يؤذي الآخرين فحسب ، بل يؤذي أنفسهم أيضًا والوطن الذي يحبونه.
لكن شي جون كان عاجزا تماما في هذه القضية، فقد عرف أنه لا يستطيع فعل أي شيء لمساعدتهم.
في هذه الفترة الحرجة ، أي خطأ يرتكبه سيودي به هو ومرؤوسيه المخلصين إلى الهاوية، في هذا العصر الغارق في معاداة السامية، قد يستخدم أعدائه أي أخطاء يرتكبه كسلاح لمهاجمتي. ومن الحماقة أن يغرد وحيدا خارج السرق من أجل هؤلاء الأشخاص.
انطلاقا من الوضع الحالي ، إذا عبر عن القليل من الكراهية للسياسة ضد اليهودية ، فسيؤثر ذلك بلا رجعة على صورته في أذهان الألمان العاديين والجنود الألمان.
لا يستطيع أن يكشف لأي شخص أن لديه هذا النوع من الأفكار. وعلى الرغم من أنه عبر عن اشمئزازه من المذبحة لضباطه، إلا أنه عزا ذلك لتضرر الشرف الوطني لألماني ، لذلك لم يعترض مرؤوسوه على رأيه هذا، من وجهة النظر هذه ، اتخذ الخطوة الصحيحة ، والآن يمكنه فقط استغلال الإحساس المتجذر بالشرف في قلوب هؤلاء الضباط والجنود لمنعهم من تنفيذ مجازر ممنهجة ضد اليهود. وهذا هو الشيء الوحيد الذي يمكنه فعله لهؤلاء اليهود، كان عليه مساعدة نفسه بدلا من القلق على الأخرين.
على الأقل لا يجب أن يلعنوه كثيرا في السر صحيح؟ حسنا، بالنسبة لهم قد يكون أفظع من الشيطان، بالطبع لن يعرفو كم ساهم في إنقاذ حيواتهم، إبتسم شي جون بسخرية.
سيكون من المستحيل تقريبا تغيير العداء الأيديولوجي لليهود في اذهان الألمان والأوربيين عموما، وسيستغرق الأمر الكثير من الوقت والقوة، وقد يستغرق الأمر عدة أجيال فقط لتحسين الصورة قليلا، لذا قرر شي جون وضع هذه المشكلة جانبًا في الوقت الحالي، ثم التفكير في حل لتقليل سوء المعاملة أو على الأقل تجريم الإعدامات الجماعية، ربما يتمكن من تقليل العنف، لكنه لا يستطيع ضمان منع العنصرية والإحتقار في يوم وليلة، على كل حال كان كل ذلك مرهون بتغلبه على الصعاب التي يمر بها قبل أي شيء اخر، وقد إعتقد أنه عندما يحين الوقت ، سوف يكون قادرًا على إيجاد طريقة أكثر ملاءمة للتعامل مع هذه المشاكل، ولكن الآن ما زال في حاجة إلى أخذ الأمور بروية، لأن هناك مشاكل أكثر أهمية يجب حلها الآن.
مرت القافلة عبر شارعين متشابهتين ، ودارت ببعض التقاطعات وتوقفت أخيرًا أمام مبنى سكني مرتفع. قفز جنود Waffen-SS بسرعة من الشاحنات ، ثم اندفع نصفهم إلى الشقة ، وسرعان ما أغلق النصف الآخر الشارع بأكمله بتشكيل دفاعي. راقب الجنود المحيط بيقظة ببنادقهم في أيديهم على أهبة الإستعداد، ثم نزل ضباط الجستابو الجالسون في السيارتين اللتين مهدتا الطريق أيضًا. ممسكين بحافظات المسدسات عند خصورهم، و نظروا بعناية إلى كل نافذة مفتوحة للمباني الشاهقة المحيطة والزوايا التي قد يختبئ فيها القناصون ، راقبو المحيط بحرص لبعض الوقت. بعد التأكد من أنه آمن ، سار اثنان من الضباط إلى سيارة شي جون وفتحوا له الباب.
“صاحب السعادة نائب الفوهرر ، هذا هو المبنى الذي تبحث عنه” أبلغ أحد ضباط الجستابو باحترام شي جون الذي نزل من السيارة.
“نعم ، هذا هو” تعرف شي جون على هذا المبنى من ذاكرة جاك ، رفع رأسه ونظر إلى الطابق العلوي. كان هذا مبنى نموذجيا على طراز عصر النهضة ، لكن لعل المعماري الأصلي قد صممه بقليل من البرغماتية ، لذلك بالإضافة إلى تلك الزخارف الرائعة ، فإن خطوط المبنى بأكمله كانت مشيدة بشكل جيد. لكن للمباني عمر طويل ، وبدا أنه لم تتم صيانته جيدا، كما يتضح ذلك من الباب المتصدع والطلاء الخارجي المتقشر للجدران القرمدي.
“ستبقون في الأسفل، بينما أصعد أنا وهانس.” أدار شي جون رأسه وأمر ضباط الجستابو.
“لكن يا معالي نائب الفوهرر ، حماية سلامتك هي أولويتنا، ناهيك عن أن من يقطن الشقة هم من اليهود القذرين ، فقط في حالة لمسك …”
“لا تحاول إقناعي، فما من فرصة لحدوث ذلك، هل تعتقد حقا أنني والعقيد هانس لا نمتلك القدرة على الدفاع عن أنفسنا أمام بعض اليهود؟ أضف إلى ذلك أن هناك بالفعل مجموعتين من حراس القوات الخاصة المسلحين بالداخل ، كيف يمكن أن يحدث لي أي مكروه؟ وإن حدث فمن سينجو من العقاب؟” رد شي جون بابتسامة لكن نظراته متنافية مع إبتسامته كأنها تقول ‘قد الطريق وأنت ساكت إن كنت تقدر حياتك’.
“حسنًا، كما تتمنى سعادة نائب الفوهرر”.
عند رؤية نظرات شي جون ، أطاع ضابط الجستابو الأمر دون مزيد من اللغط وبقي واقفا في مكانه. بينما دخل شي جون و وهانس المبنى بفخر.
“ما هذه الرائحة؟” غطى هانس أنفه مجبرا بمجرد دخوله المبنى.
أجاب شي جون إذ عقد حواجبه قليلا ” ثمة هناك أربع أو خمس أسر يهودية تعيش في كل شقة من هذا المبنى. ليس من المستغرب أن تشم مثل هذه الروائح الغريبة.”
ثم صعد الرجلان الدرج بخطواتهم تدوي في المبنى. كان كل طابق يحرسه أربعة من رجال Waffen-SS. يقفون على الممر ويحدقون في باب كل شقة بجدية. مهمتهم هي إغلاق المبنى بأكمله وارسال أي من اليهود الذين حاولو الخروج إلى غرفهم.
غض شي جون الطرف ومشى مع هانس إلى الطابق الرابع ووصل إلى باب أحد الشقق.
تم طرد جميع سكان هذه الشقة من قبل Waffen-SS قبل وصوله. وكان هناك أكثر من 20 شخصًا في الممر، يتراوحون بين البالغين وحتى الأطفال وكبار السن ، كانو جميعا يعيشون في هذه الشقة الضيقة. والآن يقف هؤلاء اليهود ويخفضون رؤوسهم لا يجرؤون على ابعد انظارهم عن احذيتهم، وأجسادهم ملصقة بجدار الممر محاولين ترك اكبر مساحة ممكنة، بناءً على أجسادهم المرتجفة يبدو أن جنود الSS قد أرعبوهم، وقد بدأ العديد من كبار السن ترتيل صلاة باللغة العبرية بصوت منخفض. نظر الجنود الألمان إلى هؤلاء الأشخاص في اشمئزاز، لو لا أن نائب الفوهرر قد أمرهم بعدم استخدام العنف دون مبرر، لكانوا قد ضربوهم بأعقاب بنادقهم. ولو كان ذلك قبل بضعة أيام ، لربما كانو قد أطلقوا النار على هؤلاء المسنين المتذمرين على الفور.
“هاهي ذي” مشى شي جون إلى الشقة.
“تعاليا معنا، بينما يبقى الآخرون خارجا.” أمر هانس ، الذي كان يتابع شي جون ، ضابطي صف خلفه.
“حسنا حضرة العقيد.” علق ضابطا الصف بنادقهم الرشاشة خلف ظهورهم وتبعوا هانس وشي جون إلى الشقة.
في الداخل لا يوجد أي أثاث معتبر ، فقط بعض الخزائن البسيطة و الطاولات والكراسي العادية. كل ما تبقى هو كومة من الحقائب المتنوعة وغيرها من المتعلقات الشخصية مكدسة قرب الجدران. لكن تلك الأشياء كانت مكدسة بدقة ، وتم تنظيف الغرفة جيدًا ، كما تم وضع عدد قليل من الزهور الصغيرة التي لم يتعرف على أسمائها في أصيص صغير على المنضدة. يجعل ترتيب الغرفة من الصعب تصديق وجود أكثر من 20 شخصًا يعيشون فيها.
تجول شي جون ببطء في أرجاء الغرفة ، وقد وقف ضابطا صف في الردهة ونظروا إلى نائب الفوهرر وهو يتحقق من المكان حوله، كانوا فضوليين لمعرفة مالذي قد يريد نائب رئيس ألمانيا فعله شخصيا في شقة يهودية نموذجية.
“أنتما، تعاليا إلى هنا.” وقف شي جون أمام مدفأة الغرفة ولوح لضابطي الصف.
“أمرك معالي نائب الفوهرر.” ركض ضابطا الصف نحوه على عجل.
“افتحاها لي”. أشار شي جون إلى لوح خشبي مزخرف على جانب المدفأة.
نظر الجنديان إلى قائدهما الأعلى بإرتبالك.
“قلت افتحاها.” كرر شي جون قوله.
“عُلم!” حياه ضابطا الصف ، ثم سحبوا خناجر من أحزمتهم ، وشرعوا في فك مسامير اللوح، وقانمو بسحبه بكل قوتهم.
“جنرال ، ماذا يوجد هناك؟ هل هو الشيء الذي أخبرتني أنك تريد تديمره؟” همس هانس لشي جون بصوت منخفض.
“نعم، هذا صحيح. لقد جئت إلى وارسو فقط لأدمره. لكني لم أتوقع حدوث الكثير في هذا الصدد” قال شي جون لهانس ببتسامة.
“أفهم يا جنرال، لم يكن يجب أن أسأل عما لا يعنيني” خفض هانس رأسه وطلب المغفرة.
“نائب الفوهرر ، لقد فتحناه ، ويوجد بداخله صندوق صغير” ، صاح ضابط صف فجأة.
“حسنًا ، أخرج الصندوق سريعًا.” أومأ شي جون برتياح بعد سماع الجنود.
كان الصندوق الذي تم إخراجه من الطبقة المفرغة من الجدار خلف خشبة الموقد صغيرا جدًا ، ولم يتجاوز طوله عشرة سنتيمترات مربعة ، وملفوفًا بجلد بقري عالي الجودة من الخارج ، بداخله صندوق رقيق مصنوعًا من سبائك الألومنيوم مع فتحة صغيرة مسطحة على غطاء الصندوق.
سحب شي جون القلادة المعلقة حول رقبته من تحت ياقته ، ثم أدخل برفق شريحة الذاكرة المعلقة على القلادة في الفتحة المسطحة على غطاء الصندوق. فتح غطاء الصندوق تلقائيًا ، و ظهر أمام شي جون الشيء الذي أوصله إلى هذه النقطة ، منارة الزمكان.
رأى شي جون هذا الشيء مرات لا تحصى من ذاكرة جاك وكان مألوف له ، ولكن الآن حين رأه بعينيه، لا يسعه إلا أن يتفاجأ بتطور التكنولوجيا في مستقبل عالمه، هذا الشيء يشبه آلة حاسبة صغيرة ، ويسمح الغلاف الشفاف برؤية كل مكون بداخله بوضوح ، وكل جزء صغير مصنوع بشكل رائع ، ويمكن تسمية الآلة بأكملها بأنها حرفة يدوية مذهلة.
لم يستطع شي جون إبعاد أنظاره عن التروس المتطورة والتصميم الجميل. لقد أراد حقًا دراسة طريقة عمل هذا الشيء. وتساءل عن نوع الطاقة التي يعمل بها لأنه لم يرى أي بطاريات أو أي شيء من هذا القبيل في الجهاز. وأحس بشغفه بالألات يعود.
لكن عرف أن الوقت الآن لم يكن مناسبا، وأن العالم المستقبلي سيكون مهددًا بسبب الصدع الذي يخلقه هذا الشيء، وقد يصل إلى نقطة الا رجعة في أي وقت. صحيح أنه لم يكن يفهم حقا طبيعة الخطر، وربما لا يعنيه حقا ما يحدث لذلك العالم الأخر، لكنه لا يزال يريد تدمير هذه المنارة. فهي لا تنمي إلى هنا، ومن المستحيل تقليدها في ظل المستوى التكنولوجي الحالي لهذا العالم. وربما ستجلب هذه التكنولوجيا المتقدمة للغاية بعض التأثيرات السيئة على هذا العصر.
لذلك كان الخيار الأكثر أمانا هو تدميرها وقطع إتصاله بعالم المستقبل تماما.
بوصول تفكيره إلى هذه النقطة ، صك شي جون اسنانه، والتقط المنارة وسار نحو المدفأة. وضع الجهاز الإلكتروني الصغير في المدفأة ، ثم أخرج زجاجة صغيرة من جيبه معطفه، كانت زجاجة صغيرة من البنزين أعدها منذ فترة طويلة.
قام شي جون بسكب البنزين بعناية على غلاف الجهاز، ثم أضرم النار فيه بعود ثقاب، عندما تحولت الآلة التي لا تنتمي إلى هذا العصر ببطء إلى رماد أمام ناظره ، شعر شي جون براحة لا توصف.
اكتملت أخيرًا مهمته الأكثر أهمية في هذا العالم، وكل ما بقي هو القتال من أجل نفسه.
عندما انطفأت الشعلة ببطء ، اشتعلت الشعلة جديدة وأكثر عنفًا في قلبه.
-نهاية الفصل-
معلومة إكتشفتها وأريد أن أتفلسف على القراء الأعزاء بها : مقطع “فون” بين إسم العائلة واللقب في ألمانيا، عادة ما يكون للعائلات الكبيرة، -النبلاء وما إلى ذلك- ومرادفه بالعربية “ال” أو -“إبن” بففت.. اعني، راينهاردت فون شتايد، بالعربية كانت لتكون راينهاردت ال شتايد… ممتع صحيح؟
“إن وجدت شخص في أسمه “فون” فغالبا ستشم منه رائحة المال” – إقتباس من صديق فقير لي يدرس في ألمانيا. XD