معركة الرايخ الثالث - 121 - قوة الدعاية
المجلد 4 | الفصل الواحد والأربعون | قوة الدعاية
.
.
(ملاحظة المترجم: العنوان هو “قوة البروبجاندا” والبروبجاندا لمن لا يعرف هي الدعاية الفكرية، وتكون غالبا وسائط وكريكتيرات للترويج وأقناع الجمهور بتيار أو أفكار معينة، لكني سأترجمها دعاية لمنع مزيد من اللغط)
نظر كاتسون بخوف إلى المارشال الألماني الشاب الذي كان يقف بهدوء في برج الغواصة الصغير ويبتسم له بشماتة.
بحق الخالق مالذي يفعله هذا الرجل هنا!
على الرغم من أنه كان يأمل من أعماق قلبه أن المارشال الألماني الذي يبدو صغيرًا جدًا لم يكن هو نفس الرجل الذي خمنه ، لكن ما جعله يائس هو أنه لم يستطع العثور على مارشال ألماني شاب آخر مهما لف بذاكرته. لكنه إستمر في تكذيب عينيه، و لم يريد حقًا تصديق أنه كان “محظوظًا” لدرجة أنه سيلتقي بالرجل الذي يخافه رئيس وزراء الإمبراطورية البريطانية ويرتعد مجلس اللوردات لذكره، الرجل الذي يأتي على ألسن الجميع في مقاهي وشوارع وأزقة لندن ، ويحترمه ويخافه جميع ضباط الجيش البريطاني.
عبقري الفيرماخت، نائب رئيس دولة ألمانيا ، الزعيم الوطني للحزب النازي الألماني. راينهاردت فون شتايد.
أصبح هذا الرجل الاستثنائي الذي يحمل ألقابًا مبهرة لا حصر لها، من ضمنها إله الحرب للجيش الألماني ، ومبعوث الإلاه ، ومطهر بولندا ، وكابوس الساقطين ، وفارس الفرسان ، وما إلى ذلك ، كابوسًا لجميع الضباط بريطانيين الآن، في الحقيقة ، ليس من المستغرب أن يكون كاتسون مذعوراً للغاية الآن، فكان ذلك في الواقع يعود لخطئ إرتكبته الدعاية البريطانية.
في إنجلترا ، كانت قصة المارشال الألماني الشاب أشهر من نار على علم، و معروفة للجميع. تم تصوير هذا الرجل بادئ الأمر على لسان الحكومة البريطانية بإعتباره زعيم نازي شرير ، خسيس ، وقح ، قاسي، وشخص غير متحضر متعطش للدماء ، كان يستخدم حكمته الشريرة وجيشه القاسي لتدمير الإمبراطورية البريطانية العظيمة المقدسة. ويهين التاج الملكي، ولأنه لا يدو أن هناك فرق كبير، قام محررو الصحف والمجلات البريطانيين بإضافة المزيد من لمساتهم من أجل تحقيق تأثير أدبي أفضل ، وخلطو مزيدًا من الخيال وكلمات أكثر بروز بقليل. ونتيجة لذلك ، أعاد محررو الصحف هؤلاء كتابة معركة دانكيرك كما لو أنها قصيدة حرب رائعة مثل معركة هوميروس الملحمية في طروادة.
والعدو اللدود للإمبراطورية البريطانية وجنودها العظماء والشجعان ، هو قائد الفيلق القاسي والشر راينهاردت فون شتايد، الذي قتل عددًا لا يحصى من الجنود المخلصين لجلالة الملك والذين دفعوا الغالي والنفيس في سبيل الإمبراطورية بالتآمر والخديعة. بهذه الطريقة ، نجحو في إضفاء الشيطانية على هذا الشخص.
كان أكبر المساهمين في إثراء هذا الرأي السائد وأكثر هؤلاء المهاجمين إخلاصا وهو رئيس الوزراء البريطاني تشيرشل نفسه ، فقد تجاوزة حدة اللهجة التي يوجهها لهذا المارشال حدة خطابه تجاه الزعيم النازي أدولف هتلر نفسه، فمن أجل التستر على أخطائه في معركة دانكيرك والتهرب من مسؤوليته عن هذه الخسارة الفادحة أمام جموع من البريطانيين الغاضبين، بالغ في وصف فعائل المارشال راينهاردت في هذه المعركة، ولم ينسى ذكر الفظائع والأسلحة غير المشروعة في المجتمع الدولي التي أقدم هذا المارشال الخسيس على إستخدامها، من الفسفور الأبيض وحتى بيضة الشيطان. واستخدم لغة الوعيد لإيقاظ حمية البريطانيين. وغبتهم في الإنتقام.
في خطاب له أمام مجلس اللوردات عن مستقبل الحرب، وصف تشيرشل راينهاردت فون شتايد بأنه أخطر وأشرس عدو للإمبراطورية البريطانية منذ ثلاثمائة عام ، واستخدم كل كلماته السلبية للتشهير بهذا الألماني.
من وصفه ، أصبح هذا الألماني في ذهن كثير من البريطانيين ببساطة المتحدث باسم الشيطان في العالم ، وحش نادرًا ما شوهد في تاريخ التطور البشري منذ ألف عام ، ورجل مجنون يعاني من مشاكل وعلل نفسية ، السفاح والعدو المشترك لجميع أوروبا ، وخلاصة كل الشر.
لقد حقق تشيرشل أقصى استفادة من مواهبه الخطابية ، واستخدم بلاغته وكل ما لديه في محاولة لإقناع النواب بأن الفشل لم يكن ذنبه، ولكنه كان لأنهم واجهوا عدوًا قويًا وشريرًا وخبيثًا. لم يسبق له مثيل في التاريخ.
نجح تشيرشل في إلقاء اللوم معظمه على عدم كفاءة قادة الخطوط الأمامية وإستهانتهم بالخطر ، وبسبب غباءهم وجشعهم ، وقعو في فخ الألمان الشرير والخبيث بغض النظر عن القيادة العليا. ألقى الجزء المتبقي من اللوم على أجهزة المخابرات ، حسب قوله ، فإن بيانات أجهزة المخابرات المغلوطة هي التي تسببت في تكبد بريطانيا مثل هذه الخسائر الفادحة ، لأنه قبل ذلك لم يكن لديهم معلومات استخباراتية لتحذير وزارة الدفاع. ولم يحذروهم بشأن هذا المرشال الألماني ، لدرجة أنه لم يكن لديهم حتى ملف مفصل عن هذا الرجل الخطير، وهلم جراً.
نتيجة لذلك ، نجح تشرشل أخيرًا في إقناع هؤلاء البرلمانيين المتحمسين والشعب البريطاني الغاضب بكلماته ، ونجا مرة أخرى من الصعاب واحتفظ بمنصبه. لكن ما لم يتوقعه في ذلك الوقت هو أنه بعد أن تم تداول كلماته وتحورت بين الناس والصحف ، ظهرت عواقب خطيرة.
تشيرشل خطيب مفوه وسياسي كبير، لكنه ربما نسي نقطة مهمة، وهي أن خلق وزن للعدو ووعي به سلاح ذو حدين، يجب أن يكره الناس العدو، لكن يجب ألا يخافوه. خاصة في اوقات الحرب، عرف تشيرشل ذلك وكان حريصًا، لكنه لم يحسب في النهاية أن تناقل الحكايات على ألسنة الناس يغيرها.
لفترة من الوقت ، في أذهان الناس العاديين في المملكة المتحدة ، ارتفعت قيمة المارشال الألماني ، وأصبح هدفًا لجميع البريطانيين الذين يبحثون عن القيل والقال، ويناقشونه على موائدهم بعد العشاء.
بعد أن قدمه هؤلاء السادة والسيدات عدة مرات ، تجاوز رعب المارشال الألماني وشره تقريبًا التنين السحري في الأساطير الإنجليزية. إنه شرير ودموي لدرجة أنك إن جمعت جميع الأشرار المعروفين في التاريخ البريطاني سكونون غير قادرين على مجاراته ، وإن إستدعيت جميع الحكماء المشهورين في التاريخ البريطاني معًا ، فإن حكمته المرعبة وخبثه سيغلبهم.
هذا النوع من الأساطير أكثر إنتشارا خاصة في تلك القرى النائية. حيث إنتشرت حكايات أصبح فيها هذا المارشال وريثًا لعائلة مصاصي دماء نبيلة ، وهو الطفل غير الشرعي لإبليس وغايته سحق العالم ، يرتكب كل انواع الأثام، حتى انه يغتصب عذراء جميلة ويتناول طفل على الافطار كل يوم.
إن قوة راينهاردت والجيش الألماني الذي يقوده بدأت تصبح مبالغ فيها إلى حد الأسطورة. إن ضرر مثل هذه الشائعات خطير ، والأخطر من ذلك هو أن البريطانيين الذين لطالما افتخروا بتفكيرهم العلمي والمنطقي آمنوا بهذه الشائعات. ويعزا ذلك إلى الطبع العنيد للبريطانيين، والذي يجعلهم يجدون عشرة آلاف سبب لإثبات أن اختيارهم كان صحيحًا، و طالما أنهم يؤمنون بوجود شيء ما ، سيبذلون قصارى جهدهم لتعميق هذا الانطباع بأكاذيب وتصورات مختلفة. علاوة على ذلك ، فإن غرورهم سيجعلهم يغرسون أفكارهم الخاصة في الشعوب الأخرى بيائس لإثبات أنهم أكثر ذكاءً وحكمة من الآخرين.
نتيجة لذلك ، من المتصور أن الروح المعنوية لكل من الجيش والمدنيين قد هبطت إلى الحضيض بفضل هذه الحكايات ، وبدأت الانهزامية تنتشر بسرعة في جميع أنحاء الحكومة البريطانية والمعارضة. لم يجرؤ أحد على طمأنة الجمهور بأن بريطانيا ستنتصر في الحرب. يعتقد الجميع أن الاستمرار في القتال ضد راينهاردت وجنوده يعني ببساطة إرسال هؤلاء الفتيان البريطانيين ليموتوا عبثًا ، ومن المستحيل أن تحقق بريطانيا النصر النهائي مع مثل هذا العدو الرهيب.
وبدأ سؤال “لماذا نحارب؟” و “لماذا دخلنا هذه الحرب؟” في العودة إلى أواسط المثقفين البريطانيين بقوة، ومعهم في ذلك حجة حقيقية، فلم يكن هناك في بادئ الأمر اي شيء يجبرهم على خوض هذه الحرب مع ألمانيا ثانية، من أجل بولندا؟ ومالذي تعنيه بولندا الآن؟ من أجل أوروبا؟ وما شأن الجزر البريطانية بالقارة العجوز؟
أولئك الذين ما زالوا يطالبون بريطانيا بمحاربة ألمانيا حتى النهاية والفوز بالنصر النهائي يعتبرون كذابين ومجانين حرب، وأتباع تجار أسلحة وسماسرة حرب وحتى خونة.
يعتقد الناس أن أولئك الذين ما زالوا يعظون ويصرون على القتال حتى النهاية إما مجانين أو لديهم دوافع خفية ، وفكرتهم ليست إنقاذ بريطانيا ولكن تدميرها ، أينما تحدث هؤلاء تم إلقاء الحجارة والبيض الفاسد عليهم ، وفي بعض الأحيان يتعرض هؤلاء الدعائيين المساكين للهجوم والضرب من قبل حشود غاضبة، وأخيراً مع خبر إلقاء قنبلة حارقة من نافذة منزل أحد دعات الحرب الذي كان يأكل في منزله من قبل أحد المواطنين، بدأ كل الصوت يدعو البريطانيين للوقوف ومحاربة العدو حتى النهاية يصبح منخفض مثل الهمس.
والآن، كان الناس يتوقعون من الحكومة أن تتخذ إجراءات مضادة لاسترضاء ذلك الجار الأوروبي الغاضب بأسرع ما يمكن ، ويأملون في إنهاء هذا الكابوس من خلال المفاوضات ، ووضع حد للحرب وكل ما تأتي به من كرب وتقنين طعام.
لم يرى البريطانيين أي خير من هذه الحرب.
بالإضافة إلى انتشار الأفكار الانهزامية في المملكة المتحدة ، بدأ أيضًا جنون قوي من معادة السامية في الظهور بشكل حقيقي في مدن مختلفة. كما تم حظر الجمعيات اليهودية ، وتم تحطيم المحلات التجارية التي كان ملاكها يهودًا، وطرد أرباب العمل الموظفين اليهود ، وحتى منازلهم تم نهبها من قبل مثيري الشغب الغاضبين ، بينما وقفت الشرطة البريطانية جانباً ولم تفعل اي شيء، وراقبت باشمئزاز اليهود الذين طلبوا مساعدتهم.
ألقى تيار كبير من المجتمع البريطاني باللائمة على اليهود في الحرب ، واعتقدوا أن هؤلاء اليهود هم من تسبب بالحرب ، فلا يخفى على احد أن عدد المهاجرين اليهود لبريطانيا من أوروبا قد زاد اكثر من اي عرق اخر خلال السنوات الماضية، وقد رأى البريطانيون أن بريطانيا خدعت من قبل هؤلاء اليهود للشاركت في هذه الحرب التي لم تكن تعنيها. وكان رجال الأعمال اليهود الأثرياء هم من خطط لذلك وراء الكواليس، وارادو إستعمل بريطانيا للحفاظ على مصالحهم في أوروبا، وهؤلاء الأشخاص هم الذين جلبوا الكارثة إلى الإمبراطورية البريطانية العظيمة. والبريطانيون مصممون على جعل هذه الأمة التي تعرض بريطانيا للخطر تدفع ثمن أفعالها ، ويأملون أيضًا أن ترضي أفعالهم العدو القوي على الجانب الآخر من المضيق ، على أمل بناء جسر تواصل مع ألمانيا من خلال ذلك.
مرة أخرى ، تم دفع الشعب اليهودي إلى محرقة اللوم ، وعوملوا في إنجلترا تقريبًا مثل جيرانهم في القارة العجوز ، وفي بعض النواحي كان يتم التعامل معهم بشكل أفضل في ألمانيا. كل هذا يجري في وضح النهار تحت أعين حكومة هذا البلد ، لكن الحكومة البريطانية لم تحرك ساكنة، وهم ليسوا على استعداد لقول كلمة إنصاف في حق هؤلاء. ربما يشعر أعضاء الكونجرس هؤلاء أنهم يفعلون الكثير بالعفل لهؤلاء اليهود من خلال عدم كتابة أفكار معادية للسامية في القانون.
في البداية ، دفع التعاطف الإنساني أيضًا بعض المسؤولين الحكوميين للتعبير عن بعض الاستياء والتعاطف. ومع ذلك ، عندما بدأ رجال الأعمال اليهود الأثرياء في الفرار من المملكة المتحدة على نطاق واسع ، واستولت الحكومة البريطانية على تلك الأصول والأعمال التجارية التي تركوها وراءهم بقوانين الحرب ، مما سمح لتلك الوكالات الحكومية بتكوين ثروة ، صمت اخر من نطق بالحق. ولم يعد يمكن ايجاد احد مستعد لإبداء تعاطف مه هؤلاء اليهود في الحكومة. ولا يزال بعض الناس يتأسفون على عدم تفكيرهم في معارضة هؤلاء اليهود إلا الآن فقط ، هذا النوع من الحركة قد فات أوانه حقًا ، وكان من الأفضل لو أنه بدأ قبل الكساد الكبير.
لقد شاهد تشيرشل هيجان معادات السامية في بريطانيا بأعين معلقة، وأصدر أمرًا أو اثنين على الأكثر لكبح جماح هذا النوع من السلوك. ومنع عمليات الخروج عن النظام الإجتماعي من التزايد، في نظره ، كان لديه أشياء أكثر أهمية للتعامل معها ، ولم يكن لديه حقًا المزيد من الطاقة للوقوف ضد الشعب البريطاني من أجل هذه الأقلية اليهودية. على الرغم من أن هذا النوع من السلوك قد يجذب انتقادات من دول أخرى في العالم والتي كانت حليفة لهم ، إلا أن مصالح هؤلاء اليهود وانتقادات هذه الدول الأجنبية لا تقارن بحياة وموت بريطانيا.
لقد اعتقد أيضًا أن حليفته ، الولايات المتحدة الأمريكية ، قد تغير موقفها معهم بسبب هذه الأشياء ، لكن هذه مسألة تتعلق بالمستقبل البعيد ، ولا يمكنه الاهتمام بها الآن ، وهو أيضًا واثق من أنه يمكنه استخدام ما لديه لإقناع الولايات المتحدة عندما تعرب عن إستيائها ، فهؤلاء الأمريكيون جشعون، طالما تضيفهم بطبق المصالح لن يفتحو أفواههم للإنتقاد.
ما يقلقه هو انتشار الانهزامية والأفكار المناهضة للحرب في بريطانيا. لم يستسلم تشرشل بعد ، وكان أقل استعدادًا للتفاوض مع الألمان ، فقد أراد خوض هذه الحرب ، وأراد التفاوض حين يكون النصر النهائي في صفهم ، أراد الحفاظ على إزدهار الإمبراطورية البريطانية التي لم تهزم لمئات السنين. فالأمم المهزومة لا تزدهر. والهزيمة في هذه الحرب ستكون نهاية الأيام المجيدة للإمبراطورية.
لكن ما الذي يجب عليه فعله لاستعادة ثقة هؤلاء البريطانيين؟ بعد التحليل ، كان مكمن المشكلة في المارشال الألماني. لم يكن تشيرشل يتوقع أن تصبح ملاحظاته عن الرجل من أجل التنصل من المسؤولية حبل يلتف حول عنقه في نهاية المطاف. لكن فات الأوان لتغيير هذا القول الآن ، لقد آمن الشعب البريطاني بالفعل بقوة ذلك العدو ، وإذا قالت إنه ليس شيئًا مميزًا الآن ، فأنه بذلك يصفع وجهه بنفسه.
سارع تشيرشل لإستدراك خطأه، وناقش مع رؤساء الجرائد الكبيرة والإعلام لعدة أيام ، وأخيراً توصلوا إلى استنتاج مفاده أنه إذا كنت تريد محاربة أسطورة، فعليك الإستعانة بأسطورة أخرى. إذا أرادو منح البريطانيين الشجاعة للقتال مرة أخرى ، فمن المستحيل الإستعانة بإنشاء بطل أسطوري محلي. يعرف البريطانيون جيدا مستوى جنرالاتهم وضباطهم خلال تلك المعركة المشؤومة، ومن المستحيل إحداث أي تأثير بدون انتصار رائع.
الطريقة الوحيدة الممكنة الآن هي جعلهم يعتقدون أن عدوهم ليس شيطانًا ولكنه شخص مثلهم. وبما أن نائب رئيس الدولة الألماني قد وصف من قبل تشيرشل بأنه شيطان ، فسيلبه ببساطة معطف الملاك الساقط ، وصحيح أن البريطانيين سيكونو حائرين لا يعرفون بماذا يؤمنون ، لكنهم على الأقل لن يخافوا من أن يكونوا أعدوه كما هو الحال الآن ، وعندما تسقط القنابل الألمانية على رؤوس الشعب البريطاني ، قد يكون لديهم الشجاعة للوقوف والقتال.
السر في جعلهم يرون أن في عدوهم الصالح والطالح على حد سواء.
والآن كانت حمى الفضول حول هذا المارشال الألماني تتزايد بين الشعب البريطاني، بل إن بعض الناس بدأوا في عبادة هذه العبقرية الشريرة ، وهذا الموقف اكثر شيوعًا في الجيش. من الطبيعة البشر عبادة القوي ، حتى لو كان عدوًا ناهيك عن أن راينهاردت لم يلحق أي ضرر حقيقي بالمدنيين البريطانيين. وإذا أظهرت الحكومة الآن قليلاً عن الجانب الآخر للمارشال الألماني بذكاء، لا يجب أن يكون الكثر من الأشخاص غير مصدقين.
عندما يقبل الجميع هذه الشائعات الجديدة ببطئ، لن يخشى أحد من الجيش الألماني وقادته على أنهم وحوش من الجحيم. البريطانيون لا يخافون أبدًا من محاربة جيش متحضر مثلهم. ما يخشونه هو محاربة جيش وحشي وغير عقلاني وتآمري. ما يخشونه هو معركة لا أمل في كسبها ، إذا رأوا القليل من الأمل في النصر أو القليل من توازن القوى ، فلن يترددوا في القتال. هذا ما فهمه تشيرشل وطاقمه الأذكياء بعد أيام قليلة من المناقشات ، لكن لم يعتقد أحد في ذلك الوقت أنهم كانوا يرتكبون خطأً فادحًا آخر.
لقد إستهان تشيرشل ثانية بالكتاب والمحريين البريطانيين، وسعيهم الدؤوب وراء القصص الرائجة.
بدأ هؤلاء الكتاب البريطانيين مجددا التلويح بأقلامهم مرة أخرى. ولكن بمسطلحات جديدة هذه المرة، ضابط ألماني عادل ، عبقري عسكري شاب ، جندي يعتبر الشرف حياته ، مدافع نبيل عن التقاليد الأوروبية القديمة ، وطني متعصب، وفارس حقيقي ، رجل متحضر يخضع لقواعد الحرب ، عدو عظيم. وبذلك، ظهر راينهاردت فون شتايد جديد أمام كل الشعب البريطاني.
في وصفهم هذه المرة، هذا المارشال الألماني هو ببساطة ولادة جديدة للفرسان التوتونيين الفخورين من العصور القديمة ، وقد أصبحت تلك القسوة والمكر نوعًا من الشجاعة والحكمة الاستراتيجية ، وأصبحت تلك الفظاعة والشر أشياء يقوم بها مجبرا من أجل وطنه المعذب. وببطئ أصبح مثل أولائك الأشرار ذوي الأهداف والماضي الدرامي، ببساطة أعادو كتابة بطل مأساوي بالكامل، حتى أن مقال في جريدة التايم إستعرض طفولة ونشئة هذا الرجل مع كثير من الدراما والمضي الأليم -والذي لا يعرف احد مدا صحته-. كما تم الاستشهاد بأفعاله في دانكيرك بالكامل. وكيف أنه سمح للجنود البريطانيين بالاحتفاظ بممتلكاتهم الشخصية بعد الاستسلام. وسمح للضباط البريطانيين بالاحتفاظ بعلامات رتبهم ومنحهم معاملة جيدة بما فيه الكفاية بعد الاستسلام. لقد حمى هؤلاء الأسرى ولم يسمح لهم بالوقوع في أيدي النازيين المتطرفين، لقد أعطى كل الجرحى علاجًا ورعاية طبية ، وما إلى ذلك ، كل هذا ليُظهر للجمهور البريطاني أن هذا الشيطان ليس بتلك الفظاعة ، إنه أيضًا شخص متحضر ، على الأقل هذا ما كانو يريدون أن يصدقه الجمهور.
ويبدو أن نوع الشرير ذو الأهداف والمبادئ لاقا رواج بين البريطانيين، ونتيجة لذلك ، أحدثت هذه التقارير ضجة كبيرة في المجتمع كما كان متوقعا، وغمرت تلك الصحف المشيطنة في سيل المقالات والصحف الجديدة، وبدأت حمى حديث جديدة بين من الناس عن المارشال الألماني مرة أخرى.
ومع ذلك ، فإن نتيجة الجهود المضنية التي بذلها تشيرشل وطاقمه جعلتهم يكادون يبصقون الدم.
على الأقل البريطانيين استلهمو الشجاعة ثانية ، وبدأ الناس في التعبير عن استعدادهم للقتال من أجل الإمبراطورية البريطانية وجلالة الملك، لكن نسيتهم كانت القتال من أجل استعادة مجد الفرسان البريطانيين. ومن الواضح أنهم فعلوا ذلك مع اعتبر قصة المارشال الألماني كمثال. كما أن الشباب حريصون على الالتحاق بالجيش والتنافس مع أعظم فارس في أوروبا وأكبر عدو لبريطانيا ، لكن هذا النوع من العقلية ليس مناسب لخوض الحرب بل المشاركة في بعض الأنشطة الأولومبية. ومن الواضح أن نصف راينهاردت الملائكي يجذب انتباه الشعب البريطاني أكثر من الشيطان ، ويجعلهم أكثر استعدادًا للإيمان بمصداقيته.
ومع ذلك ، فإن تحسن معنويات الشعب كان على حساب الجيش ، ولم تتحسن الروح المعنوية للجيش من هذه الأخبار الجديدة ، بل أصبحت أسوء. إنهم يتفهمون رعب الجيش الألماني أكثر من أي أشخاص اخرين ، فالجنود الذين أخافتهم الإشاعات منذ فترة حتى الموت بدأوا الآن يتعرضون للتعذيب من قبل ضمائرهم ، لأن الأعداء الموصوفين في الصحف لا يبدون أشرار كما في السابق. إذن كيف لمحاربة مثل هذا العدو “العادل” أن تكون أمرا مبهجا؟ بالنسبة للجنود من الأسهل أن ترى عدوك شريرا، حتى أن الجنود البريطانيين أصبحو في حيرة بشأن هذه الحرب. فإن لم يكن عدوهم سيئ على كل حال، فلماذا يقاتلونه؟ وبما أن هذا العدو عظيم ونبيل ولديه قيم وأهداف، فكيف يهزمونه؟ فيصاب الجنود بالاكتئاب.
لكن لا بأس ، هذا النوع من المواقف حدث فقط في الجيش ، وحافظت القوات البحرية والجوية على معنوياتهم ، لكن تشيرشل لم يرغب في معرفة السبب ، لأنه كان يعلم أن الإجابة ستجعله بالتأكيد أكثر إحباطًا.
كان السبب الذي جعل البحرية وسلاح الجو اكثر تفائلا هو أن هلتين الخدمتين لن يواجهوا مارشال الفيرماخت، من ما مكنهم من الإحتفاظ بمعنوياتهم.
يأسف تشرشل الآن إلى أقصى الحدود على نجاحه في إنشاء الصورة البطولية لملاك ألماني ساقط في قلوب الشعب البريطاني.
أعرب هؤلاء الجنرالات والضباط عن عجزهم بشأن الوضع الراهن للجيش ، ولم يتمكنوا إلا من حشد القوات الاستعمارية للدفاع عن بريطانيا ، وكان من المستحيل على القوات الحلية في إنجلترا وإيرلندا مقاومة الغزو الألماني.
ومع ارتكاب أكثر الأخطاء التي لا تُغتفر في العمل الدعائي. وفقًا للوضع الحالي ، يمكن الإشتباه في أنه بمجرد ظهور راينهاردت على الشاطئ البريطاني، قد يفر نصف الجيش البريطاني على الأقل ، وقد يندفع النصف الآخر للقاء الله وحده من أجل حماية إنجلترا والملك. وليس أيمان بالحرب أو الحكومة.
حدق كاتسون بصراحة في الرجل امامه والذي كان يفترض به ان يكون أسطورة، وشتم ضباط أركان الأميرالية واحد تلو الأخر في قلبه ، لماذا طُلب منه قيادة هذه العملية الهوجاء؟ في البداية لم يكن ليمزح حتى في أنه قد يقابل هذا المارشال الأسطوري، لكن الآن هذا الشخص يقف أمامه حيًا ، وقد تعرض للهزيمة من قبله وهو الآن في وضع حرج لا يحسد عليه. ويبدو أن كون هذا الشخص لا يقهر ليست أسطورة ، فقد رأى كاتسون تلك الأسطورة بعينيه.
لكنه شعر بالإرتياح الشديد فجأة، على الأقل لم يخسر أمام مبتدئ مجهول ، ولكن أمام أعظم عبقري عسكري في أوروبا. هذا ليس شيئًا مخزيًا ، ويمكنه أن يرفع رأسه ويخبر الأخرين بفخر من محاربته لهذا المارشال. في السابق لم ستطيع فهم لماذا يستمر بعض الطيارين الذين نجو من دانكيرك في سرد تفاصيل هزيمتهم على أنها شرف ، لكنه الآن يعتقد أنه يفهمهم تمامًا.
لقد فقد كاتسون الشجاعة للمقاومة تمامًا ، فنظر إلى من يلقب بمبعوث الإله المبتسم له ، وشعر أن النتيجة قد حسمت منذ زمن بعيد.
-نهاية الفصل-