معركة الرايخ الثالث - 104 - كرامة القيادة العليا
المجلد 4 | الفصل الرابع والعشرين | كرامة القيادة العليا
.
.
“حضرة الفوهرر العظيم. كيف نتعامل مع إعلان إيطاليا الحرب؟ أنا شخصياً أعتقد أن هذه مسألة غير سهلة، كحلفاء لنا لديهم مبررهم لإعلان الحرب ، لكن أخشى أن تكون لديهم بعض الدوافع الخفية، ناهيك عن عدم إخطارهم لنا بهذا الأمر مسبقا، كيف تريد الرد على هذه الخطوة المفاجئة للزعيم الإيطالي؟”.
لسبب ما، منذ أن قرر الانحياز إلى صف نائب الفوهرر راينهاردت ، وجد أن هذا الرجل النمساوي بدأ يفقد هلته المقدسة في قلبه أكثر فأكثر. ولم يعرف حقًا لم كان يحترمه ويطيعه كثيرًا في السابق، فما هو إلى رجل طموح، الآن فكر في مدى غبائه حين كان مسحورا في ذلك الوقت. هذا النمساوي جيد حقًا في إلتقاط قلوب الناس. فاهتمامه وسلوكه اللطيف و عمله الدئوب، ولسانه البليغ، عوامل تجعل كل شخص على اتصال به يمتلك عنه أنطباعا جيدا بعتباره ودودًا ولطيفًا ، وكان الجنرالات والمسؤولون الذين استقبلهم مسحورين به.
فقط الأشخاص مثل كايتل الذين عاشرو هذا الرجل طويلا يمكنهم رؤية وجهه الحقيقي ، لكن ما لا يستطيع تصوره هو أنه تغاضا عن ذلك بإرادته. على الأقل لم يفت الأوان بعد ، ولم تقع ألمانيا في المصائب تحت قيادة رئيس الدولة هذا.
لقد قام هذا الرجل -هتلر- بدوره في توحيد الأمة، وهو لا يستطيع تقديم المزيد بعد الآن، فقط بعد أن يختفي من المسرح الألماني إلى الأبد ، يمكن لألمانيا أن تخطو نحو الانتعاش الحقيقي. كان هذا ما كتبه له صديقه القديم الجنرال بيك أمس. وأكد أداء هتلر في اجتماع اليوم أن هذا البيان صحيح بلا شك.
كل ما تتحدث عنه الفوهرر في الإجتماعات العسكرية هو اغتيال نائبه، وخيانة نائبه، إلخ ، ولم يكن يهتم بالمواضع المتعلقة بالخطوط الأمامية على الإطلاق.
توجد بالفعل عدة أنواع من الإمدادات الناقصة من مستودعات الذخيرة في الخطوط الأمامية التي بلغ مستوى نقصها معدلات خطيرة، والآن من الضروري تعبئة القوات اللوجستية لنقل هذه المواد من ألمانيا إلى الجبهة حيث تتزايد الحاجة لها في أسرع وقت ممكن. ومع ذلك يجد أن هذا التقرير قد تم تسليمه لهتلر وقد مضا على ذلك ثلاثة أيام كاملة ، لكنه لم يقدم اي إجابة عليه حتى الآن ، وحتى هذه الساعة ما تزال المؤن مكدسة في مستودعات محطات القطار المختلفة في ألمانيا يكسوها الغبار لا تجد من يسأل عنها، وقد تيقن كايتل أن هذا رجل لا يهتم بشيء أكثر من طموحه وسلطانه، أما عن حيوات مئات جنود الجبهة فماهي إلى أرقام ثانوية لا تهمه. وقد أحبط ذلك كايتل.
كما أثار سلوك الحليف الأقرب لألمانيا إيطاليا حفيظة جنرالات القيادة العليا الألمانية بشدة ، ومن الواضح أن الزعيم الإطالي المتبجح كان يطمع بمشاركة انتصار ألمانيا بثمن بخس، لكن ما زاد من خيبة الجنرلات هو تحفظ هتلر حيال هذه الموقف إذ لم يبدي أي رأي ولا نية عنده لأخذ تدابير صارمة تضع حد لشهية ذلك الإيطالي، ويبدو أنه لا يهتم بكون سلوك الطليان يخطو على كرامة لألمانيا ، و كضابط ألمان نبلاء ، كان ذلك ببساطة أمر لا يطاق، فالتسوية مع الزعيم الإيطالي النهم هي ببساطة خيانة للمصالح الوطنية الألمانية.
لقد شاطر بقية المارشالات كايتل في خيبته. وقرروا تسخير سلطتهم مجتمعة لتأخير الحملة الفرنسية مستطاعو لذلك سبيلا. يجب ألا يسمحو لهتلر بالفوز بشرف هزيمة العدو التاريخي لألمانيا، فرنسا، أمام الشعب الألماني.
مع ذلك لم يكونو أغبياء كفاية للجهر بالعصيان، معادة الفوهرر حماقة والسنوات المنصرمة تشهد بذلك، كل ما أجمع المارشالات على فعله هو تقييد سلطة الفوهرر قليلا، مع كسب وقت ثمين حتى يتسنى للرجلين للتنافس على السلطة، وما إن تترنح كفة النصر إلى أحدهم حتى يقفزو في مركبه.
وبالطبع، من غير ذلك الشاب قادر على الوقوف في وجه الفوهرر اليوم؟ بغض النظر عن أرائهم الشخصية، توصل هؤلاء المارشالات إلى إيجماع، الرجل الوحيد القادر على إستبدال هتلر أمام الشعب والفيرمخت هو راينهاردت فون شتايد، و ليسوا وحدهم في ذلك، فما يقارب نصف كبار الجنرالات الميدانيين في الجبهة الفرنسية يكنون لسعادة نائب الفوهرر راينهاردت الإحترام والمحبة. لقد أدركو الوضع الراهن بدقة ، لذلك تعاونوا مع ترتيب القيادة العليا التي دبرها المارشالات، وبذلك أصبح الجيشان الألماني والفرنسي على جميع الجبهات الغربية في حالة إنتظار مثيرة للاهتمام، تذكر الجنود بفترة “الحرب الجالسة” [1] ، حيث لم يكن الألمان مهتمين بالهجوم، ولم يمتلك الفرنسيون القوة للهجوم، لذلك تمركزت جيوش الطرفان متقابلة بينهم خطوط دفاع هشة. لكن كايتل شخصيا إعتقد أن هذا الجمود لن يدوم طويلا ، فما إن يتسلم راينهاردت مقاليد السلطة ، حتى يكون اليوم الذي ينهار فيه خط الدفاع الفرنسي قاب قوسين، حتى ذلك الحين لا يسعه إلا أن يستمر في محاولة إرباك النمساوي ، والمساهمة بكل ما في وسعه لإثراء خطة نائب الفوهرر.
“مارشال كايتل ، ألا تعتقد أن سؤالك متغطرس للغاية؟ يمكننا فقط الإحتفاء برغبة حلفائنا في مد يد العون. أي تكهنات أخرى غير مناسبة، تذكر كون إيطاليا هي من حلفائنا الأوروبيين القلائل. لقد دعاني الزعيم الإيطالي مرة لعقد لقاء لإجراء محادثات مهمة ، لكنني لم أوافق على دعوته بسبب المشاكل في بولندا. وأعتقد أنه لربما أراد فقط مناقشة إعلان الحرب معي في ذلك الوقت. الآن أرسل لي أيضًا خطابًا صادقًا يشرح سبب إعلان الحرب على فرنسا دون إخطارنا، وللتعويض عن هفوته. زعم أنه لن يتردد في إرسال الجنود الشباب الإيطاليين إلى ساحة المعركة من أجل المساهمة في إحياء ألمانيا العظيمة ، مما يؤكد أيضًا أنه حليفنا. هل تزعم أن لديهم دوافع خفية؟ أنت ببساطة لا تفهم قيمة الحليف. لهذا السبب يمكنك فقط أن تكون ضابط أركان وليست قائد وحدة. وشيء آخر أريد ذكره عندما يتعلق الأمر بالجبهة الفرنسية ، أريد فقط أن أسألك لماذا توقف القتال وماذا حدث على الجبهة. أين شجاعة الفيرماخت؟ أين ذهب الجيش الألماني المغوار؟ هل ذهبو إلى بولندا مع نائبي في محاولة خيانتي؟”. رد هتلر على كايتل وهو ينقر سطح طاولة إجتماعات ببطئ..
“هذا صحيح حضرة الفوهرر. موقف الجيش الآن مريب، ويمكننا في الواقع رؤية أن وحدات الجيش الثلاث قد بقيت في مواقعها ولا تفعل شيء سوى الاستمتاع بأشعة الشمس على الشاطئ. وجميعهم أوقفوا هجماتهم لأسباب وأعذار مختلفة. وبسبب ذلك قوات العدو التي كانت محاصرة في ما سبق بدأت أيضًا في تنظيم دفاعاتها خارج الحصار. هذه هي الأسباب التي تجعلني لا أجرؤ على التكهن بخطة الجيش ، لكن إسمحو لي أن أدعي إدعاءً خطير إلى حد ما، سلوك الجيش الحالي ماهو إلى تعاون مع العدو. وإستخباراتنا تظهر أن الجبهة مستقرة، والوضع الذي نشهده حاليا ناجم عن تلاعب خبيث وراء الكواليس ، وهذا شيء لن يُسمح له أبدًا بالحدوث في الرايخ الثالث. لا يجب السماح لأحد بالقيام بمثل هذه المسرحية الخرقاء في حضور الفوهرر العظيم ، هذا تمرد صارخ! أطالب الفوهرر العظيم بأعطاني الصلاحيات اللازمة لإجراء تحقيق شامل في هذا الأمر ، وسأكتشف المتآمرين المختبئين وسط جيشنا الألماني واحدًا تلو الآخر وشنقهم أمام الجميع بأيدي مواطنين ألمان عظماء ومستقيمون”.
كان المتحدث شاب طويل القامة، ذو سمات بارزة. أكد أنفه المميز وشارة الجنرال على زي SS الأسود هويته. إنه مدير مكتب أمن الرايخ الثالث ، الذئب الأكثر وحشية وقسوة بين جميع الجزارين النازيين في ألمانيا. راينهارد هايدريش [2] الآن قام هذا الوحش المتعطش للدماء بأسقط رئيسه هيملر تمامًا ، واستولى على مكانه السابق بجوار الفوهرر. إنه الآن الرجل الأكثر ثقة حول هتلر ، وأصبح أكثر مراكز الفكر الموثوقة لدى الفوهرر. إنه أكثر غطرسة من ذي قبل لأن لا أحد يجرؤ على مخالفة أوامره ، وأصبح أكثر جنونًا وقسوة.
لطلما كان يحسد الملقب بمبعوث الإله في أعماق قلبه ، كان ذلك الطفل أصغر منه بعشر سنوات ، مع ذلك فهو يتمتع بسلطة ونفوذ وشهرة أكبر منه، ونوع المكانة التي يتمتع بها في قلب الجيش هي الأكثر إبهارا بالنسبة له. وقد أراد ذات مرة أن يكون مرؤوس هذا المبعوث ، لكن هذا الأخير رفضه دونما رحمة. هذا جعل هايدريش يكن له الضغينة. وهذه المرة ، أتيحت له الفرصة أخيرًا لإسقاط ذلك الطفل الذي داس عليه ولم يأبه بأمره طوال الوقت ، كيف لا ينتهز هذه الفرصة؟ الآن ، كان عقله مليئ بخطط لمهاجمة الجيش، أراد أن ينتهز هذه الفرصة لتنظيف جميع الضباط الذين كانوا يقدسون فون شتايد كمبعوث الإله ، ثم سيجد طريقة للتسلق إلى العرش الذي يجلس فيه هذا المبعوث.
“كلا يا هايدريش ، لا حاجة للقيام بذلك الآن. لا بد أن هؤلاء الأشخاص قد تم خداعهم وتضليلهم من قبل بعض المتآمرين ليكونوا مستعدين لأن يكونو أتباع ذلك الشخص. طالما أننا نسمح لهم برؤية الوجه الحقيقي لنفاقه، فسوف يدركون فداحة خطأهم، في ذلك الوقت ، سوف يتوب هؤلاء بالتأكيد ويعودون إلى القضية النبيلة للحزب الاشتراكي الوطني الألماني العظيم. بحلول ذلك الوقت سوف يفهمون بالتأكيد أنني وحدي ، أدولف هتلر ، من أصلح أن أكون زعيم الوحدة الألمانية ، وأنا الوحيد الذي أرسله الله لإنقاذ ألمانيا.” ابتسم هتلر ورفض عرض هايدريش ، رغم أنه أظهر ابتسامة على وجهه ، إلا أن كان من الممكن رؤية وميض بارد في عينيه ، و كان يراقب ردود فعل الجنرالات والضباط الحاضري على كلماته.
وقد أصابته النتيجة بخيبة الأمل ، حيث نظر جميع الضباط إلى الوثائق أمامهم بهدوء ولم يظهرو أي تفاعل مع ما قاله ، كما لم يعبروا عن غضبهم من كلمات هايدريش ، أو عن امتنانهم له. الأمر كما لو كان هو وهايدريش يأديان مسرحة فردية ، ويبدو أن الجمهور أدناه غير مهتم تمامًا بالتفاعل مع هذه المسرحية. بحق الجحيم ما بال هؤلاء الضباط والجرنالات؟ متى طورو هذا القدر من الشجاع ، لقد تجرأوا على غض الطرف عنه بوقاحة. وشعر هتلر بإحساس كبير بالإنزعاج ، لأنه تعرض للإهانة من قبل هؤلاء الأشخاص ، إذ عامله كما لو كان مهرجا، ومن يكون هتلر؟ بالطبع لن يغفر لهم ذلك.
رفع هتلر عن هايدريش ونظر للقادة العام للفيرماخت إذ قال ببرود مشوب بالخيبة : “ومع ذلك ، فأني غير راضٍ عن أداء الفيرمخت الحالي على الجبهة الفرنسية. ما زلت أرغب في تحميل بعض الأشخاص مسؤولية هذه القضية. المارشال فون براوتشيتش ، بصفتك القائد الأعلى للقوات المسلحة للجيش الألماني ، هل لديك ما تقوله لتبرئة ذمتك؟”.
“لا يا سعادة فوهرر. أعتقد أننا جميعًا مسؤولون إلى حد ما عن هذا الوضع بالفعل. ولكن هناك بالفعل الكثير من العوامل التي تعزا إلى الجبهة الفرنسية، والعديد من الصعوبات خارج سيطرتنا مثل الإمداد والإرهاق وأضرار المعدات ، إلى أخره ، لكن هذه المشاكل لم يوضع حل لها بعد في ألمانيا. وأعتقد أن حضرة الفوهرر يمتلك صورة واضحة عن الوضع “. رد المارشال براوتشيتش على عجل: “الآن لجيشنا اليد العليا في مختلف الجوانب على الجيش الفرنسي ، لكننا في الواقع في نهاية معركتنا ، والجنود في الخطوط الأمامية بحاجة إلى الراحة بعد القتال المتواصل، وحدات الدبابات أيضًا بحاجة إلى إصلاح وصيانة حقيقيين، وأي تحرك الآن قبل الإستعداد سينتهي مثل نهاية الجنرال جوديريان الذي عصى الأوامر وتقدم بمفرده. ولم يقتصر الأمر على إجبار قواته على التراجع من قبل الفرنسيين، ولكنه عانى أيضًا من خسائر فادحة في الأرواح والمعدات. حدث هذا قبل يومين فقط. وأعتقد أن الجميع لا يزال يتذكره. لكم أن تتخيلو أن خبير دبابات كبير مثل الجنرال جوديريان بجيش من النخبة المدرعة تعرض للهزيمته من قبل القوات الفرنسية الضعيفة من الدرجة الثالثة ، مما يثبت صحة نظريتنا. ما نحتاجه الآن هو الراحة والتريق ، ثم التعامل مع الفرنسيين بشن هجوم قاضي. بالنسبة للفرنسيين ، نعلم جميعا أن فعلتهم القتالية تأثرت بشدة بفضل الحملة التي قادها المارشال راينهاردت في دانكيرك ، وحتى نصف عام لن يكونو قادرين على إظهار بوادر التعافي. لذا فإن الركود الحالي للمعركة لن يجعل الفرنسيين يحققون أي إستعداد يذكر”.
“لا تنكر! سيادة القائد العام للجيش، أعتقد أنك تستغبي عقولنا إن ظننت أننا لن ندرك أن السبب الحقيقي وراء فشل الجنرال جوديريان هو قطع الإمداد والدعم العسكري عنه عمدا بحجة مواجهة مشاكل لوجستية، وتوجد في التقارير هفوات كثيرة تثبت ذلك، ومن الواضح أن الجاني الحقيقي هو أنت.” عندما سمع هايدريش هذا ، وقف ونتقد براوتشيتش.
“ما تقوله مجرد إدعائات واهية لا أساس لها، كيف لنا أن نتجاهل واحدة من أكثر وحدات الدبابات نخبوية في جيشنا الألماني، ناهيك عن تعريض العديد من جنودنا الشباب ذوي الخبرة والضباط البارزين للخطر بأيدينا ، والذين هم أثمن ما في الفيرمخت، ألسنا بذلك نضر أنفسنا؟ كيف يمكننا أن نلقي بهم إلى التهلكة عمدا، إنه ببساطة أمر غير منطقي. وهل هذا ما قاله لك الجنرال جوديريان؟” لا يزال المارشال براوتشيتش يبدو هادئ إذ أجاب ببطئ.
لكن يودل ، الذي كان جالسًا بجانب المارشال ، ضاق ذرعا من غطرسة هايدريش ، فوقف فجأة ، وأشار إلى أنف هايدريش وصرخ بغضب: “هايدريش ، عليك الانتباه إلى كلمات. عليك أن تعرف مقامك وإلى من تتحدث! هذا هو القائد العام للفيرمخت ، وهو مارشال ذو دماء نبيلة، أنى لك أن تهينه و أنت مجرد جنرال صغير من قوات الأمن الخاصة ، من الذي أعطاك الحق في التحدث إلى الجيش بهذه الشكل!”
لقد كان هيدريش يمر بأيام جيدة مؤخرا، ولم تحدث إليه أحد هكذا، والآن تم توبيخه من قبل يودل علانية، لكنه لم يعترض، فكلمات جودل كانت منطقية حقًا، في النهاية لم يكن هادريش غبيا يسمح لغروره بإلتهامه، وقد كان يعرف حدوده، سلوكه السابق متعجرف بعض الشيء، ويتخطى سلطته ، لذلك لم يكن أمامه خيار سوى الجلوس في مقعده ، والتحديق في يودل بشراسة.
“الجنرال يودل ، اجلس موضعك، لقد تخطى هايدريش حدوده حين استجواب مارشال و القائد العام للفيرمخت. وقد وبخته بصوت عالٍ أمامي ، أعتقد أنه ليس علينا الإستمرار في هذا الأمر فهذا إجتماع رسمي وليس حانوت خضار” قال هتلر بهدوء : “بغض النظر عما إذا كان ذلك بسبب صعوبات حقيقية أو مؤامرات متعمدة ، لا يمكننا معرفة الإجابة قبل هزيمة الفرنسيين، لكن خلال هذا الوقت، أي ضباط يتم التحقيق معه وتثبت عليه التهم يجب أن يعاقب. بالنسبة لفشل جوديريان على الجبهة الفرنسية هذه المرة ، كنت قد أرسلت أشخاص للتحقيق خصيصا في الأمر ، ووجدت أنه كان بسبب إهمال قائد المجموعة ، لذلك قررت القبض على روندشتيت ومقره بالكامل ، وسيتم نقلهم إلى المحمكة العسكرية في برلين خلال يومين للمثول أمام القضاء حتى يصدر حكم فصل لمعاقبتهم على التقاعس … أعتقد أنهم سيحصلون على العقوبة التي يستحقونها. ألا تعتقد ذلك مارشال فون براوتشيتش؟”.
تسببت كلمات هتلر في إثارة ضجة بين جميع ضباط القيادة العليا الحاضرين. داعب المارشال فون براوتشيتش شاربه المصفف بدقة ولم يبدو عليه الفزع ، بل كان شمتنا في سره، فهل يريد الفوهرر الآن إركاع الجيش بهذا التهديد؟ ربما كانت الحيلة لتنجح قبل شهر ، لكنها الآن دون جدوى. يبدو أن هتلر صدق حقًا أن المارشال راينهاردت كان مصاب بجروح خطيرة ، والآن أصبح عاجزا مؤقتًا على محاربته ، لذلك بدأ في محاولة إستغلال الفرصة لتصفية أتباعه. يبدو أن خطة المارشال راينهاردت تظهر بوادر النجاح، وعلى هذا المعدل، حان الوقت لهذا العريف النمساوي السابق ليتعلم عدم استفزاز الفخر الألماني الذي يمتلكه ضباط الجيش الألماني.وأنه لا يمكن لأي شخص كان ينظر باستخفاف إلى الجنود الألمان، حتى لو كان الفوهرر.
“فوهرر!” بذلك وقف المارشال فون براوتشيتش فجأة ونحنى قليلاً لهتلر ، ثم رفع صدره المليئ بالميداليات بفخر وقال بهدوء: “أما بالنسبة للحادث على الجبهة الفرنسية ، فأنا أجد نفسي بصفتي القائد العام للفيرمخت مقصرا في اداء واجبي. ولا أمتلك ما أقوله غير أنني خجل من نفسي. ولذا لأن أتحمل المسؤولية عن ذلك ، قررت الاستقالة من منصب القائد العام للفيرمخت. الآن أنا أترك القيادة العليا. وأستأذن للذهب إلى الجبهة الفرنسية كمتطوع مسن للقتال مع الجنود ، حتى لو لم توافق على قبول إستقالتي، فإني لن أتعامل مع أي مسؤوليات للقائد العام للفيرمخت. أقدم خالص إعتذاري”. التقط براوتشيتش صولجان المارشال وقبعته العسكرية من على الطاولة وإرتداها، وحيا هتلر بطرق صولجان المارشال على حافة قبعته وخفض رأسه قليلا.
صُدم هتلر بالحادث المفاجئ الذي وقع أمامه. لم يكن يتوقع ذلك ، ولكن قبل أن يفكر في اتخاذ إجراء مضاد ، وقف صف من ضباط القيادة العليا مع قائدهم.
صرخ هتلر مذعورًا: “أنتم ، مالذي تحاولون فعله!”
“فوهرر! نحن جميعًا نستقيل لتقصيرنا في القيام بواجباتنا، سنذهب إلى الجبهة ونقاتل مع الجنود الألمان لنغسل عارنا ، مثل القائد العام السابق للجيش ، حتى نخدم وطننا الأم بعظامنا واخر قطرة دماء في عروقنا كما أقسمنا، أتمنى أن تجد مساعدًا أكثر قدرة مني” قال كايتل لهتلر بتعبير ثقيل. بعد ذلك مباشرة ، ترك جميع الضباط العسكريين مقاعدهم، ثم رفعوا القبعات العسكرية أمامهم ورتدوها، ثم قامو بتحية هتلر طارقين كعوب أحذيتهم بالأرض بإحترام، وتبعوا فون براوتشيتش إلى باب غرفة الاجتماعات.
جلس هتلر في مقعده محدقًا بهدوء في ظهور الضباط، هذا الحادث يحدث للمرة الأولى في التاريخ الألماني، استقال كل ضباط القيادة العليا وهربوا أمامه ، والآن لم يستطع التفوه بكلمة واحدة.
-نهاية الفصل-
ملاحظات المترجم.
[1] : الحرب الجالسة – “سيتزجريج” كما يدعوها الألمان، أو الحرب المضحكة – “درول دوجير” للفرنسين، أو الحرب الزائفة – “بهوني وار” عند الإنجليز هي فترة إنتظار مرت على الجبهة الغربية بداية الحرب، وكان فيها الجانبان في حالة حرب رسميا، وقد حشد كل بلد الجنود على الحدود وأخليت المدن والقرى، لكن لا أحد يقاتل، كان السبب هو أن الألمان اردو استيعاب بولندا قبل التفرغ لفرنسا، بينما أراد الفرنسيون تجهيز دفاعاتهم لصد الألمان.
[2] : في السابق لم أكن أرى سبب لإعطاء تعريف عنه، لكن بما انه سيظهر كثيرا وقد أقول أن له دور في القصة، إرتأيت أنه يفضل ان يمتلك القراء تصور عن راينهاد هايدرش الحقيقي، هذا الرجل يلقب عادة بجلاد براغ، أو الشيطان الصغير، وما شابه ذلك، عرف بكونه نازيا متطرف و نائب لهيملر، حصل على هذا المنصب لأن هيملر قد أعجب به وضمه للحزب، لكن بعض المؤرخين يرى أنه تفوق على هيملر في الفظاعة، هذا الرجل مهووس للغاية بقضية اليهود، دعاه هتلر بأنه الرجل ذو القلب من حديد، وقد كان من المشاركين الرئيسيين في خطة المحرقة، وابعاد وأسر وقتل اليهود، وقد ساعد في صياغة العديد من الخطط ذات الصلة بالأراضي المحتلة، وربما سطع نجمه بشكل خاص في تشيكسلوفاكيا، في ذلك الوقت قامت حكومة تشيكسلوفاكيا المنفية في لندن بخطة للتخلص من هذا الرجل الذي جلب لهم المصائب، ودبرو خطة أغتياله عام 1941، وتم تنفيذها 1942، حيث كان هايدريش في براغ يخطط لمقابلة هتلر في برلين حين تعرض لطلق ناري، فشل الطلق الناري في اصابته، لكنه لم يأمر السائق بالإسراع، بل أمره بالتوقف، شخصيا لا أعرف السبب، البعض يقول انه أراد القبض على القاتل، لكن الأكيد أن ما حدث بعد ذلك لم يكن في حسبان هايدريش إذ أصيبت سيارته بقذيفة مضادة للدبابات، ومات بذلك عن عمر يناهز 38 في وقت مبكر للغاية من الحرب.