معركة الرايخ الثالث - 103 - رُب ضارة نافعة
المجلد 4 | الفصل الرابع والعشرون | رُب ضارة نافعة
.
.
(ملاحظة المترجم : لم أتمكن من رفع أي فصول في الأيام السابقة لأن النت كان مقطوع على مستوى البلاد، لن أخوض في التفاصيل، لكن أتمنى حقا ألا يتكرر ذلك ثانيتا، وأقدم خالص إعتذاري على هذا التأخير، فهو لم يكن بإرادتي).
يخضع المبنى الرئيسي لمقر SS العام في وارسو الآن لأقصى درجات الأمن.
حاصر مئات جنود العاصفة المقر، وكان جميع الجنود مسلحين بالكامل واختبأ بعضهم بين الشجيرات وفي التحصينات مراقبين بيقظة محيطهم. كانت المهمة الموكلة إليهم بسيطة، إن حاول أي شخص مجهول الاقتراب من المبنى ، فعليهم قتله على الفور.
أمسك الجنود السلاح في أيديهم بإحكام ، وحدقوا في الاتجاه الذي كانوا يحرسونه ، معتقدين أنه طالما كانت هناك أي حركة مريبة حولهم ، فسوف يطلقون النار دونما تردد، فلا توجد أي أوامر لترك المتسللين أحياء.
تم تعيين كل من إيريك وهايجنز في خط الدفاع عند الباب الخلفي للمبنى اليوم. جلس هذان العريفان في مخبأ مع مدفع رشاش ثقيل من نوع MG34 مموه جيدا.
الآن لم يضع هذان الرجلان الوقت في الدردشة كما يفعلان اثناء الدوريات. بل كانا يحدقان في العشب أمامهم. إذا اخترق أي عدو خط الدفاع الخارجي ووصل إليهم، فلا بد أنه مسلح. وطالما ظهر في هذه المنطقة المفتوحة ، تعهد العريفان بجعله يعاني ويل لا يناساه مدى حياتهه -كان ذلك على إفتراض أن يتمكن العدو من البقاء حيًا-.
“إريك، كم الساعة الآن؟” سأل هاجينز شريكه بهدوء وهو يمسك بالمدفع الرشاش ويراقب محيطه.
“الخامسة إلى ربع” رفع إريك يده ونظر إلى ساعته.
“لماذا لا يحدث أي شيء؟ بدأ الأمر يصبح رتيبًا” شعر هاجينز بالتعب قليلاً ، فلم يغير وضعيته هذه منذ الظهر.
سأله إريك بهدوء: “هل تريد التبادل معي؟”
“حسنًا، أريد فقط شرب بعض الماء وأخذ قسط من الراحة. هل تعتقد حقا أننا قد نتعرض للهجوم؟”
“لا أعرف ، ربما نعم وربما لا، وفقًا للأمر الصادر عن المارشال يبدو أنهم قد حصلو بالفعل على معلومات دقيقة للغاية تشير إلى أن عدواً سيهاجم.” تقدم إريك نحو المدفع الرشاش ، وإلتقط حافظة الماء وألقى بها إلى هاجنيز “حسنًا ، أجلس موضعي عند الرصاص وسأقعد أنا عند المدفع”.
وقف هاجينز في الموقع الذي كان فيه إريك سابقا وقال مبتسما “أربعة صناديق من الرصاص يجب أن تكون كافية. لا أعتقد أن أي عدو يمكنه الهروب من نيراننا.”
تفحص إريك المدفع الرشاش بينما أجاب : “يبدو أن هذا الرصاص أكثر من كافٍ ، لكن ليس لدينا سوى ماصورتين احتياطيتين ، لذلك لا ينبغي أن نكون قادرين على إطلاق كل الرصاص”.
“ولم سيكون علينا إطلاقه كله؟ لا أستطيع أن أصدق أن هذا قد يحدث. كيف يأتي البولنديون الرعاع لمهاجة مقر قوات الأمن الألمانية؟ هل هم مخبولون ام أغبياء؟ ألا يغازلون الموت بذلك؟” قضم هاجينز النقانق المشوية وشريحتين من الخبز الأبيض.
“في الواقع، هؤلاء البولنديون يوجيدون الإنتحار بأغرب الطرق التي لا تخطر على بالنا، رغم شكي في كونهم قد يتخطون خط الدفاع الأول للوصول لنا مع إمكانياتهم المحدودة.. مهلا ، لماذا أسمع صوتك تمضغ، هل تأكل أثناء أداء الواجب؟” لم يزح إيريك أنظاره عن البعيد.
“يا رجل، لقد كنت جائعًا، لم يكن لدي الوقت ولم أتمكن من اكل اي شيء منذ الظهيرة. لذا إلتقطت ما خف من طعام من الكافيتريا. طعمها ليس سيئا.” مضغ هاجينز وفمه مليء بالطعام إذ أجاب زميله.
“ماذا ، لماذا لم أفكر في ذلك ، أترك لي البعض” .
“هنا ، سأحتفظ لك بالنصف. تناوله بسرعة ولا تدع الضباط يروننا” إقتطع هاجينز بسخاء نصف طعامه وغلفه ثم سلمه إلى إريك.
لكن عندما مد إريك يده لأخذ الطعام منه ، حدث شيء لم يتوقعاه أبدًا.
عندما كان الرجلان على وشك التمتع بالطعام الذيذ سرا ، دوا انفجار عنيف لكرة نارية ضخمة من غرفة الاجتماعات على بعد أقل من خمسة أمتار خلفهما. وطغت على رؤيتهما.
في لحظة ، إنفصلت إطارات النوافذ الخشبية وتطاير رذاذ الخضب والزجاج المحطم ، مع جميع أنواع الحطام من الصخور والسخامة من غرفة الاجتماعات ، وتساقط على المجنديين مثل العاصفة. ولحسن حظهما لم يجلسا في قاع التحصين الذي بات الآن مدفونا تماما ، وإذا لم يكن الرجلان يجلسان في قاع حفرتهما لتناول الطعام سرا، فلربما تم دفنهما حيين بالحطام الموجود على الفور. والآن ، حلقت كومة من شظايا الشبيهة بالقذائف فوق رؤوسهم بسبب موجة الصدمة العنيفة للانفجار. وتناثر الزجاج المكسور وضرب خوذ الجنديين الفولاذية ، كما تطاير الحطام على المدافع الرشاش الثقيل. ورفعته موجة الصدمة العنيفة من التحصين وقلبته على العشب.
كان الجنديان مرتبكين تمامًا في تلك اللحظة ، ولم يكونا مستعدين عقليًا لهذا الإنفجار على الإطلاق. لكن من كان يظن أنه سيكون هناك انفجار في المقر الذي يخضع لحراسة مشددة خلفه مباشرة، ولا يسعهم إلا أن يتذكرو مقولة ‘لا يغني حذر عن قدر’ المشؤومة.
لقد أخذ الإنفجار المجندين على حين غفلة، الرجلان المسكينان يجلسان الآن في مخابئهما بلا حراك في حرية من أمرهما ، ولم يستطيعا سماع أي شيء في آذانهما بإستثناء الطنين المزعج، إرتجف هاجنيز برؤية الدخان يتصاعد خلفه، وكلاهما رأى خوفًا عميقًا في عيون الآخر.
بعد الانفجار ، غطى الدخان الكثيف المبنى بأكمله ، ودوت صفارات الإنذار بصوتها الحاد. قام جنود العاصفة على خط الدفاع الخارجي برفع رؤوسهم من مخابئهم ونظروا نحو المقر دون معرفة ما حدث والشك يتخلل نظراتهم ، ثم رأوا دخانًا كثيفًا وألسنة اللهب.
“اجتمعوا! سارعو لإخماد النيران!” بعد أمر الضابط المزلزل بنبرة غاضبة الذي يقود الفريق مصحوب بصافرة أمر التجمع ، هرع جنود الكوماندوز بسرعة من مخابئهم ، و بقيادة الضابط توجهوا يائسين باتجاه المبنى الرئيسي للمقر، وكل منهم يحمل تخمين مخيف في قلبه.
“اسرعو! عجلو في تنظيم الإنقاذ ، لا يزال هناك الكثير من الأشخاص بالداخل، بما في ذلك نائب الفوهرر.. أسرع ، اذهبو بسرعة..”. خرج دوجان من باب المقر بتثاقل وهو يلهث، وأسند نفسه على الجدار بجوار الباب، كان رأسه وجسده مغطيين بالدم، وزيه العسكري الأسود ممزق ، وهو يصرخ في جنود الكوماندوز.
“الإنفجار قادم من غرفة الاجتماعات.. وجميع الضباط في غرفة الخرائط المجاورة لها. أرسلو أشخاص لإنقاذهم..” بعد قول هذا ، أصبحت عيون دوجان ضابابية، وبدأ جسده في الترنح، يبدو أنه قد إستهلك اخر طاقته، سارع إيه أحد رجال الكوماندوز لدعمه، لكنه فقد الوعي لحظتها.
إن رؤية العقيد دوجان الحازم والجليل عادة يفقد وعيه والدم يصبغ وجهه أخاف قائد الكوماندوز تقريبا حتى الموت، وتصببا عرقا إذ ملئ هاجس مشؤوم قلبه. إذا تعرض نائب الفوهرر للأذى بسبب هذا الحادث، فستكون العواقب وخيمة على بولندا كلها.
قاد القائد على الفور قوات الكوماندوز رجاله إلى المبنى بسرعة وهو يصرخ بكل انواع الأوامر والشتائم، والآن أصبح لدى الجميع فكرة واحدة في أذهانهم ، حتى لو عنا ذلك المخاطرة بحياتهم ، يجب عليهم ضمان سلامة نائب الفوهرر وهؤلاء الضباط ، ودعو الله أن يتمكن هؤلاء الرجال الهامون من الهروب من هذه الكارثة المأساوية.
عندما اقتحمو المبنى ، قوبلو بمشهد أثلج قلوبهم وشابت له رؤوسهم. أصبح الممر الآن في حالة من الفوضى العارمة. فقد تم نسف مصف جدار غرفة الاجتماعات بالقرب من الممر ، وتناثرت جميع أنواع الحطام في كل أنحاء الممر ، استمر الدخان المتصاعد في التدفق من غرفة الاجتماعات ، وكان الهواء لا يزال ممتلئًا برائحة البارود المنفرة.
“ليعثر الفريق الأول والثاني على معدات إخماد الحرائق وليخمدوا النار هنا. وليأتي الفريق الثالث معي.” تغيرت نبرة قائد الكوماندوز عندما في إصدار الأوامر بعد رؤيته المشهد، وكان قالبه مليئ بالذعر، قاد فريقًا من الكوماندوز ، واندفعو نحو الطرف الآخر من الممر وسط الدخان الخانق.
سمعو العقيد دوجان يقول إن نائب الفوهرر والضباط كانوا في غرفة الخرائط المجاورة لقاعة الإجتماعات عندما وقع الانفجار. بالنظر إلى قرب غرفة الخرائط من الإنفجار في غرفة الإجتماعات ، يجب ألا تكون الخسارة هناك ضئيلة. بالتفكير في هذا ، كان القائد قلقًا جدًا لدرجة أنه كاد يصرخ.
كانت غرفة الخرائط في الطرف الآخر من الممر ، بجوار غرفة الاجتماعات التي وقع فيها الانفجار ، وكانت المسافة القصيرة التي بلغ طولها حوالي عشرة أمتار تمضي مثل العقود على قائد الكوماندوز. أقسم القائد بعد ذلك أنه شعر بقلبه يتوقف عن النبض عندما ركض في الممر ، ولم يستأنف النبض إلا عندما ظهر ظل لرجل طويل من مجال رؤيته يشق طريقه بين دخان البارود.
“الجنرال مولر!” تعرف القائد على الرجل طويل القامة الذي شق طريقه مسرعا من الدخان الكثيف ، ولم يسعه إلا الصراخ مستبشرا، واشتعل الأمل في قلبه.
“من أنت! إرفع يديك!”
صوب مولر مسدسًا بإحدى يديه على جنود الكوماندوز الذين كانو يركضون نحوه وصرخ بصوت عالٍ أثناء تغطية الجرح على جبهته التي كان لا يزال ينزف ويقطر دماء قرمزية من بين أصابعه.
“نحن فرقة العاصفة الثلاثين. ونا الكابتن ديسن حضرة الجنرال” توقف القبطان على عجل عن التقدم، وقف بستقامة وأبلغ مولر بصوت عالٍ.
بعد الاستماع إلى كلمات ديسن ، بدا مولر مرتاحا ، فقد أنزل فوهة المسدس ، وارتعش جسده الطويل كما لو أنه لا يستطيع تحمل الوقوف أكثر.
سارع ديسن إلى الأمام وساعد مولر على الوقوف وسأل بقلق: “جنرال ، كيف حالك؟”
“لأخسئ أنا! دعك مني ، اذهب إلى غرفة الخرائط، الجميع مصاب بما في ذلك نائب الفوهرر، الوضع هناك خطر. تعال وساعدني في أخرجهم!” صرخ مولر في وجه جنود الكوماندوز ، ودفع ديسن بعيدًا عنه.
“جنرال ، سنذهب نحن ، ولكن يبدو أنك في حاجة ماسة لعلاج جراحك الآن ، من الأفضل أن تغادر أولاً، وسنتكفل نحن بالباقي.”
عندما سمع ديسن أن نائب الفوهرر أصيب ولم يقتل ، شعر أنه يستطيع التنفس أخيرا. على الرغم من أنه لم يكن يعرف بالتحديد حجم إصابة سعادته أو مدا خطورتها على جياته، إلا أنه كان أفضل بكثير من أن يقتل في المنطقة التي يحرسونها. بذلك إستدار وصرخ على رجاله : “أنتما لتساعدا الجنرال بسرعة في الخروج من المبنى، أنقلاه إلى حيث يتلقا العلاج. هناك العديد من الجرحى بالداخل. إستدعو المزيد من الرجال للمساعدة!”
في هذا الوقت ، وصل جنود الكوماندوز الذين سمعوا الخبر وإنضمو إلى عملية الإنقاذ ، تم إخماد النيران في غرفة الاجتماعات بعد فترة وجيزة ، وتم إنقاذ الأشخاص الموجودين في غرفة الخريطة واحدًا تلو الآخر على عجل. كان الجميع يصرخون ويركضون ، وسقط المقر بأكمله في نوع من الفوضى المجنونة.
بعد نصف ساعة ، اندفع خارج بوابة المقر أكثر من 12 ناقلة جند مدرعة من نوع 215 مرسوم عليها صليب معقوف أسود بجنون مع صفارات الإنذار تطن بلا حدود، وتوجهوا نحو مستشفى الحامية الألمانية في وارسو.
في هذا الوقت ، تم إغلاق الشارع أمام مستشفى بإحكام من قبل قوات الأمن الخاصة المسلحة ، وحتى المباني المقابلة للمستشفى كانت تحت سيطرة قوات الكوماندوز وتم تهجير قاطنيها. تنتشر فرق الرشاشات والقناصة على ارتفاعات مختلفة من حولهم ، وهم يراقبون الوضع المحيط بيقظة ويطلقون النار دون تردد عندما يكون هناك أدنى توجس ، والكتلة بأكملها محاطة بأجواء محبطة وخطيرة.
هرعت قافلة ناقلات الجند المدرعة عبر بوابة المستشفى بسرعة عالية ، وامتد صوت صرير مكابحها إلى المبنى بأكمله. وعندما توقفت تلك المركبات ، هرع حشد من الأطباء والممرضات الذين كانوا ينتظرون عند البوابة. وجرو النقالات السريرية على الأرض ، وسرعان ما تم نقل الجرحى المهمين إلى المستشفى لنيل الرعاية الصحية اللازمة.
في الوقت نفسه ، بدأت قيادة كتائب Waffen-SS في ببناء مقر مؤقت أمام المستشفى، ونصبوا مدافع رشاشة وأسلاك شائكة. تم وضع مدفعين رشاشين من عيار 20 ملم في منتصف الشارع ، وقاموا بحراسة طرفي الشارع ، بينما كان عدد قليل من دبابات بانزر-إثنان متوقفة امام التحصينات. هذه الأسلحة وهؤلاء الجنوظ يجعلون البولنديون يشعرون بالقمع، بدا المنظر أمام المستشفى خرجا من حرب حقيقية، والأعين الباردة والشرسة لهؤلاء الكوماندوز تجعل الناس يعتقدون أنه حتى لو واجهو عدو مسلح بالدبابات مثلهم، فقد لا يتمكن من تخطيهم. وسرعان ما دب الرعب حتى تغلغل عميقاً في نخاع عظام البولنديين.
كانت هذه الليلة قاتمة وصامتة أكثر من أي ليلة تسبقها.
ساد الليل الهادئ على المدينة ، وبدأت مصابيح الشوارع تنير ظلمات الطرقات ، لكن صوت لم يُسمع في شوارع هذه المدينة الكبيرة.
لم يكن أحد ليعتقد أنه في مثل هذا الجو الغريب الذي يكتنف المنطقة، دار سجال غير معهود في وحدة العناية المركزة الضخمة الخاصة بالمستشفى.
صرخ دوجان بغضب على نائبه ورأسه ملفوف بالضماد : “راندولف! أيها الإمعة السفيه، لأقتلنك!”.
“أيها الوغد ، لقد كدت تقتلنا جميعًا! لن أسامحك فالموت بيننا!” تقدم مولر نحو راندولف ببتسامة غريبة، كان هو أيضا مغطى الضمادات. و يحمل كرسي في يده مستعد لضرب راندولف به.
“هاه، أيها الوغد ، لا أعرف كيف تخرجت من الأكاديمية العسكرية بمعدل ذكائك المحدود هذا. لقد كان خطأي أن وثقت بك. الآن أريد أن أكفر عن خطئي إذا تكرمت.” أخذ هانس رف حديدي علقت عليه زجاجات التنقيط وسار باتجاه راندولف بنظرة شرسة في عينيه.
في هذا الوقت ، كان راندولف مقيدًا بالملائات بإحكام في سرير المستشفى مثل زلابية الأرز ، وحتى فمه كان مكمما بضمادة سميكة.
كان شي جون هو أيضا مضمدا، مستلقيًا على السرير بعيد ، يقرأ المستندات بين يديه.
برؤية الوضع يتفاقم ويتأزم بين مرؤوسيه، رفع عينيه عن المستند ونظر إلى راندولف وقال بنبرة رثاء له “يمكنك الذهاب للراحة الأبدية رائد راندولف ، الله سيغفر لك ذنوبك في الأخرة. فقط تذكر أن تستغر في لحظاتك الأخيرة. ما كان عليك أن تخطأ في تقدير المادة المتفجرة”.
بعد سماع كلمات شي جون، أظهرت عينا راندولف الدهشة والذعر، صرخ “اوو.. اوو!.” أراد أن يشرح شيئًا. ولكن مع اقتراب الضباط الغاضبين منه، أدار المسكين عينيه وفقد الوعي.
“فأر جبان ، إنه خزي على قوات الأمن الخاصة!”
“هاها ، هل رأيت النظرة في عينيه؟ أريد حقًا أن أراها مرة أخرى. ما رأيكم في ان نعيد الكرة؟”
“ولكن علينا حقا معاقبته بشدة فما حدث كان خطأه. لقد بالغ في إضافة المواد المتفجرة إلى القنبلة، إذا لم يطلب منا المارشال الإحتماء في الوقت المناسب ، لكان قد وقع بيننا عدد من الضحايا، الأمر لا يتحمل المزاح، فبمجرد التفكير في الثقب الكبير في الجدار يجعل فروة رأسي خدرة”.
بسماع هانس، تنهد الجميع بحسرة، ورمقو راندولف الذي فقد وعيه بنظرات من الغيظ والغضب.
سأل هانس شي جون: “مارشال ، ماذا علينا أن نفعل بعد ذلك؟”
“رُب ضارة نافعة، سارت هذه العملية بسلاسة باستثناء هذا الخطأ الصغير في خاتمتها ، ومع ذلك هذا الخطأ جعل مسرحيتنا الصغيرة أكثر واقعية للعيان. لن يخطر ببال أحد أننا سنجرؤ على استخدام مثل هذه القنبلة الشديدة لتفجير أنفسنا عمدا”. علق مولر إذ جلس بخد على سريره.
أومأ شي جون برأسه بينما لم يبعد عينيه عن المستند وقال: “نعم ، كانت هذه العملية ناجحة بشكل أساسي. الأسف الوحيد هو أن عدد الإصابات في هذا الحادث كان كبيرا بالفعل ، لكن ما جعلني ممتنا هو أن لا إصابات خطيرة تهدد حياة رجالي، ولا ينبغي أن يكون لها أي تأثير على عمليتنا القادمة. بعد ذلك ، سننتظر الاستعدادات للخطوة التالية لتكتمل، وحتى ذلك الحين لا يزال يتعين علينا البقاء في هذا المشفى”.
قال مولر مبتسما “مارشال ، انطلاقا من التقدم الحالي ، ستبدأ الخطوة التالية في غضون 48 ساعة. وقد نجح نصف خطتك.”
“جميع الأشخاص في المستشفى يخضعون لمراقبتنا الصارمة ، ولن تكون هناك أي مشاكل. وهؤلاء الجنود في الحراسة جميعهم من رجالنا، وأعتقد أنه لا يمكن لأي ذبابة الدخول”. وقد أضاف هانس بدوره.
“هذا جيد. يجب أن نخفي حالتنا الحقيقية بصرامة، ويجب ألا نسمح لهتلر بالحصول على أي أخبار عن طبيعة إصاباتنا. ثم سننشر الأخبار التي نريدها أن تنتشر ، حتى يعتقد الجميع أنني أصبت بشدة، وأن هذا الاغتيال كان خطيرًا. وأن العديد من الضباط والجنرالات يعانو أصابات حرجة، أريدهم أن يعتقدو أنني أتأرجح بين الحياة والموت ، ولا أحد متأكداً ما إذا كنت حياً أم ميتاً. وبذلك يجب أن نسرع في تنفيذ خطتنا. اوه، انظر إلى هذا، لقد بدأ حلفاؤنا الأعزاء بالفعل التحرك وفقا لما ورد في هذه المستندات “. سلم شي جون المستندات التي كان يقرأها إلى هانس ببتسامة ساخرة.
“ماذا؟” هتف هانس بعد إلقاء نظرة خاطفة على الوثيقة. “إيطاليا أعلنت الحرب على فرنسا!”
“هل حدث هذا حقا؟” تقدم دوجان ومولر على عجل للنظر في الوثيقة بيد هانس.
“كانت هذه الخطوة من إيطاليا مسألة وقت. ورثت حكومة موسوليني غطرسة وضيق أفق الأباطرة الرومان القدماء. بل وقد إرتقو بهذه الصفات إلى مستوى جديد. يعتقد موسوليني أن هزيمة فرنسا مؤكدة بعد دانكيرك ، والجيش الفرنسي منشغل برجالنا، وأراد بدخول الحرب الآن أن ينتهز هذه الفرصة للصيد في المياه العكرة ، وغايتهم سرقة انتصارنا منا” قال شي جون ببرود.
تمتم دوجان بإنزعاج : “هذا الفعل مخزي ، كيف يجرؤون على فعل هذا ولم يخطرونا به أنفًا. ما الذي يفكر فيه؟”.
“لا يفكرون في أي شيء ، لقد أرادو فقط مشاركتنا هذا الإنتصار الذي دفعنا الدم في سبيله ، وهي الطريقة الإيطالية المعتادة، أظهر سلوكهم في الحرب الأخيرة أنهم حليف غير موثوقين لا يؤمن قربهم، وسلوكهم الحالي يبرهن على ذلك مجددا. هتلر متساهل للغاية مع الطليان، ويتنازل لهم المرة بعد الأخرى، غير مدرك إلى أن ذلك الزعيم الإيطالي ماهو إلى نمر طموح من ورق، سيدرك هتلر ذلك عاجلا أم أجلا، لكن بعد أي ثمن يا ترى؟”.
هز شي جون رأسه وأتبع قوله بسخرية “حسنًا. دعكم من ذلك الآن ، فقط أنظرو إلى هذه المفارقة العجيبة، عندما خاضنا معارك دامية على الخطوط الأمامية وحاصرنا الفرنسيين في معركة ملحمية، قفز هذا الحليف الذي لم يرغب في مد يد العون حين تفاقمت له الحاجة للاستفادة من غنائمنا، وأتساءل أين كان هذا الحليف المزعوم عندما كنا نكافح ضد الجيشين الفرنسي والبريطاني، لا أستطيع أن أصدق أن بأمكان أحدهم فعل مثل هذا الشيء المخزي دون أن يرمش له جفن ، لكن ما يمكنني التأكد منه هو أن حسابات موسوليني هذه المرة خاطئة تمامًا. طالما أنا حي أرزق ، لن تنجح خطة هذا الرجل الوقح إطلاقا” .
كان شي جون يحتقر منذ دهر طويل أداء إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، والتي كانت معروفة على نطاق واسع بكونها ‘الأضعف’ لا يمكنهم حتى المقارنة بين أداء حنودها وجنود المستعمرات البريطانية. إنهم أكبر صانع نكات في التاريخ العسكري للعالم، تعرضو للركل من قبل اليونانين والإثيوبين، وحتى بعض المقاومين الليبين المسلحين بالكاد، يمكن أن يجعل السجل الإبداعي للجيش الإيطالي أي خبير عسكري يحترم نفسه يفقد الوعي، إما من الضحك أو الغضب. والآن دفع هذا الديكتاتور الإيطالي بنفسه أخيرًا إلى حرب لا قبل له بها على خطى التاريخ، كانت ساحة المعركة فوضوية للغاية ولا يمكن توقع ما قد يحدث، إذا ترك هؤلاء الطليان يجرونه مجددا كما حدث في التاريخ، فلن يتمكن من العيش طويلا، وقد شعر شي جون أن تصرفات هذا الإيطالي قد تكون ضارة عليه.
خطرت بباله بعض الأفكار للتعامل مع الوضع، وبدأ يفكر في أفضل طريقة ليجعل هذا الحادث يصب في مصلحته ، لم يستطع شي جون إلا أن يغرق في التفكير. ولم يجرؤ مرؤوسوه على مقاطعته، لذا وجهوا انتباههم جميعًا إلى راندولف ، الذي كان لا يزال فاقدًا للوعي.
“هانس، لماذا لم يستيقظ هذا الرجل بعد؟”. سأل مولر.
“سيكون على ما يرام”. أكد دوجان لهانس وهو يضغط على صدر راندولف بإصبعه مستشعرا النبض.
“حقًا؟ دعني أرى ، إيه؟ يبدو أنه لا يتنفس”. وضع هانس يده أمام أنف راندولف.
“قطعت أنفاسه؟ لكن قلبه ينبض” مشى مولر إلى راندولف بريبة ، ورفع قبضته وضرب بطن راندولف. فتح راندولف عينيه فجأة ، وأطلق صرخة متألمة “ووو …” ، وانهمرت الدموع من محجريه.
“أنت سيئ في لعب دور الميت” رفع مولر راندولف من ياقته.
-نهاية الفصل-