33 - شرف الضباط
المجلد 2 | الفصل الواحد والعشرين | شرف الضباط
.
.
“نائب الرئيس.. نائب رئيس الدولة؟…”
راقب راندولف صمت شي جون الطويل بعد قراءة الرسالة، ولم يسعه إلا أن يشعر بالقلق.
في هذه اللحظة عاد شي جون إلى وعيه.
ذكره راندولف “لا يزال رئيس الدولة ينتظر جوابك، فكيف سترد؟”.
وضع شي جون البرقية في جيبه، ثم رد : “اتصل برئيس الدولة على الفور، أبلغ أنني ممتن جدًا للفوهرر لاهتمامه بي. بمجرد انتهاء القتال هنا، سأعود دونما تأخير. هذا كل شيء، راندولف، يمكنك إرسال تقرير إلى الجنرال رونتشتيت لاحقًا، أطلب منه أن يعد لي طائرة. سأعود إلى معسكر القاعدة”
“نعم، نائب رئيس الدولة” سارع راندولف.
تمامًا كما غادر راندولف، ركض هانس إليه ببرقية. “جنرال! وصلت أخبار الفوج السابع والفوج 25 المدرع”
“أوه، وماذا قالو؟”
“الخطة ناجحة نجاحا باهرا، تم القضاء على معظم قوات العدو، ونحن الآن نطارد الفارين الباقين. لقد عانى جانبنا خسائر طفيفة في هذه المعركة”
“جيد!” وقف شي جون بحماس.”هانس، أسرع واطلب منهم تسليم تقرير مفصل بالمعركة، ثم احسب بعناية نتائج هذه المعركة والخسائر. أيضًا، دع الفوج 25 المدرع يتأكد من القضاء على العدو تماما، قبل أن ينطلقو فوراً إلى فوج المشاة سابع للانضمام إلينا. ليأتي فوج “جروس دويتشلاند” والقوات الأخرى أيضا. سأهنئ جميع القوات شخصيا على هذا النصر!”
“نعم جنرال، سأنقل الأمر على الفور. واسمحوا لي أن أكون أول من يبارك لكم هذا الإنجاز العظيم. تهاني الحارة على انتصارك”.
” شكرًا لك هانس. لقد ساعدتني كثيرًا، اذهب وأوصل الأوامر” حيا شي جون هانس بابتسامة، وأعاد هانس التحية رسميًا و أومأ برأسه، ثم استدار وخرجوا.
وقف شي جون على حافة الخندق ونظر إلى ساحة المعركة أمامه. ما كان في الأصل حقل عشب أخضر أصبح الآن مشرحة ضخمة.
انتشرت جثث أكثر من 2000 جندي مشاة بريطاني في جميع أنحاء ساحة المعركة، وتناثرت جميع أنواع الأسلحة والمعدات في كل مكان. الدبابات المدمرة وحفر القنابل لا تزال تنبعث منها أعمدة من الدخان. كانت هناك رائحة إحتراق كريهة في الهواء.
كانت سرية من الجنود الألمان تقوم بتنظيف ساحة المعركة، وكانوا يسمعون بين الحين والآخر صرخات الجنود الذين يطالبون الإطباء العسكريين بإنقاذ الجرحى الذين ما زالوا على قيد الحياة. كما أن هناك بعض الجنود يقومون بجمع البنادق التي تركها العدو، ويقومون بتكديس البنادق التالفة ووضع البنادق السليمة جانبًا بدقة.
نظر شي جون إلى الحقل الذي إعتقد أنه ساحر ذات مرة بعد أن أصبح ملطخ بالدماء، لم ينسى أن هذا كان بسببه، لكنه شعر أنه أصبح مخدرًا، لم يعد يهتم كثيرا في الواقع، لقد شهد دمارًا وموتًا كافيًا في اليومين الماضيين، وحولت الحرب القاسية طالب تاريخ خالص إلى شخص يستطيع أن يأمر بالموت بدم بارد في يوم واحد فقط.
ضحك الجنود الألمان وحملوا غنائمهم، وتركوا بعض الأدوات الشخصية وسلموا الأشياء الثمينة للضباط. تقوم مجموعة من الجنود الألمان بمرافقة الدفعة الأخيرة من السجناء للعودة إلى الموقع. وعلى الجانب الأخر جرارات ثقيلة ومهندسون ألمان يحاولون جاهدين سحب بعض دبابات “ماتيلدا” من الحفر التي غرقوا فيها. بدت ساحة المعركة بأكملها قاتمة وحيوية في أن واحد.
استدار شي جون وسار ببطء إلى مؤخرة موقعه، وتبعه ضباطه بصمت.
خلف المواقع الألمانية، أقام الألمان معسكرًا مؤقتًا ضخمًا لأسرى الحرب. كان أسرى الحرب البريطانيون محاطين بطبقات من الأسلاك الشائكة في مساحة مفتوحة كبيرة. تم نصب أكثر من دزينة من نقاط إطلاق النار بالمدافع الرشاشة على الجانب، وقام المدفعيون بالتحديق في أسرى الحرب، مع تعابير متلهفة على وجوههم. وبدا أنهم كانوا يتطلعون بشدة إلى قتل من يثير أعمال شغب.
لكن يبدو أن أسرى الحرب البريطانيين قد خذلوهم بشكل واضح. جلسوا على الأرض واحدًا تلو الآخر. حنى بعضهم رؤوسهم في حالة من اليأس، بينما نظر البعض إلى الجنود الألمان من حولهم بلا مبالاة، وجلس معظمهم منتصباً بتعابير فارغة. كان الجنود المصابون بجروح طفيفة مستلقين على الأرض وهم يتأوهون دون توقف، فيما كان الجنود الأصحاء يهتمون بهم بصمت.
خيم جو من الإكتئاب وانعدام الروح على هذا المعسكر الأشبه بالحظيرة.
لم يبق الضباط البريطانيون مع جنودهم، بل شكلوا لأنفسهم مجموعة صغيرة في ركن من أركان المعسكر بعيدًا عن الجنود. يبدو أن هؤلاء السادة البريطانيين غير راضين عن إبقائهم مع جنود عاديين من العوام. حاولوا الحفاظ على شرف الرجل الإنجليزي داخل سياج الأسلاك الشائكة، ورفعوا رؤوسهم وصدورهم عاليا، وهم ينظرون بفخر إلى الجنود الألمان الذين يحرسونهم.
عندما رأى هؤلاء المسؤولون البريطانيون جنرالًا ألمانيًا يقترب ببطء خلفه حاشيته من المسؤولين الألمان، بدأوا في إثارة الضجة. بدأوا بالصراخ على الجنود الألمان، وهز عدد من الضباط الأسلاك الشائكة بشدة. لقد أرادوا جذب انتباه شي جون.
لم يلاحظ الحراس وصول شي جون، لذلك حملو mp38 وصوبو به نحو ووجه الضباط البريطانيين.
وصاح جندي ألماني “تراجع! عد إلى مكانك!”
لم يفهم معظم البريطانيين اللغة الألمانية، وتجاهلوا أوامر الحراس، وكانوا لا يزالون يصرخون ويسحبون الأسلاك الشائكة.
“ارجع! ابتعدو عن الأسلاك الشائكة! إذا لم تقم بالتراجو إلى الخلف، سأطلق النار!”
بدأ العديد من الضباط البريطانيين الذين يمكنهم فهم اللغة الألمانية في التراجع، بينما كان الضباط الذين لا يفهمون اللغة الألمانية لا يزالون يصرخون.
قال رفيق الحارس “إنهم لا يفهمونك”
بصق قائلا “سأجعل هؤلاء الجهلة يفهمون”
سحب الحارس مسمار البندقيته، وتم تحميل الرصاصة.
“بانغ، بانغ..” صدا صوت طلق ناري مدوي في السماء.
أصيب جميع الأسرى البريطانيين بالذهول من الطلقات النارية المفاجئة، ووقفوا ونظروا نحو المكان الذي بدت فيه الطلقات.
وقف هؤلاء المسؤولون البريطانيون هناك مثل جذوع الأشجار اليابسة، وأعينهم مملوءة بالخوف ينظرون إلى بنادق الحراس.
و قف هؤلاء المسؤولون البريطانيون هناك مثل جذوع الأشجار اليابسة، وأعينهم مملوءة بالخوف ينظرون إلى بنادق الحراس.
“عد للوراء!” أنزل الحارس سلاحه المواجه للسماء ووجهوا نحو الضباط.
لم يتعافى بعض الضباط من الرعب، وكانوا لا يزالون يقفون هناك في حيرة من أمرهم.
ثم صوب الحارس بندقيته على الأرض بجوار البريطانيين “بينغ، بينغ!”
هذه المرة فهمو جميعا مالذي أراده الحارس منهم. وعندما رأوا أن الحارس يعيد تعبأت رصاص بندقيته mp38، بدأ الضباط البريطانيون في التراجع.
كان شي جون قد لاحظ بالفعل الضجة الصغيرة في زاوية معسكر الأسرى، وعندما قاد رجاله، كان الحراس قد أطلقوا النار بالفعل.
مشى شي جون ووقف خلف الحارس.
“ماذا يحدث أيها المجند!” قال شي جون بنبرة رسمية، متظاهرًا بأنه لم يرى ما يجري.
“آه! الجنرال!” إستدار الحارس ورأى أن نائب رئيس الدولة خلفه، وسرعان ما وقف منتصبا وقال : “أبلغ الجنرال! أسرى الحرب هؤلاء غير منضبطين ويريدون سحب الأسلاك الشائكة. لقد حذرتهم، لكنهم لم يستمعوا، لذلك أطلقت النار”
“لقد قمت بعمل جيد، أفسح المجال، سأتحدث معهم”.
بإنضباط إبتعد الحارس وافسح الطريق لشي جون، لكن نظراته لا تزال ترمق أسرى الحرب البريطانين بالوعيد، إذا تجرأ أحدهم وأثار الضجة أثناء وجود اللواء فلن يكتفي بتحذيره!
إقترب شي جون من الأسلاك الشائكة، ويداه خلف ظهرهه صرخ إلى المسؤولين البريطانيين في الداخل : “مالذي يخيل إليكم بحق الجحيم؟ هل تعتقدون أنكم في إنجيلترا الآن؟ أنتم في حاجة إلى معرفة هويتكم الجديدة، أنتم الآن أسرى حربنا. هذه فرنسا، وقريبا ستصبح لنا، هذا معسكر اعتقالنا، وليس لندن! كل أفعالك يجب أن تمتثل لأوامر الحراس الذين يحرسونك! إذا حدث ذلك مرة أخرى كما الآن، سيعاقب مثيرو الشغب بشدة! هل تفهم؟” قال هذا باللغة الألمانية، ولم يكن يريد أن يعرف هؤلاء البريطانيون أنه يتحدث الإنجليزي.
في هذا الوقت، خرج مسؤول بريطاني من وراء الحشد. أثناء تظاهره بالهدوء والسير نحو شي جون، حدق سرا في الحارس الذي يقف بجانب شي جون ويراقبه، عندما رأى أن وجه الحارس أصبح غير ودي توقف بسرعة عن التقدم.
بدا الضابط في الخمسينيات من عمره، بشارب متقن القص، تمزق الكم الأيسر من زيه العسكري بشظية، ويمكن رؤية الضمادة الرمادية التي يستخدمها الجيش الألماني من خلال الفتحة. بعد أن وقف الضابط على مسافة معتبرة، حيا شي جون بلباقة شديدة. ثم تحدث إلى شي جون بلغة ألمانية طليقة.
“سيادة اللواء، أنا هنا أحتج بشدة على معاملتكم للضباط البريطانيين. وأطلب منك أن تعاملنا بما يتناسب مع رتبتنا العسكرية”.
حياه شي جون بشكل عرضي بينما كان ينظر إليه بازدراء لا يخفيه وقال ببرود: “اسمك و وصفك!”
لم يتوقع الضابط أن يعامله شي جون بمثل هذا الجفاء، لذلك اختنق.
رد الضابط البريطاني : “اللواء الثالث عشر ضابط أركان الجيش البريطاني جوردون هوك. رقم 3487593”
“أوه، رائد جوردون، ما الذي تريده مني بالضبط؟”
“أتوسل إليك أن تعطينا المعاملة التي تتناسب مع رتبتنا العسكرية” أجاب جوردون مرتجفًا، بدأ وجه شي جون البارد يجعله يشعر بالخوف قليلاً.
“ضباط؟”صرخ شي جون بغضب بعد سماع كلماته “لا يزال لديك الكبرياء لتذكر أنك ضباط! أنت لا تستحق لقب الضباط! أنتم مجموعة من القمامة، ومجموعة من البائسين المثيرين للشفقة. الذين يعرفون فقط كيف يستعبدون الجنود. أنت لا ترقى حتى إلى مستوى بيض اليرقات في المجارير!”
“جنرال، لقد أسرتنا، لكن لا يحق لك إهانتنا!” احتج الرائد جوردون.
“لا يحق لي أهانتك؟ ومن أنت كي احترمك. سلوكك اليوم يشعر أي رجل بالخزي. عندما ظهر تشكيلك الهجومي الفوضوي هذا الصباح والجنود احتاجوا لمن يأمر ويعيد تجميع صفوفهم، ماذا فعلتم أيها الضباط؟ عندما كانت دباباتكم ومشاتكم مختلطين وجنودكم بحاجة للضباط لتنسيق خطوات الهجوم أين كنتم؟ ماذا فعل الضباط عندما بدأت مدفعيتنا في إطلاق النار ويحتاج الجنود أوامر لتفريق التشكيل؟ ماذا كنت تفعل عندما بدأت طائراتنا في القصف؟ أوه نعم! كانتم تهربون! لقد تركت جنودك، وهربت بلا خجل. عندما احتاج جنودك إلى من يقودهم، تركتهم، عندما احتاج جنودك إلى تشجيعك أكثر من أي وقت اخر، أدرت ظهرك. عندما واصل جنودك المقاومة، هربت من ساحة المعركة قبل الجميع، أنت تعرف فقط أنك دفعت جنودك بشكل أعمى إلى الهجوم والموت. وثق بك رجالك، لذلك أطاعوا أوامرك. ولكن كيف يمكن أن يكون سلوكك جديرًا بثقة الجنود فيك!”
جذب زئير شي جون عددًا كبيرًا من الجنود الألمان حوله.
كانت مجموعة من الجنود الألمان تستريح في مكان قريب، وتجمهرو الآن خلف شي جون، بينما كانوا يستمعون، كانو يناقشون هامسين في ما بينهم.
ما قاله شي جون جعل جوردون يشعر بالخجل، لكنه لا يزال يريد المجادلة. “صحيح أن أفعالنا كانت سيئة. لكنا فشلنا في الهرب وتم أسرنا. من فضلك لا تهيننا بعد الآن.”
“فشلت في الهرب! يا إلهي، لم أسمع مثل هذه الشفاعة المخزية للدفاع عن النفس! لحسن الحظ، لم تهرب، وإلا فأنا لا أعرف عدد الجنود الذين ستدفعهم إلى الجحيم أمامنا مرة أخرى! أيها الأوغاد الذين يشربون دماء الجنود ويجرؤون على تسمية أنفسهم ضباطًا ويريدون أن يعاملوا مثل الضباط! لا شيء لكم! ستعاملون مثل جنودكم المهزومين. يجب أن تكون شاكراً لأنك ستحصل على نفس الطعام والرعاية مثل الجنود! لأنني كنت سأطلق عليكم النار هنا جميعًا! ولكن من أجل شرف الجيش الألماني، أقنعت نفسي بالتخلي عن مثل هذه الفكرة. لكن هذا لا يعني أني سأسمح للجبناء بمعاملة تفضيلية! لدينا معايير للضباط الأسرى، لكنكم لا تستحقون كرمنا! يجب استخدام هذه المعايير للمحاربين الأسرى، وأنت بالتأكيد لست أكثر من جبان!”
وبخ شي جون غوردون الذي أظلم وجهه. ثم التفت إلى ضباطه وقال.
“لقد رأيتم جميعًا كل ما حدث اليوم! لكن أسمعوني جيدا، لا يوجد مكان لمثل هذا الجبان في جيشي على الإطلاق! الضباط الذين يعرفون فقط كيفية إستخدام جنودهم غير مسموح لهم مطلقًا بالبقاء في الفيرمخت! هناك ضباط لا يهتمون بحياة أو موت الجنود الشجعان بسبب مآثرهم العسكرية! في الرايخ، لا يُسمح مطلقًا لأي ضباط يتخلى عن جنوده ويهرب بمفرده بالعيش او الشرف! حتى لو هُزمت، سأكون مع جنودي. إذا كنت بحاجة إلى التراجع، فأنا أتمنى أن أكون آخر من يبقى في ساحة المعركة! من الآن فصاعدًا، إذا تجرأ أي شخص على انتهاك هذه القواعد، سأجعله عبرة لمن لا يعتبر! هل هذا واضح؟”
“أمرك أيها الجنرال!”صاح الضباط بحماس.
“يعيش الجنرال راينهاردت حياة طويلة!”
من غير معروف من بدأها، لكن الجنود الألمان بدأو بالهتاف بصوت عالٍ. صرخوا بشدة، وكان بعض الجنود متحمسين لدرجة أن الدموع غمرت عيونهم.
أومأ شي جون برأسه إلى الجنود، ثم قاد ضباطه بعيدًا عن الحشد المتحمس، وسار نحو مركز القيادة دون النظر إلى الوراء.
“جنرال راينهاردت؟ أليس قائدكم هو الجنرال روميل؟”
سأل جوردون الحرس الألماني الأقرب إليه عبر الأسلاك الشائكة. حدق الحارس في غوردون أولاً بحتقار، ثم رد بكل فخر وإحترام :”إنه قائدنا الجديد، نائب رئيس الرايخ الثالث، الجنرال راينهاردت فون شتايد!”
“نا-… نائب رئيس الدولة!”
– نهاية الفصل –
أنا أراك يا من تقرأ ولا تعلق ಠ_ಠ