26 - أنفاس الشيطان
المجلد 2 | الفصل الثالث عشر | أنفاس الشيطان
.
.
نظر الرائد فوكس قائد الكتيبة الثانية من فوج الدبابات الأول في لواء الدبابات الأول بالجيش البريطاني بغضب إلى الجنود الذين يعيقون طريق “ماتيلدا 2”
لم يستطع حقًا معرفة كيف ستقع وحدته التي لا تقهر والتي لطالما فخر بها في هذا الموقف الحرج الآن.
بعد تفجير ستة من دبابات “ماتيلدا” على يد الألمان، تراجعت الروح المعنوية العالية الناتجة عن التدمير الناجح لمدفعية الخصم المضادة للدبابات. و وبخه العقيد جلين محمل أياه اللوم، و أصبحت قواته أضحوكة جميع فيالق المشاة. لذلك من أجل التخلص من العار ورفع الروح المعنوية مرة أخرى. في هذا الهجوم وضع كل “ماتيلدا 2” في الخط الأمامي، وتبعتها أيضًا “ماتيلدا 1”.
ما لم يتوقعه هو أن المشاة لم يتبعو التشكيل على الإطلاق، وركضوا جميعًا إلى مقدمة الدبابة دفعة واحدة وأعاقو طريقها.
لم يمتلك الوقت للإنهماك في غضبه. فسرعان ما أمر الدبابات الأخرى بالتحرك للأمام بأقصى سرعة أثناء إطلاق النار واللحاق بالمشاة.
ومع ذلك، فإن سرعة نماذج “ماتيلدا” بطيئة جدًا حقًا، ولأن مسار السير تلف بشدة أيضًا بسبب القصف السابق، لا يمكن حتى للنوع الثاني سير إلا بسرعة 12 كيلومترًا في الساعة في هذا الحقل غير المستوي، نتيجة لذلك، لم يفشلوا فقط في اللحاق بالمشاة، ولكن تم أيضًا توسيع المسافة بين الدبابات ببعضها. عندما كان المشات قد إقتربو من خندق الألمان، كانت الدبابات لا تزال على بعد 200 متر.
عانى هؤلاء المشاة أخيرًا من عواقب الوقوف بمفردهم، وتعرضوا لضرب الرصاص على أيدي الألمان حتى لم يتمكنوا من رفع رؤوسهم عن الأرض.
عندما كان الرائد فوكس على وشك إصدار أوامر لقوات الدبابات بالتقدم نحو الجيش الألماني، حاصر جنود المشاة المنسحبون دباباته بالفعل. لم يعرف حقًا ما الذي كانوا يفكرون فيه. الآن كان محاطًا بجنود مشاة، غير قادر على التحرك على الإطلاق، لذلك لم يكن لديه خيار غير البقاء حيث كان وأطلاق النار على الألمان. أراد فوكس حقًا فتح الغطاء العلوي والخروج لطرد هؤلاء المشاة الأغبياء بعيدًا، لكن صوت “دانغ دانغ” المستمر لرصاص الرشاشات الألمانية الذي يصيب برج الدبابة أجبره على التخلي عن هذه الفكرة.
….
نظر شي جون بتعاطف إلى جنود المشاة البريطانيين الذين ما زالوا يندفعون إلى الأمام، وكان غباء الضباط البريطانيين هو الذي تسبب في كل الفوضى الآن. عند رؤية هذا، أعط الأوامر إلى مولر الذي كان لعابه يسيل تقريبا من شدة الإثارة.
“هيا بنا!”
“نعم! جنرال” ثم أطلق مولر شعلة حمراء في الهواء.
سمع المشاة البريطانيون في المقدمة فجأة صفيرًا حادًا لقذائف المدفعية، فصرخوا وأرادوا تفريق التشكيلة، لكن هذا أدى مرة أخرى إلى تفاقم الارتباك.
شاهد الجنود البريطانيون المصابون في المنتصف بلا حول ولا قوة القذائف تسقط أمامهم.
ولدهشتهم، لم تظهر اللقطات المخيفة لتناثر الدم واللحم في كل مكان كما تخيلو. لم تنفجر تلك القذائف الألمانية بعد أن لمست الأرض، لكن تصاعد منها دخان كثيف عوض عن ذلك، وغطت سحابة من الدخان الجنود والدبابات.
ثم سمعو صوت جولة الثانية من القذائف، وكانو أكثر كآبة.
وصاح أحد الضباط “قذائف هاون! احتمو!”.
لكن الجنود لم يهتموا بأي شيء. كانت هناك سحابة كبيرة من الدخان الأبيض في كل مكان، وكان الألمان لا يزالون يطلقون النار بجنون. تطاير الرصاص المميت من الدخان الأبيض مثل الجراد المهاجر من اللا مكان. لا يوجد شيء أفضل من هذا النوع المواقف لتدمير الروح المعنوية.
الموت يأتي دون أن تراه أو تسمعه.
كانت قذائف الهاون لا تزال قنابل دخانية، لكن الدخان المنبعث هذه المرة من القنابل الدخانية كان لونه أصفر فاتح غريب، وكان الجنود القريبون يسعلون بعنف بسبب الدخان الكثيف، حتى أن بعضهم غطو أعينهم وصرخوا. تم إطلاق هذه القذائف الواحدة تلو الأخرى على الحشد. وفي لحظة، كان هناك سعال وصراخ في الصفوف البريطانية.
“عيناي!”
“سعال، سعال، النجدة! لا أستطيع التنفس بعد الآن.. سعال سعال-“.
نظر الضباط البريطانيون إلى الدخان الكثيف أمامهم واحدًا تلو الآخر، وغطوا أعينهم وأنوفهم، واندفعوا خوفًا، وتلوا البعض على الأرض من الألم.
تسبب انسحاب هذه المجموعة الصغيرة في سلسلة من ردود الفعل. بدأ جميع الجنود البريطانيين يستديرون ويهربون، هؤلاء الجنود الذين ستنشقو الدخان تحملوا الألم وركضوا عائدين يائسين يدعمون بعضهم البعض.
الآن يريدون فقط الخروج من هذا الجحيم والعثور على طبيب عسكري.
تحول التراجع إلى هزيمة.
كان الرائد فوكس خائفًا جدًا لدرجة أن ساقيه كانتا ضعيفتين في دبابته.
كان الدخان قد اخترق الدبابة بالفعل من فتحات التهوية والمدفعية. الرائحة النفاذة هاجمت أنفه وعيناه بدأت تؤلمه، أعادت له هذه الأعراض ذكريات مخيفة، فقد توفي اثنان من إخوته الكبار في حرب الغاز السام خلال الحرب العظمى. في هذا الوقت، امتلأت السماعات بصراخ أفراد الطاقم الآخرين.
صرخ الرائد فوكس في الراديو لسائقي الدبابات : “تراجعو، انسحبو بسرعة!”.
“لا! لا أستطيع رؤية الطريق، ونحن محاطون بجنودنا!”
وأفادت أطقم الدبابات الأخرى بنفس الشيء. شعر الرائد فوكس بالهواء يحترق في رأتيه كالنار، ولم يكن يهتم بأي شيء الآن. غير الإبتعاد عن هذا المكان.
ظهر مصطلح “الغاز السام” في عقولهم، وأثار الرعب في نفوسهم.
كان هذا سلاح مألوف للبريطانين، فقد إستخدمه الألمان في الحرب الماضية.
فجأة توقف إطلاق النار الألماني، ورأى الضباط البريطانيون جنود ألمان يرتدون أقنعة غاز يندفعون نحوهم بالحراب والبنادق من بين الدخان، هاجم الجنود الألمان أي جندي مرتبك أو جريح أمامهم، وأردوه قتيل.
جعلت أقنعت الغاز التي إرتداها الألمان الضباط البريطانيين أكثر اقتناعًا بأن الدخان كان غازًا سامًا.
صرخ ضابط “تراجعو!”.
هرب الضابط وهو يغطي فمه وأنفه بساعده. شعر الجنود الذين يقفون خلفه بسعادة غامرة عندما سمعوا هذا الأمر، وقاموا على الفور من الأرض واستداروا وركضوا عائدين.
“اتركوا دباباتكم! يجب أن نخرج من هنا على الفور. كل الأطقم الثابتة تترك القيادة، ابتعدو عن هذا الدخان فهو مسموم!”
“تراجعو! تراجعو! “صرخ الرائد فوكس وهو يحارب الألم في حلقه.
فتح الغطاء العلوي للدبابة، مما دفع أفراد الطاقم الذين أصيبوا بالاختناق أيضًا للفرار نحو موقعهم معه.
كان الوضع سيئ، لقد ترك قادة دبابات ماتيلدا دباباتهم بالفعل حالما سمعوا أمر الانسحاب، وركضو على الفور بأقصى سرعة وهربوا عائدين إلى نقطة البداية.
….
كان العقيد جلين مكتئبًا جدًا منذ بداية هذا الهجوم. لماذا دمر المشاة التشكيل وأعاقو الدبابات؟
“لكن لا أستطيع لومهم حقا، إن مجد جيش الإمبراطورية البريطانية العظمى يكمن في المضي قدمًا، والرب يحب الفرسان الشجعان”. فكر العقيد جلين.
لقد شاهد هؤلاء الفتيان الشجعان وهم يندفعون ويسارعون نحو مواقع العدو، ولم يسعه إلا أن يسترجع ذكرياته من الحرب العظمى خلال حرب الخنادق على الجبهة الفرنسية. لقد كان الأمر نفسه في ذلك الوقت. لقد أفتقده حقًا.
لكنه سرعان ما لاحظ وجود شيء غريب حيال سلوك الألمان، اتضح أنهم لم يتحركو “ما نوع الحيل التي يحيكونها؟ هل يمكن أن يكون هؤلاء الألمان الأغبياء قد أذهلو بنيران المدفعية التي كانت أمامهم، لذلك يبدو أن جنودي يمكنهم الفوز بسهولة” فكر العقيد جلين بسعادة.
بعد أن بدأ الألمان إطلاق النار، لم يكن العقيد جلين قلقًا على الإطلاق، يبدو أن رجالهو هرعو إلى مكان يبعد 100 متر فقط عن الألمان. لقد أطلق الألمان النار بالفعل. لكن الأوان قد فات. الآن ما دامت الدبابة تلحق بالركب، يمكنه اختراق مسافة 100 متر على الفور تقريبًا، وتحقيق النصر.
لكن تطور الوضع فاجأه لاحقًا. قام صبية المشاة الشجعان بالفعل بعرقلة الدبابات.
“الجحيم! لم كل هذه الفوضى، بحق خالق الجحيم، ما الذي يفعله ضباط ساحة المعركة؟!” صاح العقيد جلين بغضب.
عندما ضربت القنبلة الدخانية الألمانية مجموعة المشاة، كان العقيد جلين يتساءل عن نوع هذا التكتيك؟ ولكن عندما رأى الفوضى في صفوف قواته بسبب الدخان من خلال التلسكوب، عادت الذكريات المرعبة من عام 1917إلى عقله.
القاتل الخفي. الغاز السام!
“إنه غاز سام! الألمان يستخدمون الغاز. بسرعة! أوصلني إلى المقر! أعطني قناع الغاز! لحسن الحظ، لا توجد رياح اليوم. نعمة من الرب! اللعنة على الألمان!” كان العقيد جلين بالكاد متماسك من إثر الصدمة.
وأخيراً، تقدم ضابط أركان هادئاً إلى الأمام ليسأل عقيده “أيها العقيد، ماذا علينا أن نفعل الآن؟ نلغي الهجوم؟”
صاح العقيد جلين بيأس بعد أن أدرك رد فعله: “نعم! قل لهم أن يتراجع على الفور!” لكن قبل إصدار الأمر، هُزمت القوات بالفعل.
صرخ العقيد جلين لضباط الأركان “قصف! قل للمدفعية أن تقصف الألمان! ألقوا هؤلاء الألمان الوقحين في الجحيم!”
“يا عقيد! كتيبة المدفعية تطلب الدعم. لقد قصفتهم المدفعية الألمانية من العيار الثقيل وعانوا خسائر كبيرة!”.
تسببت هذه النباء أخيرًا في سقوط العقيد جلين الذي كان سلفا على وشك الانهيار على الأرض.
– نهاية الفصل –