17 - بأيدي من حسبتهم رفاقاً
المجلد 2 | الفصل الرابع | بأيدي من حسبتهم رفاقاً
شغل شي جون جهاز الإتصال مرة أخرى، وسأل المقدم وولف على عجل.
“ما هو تاريخ اليوم؟”
“تاريخ اليوم؟”
“سألتك ما هو التاريخ؟”
“إنه 21 مايو، العام 1940، ما الأمر حضرت اللواء؟”
كيف لا يكون شي جون متوترا؟ مذبحة الدبابة الصغيرة، وأسطورة دموية شهيرة. إنها أحد أهم معارك فرنسا تجري الآن بجواره!
القراءة عن الأمر والإقتراب منه كانا شيئين مختلفين تماما!
حقا، لم يستطع إلا لوم توم لرميه في هذا الوقت الحرج تحديدا.
أليست هذه المعركة حيث قام روميل* بعرضه لأول؟ حصلت على فرصة لمقابلة روميل بهذه السرعة؟ كنت آمل أن يكون لقائنا في مطعم فندق فاخر، حيث نحدث عن إفريقيا أثناء شرب الشمبانيا، لكنني لم أخطط قط لقيادة طائرة مليئة بالثقوب والسقوط بها أمامه في ساحة معركته…
(ملاحظة المترجم : روميل هو الجنرال الألماني الشهير بلقب “ثعلب الصحراء” وربما هذا التعريف كافي للأغلبية)
كان شي جون معجب للغاية بالدبابات، بقدر إعجابه بروميل. إذ كان من جنرالاته المفضلين في هذه الحرب.
كان يضع كل اللوم على وضعه المبعثر.. لم يستطع حتى تذكر معركة اليوم قبل الآن!
نظر شي جون إلى ساعته، كانت الثانية وعشرون دقيقة.
“يجب أن تكون المعركة كما أعرفها قد بدأت بالفعل، شن البريطانيون هجومهم في تمام الساعة الثانية. هذا المدعو وولف يقودني إلى ساحة معركة ساخنة بحماقة”.
بقدر ما أحب الدبابات وكان مهتم بمقابلة روميل، لم يكن مستعد للمجازفة، خطط شي جون ليطلب من وولف العثور على مكان أكثر أمانًا للهبوط، ولكن لسخرية القدر، قبل أن يتمكن من الكلام سمع دوي انفجر المحرك الأيمن فجأة، وتصاعدت سحابة من الدخان الأسود من قلنسوة المحرك، ثم بدأت ألسنة اللهب والدخان الأسود يتصاعدان من ناصية المحرك بالكامل، وبدا أن الطائرة كان تنتظر هذا الإنفجار لتبدأ في الترنح في الجو.
“اللعنة! اللعنة- كيف يمكن أن يحدث هذا الشيء هنا وفي هذا الوقت!”
أخيرًا، استعاد شي جون زمام السيطرة على الطائرة وصرخ في الراديو: “محركي يحترق، أريد أن أهبط على الفور أي كان!”.
“رويدك سيدي، ثمة قوات للعدو أمامنا! يا إلهي، إنهم يهاجمون الفرقة السابعة! لقد دخلنا ساحة المعركة، وهناك العديد من القوات، لا يمكنك الهبوط هنا!”
‘واكتشفت ذلك الآن فقط أيها العبقري! أنت مبكر للغاية، يالك من رجل لا يعتمد عليه!’ عاتبه شي جون في ذهنه، أراد حقا القفز من مقعده وإبراح هذا المقدم الذي يتلاعب بعواطفه ضربا.
“ظهرت على الأرض نقاط سوداء كثيفة. كما توجد مجموعات من الدبابات والشاحنات، وهناك مواقع للمدفعية منصوبة أمامنا، وعلى اليسار ترتفع موجات الدخان باستمرار، يبدو أنهم يطلقون النيران. حركة المشاة والمركبات المختلفة على الأرض تسحب الغبار المتصاعد في كل الميدان تقريبا، ويبدو لي أن هناك عشرات من القذائف الطويلة في الهواء على مسافة أبعد قليلاً، السماء مليئة بدخان البارود، والأرض بحرائق لا تعد ولا تحصى. كان هناك انفجار مدوي من بعيد، وحتى صوت المحرك الهادر للطائرة لم يستطع تغطيته، الهبوط هنا شبه مستحيل”
شتم شي جون سراً سوء الحظ الذي يطارده، وأجاب :”عندها لا يكون أمامنا خيار إلى المرور من خلال موقع العدو. يجب أن يكون جيشنا في اتجاه هجومهم. لا يمكنني الصمود لفترة أطول. فقدت الدفة الخلفية وظيفتها، تغيير المسار لم يعد خيرا، خزان الوقود الخاص بي فارغ بالفعل، وسيتوقف المحرك الأيسر في أي وقت دون دعم من الأيمن. الآن يمكنني فقط المضي قدمًا، وليس لدي أي مخرج اخر، لن يكون موقع العدو كثيفًا جدًا، و آمل أن تتمكن الطائرة من التمسك بموقع الفرقة السابعة والهبوط في أرضهم”.
كانت هذه مقامرة.
تم فتح مطفأة الحريق بالمحرك على اليمين تلقائيًا، ويتم رش ثاني أكسيد الكربون الأبيض باستمرار. وسرعان ما تم إطفاء اللهب ببطء. تارك عمود طويل من الدخان الأبيض يسحب خلف المحرك.
أجاب وولف: “حسنًا سيدي، سنمنحك التغطية اللازمة”.
دفع شي جون دواسة المحرك الأيسر إلى الأسفل، ثم بدأ في الغوص بنحدار طفيف، كان عليه الحفاظ على سرعته قدر المستطاع، وإلا فإن الطائرة ستتوقف وتتحطم فور، توقف المحرك الأيسر، دون أن تتاح لها فرصة الانزلاق، إنخفض الارتفاع ببطء، كما أن طائرات ME110 على الجانب تتبعه عن كثب.
سمع الجيش البريطاني على الأرض هدير محركات الطائرات، فنظر إلى الوراء في ما اعتقدو أنه قصف جوي، فرأو طائرة ركاب ألمانية متوسطة تطير بغرابة، و تسحب دخانًا أبيض خلفها.
وبجوار هذع الطائرة فوج من الطائرات المقاتلة تندفع نحوهم، عمت الفوضى في صفوف العساكر، إندفع المشاة الذين كانوا يسيرون في تشكيل أنيق الآن بحثًا عن غطاء لحمايتهم من القصف، وكان الضباط يلوحون بمسدساتهم بيأس، ويطلقون النار على الطائرة ويركلون الجنود المستلقين على الأرض لإجبارهم على الوقوف والمقاومة. قام عدد من جند الرشاشات الشجعان بإعداد بنادقهم الآلية وبدأوا في إطلاق النار في الهواء. عند سماع صوت المدافع الرشاشة، استعاد هؤلاء المشاة أخيرًا بعض الشجاعة، وبدأوا في إطلاق النار بشكل عشوائي في السماء مم بنادقهم ثنائية وثلاثية.
كان شي جون لا يزال يكافح للهبوط، وكان بإمكانه بالفعل رؤية الوضع على الأرض بوضوح، حيث حلقت سلسلة من الرصاصات الطائشة عبر و امام نافذة الطائرة، وأصابت رصاصات البندادق الهيكل الخارجي بخدوش متفاوتة.
مع ذلك لم يرد معرفة الضرر الذي سيحل به إذا نصب البيرطانيون مدافع مضادة للطائرات. فطائرته لن تتحمل أي إصابات جديدة.
“وولف، غطني وامسح طريقي!”.
جاءت إجابة وولف الهادئة من سماعة الرأس: “علم وينفذ، الجميع، ليتبعني”.
ثم بدأت عدة طائرات من طراز ME110 في التسارع في تنسيق منظم والإنخفاض في منحنيات حادة، وإطلاق النار على المشاة على الأرض أمام شي جون، جعلت المدافع الرشاش من عيار 20 ملم والرصاص للمدفع الرشاش 7.9 ملم الأرض مليئة بالحفر والشظايا المتتطايرة، ولم تترك الطائرات المقاتلة خلفها إلا مجالًا من الجثث المشوهة.
لم يتعمق شي جون في رؤية هذا المشهد، كان سيصبح مثلهم لو لم ينجح هذا الهبوط.
شغّل جهاز الاتصال الداخلي ودعا: “هانس، إذا كنت تسمعني تعال إلى هنا، أحتاج إلى مساعدتك. يجب على الآخرين العثور على مكان امن للاحتماء، سنقوم بهبوط اضطراري بعد المرور عبر الموقع الهجومي للعدو.”
هرع هانز على عجل إلى الكابينة وسأل: “حضرة اللواء، ماذا تريد مني أن أفعل؟”
“أريد منك أن تجلس في مقعد مساعد الطيار، نعم هذا هو المقعد، فقط اقلبه لأسفل. لا تنس حزام الأمان، سأهبط لاحقًا، أحتاج شخص لمساعدتي في التحكم بالجناحات والمزالج، ما عليك سوى سحب تلك العصا للوراء قبل أن نلمس الأرض”.
لم يرد هانس، إذ حدق بفراغ في عدة التحكم.
“هل هناك أي مشكلة؟” نظر شي جون إلى هانس لوهلة.
“آه، كلا… لا شيء.” نظر هانس بعيدًا.
في هذا الوقت، جاء صوت وولف من سماعات الأذن، “سيدي، أنا بالفعل احلق فوق موقع جيشنا. أمامك 5000 متر. هناك مساحة كبيرة، حيث يمكنك الهبوط، لكن احترس من دبابات العدو والرشاشات الصغيرة خلف البستان أمامك. هذا هو الخط الفاصل للعدو”
“حسنا”.
صر شي جون أسنانه، وقام بمحاولة لموازنة الطائرة مرة أخرى.
“اصمد ارجوك! لا يزال هناك خمسة كيلومترات متبقية أمامنا، لا تخذلني!” قال شي جون مخاطب للمحرك الأيسر.
أعطاه المحرك الأيسر إجابة على الفور، قام بما يشبه الإستفراغ عدة مرات قبل أن يتوقف.
“اللعنة! فقط الآن؟! هل القدر يمازحني؟” زأر شي جون بغضب: “سترى! لن أعترف بالهزيمة بهذه السهولة”.
في هذا الوقت، فقدت الطائرة كل قوتها ولم تستطع إلا الإنزلاق بشق الأنفس. ولحسن الحظ، كانت الطائرة لا تزال تتمتع بالسرعة الكافية ويجب أن تكون قادرة على الحفاظ على مسافة معينة عن الأرض.
نظرت القوات البريطانية الموجودة على الأرض أدناه إلى طائرة ألمانية بدون أي هدير محركات تنخفض بحدة فوق رؤوسهم والدخان الأبيض يتدفق من أحد محركاتها.
“يبدو أن الارتفاع غير كاف”. فكر شي جون “يبدو أن هذا هو كل ما أستطيع فعله من أجل حياتي، سواء كان هبوطًا فاشلًا أو تم أسري من قبل البريطانيين، ستكون النتيجة هي نفسها، سأموت فقط!” حلقت الطائرة بالفعل فوق الغابة الصغيرة، وهي بالكاد لا تخدش رؤوس الأشجار.
صك شي جون أسنانه وقال من خلال جهاز الاتصال في المقصورة :”لينتبه الجميع، نحن على وشك بلوغ الأرض. وسواء كان الهبوط الاضطراري ناجحًا أم لا، سأشكركم جميعًا هنا على السفر معي. ليحفظنا الرب!”
ونتيجة لكلماته، كان هناك تحيات من الكابينة الخلفية تقول “يعيش هتلر!”
من هتلر؟ أنا الذي أنقذ حياتكم هنا! نازيون لا يقدرون الصنيع!
كان شي جون غاضبًا لدرجة أنه ترك الطائرة تهبط على الأرض على عجل.
وفجأة ، اختفت الغابة تحتهم. وظهر حقل فارغ أمام أنظار شي جون.
كانت العديد من الدبابات تحترق هنا في هذا الحقل، كانت الدبابات متفحمة، لذا صعب تمييز البلد الذي تنتمي إليه. على الجانب الآخر من الحقل، رأى شي جون منحدرًا ترابيًا صغيرًا، كانت اعمدة دخان كثيف تتصاعد على المنحدر، ومجموعة من المركبات المحترقة متناثرة حوله.
كان الحطام وقذائف الجيش البريطاني يتناثران باستمرار بالقرب من المنحدر. وعند سفحه، رأى شي جون علم القوات الألمانية، ومدافع مضاد للطائرات من عيار 38/20 مم منصوبة وسط الدخان الكثيف، وكان الجنود الألمان يطلقون النار في إتجاهه بشكل محموم. استمرت الرصاصات بحجم كرة البيسبول في المرور بجانب كبينة القيادة، وضرب هيكل طائرته الهش. قطعا كانو جنود المان هم من يطلقون عليه! يستحيل ألا يميز أزيائهم الرمادية.
كان شي جون مصعوق، هل يفشلون في التعرف على طائرت بلادهم؟ في السيناريوهات التي دارت في ذهنه، توقع فقط أن يهاجمه البرطانيون، بينما سيستقبله الألمان بالأحضان، لم يتوقع أن توجه رصاصات الألمان نحوه.
“وولف! حول! قل لهم ألا يطلقوا النار علي! “صاح شي جون بذعر.
رد وولف بتوتر “سيدي، لا يمكنني الاتصال بهم. ليس لدي ما أستطيع فعله!”
في هذه اللحظة، إنخفضت طائرة شي جون على ارتفاع عشرة أمتار فقط، وكانت لا تزال على بعد حوالي ستة أو سبعمائة متر من الموقع الألمانية صرخ شي جون :”الجميع إستعدو للصطدام! هانس الآن، اسحب!”
إرتطمت الطائرة بالأرض بقوة وسط ساحة المعركة حيث تم إطلاق النار على مرأى ومسمع من الجنود على الجانبين.
وللحظة خيل إليهم أن طلق النار قد توقف.
-نهاية الفصل-