15 - سقط من السماء مرتين
المجلد 2 | الفصل الثاني | سقط من السماء مرتين
.
.
‘ومع ذلك، يبدو أن هذه الحياة أيضا لن تكون طويلة، يجب أن أعيش حرفيا بين فكي الكماشة’ فكر شي جون وهو يشاهد الوضع من في الخارج من النافذ.
عندما رأى شي جون جميع أنواع الطائرات المقاتلة العتيقة وهي تحلق يمينا وشمالا، لم يستطع منع نفسه في الصراخ معلقاً “لماذا توجد الكثير من الطائرات المقاتلة الفرنسية والبريطانية؟ ألم يتم القضاء على 3/4 من سلاح الجو الفرنسي بداية الحرب؟”
“هاه؟ هل كانت المعلومات مضللة وقتها؟ الجحيم، يبدو أن هناك فرقتين من طائرات “جلوستر” البريطانية، كيف يمكن لمثل هذه الطائرة العتيقة ذات الأجنحة المزدوجة أن تقف ضد ME110 الألمانية؟ لحسن الحظ لم يرسلون أي طائرات “سبيتفاير” أتذكر أن هناك على الأقل سربان من “سبيتفاير” قاتلوا في فرنسا. آه، على الجانب الأخر، الطائرات الفرنسية D.520 ليست بسيطة، هذا النوع من الطائرات يصعب التعامل معه، وقد تصل السرعته القصوى إلى 529 كيلومترًا في الساعة، وحينها لن يكون بإمكان طائرة ME110 محاربتها”
ما لم ينتبه إليه شي جون، هو نظرات الرجال الثلاثة في المقصورة، إذ ينظرون إليه كما لو كان ملبوس.
لم يصدقو اذانهم.
بالنسبة لهم، كان رينهاردت فون شتايد عبقري منقطع النظير في مجالات عدة، ربما كان الاستثناء الوحيد هو أن خبرته في الشؤون العسكرية تكاد تكون صفر، فهذا اللواء لا يعلى عليه في القدرات التنظيمية واللوجستية والسياسة، لكنه غير مجدي لذلك الحد في الشؤون العسكرية الأخرى.
الآن لك أن تتخيل صدمتهم عندما رأوا نائب رئيس الدولة، الذي عادة لن يتمكن حتى من التعرف على طراز طائراته المقاتلة الألمانية، يصرح بأسماء العديد من الطائرات المقاتلة البريطانية والفرنسية بطريقة عرضية، كان الأمر أشبه بحلم يقظة.
بالطبع لا أحد يجرؤ على قول ذلك أمامه.
تهامس الرجال الثلاثة في ما بينهم.
“يبدو أن اللواء أخفى بعض الأشياء” أعجب ملازم الSS الأول راندولف سرًا، وهو يشعر بالفخر.
“بالطبع كنت أعرف، لطالما عتقدت أن نائب رئيس الدولة لديه المزيد من المؤهلات غير تلك التي يظهرها. حتى أنا لا أعرف الكثير عن هذا النوع من الطائرات الفرنسية” بدا الرائد دوجان من قوات الأمن الخاصة (الSS) أيضا مقدرا لجنراله.
“لا أصدق ذلك. بالأمس حين أشار إلى JU88 على أنها من نوع “ستوكا” أردت حقًا البكاء” قال هانس بهدوء للجنديين من قوات الأمن الخاصة بجواره.
حين كان الثلاثة يتهامسون، فوجؤ بصرخة قائدهم “إنبطحو!”
قبل أن يفهمو ما حدث، رأوا أن نائب الرئيس ينزلق تحت المنضدة على عجل.
هؤلاء الرجال، كانوا جنودًا محترفين بعد كل شيء، ولم يتفاعلوا ببطء مع الموقف، أدركو على الفور الوضع، واستلقوا على أرضية الممر في عجلة من أمرهم. بعد ثانية من ذلك، سمعوا صوت رصاصات تخترق صفائح الطائرة، تم ثقب الطائرة، من ما تسبب بتغير ضغط الهواء في المقصورة. تسببت حفر الرصاص في تساقط نشارة الخشب من ألواح البلوط على الحائط. كان الأمر كما لو أن إعصارًا قد هب في المقصورة، مع الوثائق والحطام المتنوع المتطاير في جميع الأنحاء. ثم سمعو صوت طائرة تبتعد.
“اللعنة! هانس، دوجان، راندولف، هل أنتم بخير؟”
خرج شي جون من تحت المكتب في حالة من الذعر: “هانس، أبلغ عن الضحايا!”
“كلنا بخير.” وقف هانس من الأرض ونفض زيه العسكري.
“آه، جنرال، أنت مصاب!”
هرع هانس إلى الأمام ودعم شي جون.
“لا بأس، إصتدمت بقطة من الحطام إثر الإرتداد ليس إلا” غطى شي جون الجرح على جبهته ونظر نحو الجدران المحيطة عند النظر إليها بإمعان رأى سلسلة من ثقوب الرصاص تبدأ من مقدمة المقصورة على اليمين وتنتهي في أقصى الشق الأيسر.
كانت طائرته في الأساس طائرة نقل، لكنها تصرخ بكونها المانية تنقل شخص رفيع، من ما دفع الفرنسيين والإنجليز إلى المجازفة بمحاولة أسرها، رغم أنها لم تحلق في العمق الخاص بهم، أرادو تجربة حظهم.
الآن، وبعد أن رأو المقاومة الألمانية، يبدو أنهم لم يعودو يهتمون لأمر الأسر، أرادو فقط إسقاطها.
تفحص شي جون الثقوب “إنها فعلة طائرة بريطانية ولا شك. تم إطلاق هذا الرصاص بواسطة مدفع رشاش تقليدي، لو كانت طائرة فرنسية، لكان يفترض به أن يكون مدفع رشاش من عيار 20 ملم. ولكان أمرنا قد انتهى منذ فترة طويلة، دوجان، اذهب وتحقق من المقصورة الخلفية تم إطلاق النار عليهم أيضا، أخبرني في حال وقوع ضحايا”
“امرك نائب الرئيس، سأذهب على الفور”. فتح دوجان الباب على عجل وذهب إلى الكابينة الخلفية للتحقق.
كان هانس يحمل حقيبة إسعافات أولية وكان يبحث عن ضمادة لتضميد جرح شي جون.
شعر شي جون فجأة أن الطائرة بدأت تميل إلى اليسار بشكل غير طبيعي، نظر من النافذة ورأى أن الجناح لا زال سليم، لذلك لم يستطع إلا النظر نحو قمرة القيادة، ورأى سلسلة من ثقوب الرصاص على الباب المعدني للقمرة.
راوده شعور سيئ حيال ذلك، خمن شي جون تخمين مقلقا..
“هذا ليس جيدا!” شعر بالقشعريرة في عموده الفقري. السقوط بطائرة مرة أخرى في هذه الحياة قطعا لن يكون ضمن قائمة أهدافه!
“البرطانيون ليسو حمقى! تم إطلاق النار على كابينة القيادة أيضًا”
دفع شي جون هانس بعيدًا عنه واندفع نحو باب كابينة القيادة محاولًا فتحها والدخول.
تبين له أن باب الكابينة مسدود بشيء ولا يمكن فتحه. طرقه بقوة عدة مرات، لكن لم يجبه أحد.
انحرفت الطائرة أكثر فأكثر إلى اليسار بشكل خطير، وكلما زاد الإنحراف، أحس شي جون بشعور مألوف، أحس بقلبه ينبض بشدة كما لو كان ينزلق من صدره، وسمع أنينًا رهيبًا من المحركات.
صرخ راندولف : “سأكسر الباب!”.
صرَّ شي جون على أسنانه، لم ينتظر راندولف، إذ ركل الباب بعنف وبتعد الشيء الذي سد الباب، بمجرد أن فتح، إندفعت إليه موجة من الرياح العنيفة من القمرة مثل العاصفة.
إندفع شي جون و هانس إلى الكابينة ، وحين تمكنو من فتح أعينهم ضد تيار الهواء. أذهلهم المشهد أمامهم.
اتضح أن الكابينة الجميلة المصممة على طراز الأوروبي كانت في حالة من الفوضى. يوجد صفان من ثقوب الرصاص على كلا الجانبين، ولم يتبق سوى نصف متر هناك ثقوب كبيرة على اليسار واليمين، وتضرر الزجاج الأمامي وتم ختراقه، تم رمي المدفع الرشاش جانب. وستلقى جنديان مغطيان بالدماء ممددين بشكل جانبي على الفراش الأفقي. ألقى الطيار رأسه إلى الخلف تلفحه الرياح، كان قد أصيب بعدة رصاصات من المدفع الرشاش، وتناثرت الدماء في كل مكان بفضل الضغط الجوي.
عرف شي جون ما الذي كان يسد الباب أمامه، كانت جثة الملاح.
الآن هو راقد خلف الباب بعد أن ركله شي جون، كان مغطى بالدماء.
أثار هذا المشهد شيء من الإشمئزاز في نفسه، وذكرته حفر الرصاص في الجثث بذكريات جاك، لكنه قاوم هذا الشعور القاتم.
شعر شي جون حقا أنه منحوس.
لم يتمكن حتى من ترتيب وضعه، وها هو ذا على وشك السقوط من السماء مجددا.
هرع في إتجاه مقعد الطيار وسحب عصا التحكم، محاولًا جاهدًا تحقيق توازن الطائرة، لم يتعامل مع طائرة من هذا النوع، ناهيك عن صعوبة التعامل مع طائرة مصابة، لذا كان مرتبك. لكنه تمنى بصدق لو ينجح.
صرخ شي جون بغضب على راندولف الذي لم يكن يعرف ماذا يفعل مثل دجاجة مقطوعة الرأس “تحرك! ساعدني في إبعاد الطيار. اخلع نظارته الواقية وجهاز الاتصال وأحضرهم إلي ثم عد إلى الخلف واتصل بالميكانيكي!”
سارع راندولف بفك حزام الطيار وسحب جثته من مقعد الطيار، ثم سحب سماعة سوداء من رأسه وجهاز الاتصال والنظارات الواقية وسلمهم إلى شي جون كما أمر، ثم جر جثة الطيار بعديا.
إرتدا شي جون النظارة الواقية وسماعة الاتصال، تردد لوهلة في الجلوس على الكرسي الملطخ بالدم، لكنه تذكر أن حياته أثمن!
جلس وربط حزام مقعده، ولم يعد يفكر في الأمر.
في هذا الوقت صرخ هانس من الجانب: “جنرال، الملاح لا يزال على قيد الحياة!”
كان شي جون يصر أسنانه ويسحب عصا التحكم بقوة، وصرخ لهانس “اسحبه إلى الكابينة الخلفية لإنقاذه بسرعة، أنا سأقود إذا احتجت إلى مساعدتك سأستدعيك”
بدا هانس مرتبك “فهمت، جنرال. ولكن، منذ متى كان يمكنك قيادة طائرة؟”
صرخ شي جون نافد الصبر وهو يعاني مع المقبض المائل “قرأت بعض كتب الملاحة وتخطيطات تصميم الطيران في ما سلف! والآن من غيري يمكنه قيادة هذا؟ إلا إذا كنت أنت ستفعل! أسرع قبل أن يصل الملاح الفالهالا*!”
(ملاحظة المترجم: الفالهالا هي جنة المحاربين في الأساطير الإسكندنافية)
نظر هانس إلى شي جون بعيون مليئة بالوقار، وسحب الملاح المحظوظ إلى المقصورة الخلفية لإنقاذه.
قدر شي جون حقا غرس الولاء للرتب العليا في عظم الجنود الألمان، من كان يتوقع أن هانس سيصدق كذبته ولن يسأل!
صرخ شي جون غاضب على الطائرة “توقف، اللعنة! خردة”
على الرغم من تصحيح التوازن بين جانبي الطائرة، إلا أنها لم يستطع منعها من الإنزلاق نحو الأسفل.
تم ثقب لوحة التحكم المعلقة في الأعلى بعدة رصاصات، وكان مقياس الارتفاع وعداد السرعة عديم الفائدة تمامًا. الآن.
لم يكن لدى شي جون أي خيار سوى تقدير ارتفاعه وسرعته الحاليين. سقطت الطائرة من على إرتفاع 2000 متر على الأقل في بضع عشرات من الثواني. لا بد أن السرعة الحالية قد تجاوزت الحد الأقصى البالغ 480 كيلومترًا في الساعة الذي يمكن أن تتحمله الطائرة.
هذه الطائرة لم تتفكك، والمحرك لا يزال يعمل.. إنها معجزة، ربما لست منحوس للغاية بعد كل شيء.
قلل شي جون من تدفق الوقود، وخفض جميع اللوحات ومكابح السرعة التي لا تزال تعمل أو يعتقد أنها قد تعمل، وسحب عصا التحكم إلى الوراء بيائس.
كان المحرك لا يزال ينوح، وكانت الطائرة لا تزال تتجه نحو الإصتدام بالأرض. لكن كان على شي جون المقامرة في السماء مرة أخرى لأجل حياته.
-نهاية الفصل-