14 - رجل لعين، رجل بريئ
المجلد 2 | الفصل الأول | رجل لعين، رجل بريئ
.
.
الجنرال رينهاردت فون شتايد…
بعد فترة مما عتقد أنه الفراغ، طن هذا الإسم في رأس شي جون بستمرار مثل الصاعقة، لكن بصره كان مظلم تماما.
شعر أن أحد يخاطبه، لكنه لم يستطع تذكر ما قيل له.. وبدأت صور مشاهد عشوائية الظهور في عقله.
حين فتح عينيه أخيرا، كان محتار من المشهد أمامه. أحاط به ثلاثة رجال أوروبيون يرتدون أزياء عسكرية رمادية وسوداء أحس أنها مألوفة للغاية.. الآن كان هؤلاء الجال مذعورين وهم ينظرون إليه. لدرجة أن القبعة العسكرية لأحدهم قد سقطت لكنه لم يكترث لأمرها.
حدق بهم شي جون بوجه غبي لبعض الوقت. كان عقله لا يزال خدر، كما لو كان مليء بالغراء. إستغرق الأمر منه بعض الوقت حتى يستعيد وعيه تماما، وسمع اللكثير من اللغط بلغة ألمانية قاسية، وهنا، أدرك أنه مركز أي كان ما يحدث في الطائرة.
حدق في وجوه الرجال الذين يحيطون به وهم يصرخون بشيء ما لم يستطع التركيز عليه لكنه فكر ‘إنهم قلقون’…
شعر شي جون أنه بدأ يستوعب شيء ما.
وقعت عيناه على علم واقف بفخر على منصة صغيرة.
سواستكا، (卐) صليب معقوف على خلفية حمراء. مهما كان عقله في حالة سيئة لن يفشل في تمييز هذا العلم.
علم صارخ لا يوجد تكرار له في العالم.
عاد الألم لمهاجمة رأس شي جون.. وكذلك الصور الفظيغة للظهور في عقله.
…..
كان الرائد هانس مذعور، من البخس القول أنه مذعور فقط، فقد أصيب بالهلع تماما، كان يرى رئيسه جالس هناك بلا روح. لا يرد عليه مهما ناداه لمدة تزيد عن الخمس دقائق.
بدأ العرق يتدخرج على وجهه.. أدرك، كما أدرك الأخرون معه، أنها ربما تكون نهايتهم، عرف منزلة رئيسه، فإذا حدث له أي مكروه سيقضي هانس ما تبقى من حياته في معسكرات الإعتقال.
هذا إذا كان سيعيش أصلا.
“جنرال! جنرال! ما خطبك؟ الجنرال راينهارت! أتوسل إليك لاتخفني هكذا!” هز هانس كتف رئيسه محاول إيفاقته بيأس. وهو فعل عرف أنه لا يفترض به أن يقدم عليه.
بجواره، وقف ملازم شاب من قوات الأمن الخاصة الSS* بزيه العسكري الأسود (قائد سرب كوماندوز من المستوى الثاني) وعلق قائلا “ربما كان مصدوم للغاية لدرجة أنه اصيب بالذهول”.
عاتب رائد من قوات الأمن الخاصة SS (قائد قوات الكوماندوز من المستوى الأول) بغضب هراء مرؤوسه بحدة لدرجة أن نبرته توحي بأنه على وشك الإنفجار “ما هذا الهراء الذي تتفوه به؟ نائب رئيس الدولة هو تجسيد كبرياء الريخ الثالث! قائد قوي، ورسول من الرب للجنس الأري، شخص لا يعلو عليه إلا رئيس الدولة، كيف يمكن أن تخيفه طائرات هؤلاء؟ فرنسيون وبريطانيون ملاعين”
إرتجف ملازم الSS بعد تأنيب قائده.. وكان علو شك الإعتذار..
في هذه اللحظة، تفاعل نائب الرئيس الذي كان في حالة جمود، ورتجف جسده كما لو كان يستيقظ وصرخ “لقيط لعين!”
لكن ملازم الSS الشاب ذعر، وشحب وجهه، وقف منتصب بتحية عسكرية وصاح “صاحب السعادة نائب رئيس الدولة، ما قلته هو مجرد هراء ضيق الأفق، أنا على استعداد لقبول أي عقاب منك!”
في الواقع، لم يسمع شي جون حتى ما قاله الملازم الشاب.. كان السبب الذي جعله يلعن بغضب هو ببساطة ذكريات جاك للثلاثة أشهر الماضية، شعر باللإشمئزاز حي في ذاكرته. كانت ثلاثة أشهر فقط، لكن شي جون شعر أن المشاعر كانت حقيقية للغاية، وكل ما يسعه قوله عن البشري الإسطناعي جاك هو أنه “وغد ملعون”.. لكنه أيضا شعر بعدم الارتياح لأن هذه الذكريات كانت مصفوفة مع ذكرياته الأصلية، من ما منحه شعور أنه هو من فعل كل ذلك. وزاد شعوره بالصداع.
كان شي جون محبط للغاية، مع ذلك لا زال يركز على الوضع الحالي، نظر إلى ملابسه، والتي كانت -الزي العسكري رفيع المستوى الرمادي النموذجي، مع سترة جلد سوداء.. مد يده لفرك وجهه، كانت ملامحه لا تزال جرمانية حادة للغاية..
لم يسعه إلا أن يشتم، جاك، هذا الوغد، في الأشهر الماضية لم يشارك في أي اجتماعات رسمية، إذ شغل نفسه بالتخطيط لمذابح تخص يهود بولندا، ويتنافس مع جورينج* بنشاط على التمويل العسكري. هذه المرة، كان ذاهب في رحلة قصيرة إلى فرنسا بنية القيام بتفتيش ميداني سطحي، وتوزيع أوسمة الشرف على بعض الجنرالات والقادة الذي يقومون بعمل جيد في الجبهة.
(ملاحظة المترجم: جورينج هو وزير الطيران الألماني، وهو من المقربين لهتلر.)
بشكل غير متوقع ، بعد الطيران بالقرب من منطقة ريمس في فرنسا، واجهت طائرته سربًا كاملاً من الطائرات المقاتلة الفرنسية. وتحت الحماية اليائسة لسرب ME110 الألماني المرافق له، لم يتم إسقاط طائرته، ولكن عندما كان على وشك الهروب والهبوط في أقرب منطقة فرنسية أرضية تحت سيطرة ألمانية، استدعى العدو مقاتلتين بريطانيتين لمحاولة إجبار الطائرة -التي من الواضح أنها مهمة- على الهبوط في منطقة تابعة للقوات الفرنسية البرطانية. ثم… ألقى توم شي جون مكان جاك، وتورط هو في كل هذا الخطر.
كانت عملية نقل الذاكرة هذه المرة أكثر إزعاج من السابق.
عندما كان شي جون يفرز هذه الذكريات، دفعه اهتزاز عنيف مفاجئ إلى حقيقة واقعة، وتذكيره بكونه حي الآن، وفي خطر، المشهد المألوف للطائرة الذي ظهر فجأة أمامه، والاهتزاز العنيف في الجو، والصوت الخارق لدوي الرشاشات، ورائحة البارود في كل مكان جعلاه يرتجف، لم يكن هذا هو أول مشهد يريد رؤيته في الحرب العالمية الثانية!
التحفيز الحسي القوي والأشياء الجديدة المختلطة مع ذاكرته منعته من الحصول على وقت للتكيف مع الوضع المحيط به، فقد أصدر أولاً سلسلة من الشتائم. قبل أن يهدأ قليلا. بعد أن إنتهى من الشتم، هدأ وترك جسده يتكيف مع البيئة المحيطة أولاً. لكن قبل أن يعود إلى رشده، سمع صوتًا يطالب بالعقاب. نظر شي ليان إلى الملازم قوات الSS أمامه الذي يرتدي الزي العسكري الأسود في ستغرب، وبحث عن معلومات عنه في ذاكرته.
ثم سأل بشك :”الملازم راندولف، لماذا أعاقبك؟”
مع ذلك، يبدو أن هذا الملازم راندولف فهم الشك في صوت شي جون على أنه إحتقار وستجواب، فرتعش وأجاب بإخلاص :”قلت شيء لا يتوافق مع هويتي! وأسائت كلماتي إلى من هو أعلى مني، أطلب العقاب بتواضع”
في هذه اللحظة نظر راندولف إلى قائده من قوات الأمن الخاص بجانه، وكانت نظرات قائده إليه توحي أنه تخلى عنه. شعر برغبة في البكاء، لكن فخر الجندي الألماني منعه، لم يقصد ذلك حقا..
‘تريد عقاب لهذه الدرجة؟ لم لا تنتظر حتى نعيش أولا!’ شتم شي جون الملازم في عقله.
شعر شي جون أن هذا الموقف كان معقد للغاية، ولم يرد التعامل معه الآن، لذا غريزيا، حاول حشد بعض الهيبة القيادية إذ قال “سنتحدث عن الأمر حين نعود”.
أخفض الملازم راندولف رأسه بخنوع.
ثم نظر شي جون إلى أكثر شخص شعر أنه موثوق من ذاكرة جاك وسأل “الرائد هانس، ماهو الوضع الآن؟”
“إبلاغ سيدي! نحن محاطون بسرب من طيران العدو، لكن لحسن الحظ لم نصب بعد” أزاح هانس الستارة بيد ونظر من النافذة قبل أن يتابع “تقدر طائرات العدو بالعشرة تقريبا، وسربنا المرافق يطاردهم، مع ذلك لا يبدو أن الوضع مثالي تماما”.
ثم علق هانس هناك بحماس “تم أسقاط Red14 لحسن الحظ أستطيعرؤية مظلة، كان الله معه وبارك فيه”
عند رؤية ذلك رتعش شي جون تقريبا.. إنها الحرب حقا؟ على الرغم من أنني شعرت أنني مستعد ذهنيًا للمشاركة في الحرب ، إلا أنني لم أدرك أن تفكيري كان ساذجًا للغاية حتى كانت الحرب أمامي.
في مواجهة الموت الدموي وآلات القتل المتطايرة ، شعر شي جون بنوبة من الخوف من أعماق قلبه. خصوصا بمعرفته لنهاية وتبعات هذه الحرب.
دعك من أمر منارة الزمان الآن، لم يكن شي جون يستطيع عد جرائم الحرب التي شارك فيها جاك بصفته راينهارت فون شتايد، وعلم جيدا، أنه وحين تنتهي هذه الحرب بخسارة ألمانيا، لابد أن يحاكم و يعدم، مهما حاول تبرئة ذمته.
لكن الأمر كان مختلف الآن، سواء أحب ذلك ام كرهه، كان هو الآن رينهارت. لا يمكنه محو ماضي هذا الرجل. ومهما حدث، سيموت مجددا في هذا الجسد.
أراد لعن جاك مجددا. لكن خطورة وضعه الحالي هو ما أوقفه.
شعر بالعجز والخوف من الموت ثانية.
لكنه أحس كما لو كان صوت في أعماقه يخطبه، كما لو كان يأنب نفسه.. ماذا كنت تعتقد؟ تظن أنك ضحية لتحاسب بما لم تفعله؟ من سيصدقك، إنها حرب، إما أن تقتل أو أن تُقتل، إذا كنت تخاف من هذا القدر فقط فكيف لك أن تجرأ على تمني الحياة حيث سترى اشياء أكثر دموية، أكثر قسوة، أنت جبان، تعتقد أن الحرب رومنسية ببطولة بطل مأساوي كما في الأفلام، الحرب هي تجلي للجحيم على الأرض، تجلي للطبيعة البشرية، وحش يدمر الأشياء الجميلة في العالم، من يستطيع أن يهتم بالعدل والأيخاء؟
ماذا عن الحلفاء؟ ملائكة؟ قرر ذلك حين تعدم في مشانقهم، الحرب وحش شرير يدوس على العدل والأخلاق. التردد والرحمة الغبية لن يسقو الحرب إلا بالمزيد من الدم والأرواح، إذا شعرت بالخجل، إنتظر أن تموت أنت أيضا، أو إبحث عن حفرة في الأرض، وقضي بقية حياتك مثل الديدان. ماذا؟ لا يعجبك ذلك؟ إذا فعليك أن تنضج، إمنح الخلاص لنفسك بيديك، تحمل المسؤولية أفعال يديك على عاتقك بحزم، واستخدام كل حكمتك، أحشد كل شجاعتك، وبذل كل قوتك للعمل الجاد في هذه الحرب الدموية الحية، اثبت قيمة وجودك إلى العالم!
إذا فعلت هذا، فبغض النظر عن مدى شرور الحرب، فهي مجرد أرض اختبار لشجاعتك، وحديقة للحكماء. إذا إنتصرت ستكون بطل، وإذا هزمت، ستكون مجرم ذليلا، اذهب واعرض طموحك، تذكر ما أقسمت به، عش بلا ندم، دع الحرب الشريرة تتغير بسببك، حطم جميع القواعد والأغلال، وتولى عجلة القدر بين يديك. حتى لو فشلت ، فسوف تموت كرجل قوي، ولن تفشل حياتك الثانية، تذكر، كان هذا خيارك.
شعر شي جون بغليان دمه عندما فكر في هذا.. وتوقف الصداع في رأسه.
شعر أنه متصالح أكثر أخيرا مع ذكريات جاك التي كانت تهاجمه بستمرار.. وشعر أن ذكرياته الخاصة بدأت تصبح أكثر ترتيبا.
نعم لقد وعد شخص ما…
نعم، أقسمت ذات مرة أني لن أضيع حياتي إذا حصلت على فرصة. يجب أن أعتاد على كوني رجلًا ملعونا، وأسمح لنفسي بالتحكم في مصيري، قد يكون ذلك أناني لكن على الأقل أن أموت كملعون الرايخ، خير من أن أموت كملعون ألمانيا النازية.
وبذلك اتخذ شي جون قراره.
على الأقل سيكون الأمر مشوق؟
-نهاية الفصل-
عنوان هذا المجلد هو “أمواج الموت تغسل دانكيرك”