220 - خيوط في الظلام (2)
الفصل 220: خيوط في الظلام [2]
كانت الدراسة هادئة بما يكفي لسماع صوت خدش خافت للريشة على الرق من الغرفة المجاورة.
كانت النوافذ الطويلة مغلقة في وجه الهواء البارد، وكانت ألواحها الزجاجية تلتقط ضوء الموقد البرتقالي.
جلس الماركيز رايلان فيل خلف مكتبه. أصابعه تستقر بخفة على ساق كأس نبيذ نصف ممتلئ، وعيناه مثبتتان على دوامة اللون الأحمر كما لو أن السائل قد يعطيه إجابات.
كان الهواء أمامه يلمع.
تموج، خافت في البداية، تحول إلى شكل حاد لرجل.
تجمدت صورة الدوق أليستير إجناريس، وتسرب ضوء خافت من الأحرف الرونية على بلورة الاتصال على حافة المكتب.
كان وجهه صارمًا كالحجر. تعبيرٌ يُخفي شيئًا ويُخبرك بكل شيء دفعةً واحدة.
“دوق إجناريس،” استقبله رايلان وهو يميل إلى الوراء على كرسيه.
كان صوته ناعمًا ومدروسًا. نفس النبرة التي استخدمها عند التفاوض على طرق التجارة أو المبارزة مع منافسيه بشأن تصويت المجلس.
“لماذا أدين بهذه المتعة؟”
لم تلين عيون أليستير.
“أنت تعرف بالفعل.”
ابتسمت رايلان ابتسامة منحنية، خفيفة ولكنها مرئية.
“إذا فعلت ذلك، فلن أحتاج إلى السؤال.”
ظل الدوق ينظر إليه لفترة طويلة، وهو يزن كلماته.
“سأسألك بوضوح إذن… ماذا تخطط؟”
نشر رايلان يديه في لفتة سهلة، وكأس النبيذ لا يزال عالقًا بين إصبعين.
التخطيط؟ أخشى أن عليك أن تكون أكثر تحديدًا. أيامي مليئة بالخطط. إدارة الأراضي. مقترحات المجلس. استضافة عشاءات مملة مع أشخاص مملين. لست متأكدًا أي منها قد يُقلقك.
قال أليستير بصوتٍ حازم: “لا تتظاهر بالغباء يا رايلان. أعرف تمامًا ما تفعله.”
رفع رايلان حاجبيه. كان تعبيره أقرب إلى السخرية.
“أنرني.”
“لقد أرسلت عرض زواج لابنتك المتبناة… إلى كايل فاليمونت.”
ظلت عينا الماركيز ثابتتين على وجه الدوق، باحثتين عن السبب الدقيق وراء هذا الخط من الاستجواب.
ضحك بهدوء، ثم وضع الكأس على الأرض مع صوت رنين خافت.
“وأنت؟ تتحدث كما لو أن ترتيب مباراة هو جريمة.”
لم يتحرك أليستير، ولم يرمش.
في اجتماع المجلس الشهر الماضي، كنتَ بالفعل تُحدِّق باسمه. كنتَ فضوليًا بشأنه. تسأل عن سبب استهداف الشياطين لمستشفى إلدرمير… وتحديدًا غرفته. أردتَ أن تعرف ما الذي يُميّزه لهذه الدرجة.
خفّت نبرته أكثر. “لقد اقترحتَ، بهدوء، بالطبع. ربما ينبغي… فحص الصبي.”
ظلت ابتسامة رايلان ثابتة، على الرغم من أن عينيه أصبحت أكثر حدة قليلاً.
أتذكر أنني اقترحتُ إجراء تقييم شامل. نعيش في زمنٍ خطير. ليس من غير المعقول ضمان عدم وجود تهديدٍ محتملٍ يختبئ تحت أنوفنا.
قال أليستير: “لم تقترح تقييمًا، بل كنت تتحدث عن فتح دماغه”.
كانت الكلمات معلقة في الفراغ بينهما، هادئة ولكن ثقيلة.
“ليس علنًا،” ردّ رايلان بصوت هادئ. “بذكاء. بتكتم. يمكن القيام بهذه الأمور دون فضيحة.”
“ليس هذا هو المهم،” قال الدوق، وقد بدت عليه نبرة من الدفء. “لم يتقبل سيريس فويدكريست هذا الاقتراح.”
أصبحت ابتسامة رايلان أعمق.
“الإمبراطورة الفراغية… كانت دائمًا عرضة للدراما.”
هذا ليس دراما يا رايلان. يبدو أن تلك المرأة تُكنّ له كل الحب. وهي ليست عدوًا يُفترض أن تتخذه عدوًا. انخفض صوت أليستير أكثر هدوءًا. “ولا لوسيان إيثيريس أيضًا.”
أمال الماركيز رأسه، وكأنه يزن الكلمات.
قال بخفة: “مدير ونائب مدير أكاديمية سولفاين. ألقابٌ مبهرة، لكنها بالكاد—”
“إنهم أكثر من مجرد ألقابهم،” قاطعه الدوق، وكان صوته يتخلله صوت الفولاذ.
أنت تعلم هذا. إذا لاحقتَ ذلك الفتى. إذا حاولتَ استغلاله، فستتجاوز كليهما. وهذا خطٌّ لا تريد تجاوزه.
لم تفارق ابتسامة رايلان. لكن عينيه بقيتا على الدوق كرجل يختبر قوة جسر قبل أن يصعده.
“وأنت أتيت كل هذه المسافة لتقديم تحذير؟”
“لقد جئت لأخبرك،” قال أليستير، “إذا واصلت السير على هذا الطريق، فلن أتمكن حتى من إنقاذك.”
لأول مرة، ساد الصمت بينهما. الصوت الوحيد كان طقطقة خافتة من المدفأة.
قام رايلان بالضغط بإصبعه على المكتب، ببطء ومتعمد.
“أنت تفترض أنني بحاجة إلى الإنقاذ.”
لم يرتقي الدوق إلى مستوى الطعم.
“أنت تفترض أنك لن تجد نفسك أبدًا في موقف حيث أنت كذلك.”
ارتعشت شفتا الماركيز. نصف تسلية، ونصف رفض.
أُقدّر قلقك حقًا. لكن إن كنتَ تعتقد أنني سأتخلى عن فرصة مُحتملة بسبب… بعض سياسات الأكاديمية، فأنتَ تُسيء تقديري.
“هذه ليست سياسة يا رايلان، إنها بقاء.”
التقط رايلان نبيذه مرة أخرى، وبدأ يحركه ببطء.
“البقاء على قيد الحياة، كما تقول… ومع ذلك فأنت هنا تطلب مني أن أبتعد عن لعبة قد أكون بالفعل فائزًا بها.”
لم يتغير تعبير أليستير.
هناك ألعاب تستحق الفوز بها، وهناك ألعاب ستدمرك. تعلّم الفرق.
“كلمات حكيمة”، قال رايلان وهو يرفع الكأس قليلًا.
“لكنني أعتقد أننا نعلم كلينا أنني كنت دائمًا موهوبًا في معرفة أيهما أي.”
“أتساءل،” همس ديوك، “ما إذا كانت هذه الثقة ستصمد عندما تبدأ القطع في السقوط.”
لمعت عينا رايلان. “وأتساءل إن كنت ستظل تشاهدهم عندما يفعلون ذلك.”
استقام الدوق قليلاً. بدأ بريق الإسقاط الخافت يتلألأ على حوافه.
“يمكنك اعتبار هذا تحذيرًا من والد زوجك، أو آخر مجاملة أقدمها لك. الخيار لك.”
كانت ابتسامة رايلان باردة، ومهذبة تقريبًا.
“ذُكر.”
توهج الوميض مرة واحدة، ثم تلاشى، واختفت صورة الدوق إجناريس في الهواء.
فجأة، بدت الغرفة أكثر هدوءًا، وأصبح صوت طقطقة النار مرتفعًا مرة أخرى.
جلس رايلان ساكنًا لبرهة طويلة. كان كأس النبيذ في يده.
أخذ رشفة بطيئة، وترك الدفء ينتشر عبر لسانه.
رسمت أشعة النار ملامحه باللون الذهبي والظل، ملتقطة الخط الخافت من الفكر بين حاجبيه.
كايل فاليمونت.
علق الاسم في ذهنه كقطعة نقود في راحة يده. كان صغيرًا، لكنه ثقيل.
كان الدوق مخطئًا بالطبع. لم يكن الأمر متعلقًا بالتهور، بل بالإمكانات.
وكانت الإمكانات دائما تستحق المخاطرة.
اتكأ على ظهر كرسيه، وهو يقلب ساق الكأس بين أصابعه.
لقد تم بالفعل وضع علامة على الصبي من قبل الشياطين مرة واحدة.
هذا النوع من الاهتمام لم يتلاشى دون سبب.
كان هناك شيئًا ما، شيئًا يستحق الكشف عنه.
وإذا كان الشياطين يريدونه بشدة… حسنًا، كانت هناك دائمًا طرق لإبرام صفقة.
أثار الفكر منحنى خافتًا على شفتيه.
إليزابيث سوف تساعد، بطبيعة الحال.
لقد كانت فتاة ذكية، وجميلة بطريقة تجعل الرجال حمقى.
لو أنها أدّت دورها على أكمل وجه، وهو ما ستفعله. ربما لن يرى كايل حتى خيوط اللعبة تُربط.
الرجل الذي كان مشغولاً بالعاطفة نادراً ما لاحظ السكين على ظهره.
وإذا حان الوقت، يُمكن إقناع كايل. سيتحول إلى أداة حادة بما يكفي للقطع، لكنها باهتة بما يكفي لاستخدامها دون خوف.
أو، إذا استدعى الأمر، يُمكن تسليمه، قربانًا مثاليًا عندما تُتاح له الفرصة المناسبة مع الشيطان المناسب.
أخذ رايلان رشفة أخرى، مستمتعًا بها هذه المرة.
اعتبره الدوق متهورًا، بينما اعتبره آخرون قاسيًا.
ربما كان كلاهما على حق، كلٌّ بطريقته الخاصة. لكن القسوة لها منافعها، والتهور مجرد مسألة منظور.
تحركت ألسنة اللهب في الموقد. انهار جذع شجرة إلى الداخل محدثًا صوت طقطقة خفيفة. تحركت الظلال عبر جدران المكتب، الطويلة والرفيعة.
نعم. كانت اللعبة قد بدأت بالفعل. وسواءً أعجب الدوق أم لا، كنت أنوي لعبها حتى النهاية.
——————
[الفصل الدراسي A1 — أكاديمية سولفاين]
لقد كان صوت خدش القلم على السبورة البيضاء هو الصوت الوحيد لفترة من الوقت الآن.
انتقل صوت المعلمة أوريليا إلى الغرفة بإيقاع ثابت.
كلماتها أنيقة ودقيقة، تتناسب مع الطريقة التي ينحني بها خط يدها على السطح الداكن.
اتكأ كايل إلى الخلف في مقعده في الصف الأخير.
على يمينه كانت لونا، نظرتها ثابتة على اللوحة ولكن أصابعها تدور قلمًا بلا مبالاة.
على الجانب الآخر، كان ريو يضع ذقنه على يد واحدة، محاولاً ولكن يفشل في إبقاء عينيه مفتوحتين.
أمامهم مباشرة، في الصف التالي، كان يجلس سيدريك وكاسيان.
كان هذا في حد ذاته غريبًا بما يكفي لجعل كايل يرفع حاجبه.
ظلت نظرة كايل ثابتة عليهم لبرهة قبل أن تعود إلى اللوحة.
‘ما بهم اليوم؟’
“…وهذا يكفي الآن،” قالت أوريليا أخيرًا، وهي تضع العلامة. “هذا كل شيء لهذا اليوم.”
توقف خفيف، وكأنها كانت تزن كلماتها التالية.
“كما أن امتحان منتصف الفصل الدراسي العملي الخاص بك، والذي تم… إلغاؤه في وقت سابق،” تباطأ صوتها.
ومضة من التردد تعبر ملامحها.
“…بسبب حادث غير متوقع، قد يحدث قريبًا. سيتم الإعلان عن التاريخ لاحقًا.”
ارتسمت موجة صغيرة في الغرفة. همسات، نظرات متبادلة.
أومأت أوريليا بالفصل أخيرًا قبل أن تجمع ملاحظاتها.
“تم رفضه.”
اصطدمت الكراسي بالأرض برفق بينما بدأ الطلاب في النهوض.
انطلقت أوريليا عبر الصفوف برشاقتها المعتادة، ومشت معطفها الداكن برفق وهي تغادر.
تمددت ريو مع تأوه مبالغ فيه في اللحظة التي اختفت فيها.
“أخيرًا. ظننتُ أن روحي على وشك الذبول هناك.”
انحنت شفاه لونا في ابتسامة صغيرة.
“لقد مرت أربعون دقيقة.”
“يبدو الأمر كما لو أنك تجلس وتقرأ نظرية الرونية منذ أربعين عامًا.” رد ريو وهو يسحب يديه على وجهه.
استدار كاسيان في منتصف مقعده، مبتسمًا.
“ربما لو استمعت، فلن يبدو الأمر وكأنك تعاني من التعذيب.”
“ربما لو توقفت عن التصرف وكأنك ابتلعت الكتاب المدرسي، ستكون أكثر متعة.” أجاب ريو دون أن يفوت لحظة.
ضحك سيدريك تحت أنفاسه.
“أنا متأكد إلى حد ما أن كاسيان قرأ الكتاب المدرسي… مرتين.”
كان كايل يراقبهم بنظرة مسلية، مما يسمح لمزاحهم باللعب.
“ما زلت غير معتاد على رؤيتكما هنا مرة أخرى”، قال أخيرًا وهو يومئ برأسه نحو سيدريك وكاسيان.
هز كاسيان كتفيه.
“فكرنا في تجربة الصفوف الخلفية. اتضح أن الهواء هنا جيد للتنفس.”
كانت ابتسامة سيدريك خفيفة. “علاوةً على ذلك، من الجيد تغيير الأمور من حين لآخر.”
انحنى ريو إلى الأمام فوق المكتب.
“الترجمة: أرادوا الجلوس بالقرب منا.”
شخر كاسيان. “لا تُغْنِ نفسك.”
“مرحبًا، لقد أتيت إلى هنا طوال هذه المسافة. سأعتبر ذلك فوزًا”، قال ريو مبتسمًا.
هزت لونا رأسها، وكان القلم لا يزال يدور بين أصابعها.
“انتم الاثنان مستحيلين.”
“ثلاثة”، أضاف كايل.
توجهت عيناها نحوه، وخرجت منها ضحكة خفيفة.
بدأ ضجيج الممر خلف الباب يرتفع، وكان الطلاب يتجهون إلى فصولهم التالية، وكانت خطواتهم تتردد بشكل خافت.
“دعنا نذهب لتناول شيء ما. أنا جائع”، قال ريو.
——————
[ملاحظة المترجمة: طبعا اشكر كل القراء على دعمكم وتليقاتكم الحلوة اتمنى تعرفون شكد تحفزوني اكمل وخاصاً القارئ kaper شكر خاص اللك شفت كل تعليقاتك بلفصول اكثر قارئ داعم للروايه 🤍🤍🤍✨]
التعليقات على الفصل "220 - خيوط في الظلام (2)"
ربما يعجبك ايضاً
قصة مختلف ولكن لا تجذبك لقراءتها
شكرا على الترجمة