183 - من بدأ كل شيء (7)
الفصل 183: من بدأ كل شيء [7]
[القلعة السوداء]
كان الهواء داخل الغرفة مليئا برائحة الحجر الرطب وشيء أقدم.
شيء معدني. مثل دم جاف مطحون في شقوق العالم.
خرج فيسبر من البوابة السوداء الحمراء الدوامة. حذاؤه يُصدر صوت طقطقة على أرضية حجر السج المصقولة.
خلفه. انغلق الصدع بصوت كأنفاسٍ احتضارية، ولم يبق خلفه سوى الصمت.
كانت الغرفة واسعة. جدرانها مُغطاة بمصابيح متوهجة تشتعل بلهب قرمزي عميق.
امتدت الظلال عبر الحجر المسنن، وهي ترقص على طول الأحرف الرونية المحفورة بلغة قديمة جدًا بحيث لا يمكن تسميتها.
نبضت العلامات خافتةً، كما لو كانوا يتنفسون أو يراقبون.
صدى صوت من أقصى الغرفة.
“اعتقدت أنك تريد اللعب لفترة أطول قليلاً.”
ناعم، مثير للسخرية، لكنه حاد من الداخل.
لم يُجب فيسبر مباشرةً. ظلت يداه في جيوب معطفه.
وقفته غير مُريحة، كسلكٍ مُلتفٍّ يتظاهر بالانفلات. هدوءٌ بعد عاصفةٍ لم تمرّ بعد.
“لا،” أجاب بنبرة جامدة. “حتى أنا كنت سأواجه مشكلة لو وصلت تعزيزات إضافية.”
كان هناك وقفة.
“إذن؟” سأل الصوت، وقد أصبح أقل مرحًا الآن. “هل جعلتَ الصبي يوقّع العقد؟”
زفر فيسبر من خلال أنفه، ببطء وهدوء.
“لا.”
تنهد محبط جاء من الزاوية.
“تدخل الظل مرة أخرى.”
“إنها مثابرة حقًا،” تمتم الصوت، نصفه لنفسه.
لم تتحرك فيسبر. لكن شيئًا ما في الهواء تحرك. بدت حرارة المشاعل وكأنها تخفت. طال الصمت قليلًا.
“ما زلتُ لا أفهم،” تابع الصوت. “لماذا يريد اللورد يلثاريس هذا الصبي؟ لماذا هو؟”
خرج الإسم من شفتيه، وتغير كل شيء.
انخفضت درجة حرارة الغرفة في لحظة.
تلعثمت النيران. ازدادت نبضات الأحرف الرونية على الجدار سطوعًا. كما لو كانت تُحذره.
استدارت فيسبر.
ببطء. كحيوان مفترس يُقرر الانقضاض. ضغط الهواء، يزداد ثقلًا مع كل خطوة.
الرجل الذي تحدث. طويل القامة، بشعر أسود حاد وعينين خضراوين لامعتين. شعرتُ بذلك فورًا.
انقطعت أنفاسه. انحنت ركبتاه قليلاً تحت الضغط. تصبب عرقًا على جبينه بينما سحقه ثقلٌ غير مرئي. خانق.
جاء صوت فيسبر ناعمًا وهادئًا.
“انتبه لكلماتك يا راي.”
كان فك راي متوترًا.
“لا تنطق باسم سيدي بهذه الوقاحة مرة أخرى.” تقدم فيسبر خطوة للأمام. تشققت الأرض تحت حذائه.
“نحن لا نسأله. نحن نطيعه.”
كان راي يرتجف الآن، مع أنه بذل قصارى جهده لإخفائه. شد قبضتيه، مجبرًا نفسه على النظر في عيني فيسبر.
«فهمتُ»، قال من بين أسنانه. «الآن، خفّض ضغط المانا لديك».
اللحظة معلقة.
ثم لوح فيسبر بيده، فاختفى الضغط.
تراجع راي خطوةً إلى الوراء، يستنشق الهواء كأنه يغرق.
ارتفع كتفاه وانخفضا مع كل نفس. حرّك رقبته محاولًا التخلص من التوتر الذي علق به.
كان تعبيره أكثر هدوءًا الآن. لكن عينيه لا تزالان تشتعلان غضبًا هادئًا.
“سأقتله يومًا ما”، فكر، وكانت الكلمات صامتة في ذهنه.
ولكنه سأل بصوت عالٍ، “ماذا حدث لذلك المتدين من الدرجة الثالثة؟”
لم تجيب فيسبر على الفور.
استدار من مركز الغرفة الخافت، متجهًا نحو الجدار البعيد حيث تلوح مرآة سبج كبيرة.
كان سطحه غريبًا. أسودَ حالكًا وباردًا، كبركة ماء راكدة بلا قاع.
لم يعكس شيئًا. لا فيسبر. ولا المشاعل المتذبذبة خلفه. مجرد فراغ.
«سيرافينا فايلستريكس قتلته»، قال أخيرًا بصوت هادئ وعميق. «لقد استخفنا بها».
أطلق راي تنهيدة بطيئة، وحرك يده خلال شعره.
“مرة أخرى. وجهي هو الذي مات. لماذا يختارني زاريث دائمًا كقاعدة لتمويهاته؟”
لم يُجب فيسبر. كان انعكاسه في المرآة يتلألأ عند حوافه. مشوهًا وضبابيًا. كما لو أن الزجاج رفض قبوله.
ثم أضاف راي بابتسامة جافة، “إنها شوكة في جانبنا، تلك.”
“سوف نحصل على المزيد من الفرص للوصول إلى الصبي”، قالت فيسبر وهي لا تزال تحدق في الظلام.
رفع راي حاجبه. “على افتراض أن ذلك الظل اللعين لن يظهر مرة أخرى.”
رفع فيسبر يده، ولمست أطراف أصابعه سطح المرآة.
تموجت. بهدوء، كموج الماء المضطرب. ملأ همهمة خافتة الهواء.
“لن تكون موجودة دائمًا لحمايته”، قالت فيسبر بهدوء.
استقرت الكلمات بينهما.
ثم، دون سابق إنذار، أضاء سطح المرآة الداكن.
ازدادت التموجات عمقًا، فابتلعت الانعكاس تمامًا. تقدمت فيسبر واختفت في الظلام، دون أن تترك وراءها أي أثر.
عادت المرآة صلبة. باردة، جامدة، وصامتة.
وقف راي وحيدًا الآن. ساد الصمت الغرفة إلا من طقطقة خافتة لضوء مصباح يدوي قرمزي على طول الجدران.
ومض ضوء أحمر عبر وجهه.
طقطقة رقبته وتمتم في نفسه: “ظلٌّ دائم، وسرافينا المُستهان بها… والآن لديّ شبيهة ميتة أخرى.”
صوته تردد بخفة.
“هذه المهمة فوضوية.”
مع ذلك، لم يضيع وقته واقفا.
بنظرة أخيرة على المرآة المظلمة، استدار راي على عقبه وسار نحو أبواب الغرفة.
انفتحت مع أنين خافت. كاشفةً عن ممرٍّ مُضاءٍ بمزيدٍ من تلك النيران الغريبة الجامدة.
لم يتذبذبوا أو يتمايلوا، بل كانوا يحترقون بثبات.
تردد صدى صوت حذاء راي بهدوء على الأرضية الحجرية السوداء.
في مكانٍ بعيد، في أعماق قلب القلعة. دقّ جرس.
ملاحظة واحدة.
عميق وجوفاء.
مثل أنفاس القبر.
راي لم ينظر إلى الوراء.
———
[خارج القلعة]
كانت القلعة السوداء تقف شامخة وقاسية على حافة جرف متعرج.
أبراجها تمتد كعظام مكسورة في سماء عاصفة. دوّى الرعد في السماء، وغيوم كثيفة داكنة كالكدمات.
في الأسفل. تمتد الأراضي القاحلة لأميال، أرض ميتة متشققة متناثرة مع بقايا الأشجار المنسية.
كانت الرياح عاتية وباردة، مليئة بهمسات خافتة لا يفهمها أي إنسان حي.
خرج راي إلى شرفة ضيقة. تسلل البرد إلى جلده.
بعيدًا، رقص البرق عبر السماء.
وقف هناك للحظة يراقب. ثم مدّ يده إلى جيب معطفه وأخرج عملة معدنية صغيرة داكنة.
كان مخدوشًا ومتآكلًا. حافته متشققة في مكان ما.
كان السطح يحتوي على نقوش غريبة محروقة بشكل خافت في المعدن.
قديمة وباهتة تقريبا.
لقد رمى العملة المعدنية مرة واحدة.
لقد دارت في الهواء.
أمسكها دون أن ينظر وابتسم.
“في المرة القادمة يا كايل فاليمونت،” قال بهدوء. “في المرة القادمة، لن تجد من ينقذك.”
انتزعت الريح الكلمات من شفتيه وحملتها بعيدًا إلى القفار، ضائعة في الظلام.
استدار راي وتراجع إلى ظلال القلعة.
———
قصة مختلف ولكن لا تجذبك لقراءتها
شكرا على الترجمة