157 - حرب الاستنزاف (14)
الفصل 157: حرب الاستنزاف [14]
[معسكر الفيلق الأحمر]
كان خيمة الحرب صامتة باستثناء صوت ضوء الشعلة المتلألئ على الرايات القرمزية.
رقصت ألسنة اللهب على القماش، مُلقيةً بظلالها المُشوّهة على الخرائط الموضوعة على الطاولة الخشبية الثقيلة.
كانت الطاولة نفسها متضررة. سطحها محترق وملطخ بدماء قديمة.
كانت بعض خرائط الرق ممزقة من الحواف، بينما تشبع بعضها الآخر بالحبر الجاف والرماد.
كان القائد رودريك (القائد الأحمر) يقف وحيدًا في الخيمة، دون أن يتحرك.
أصابعه المغطاة بالقفازات الفولاذية، ضغطت بقوة على الخشب.
صرّ الحبوب تحت الضغط، كما لو كان يحاول التنفس. لكن رودريك لم ييأس.
حدقت عيناه الحمراوان أمامه. جامدة، جوفاء، كمعدن صدئ تُرك طويلاً تحت المطر. لم ترمش. لم ترتجف.
فقط حدقت.
“ألف وثلاثة وأربعون سنة.”
كان صوته منخفضًا، بالكاد همسًا. لكن في سكون الخيمة، كان أعلى من أي صرخة.
“واحد وعشرون يومًا. خمس عشرة ساعة.”
الوقت المحدد منذ أن بدأ كل شيء.
تذكر اللحظة الأولى بوضوح. وكأنها لا تزال تحدث.
كان مرتزقًا بسيطًا آنذاك. درعه مهترئ، ويده ثابتة، وتصويبه دقيق.
كان هو وروز يقومان بتطهير زنزانة من رتبة الحديد، ويضحكان بين المعارك.
كانت تُمازحه دائمًا. خفيفة الحركة. خناجرها تتحرك أسرع من أن تُلاحظها معظم العيون.
لقد أخطأ للتو في إطلاق النار بقوسه. ضحكت عليه، ووصفته بالعجوز.
وثم-
لقد تمزق الهواء.
تمزقٌ صامت. رمشت السماء. تلاشى الأرض تحتهم.
في لحظة، كانوا داخل كهف. وفي اللحظة التالية، كانوا يسقطون. يسقطون في عالم بلا سماء.
وبعد ذلك جاءت الصراخات.
اندفع إليهم جنودٌ بدروعٍ سوداء. بلا إنذارٍ أو أسئلة. فقط فولاذٌ ودم.
لم يكن لدى رودريك الوقت الكافي لالتقاط شفرته قبل أن يتم محاصرتهم.
تحركت روز أسرع، وقطعت عدوين قبل أن يلتقط أنفاسه. كانت دائمًا أفضل منه في المسافات القريبة.
لقد قاتلوا جنبًا إلى جنب، ظهرًا لظهر.
عندما وجدهم الفيلق الأحمر، كانوا ملطخين بالدماء ونصف أموات.
لم يعرفوا أين هم. هل هم في زنزانة، أم محاكاة، أم صدع، أم محاكمة.
لم يُبالِ رودريك. أراد فقط الخروج. وكذلك روز.
ولكن لم يكن هناك مخرج.
لقد حاولوا.
حاولت حقا.
فرّوا في الليل، واختبأوا في الوديان، وتوسّلوا إلى أي شخص، أسود كان أم أحمر، طلبًا للمساعدة.
لكن الأرض لم تسمح لهم بالرحيل. عادت الأشجار إلى مساراتها التي سلكوها من قبل.
حاصرتهم الأنهار بالفيضانات. واسودّت السماء عندما ابتعدوا كثيرًا.
وكأن المكان نفسه يراقبهم. يضحك.
لذلك استسلموا.
لقد قاتلوا.
واستمر في القتال.
لقد مرت خمس سنوات قبل أن يروا حتى بصيص أمل.
عندما قاموا أخيرًا بدفع شفرة عبر صدر القائد الأسود.
انهارت روز بين ذراعيه، غارقةً في الدماء. كان وجهها يتوهج فرحًا منهكًا.
“لقد فعلناها” همست.
ابتسم رودريك للحظة. لقد صدق ذلك أيضًا.
ثم ظهرت رسالة النظام أمامهم
——————
5 لاعبين مفقودين
السيناريو سيبدأ مرة أخرى
——————
تذكر رودريك كيف تغيّر وجه روز. كيف توقفت شفتاها عن الحركة أثناء ابتسامتها. كيف فقدت عيناها بريقهما.
تمت إعادة ضبط الحرب.
جنود جدد.
هذه المرة كانوا أقوى.
نفس الصراخ. نفس الدم. نفس الألم.
تقاتل رودريك وروز مجددًا. بضراوة وذكاء. استغرق الأمر وقتًا أطول في المرة الثانية. سبع سنوات.
ثم عادت الرسالة.
——————
5 لاعبين مفقودين
السيناريو سيبدأ مرة أخرى
———————
في تلك الليلة، بكت روز بين ذراعيه. ليس من الألم، بل من شيء أسوأ.
اليأس.
وبحلول الدورة الثلاثين، توقفوا عن محاولة الهروب.
بحلول الأربعين، توقفوا عن عد الأيام.
وبحلول الخمسين من الشهر، توقفوا عن تذكر كيفية حياتهم قبل هذا المكان.
مع كل حلقة، أصبح الأعداء أقوى.
ثم جاءت الحلقة 74.
الذي لن ينساه رودريك أبدًا.
روز كانت حامل.
لا أزال أشعر وكأنها معجزة.
لم يعتقدوا حتى أنه من الممكن أن يحدث هذا داخل هذا الجحيم الملتوي.
لكن بطريقة ما، كانت الحياة تنمو بداخلها. ابتسمت أكثر في ذلك العام.
ضحكتُ أكثر. حتى أنني غنّيت أحيانًا، عندما كانت الرياح هادئة.
تذكر رودريك أنه نحت مهدًا صغيرًا من الخشب،
لقد استغرق الأمر منه أيامًا لتشكيله بيديه العاريتين وسكين غير حاد.
لقد أعطاها لها كما لو كان أجمل كنز في العالم.
لقد ضحكت. ضحكت حقًا، ضحكة جعلت عينيها تتجعدان وخديها يتوهجان.
«محاربنا الصغير»، قالت وهي تضع يدها على بطنها.
لقد سمح رودريك لنفسه بالأمل مرة أخرى.
مرة واحدة فقط.
ربما، هذه المرة، سوف يفوزون.
لعلّ الحلقة تنقطع، لعلّهما ينجبان طفلًا معًا، حتى لو كان العالم من حولهما ملعونًا.
ولكن الزنزانة لم تنتهي معهم.
هاجم الفيلق الأسود معسكرهم في منتصف الليل.
كان الثلج أحمرًا قبل أن يصل رودريك إلى خيمتها.
وجدها بالخارج، تقاتل بكل ما لديها.
كانت حركاتها أبطأ من ذي قبل، لكنها لا تزال شرسة. كانت تنزف. يدها على بطنها.
قتلت جنديين قبل سقوطها.
وصل رودريك إليها في الوقت المناسب ليلحق بها.
كانت ترتجف. يداها غارقتان بالدماء. دماءها ودماء الآخرين.
نظرت إليه، وكانت شفتيها ترتعشان.
“عِشْ”، قالت. “لا تمُتْ. أوعدني.”
لقد وعد.
احتضنها بقوة، وشعر بأنفاسها البطيئة، وشعر بدفءها يتلاشى.
لم يبكي.
لقد أغلق عينيها بقبلة ووقف.
وثم-
لقد مزق الفيلق الأسود مثل العاصفة.
لا رحمة. لا تردد.
لقد قتل كل واحد منهم في ذلك المعسكر.
———
الحلقة رقم 100
توقف رودريك عن محاولة إنهاء الحرب.
كان ذلك منذ زمن بعيد. زمن طويل لدرجة أنه لم يستطع تذكر معنى الأمل.
لقد جرّب كل شيء في الجولات الأولى. الدبلوماسية، والقوة، والتضحية، وحاول الاستسلام.
حاول التوسط في السلام.
لكن الحرب دائما تتجدد.
نفس ساحة المعركة. نفس الدماء. نفس الصراخ.
مرة أخرى.
ومرة أخرى.
ومرة أخرى.
حتى أن الرقم 100 احترق في ذهنه مثل اللعنة.
مائة دورة من الموت والجنون.
مائة حلقة لم تصل إلى نهايتها أبدًا.
لقد عشنا مائة حياة فقط لنرى كل شيء ينهار بنفس الطريقة، في كل مرة.
لقد أدرك رودريك الحقيقة منذ فترة طويلة.
هذا المكان لم يكن ساحة حرب، بل كان قفصًا.
لعبة.
تجربة ملتوية.
وكان أسيرها.
وكان الهدف بسيطا على الورق.
“هناك حاجة إلى خمسة لاعبين آخرين لبدء السيناريو”
هذا ما قاله النظام ذات مرة. منذ زمن طويل.
ولكن اللاعبين لم يأتوا أبدا.
مرت سنوات، ثم عقود، ثم قرون.
شاهد رودريك الجنود يعيشون ويموتون. دفن أصدقاءه، وأعداءه.
دفن نفسه في الغضب والصمت.
لم يأت أحد.
حتى الآن.
قبل شهر، همس النظام مرة أخرى.
هكذا ببساطة. كما لو أنه لم يصمت لألف عام.
——————
لقد وصل جميع اللاعبين.
الهدف الأساسي: قتل القائد الأسود.
——————
لقد تجمد رودريك.
ثم صرخ. صوتٌ أجشٌّ متقطعٌ مزق صدره.
حطّم سيفه على أقرب جدار، فانكسر المعدن نصفين كالزجاج الهش.
ركل الطاولة. قلب الخرائط. زأر حتى تصدع صوته وتصاعد الدم في حلقه.
“الآن؟!” صرخ. “بعد ألف عام؟!”
انهار على ركبتيه، وكان يتنفس بصعوبة.
القبضات مشدودة على الأرضية الحجرية.
لم يكن عادلا.
لم يكن الأمر عادلاً أبدًا.
كان يعلم أن الأمر ليس خطأ اللاعبين الجدد. في أعماقه، كان يعلم أنهم لم يطلبوا ذلك.
ولكن هذا لم يهم.
لم يعد يهتم بعد الآن.
دعهم يعانون.
دعهم يتعفنون هنا كما فعل هو.
دعهم يشعرون بما يعنيه خوض حرب لا يمكن أن تنتهي.
لن يسمح لهم بالفوز. ليس بسهولة. ليس دون خسارة شيء.
ليس من دون الزحف عبر نفس الجحيم الذي عانى منه لعدة قرون.
نهض ببطء، والتقط نصف سيفه المكسور، ثم رماه جانبًا.
ثم دعا إلى اثنين من أفضل ما لديه.
لينا. روك.
ليسوا أشخاصًا حقيقيين. ليسوا غرباء. مجرد إبداعات من الزنزانة. شخصيات غير قابلة للعب مُشكّلة من الذاكرة والسحر.
مولود من دورة. لكنه مخلص. حاد. خطير.
نظر إليهم في أعينهم وأصدر الأمر.
“تظاهروا أنكم من الخارج”، قال لهم. “تظاهروا بالحيرة. واكبوهم. اكسبوا ثقتهم.”
“وبعد ذلك؟” سأل روك.
“ثم خانهم.”
بسيط. بارد. فعال.
لم يعد الأمر يتعلق بالإستراتيجية بعد الآن.
لقد كان انتقاما.
ربما كان تافهًا، لكن هذا كل ما تبقى له.
دعهم ينزفون. دعهم ينكسرون.
دعهم يشعرون بنفس الحيرة والرعب الذي شعروا به سابقًا. يتجولون في ساحة المعركة هذه لأول مرة.
دعهم يرون كيف كان شعور الصراخ في الفراغ الذي لم يجيب أبدًا.
وكان الخيمة هادئة.
كان الصوت الوحيد يأتي من همهمة المانا المنخفضة عندما تومض بلورة صغيرة على الطاولة بجانبه.
حجر أحمر غامق. حلقة الوصل بينهما.
لقد طنّ مرة واحدة.
التقطها رودريك.
هسهس صوت لينا، منخفضًا ومتوترًا. وأعطته المعلومات
أغلق أصابعه حول البلورة.
ضيق.
ثم سحقته حتى تحول إلى غبار.
تفتتت الشظايا من يده، صامتة.
ولأول مرة منذ قرون، ابتسم رودريك.
“جيد.”
الإبتسامة لم تدوم طويلا
لقد تغير الهواء. قليلاً فقط.
حفيفٌ صدرُ الخيمة، مع أن الرياح لم تمسّه.
رودريك لم يتحول.
لم يكن بحاجة إلى ذلك.
لقد شعر بها.
ليس حضورها. ليس تمامًا. فقط… شيء ما.
ربما ذكرى، دفء على ظهره.
همسة أنفاس حيث لا ينبغي أن يكون هناك أنفاس. شبح شخص رحل منذ زمن طويل.
لامست أصابعها أصابعه. كانت خفيفة كالضباب.
لقد أغمض عينيه.
“ما زلتُ قاسية،” همست بصوتها الناعم والمازح. “حتى بعد كل هذا الوقت.”
شد حلقه.
“وَردَة…”
لم يكن صوته أعلى من الهمس.
“وفيتُ بوعدي”، قال بصوتٍ مرتجف. “عشتُ.”
لم يقل بالكاد.
لم يقل مكسور.
ولم يقل أنني لم أتوقف عن الانتظار أبدًا.
لقد عرفت.
شعر بقبلتها على خده المجروح. لا دفء، لا ضغط. فقط صدى الحب.
ذاكرة تتظاهر بأنها لا تزال حقيقية.
ثم ذهبت.
وكان الخيمة صامتة مرة أخرى.
لا نسمة. لا نفس. لا نبض إلا نبضه.
وكان رودريك وحيدًا.
ما زال.
ملكٌ بلا جيش. قائدٌ بلا نهاية.
رجل شاهد العالم يتحول إلى غبار مرارا وتكرارا حتى أن الحزن شعر بالتعب.
فتح عينيه.
وجهه أصبح قاسياً.
الإبتسامة لم تعود
لم يبقى إلا الغضب.
حرق.
منتظر.
وهذه المرة لن يدع الحرب تنتهي.
ليس لهم.
ليس بعد.
———