لورد الغوامض 2: حلقة الحتمية - 732 - الحماية والثقة
ركزت بيرل بسرعة كونها المراقب لتبحث بعناية في الأجزاء المختلفة من كهف المحجر.
إكتنف الظلام المنطقة ولم يكن هناك سوى مصباح كربيد ملقى على جانبها يوفر ضوءًا أصفر مزرقًا خافتًا حينها رصدت لوميان وأنثوني، وقف كلاهما عند مخرج كهف المحجر الذي يمثل الحدود المعزولة لعالم المرآة الفريد بدون طريق للهروب مما تركهم محاصرين، وقف لوميان في مواجهتها مرتديًا قفازات الملاكمة ذات المسامير الحديدية بينما يمسك بمسدس نحاسي في يده، إختبأ أنثوني خلفه بظهورهما لبعضهما البعض لكن المنوم المغناطيسي لم يكن واقفا بل ركع على ركبة واحدة، إستخدم كراسة رسم فارغة أسندها على فخذه الأيمن كسطح ليرسم شيئًا ما بسرعة بإستخدام قلم رصاص قصير.
زجاجة الخيال!.
وضع لوميان وأنثوني نفسيهما داخل زجاجة خيال تشكلت من مخرج كهف المحجر لكن هذا بلا معنى بالنسبة لبيرل، لديها نظرة شاملة عن عالم المرآة الحالي لذا يمكنها بسهولة رؤية المكان الذي يختبئ فيه لوميان وأنثوني، عندما رأت المشهد يتكشف شعرت المراقب بيرل بهالة غريبة ومقلقة كما لو أنها تنطوي على مجال رمادي.
يبدو أن لوميان بصفته قائد الفريق وأقوى عضو يشتري المزيد من الوقت للمتفرج!.
كما لو أنه يقامر على عدم رغبتها في قتله على أمل القبض عليه حيا حتى يمكن إستخدامه كدرع لكن من الواضح أن تصرفات المتفرج حاسمة.
إعتقد لوميان أن ذلك يمكن أن يؤذيها – المراقب – أو يساعدهم على الهرب منها!.
بدون تردد ثبتت بيرل نظرتها على لوميان وأنثوني داخل زجاجة الخيال معلنة بكلمات النظام “المراقب يرى كل الأسرار!”.
في اللحظة التي نطقت فيها تفككت زجاجة الخيال عند مخرج كهف المحجر بهدوء رغم ذلك لاحظت أن لوميان لم يعد محميًا إلا أن أنثوني ظل داخلها.
فشلت كلمات المراقب في تبديدها!.
تأكيدا لهذه التفاصيل إبتسم لوميان فقد صنع زجاجة الخيال المحيطة بإستخدام جسده كقاعدة – خلق ساقيه المنتشرين والأرض مدخلًا رمزيًا.
تقوس جسد لوميان قليلاً مواجها المراقب بيرل “نعم أنثوني يقوم بمهمة حاسمة تحت إشرافي ولكن لكسر زجاجة الخيال المصنوعة من شخص حي مثلي يجب أن تهزميني أولاً” تغيرت إبتسامته متمتما تحت أنفاسه “أي شخص يحاول إيذاء أنثوني يجب أن يمر عبري! أنا الآن درعه والجدار الذي يحميه!”.
تضاءلت إبتسامة بيرل قليلاً بيننا تنظر إلى لوميان بتعبير خطير “أنت مذنب! لقد قتلت شخصا ما!”.
‘جريمة قتل…’ خفق قلب لوميان.
لم يتفاجأ من كونه قتل شخصًا ما لكنه لم يتوقع أن تتهمه المراقب بيرل بمثل هذه الجريمة!.
بغض النظر عن شكل العقوبة التي تلت ذلك فإن النتيجة النهائية محفورة في الحجر: قاتل يلقى نهايته!.
‘ألا تريد أن تأسرني حياً؟’ أصبح لوميان طوعًا درع لأنثوني معتقدًا أن بيرل لن تخاطر بقتله وهذا من شأنه أن يحد من العديد من قدراتها.
أراد كسب الوقت حتى ينتهي أنثوني من الرسم التخطيطي لألبوم رسم المتجاوز الذي حصل عليه من الشاعر، الغرض من الألبوم هو إضفاء الحيوية على الرسومات أو إظهار المؤثرات الخاصة لفترة لكن بشكل غير متوقع إنهارت هذه الخطة منذ البداية، بالطبع لم يراهن بكل شيء على رغبة المراقب فقط في القبض عليه حيًا فمن المستحيل بالنسبة له أن يهزم نصف إله لكنه أراد شراء الوقت، دوى قصف الرعد المكتوم في السقف المنخفض لكهف المحجر حيث إنبثقت ثعابين البرق ذات اللون الأبيض الفضي موجهة نحو لوميان، قبل أن يتردد صدى الرعد ويضرب البرق رفع لوميان يده بالفعل موجهًا المسدس النحاسي نحو عقوبة العالم، تحولت عيناه الزرقاوان إلى اللون الأسود الحديدي لكنه لم يتمكن من رؤية أي ضعف في البرق المرعب، خياره الوحيد هو توجيه النيران البيضاء المشتعلة إلى المسدس والرصاصة التي على وشك الإطلاق.
إنفجار!.
بينما شجرة البرق البيضاء الفضية تندفع نحو الأسفل إنطلقت رصاصة متوهجة بلهب أخضر داكن من الكمامة لتصطدم بصاعقة البرق الهائلة.
رصاصة التضعيف!.
هذه هي رصاصة التضعيف التي حصل عليها من جيبوس!.
على الفور حطمت صاعقة البرق الرصاصة الخضراء الداكنة واللهب الأبيض المشتعل الذي يحيط بها ليجتاحه ضوء فضي أبيض مسبب للعمى.
إنفجار!.
ضرب هدير مرعب على أذني أنثوني مما جعل جسده يرتعش لا إراديًا فقد تذكر الليلة التي هاجم فيها الطائفيون معسكر الجيش، جاءت أصوات إطلاق النار وإنفجارات المدافع والصراخ من كل حدب وصوب مما أصابه بالذعر والخوف، ترك ذلك عليه ندبة نفسية عميقة إستغرقت سنوات للشفاء الآن شعر كما لو تم نقله مرة أخرى إلى تلك اللحظة، جمع أنثوني نفسه ونظر إلى كراسة الرسم الفارغة قبل أن يستأنف رسمه مأرجحا قلم الرصاص في يده رغم أنه يتحرك.
لا يزال بإمكانه أن يتذكر بوضوح لغة جسد لوميان: “ما لم يتم قتلي والدوس على جثتي فلن يستطيع أحد أن يؤذيك!”.
بالمقارنة مع العجز والرعب في تلك الليلة بالمعسكر حيث ظلوالجميع في خطر شعر أنثوني أن الوضع الحالي لم يكن خطيرًا.
على أقل تقدير لديه رفيق يمكن الإعتماد عليه!.
على أقل تقدير شخص ما على إستعداد للمخاطرة بحياته لحمايته!.
وسط عدد لا يحصى من ثعابين البرق الفضية إنكسر جسد لوميان أولاً إلى شظايا مرآة ثم تفحم إلى غبار – إستبدال المرآة الذي قدمته له جينا!.
عادت شخصية لوميان إلى الظهور واقفًا بثبات في مكانه بساقين متباعدتين قليلاً لكن قعقعة الرعد لم تتلاشى بل إختمرت جولة جديدة من الإعدام.
لأن المراقب أعلن ستستمر العقوبة حتى يصبح الهدف ميتًا حقًا!.
شعر لوميان بالوخز في فروة رأسه حيث وقف شعره الأسود من شدة الكهرباء العالقة في الهواء وبعد ثوان نزلت صاعقة هائلة وأكثر رعبا بصمت، قام لوميان بالضغط على أسنانه بالفعل ملقيا مسدسه جانبًا ورفع يديه مما سمح لقفازات الملاكمة أن تلتقي بدقة مع طرف البرق، ظهرت الكرات النارية البيضاء المشتعلة فوقه لكن يمكن لقفازات الملاكمة فلوغ أن تصمد أمام هجوم مشبع بالألوهية على حساب الكسر أو التشقق!.
إنفجار!.
وسط الإنفجار المفاجئ والمدمر توقفت شجرة الموت ذات اللون الأبيض الفضي المكونة من البرق عند قبضة لوميان وقفازات الملاكمة فلوغ.
إنفجار!
إنفجرت النيران البيضاء المشتعلة مما أدى إلى تلاشي ثعابين البرق وسرعان ما هدأت عقوبة الصاعقة لكن القعقعة المكبوتة ظلت قائمة، بسبب العديد من الشقوق المدوية تفحمت قفازات الملاكمة فلوغ وتشققت متحطمة إلى قطع لا حصر لها، عندما رأى لوميان جولة جديدة من البرق على وشك التشكل عرف أنه لا ينبغي عليه ذلك لكنه لم يستطع مقاومة حث أنتوني داخليًا.
‘لماذا لم يتم ذلك بعد؟ لا أستطيع أن أصمد لفترة أطول!’.
بعد صمت قصير وخانق إنطلق فجأة ثعبان برق عملاق أبيض فضي من الجو مضيئا كهف المحجر بأكمله لتظهر الإبتسامة على وجه المراقب بيرل.
لم يكن لدى لوميان الوقت إلا لشيء واحد: قام بتحريك ظله وتبديل الأماكن معه!.
إنفجار!.
وسط العاصفة الرعدية الحادة والعاجلة إستهلك ثعبان البرق العملاق الظل وبخره على الفور دون أن يترك أثرا له، أخيرًا إنتهت جولة العقاب هذه ليظهر لوميان مرة أخرى أمام أنثوني بساقين متباعدتين قليلاً وظهر منحني دون ظل تحت قدميه.
‘لماذا لم ينته بعد؟’ فكر لوميان بقلق.
فكر في تفكيك زجاجة الخيال لنقل أنثوني بعيدا رغم ذلك علم أن عقوبة المراقب لن تنتهي فقط لأنه غير مكانه، بسبب سرعة البرق لن يتمكن من الإعتماد على النقل الآني للتهرب – ليس لأنه بطيئ جدًا – بل بسبب الوقت الذي يحتاجه لتنشيط العلامة على كتفه الأيمن.
تردد صدى الرعد الهادر في آذان لوميان معلنًا عن العقوبة الوشيكة!.
خلف لوميان تكوّن عرق بحجم حبة فول الصويا على جبين أنثوني الذي يجثم على ركبة واحدة بينما يرسم، ظل النصف الأول من الرسم ناجحًا حيث إكتمل بسرعة ولكن لسبب ما أصبح الجزء الأخير فجأة صعبا.
أثر ألبوم الرسم على قلم الرصاص مما جعله يمتص روحانية أنثوني بشراهة!.
رغم ذلك حتى هذا القدر الكبير من الروحانية لا يمكن إلا أن يدفع الخطوط السوداء إلى الأمام ببطء، في الوقت نفسه تجعدت حواف صفحة الرسم الفارغة تدريجيًا مشتعلة بلهب شفاف كما لو أنها تكافح لإحتواء ما يحاول أنثوني رسمه، أدرك جيدًا أن ألبوم الرسم هذا لم يكن الغرض منه رسم هذا الشيء لكن لديه ثقة كاملة في حكم لوميان.
إنفجار!.
إشتد الرعد المكتوم ورغم كونه داخل زجاجة الخيال إلا أنه سمعه بوضوح فرغم كونه طبيبًا إلا أنه وجد نفسه غير قادر على التحكم في عواطفه، تصاعدت في داخله العصبية ونفاد الصبر والقلق والذعر لذا قام بضبط نفسه مستمرا في رسم الجزء الأخير، عند رؤية البرق الفضي المرعب على وشك أن يتشكل وأنثوني لا يزال صامتًا خلفه شعر لوميان بموجة من اليأس.
‘هل أنا على وشك الموت؟ حسنًا أود أن أرى كيف يبدو شكل تيرميبوروس!’ فجأة أضاء وميض من الإلهام عقل لوميان ‘الموت…’.
أخرج قطعة من حقيبة المسافر الخاصة به – قناع ذهبي مزين بعدة شرطات من الطلاء الزيتي حصل عليه من هيسوكا فقد صنع من قبل الموت!، إرتدى لوميان القناع الذهبي لشا سرعان ما أصبح جسده باردًا مع تبدد هالته تدريجيًا حينها توقفت عقوبة البرق المرعبة التي تختمر في الجو فجأة، حدق لوميان في الثعابين الكهربائية ذات اللون الأبيض الفضي التي لم تعد متقاربة بإبتسامة تتجعد على شفتيه تحت القناع الذهبي، أصبح مخلوق لا ميت! أحد أغراض القناع الذهبي هو تحويل مرتديه إلى كائن لا ميت مع الحفاظ على ذكائه!.
بما أن لوميان “مات” الآن فقد حققت العقوبة غرضها لذا وصل الأمر إلى نهايته بشكل طبيعي!.
عند رؤية ذلك تفاجأت المراقب للحظات قبل أن تستوعب الموقف حينها ضحكت ولكن رباطة جأشها ظلت سليمة، لم تجلس مكتوفة الأيدي لأنها إستعدت لأية ظروف غير متوقعة لذا إستخدمت حقيبة عملات معدنية لتنفيذ معاملة تحت الطاولة، خلف لوميان شاهد أنثوني الحافة الملتوية وألسنة اللهب غير المرئية تنتشر بسرعة إلى وسط صفحة اللوحة مما زاد من يأسه، حتى لو تمكن من إكمال الرسم النهائي فإن ورقة الرسم ستصبح عديمة الفائدة – ولن يخرج منها شيء فعال.
صر أنثوني على أسنانه لأنه إختار أن يثق برفيقه متذكرا تعليمات لوميان “أرسم مونيت أولاً قبل رسم السيدة الساحر!”.
‘مونيت! محتال الجزيرة مونيت…’ في اللحظة التي خطرت فيها هذه الفكرة على ذهن أنثوني إندهش.
رأى حافة ورقة الرسم تتوقف واللهب الغير مرئي يتجمد مؤقتًا حتى حركات قلمه أصبحت أكثر سلاسة، مستجمعًا روحانيته أنهى رسم نظارة أحادية محددة بخطوط بسيطة على العين اليمنى لساكن الجزيرة.
إمتلك وجه رقيق وعينين غائرتين وشفاه سميكة وشعر الأسود مجعد قليلاً…
–+–
دعم: chakir