لورد الغوامض 2: حلقة الحتمية - 704 - جزء القدر
لم يظهر على المراسلين المنتظرين خارج قاعة المؤتمر أي علامات لنفاد الصبر أو عدم الرضا لأنهم إعتادوا جيدًا على مثل هذه المواقف.
تصوير! تصوير!.
أضاءت موجة من ومضات الكاميرا العالية المشهد ليرد موران أفيني بتلويحة رشيقة للصحفيين كما إمتنع لوميان عن شق طريقه إلى الأمام، إختار المراقبة من مسافة بعيدة مختبئًا بين الحشد بينما تتحول عيونه الزرقاء المحمية بالكاميرا إلى اللون الأسود الفضي.
عيون الكارثة!.
في رؤية لوميان المعززة تجسد نهر من الزئبق على جسد موران أفيني متكونا من قطرات ماء أثيرية كل قطرة مزينة برموز معقدة ومترابطة، ألقى موران أفيني خطابًا موجزًا أعلن فيه عن إتفاقيات التعاون الصناعي المختلفة بين جمهورية إنتيس ومملكة لوين، قام لوميان بتحليل دقيق لماضي وزير الصناعة وحاضره ومستقبله ليكشف عن أجزاء القدر المخبأة داخل كل قطرة زئبقية.
كلما غاص في الماضي أبعد زاد الغموض لذلك ركز على أحداث الأسبوعين الماضيين.
رأى أن موران أفيني يقيم في فيلا مقدمة من الحكومة أو يحضر التجمعات الأسبوعية بالمقاهي لمناقشة شؤون الدولة – يجسد سياسة مقاهي ترير، لاحظ حضور موران أفيني للصالونات والحفلات الراقصة والمآدب والأوبرا والحفلات الموسيقية والمسارح والمعارض الفنية، إنغمس الوزير في لعبة البولو والبوكر والصيد في الضواحي ومغازلة المومسات مستفيدا من منصبه للحصول على خدمات، عين زوج إحدى عشيقاته نائبًا للمدير العام لفرع جنوب القارة التابع لبنك إنتيس للإئتمان الصناعي – منصب معروف بمكانته وتعويضاته السخية ونفوذه، العيب الوحيد هو ضرورة مغادرة ترير إلى القارة الجنوبية لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات في البداية دون رفقة الزوجة والأطفال.
تتوافق هذه الملاحظات تمامًا مع مفاهيم لوميان المسبقة عن مجتمع النخبة في ترير…
وسط الأجزاء الضبابية لفتت حالتان محددتان إنتباه لوميان بإحداهما جلس موران أفيني وحيدًا في مكتبه يتصفح إحدى الوثائق، قام بتدوين ملاحظة قبل الوقوف أمام مرآة قريبة حيث مرت يده التي تبدو غير مادية عبر السطح الزجاجي لوضع الرسالة بداخله، أظهرت الأخرى لقاء موران أفيني مع شخص غير مألوف أثناء رحلة صيد بغابة لوغنيس الغربية لكن ما أثار إهتمامه هو الضباب الأبيض الرقيق الذي يغلف هذا الجزء، يختلف هذا الغموض الغريب عن الغموض النموذجي لمعظم أجزاء القدر فقد أكد الجزء الأول هوية موران أفيني كنسخة مرآة، من بين المسارات الإلهية لم تتمكن الشيطانات الماهرات في سحر المرآة من نقل المعلومات أو الأشياء من خلال المرايا قبل الوصول إلى رتبة القديسين، إذا إتضح موران أفيني شيطانة على مستوى نصف إله فإن وجوده كرجل سيكون مستحيلًا لذا لم يكن بإمكانه إلا أن يخمن إحتمالين:
– أولاً يمتلك شعب المرآة إتقانًا فطريًا للمرايا متجاوزين حتى الشيطانات فيما يخص سحر عالم المرآة.
– ثانيًا موران أفيني في الأصل شيطانة على مستوى نصف إله إستهلكت فيما بعد جرعة أعلى من تسلسل الصياد لتتحول بنجاح إلى رجل.
هذا يعني أن وزير الصناعة على الأقل قديس في التسلسل 3 إن لم يكن ملاكًا!.
بالنظر إلى المعلومات الإستخبارية التي جمعتها فرانكا والآخرين والمعلومات التي قدمها 007 مع أجزاء القدر الأكثر وضوحًا، خلص لوميان إلى أن موران أفيني لم يُظهر أبدًا أي سمات مرتبطة بالصياد لذا هو بلا شك نسخة مرآة إستثنائية، أعاد تركيزه إلى مستقبل موران أفيني ليفحص روافد القدر المحتملة التي لا تعد ولا تحصى، في هذا الرافد الزئبقي مثل الكثيرين غيره “تدرب” موران أفيني على المقابلة التي أجراها قبل عودته إلى وزارة الصناعة في عربة خاصة، إختلف الأمر عندما دخل إلى مكتبه حيث جلس لفترة من الوقت قبل أن يمر عن طيب خاطر عبر المرآة التي تغطي الجسم بالكامل بالقرب من رف المعاطف، لم يمتد بصر لوميان إلى أبعد من ذلك لأنه إستنتج أنه إذا غامر موران أفيني بالدخول إلى عالم المرآة قبل الظهر فإنه سيواجه كارثة تهدد حياته، إن إحتمال إتخاذه لمثل هذا الإجراء ضئيل للغاية فمن بين روافد القدر العديدة واحد فقط يمثل هذا الإحتمال، إذا تجاهل لوميان خطر الإنكشاف فيمكنه تسخير ما يقرب من نصف روحانيته للتلاعب بمستقبل موران أفيني لتوجيهه نحو ذلك الرافد المحدد، مثل هذا الفعل سيكون عديم الجدوى لأن زواله بعالم المرآة لن يؤدي إلا إلى منعهم من الوصول إلى جثته لإجراء طقوس توجيه الروح.
‘من المحتمل أن تمتلك شيطانة الأسود القدرة على دخول عالم المرآة أيضًا لكن الحصول على المعلومات ذات الصلة سيكون مستحيلاً، حتى لو إكتسبت فرانكا ثقتها بالكامل فستظل بعض المعرفة غير معلنة حتى تصل إلى تسلسل محدد…’ لاحظ لوميان وضعية موران أفيني التي تشير إلى إنتهاء المقابلة حين بدأ حراسه الشخصيون في التنقل بين المراسلين.
نتيجة لذلك توقف عن إستخدام عيون الكارثة ملتقطا صورة بالأبيض والأسود مع الحفاظ على واجهته، إنسحب تدريجياً من حشد المراسلين ليشق طريقه إلى الحمام العام حيث خبأ الكاميرا داخل حقيبة المسافر الخاصة به، إرتدى كذبة ليتحول مرة أخرى إلى سيل دوبوا متجها كضيف إلى المطعم الملحق بشارع الشانزليزيه أين تنتظره فرانكا.
بعد توجيه من النادل إلى مكانه المحدد لاحظ لوميان رجلاً وإمرأة يشربان القهوة.
إمتلكت المرأة شعرًا أسودًا وعينين بنيتين وجمالًا جذابًا حيث أبرزت ملابسها هالة مبالغ فيها قليلا على النقيض من الرجل أمامها، إرتدى ملابس مزدوجة مع معطف من الفانيلا عند الصدر وسروال مجعد وأحذية جلدية، وضع قبعة علوية مزينة بالفراء الناعم – المجموعة المفضلة للمصرفيين والممولين بترير في الآونة الأخيرة، لاحظ أن الرجل والمرأة لا ينجذبان إلى أي هالة من الثروة لكته تعرف على المرأة الجميلة ذات الملامح الأجنبية.
بالطبع لن تتعرف بيرل عليه فقد رأى صورتها في وجه الشبح كونها ممثلة مسرحية من لوين ومومس في ترير، دوفار مخترع مرق دوفار ومالك المطعم المحترم أغدق عليها ذات مرة مبلغًا كبيرًا حتى أنه حاول الإنتحار بسببها ولكن دون جدوى، في الوقت الحاضر لم تكن بيرل والرجل في منتصف العمر الذي يُفترض أنه مصرفي قد بدأ وجبتهما بعد بل ببساطة إستمتعوا بقهوتهم، إلتقط الرجل في منتصف العمر فنجان قهوة بيرل الفارغ مشيرا إلى الأرض ليوضح شيئًا غير معروف حيث إستمع لوميان بإهتمام، أثناء مروره سمحت له حواسه الشديدة بالتنصت لفترة وجيزة لكنه سرعان ما أدرك أن الرجل في الذي يُعتقد أنه مصرفي منغمس في فن عرافة القهوة.
طريقة العرافة الشائعة هذه في المجتمع الراقي أقرب إلى لعبة!.
“بقايا القهوة بعد الشرب على شكل دائرة فهذا يدل على علامات الحب الحديثة…”.
عند سماع كلمات الرجل في منتصف العمر لم يستطع لوميان إلا أن ينتقد بصمت ‘هل ستقترح عليها أن تكون الحب الذي على وشك مقابلته؟’.
أي إمرأة أخرى حتى لو على علم بالنوايا الحقيقية للرجل سوف تنزعج سرًا من نتائج العرافة التي تشير إلى آثار الحب، يُعتقد أن الأنماط المختلفة التي تتشكل بشكل طبيعي من بقايا القهوة تحمل إكتشافات مقابلة حول مصير الشخص، هذه فكرة مقبولة على نطاق واسع ومن المستحيل التلاعب بها لذا بعد المشي لمسافة قصيرة رأى فرانكا، إرتدت شيطانة المتعة اليوم زي سيدة مناسب تمامًا لهذه المناسبة حتى أنه كاد أن يفشل في التعرف عليها.
بطبيعة الحال ظلت فرانكا ممتنعةً عن إرتداء الفساتين بل إختارت بدلًا من ذلك البدلة البنطلونية.
عند ملاحظة شعر فرانكا المصفف بأناقة والذي لم يعد على شكل ذيل حصان ضحك لوميان قائلا “جينا قامت بتصفيف شعرك من أجلك؟”.
“بالفعل!” لم ترد فرانكا بغضب بل بشعور من العجرفة.
قبل أن يتمكنوا من التعمق في ملاحظاتهم إقترب نادل منهم ليقدم لهم قائمتين متطابقتين.
“قائمة الغداء تكلف 7 فيرل ذهبي إذا طلبنا بشكل فردي مستمتعين ببعض النبيذ الأحمر الجيد فستبلغ فاتورة كل منا 50 فيرل ذهبي على الأقل” خفضت فرانكا صوتها مخاطبة لوميان بلغة فيزاك القديمة “هذا المبلغ يمكن أن يطعم بسهولة إبنك الروحي بمنطقة السوق”.
وجدت فرانكا أن المطعم في الشانزيليزيه ليس باهظ الثمن فحسب بل فاضحا أيضًا!.
بعد التغيير إلى الإنتيسية إستفسرت من النادل “أي توصيات؟”.
“هل ترغبان في تجربة سمكة فورث؟” أجاب النادل الذي يلقي نظرة خاطفة على فرانكا بلهفة “في ترير بصرف النظر عن بعض الولائم الخاصة نحن المؤسسة الوحيدة التي تقدم أسماك فورث”.
“ما الشيء الذي يجعلها مميزة؟” سأل لوميان بعد أن أثير فضوله.
“تبدو أسماك فورث شبه متفحمة ولا يمكن العثور عليها إلا في جزء محدد من نهر ترير الجوفي” أوضح النادل مخاطبًا فرانكا “تقول الأسطورة أنه منذ زمن طويل إعتبرت هذه الأسماك عادية إلا أن أمسك شخص يُدعى فورث بواحدة بهدف طهيها، في منتصف العملية تمكنت السمكة من الهروب من المقلاة عائدة إلى النهر حيث نجت منتجة العديد من الأحفاد الذين يمتلكون مظهرًا شبه متفحم، إن جلد هذه السمكة ذو لون بني وزيتي بشكل عطري إلا أن اللحم بداخلها طري بشكل إستثنائي…”.
‘نهر ترير الجوفي… نصف محترق… حي…’ إستخرج لوميان الكلمات الرئيسية متكهنا فجأة بأن هذا ربما يكون نتيجة لتسرب قوى الصياد من ترير العصر الرابع.
“هل يجب أن يحصل كل منا على واحدة؟” إبتسم لفرانكا مقترحا.
“حسنا” فكرت فرانكا بالفعل في تجربتها.
–+–