لورد الغوامض 2: حلقة الحتمية - 686 - الوهم والحقيقة
“أي نوع من الأشخاص؟” سأل لوميان فلم يكن يتوقع أن تؤدي هلوسة أماندينا إلى رؤى غير متوقعة.
“لا أستطيع أن أرى بوضوح… لا أستطيع…. ليس الأمر أنه غير واضح… كل ما في الأمر أنني لا أستطيع فهم التفاصيل” إستقامت أماندينا من جديد كما لو أنها تعافت قليلاً حيث فكرت للحظة “لم أنم فورًا بعد لمس الصخرة السوداء – لا القبر الأسود القديم – وعندما إستيقظت أدركت أنني إكتسبت قوى خارقة، لا تزال هناك بعض الأحداث التي حدثت بينهما لكني لا أتذكرها على الإطلاق وكأنني غفوت، ربما نشأت الهلوسة التي أعاني منها من أعماق عقلي الباطن بسبب ذكريات منسية… لا لم أنس إنهم فقط في سبات عميق… بدأوا في النشاط والإستيقاظ شيئًا فشيئًا…” قامت أماندينا بتقييم حالتها بعناية بحثًا عن مصدر الخلل.
‘ذكية جداً مع حسن الخلق تمكنت من الحفاظ على رباطة جأشها الأساسية…’ قام لوميان بتقييمها داخليًا.
ظل سلوك أماندينا غير مألوف لكامو لأن في إنطباعه لم تكن جميلة فحسب بل أيضًا مرحة ومتفائلة وحيوية، من النوع الذي يمكن أن يصيب من حولها بالبهجة ومع ذلك نظرًا لصغر سنها لا تزال تبدو ساذجة وطفولية وعديمة الخبرة، بشكل غير متوقع بعد لقائهما في مهرجان الأحلام أظهرت تدريجيًا إنفتاحًا ونضجًا وهدوءًا لم يتوقعه.
“لماذا لم يذكر روبرت أي ذكريات مخفية أو حقيقة أنني لم أنم مباشرة بعد لمس القبر القديم؟” ظلت أماندينا في حيرة “تحدث الكاهن كالي أيضًا عن الإغماء والإستيقاظ بالقوى الخارقة… عدد المرات التي شاركوا فيها في مهرجان الحلم بحالتهم الواضحة وزاروا القبر الأسود القديم يجب أن يكون أكثر مني…”.
فهم لوميان ما تحاول إيصاله.
أولاً لماذا لا يزال الكاهن كالي وروبرت اللذان ذهبا إلى القبر الأسود القديم عدة مرات يعتقدان أنه أغمي عليهما على الفور؟، هل حصلا حقا على القوى الخارقة بعد الإستيقاظ؟ لماذا لم يعانوا من الهلوسة المشابهة لهلوسة أماندينا؟، ثانيًا رأى روبرت أماندينا تلمس القبر الأسود القديم؟ ألن يعلم هل سقطت على الأرض أم لا؟.
“ربما يكون الشخص الذي ترينه واقفًا أمامك تسبب بدخول الذكريات ذات الصلة في سبات عميق فأنت كابوس من مسار الليل الدائم” فكر لوميان لبضع ثوان مخمنا “هناك شيء مميز بشأن الأحلام والنوم كلما إقتربت من القبر الأسود القديم زاد إحتمال إيقاظ الذكريات النائمة مما يسبب الهلوسة”.
وافقت أماندينا بإيجاز بأن فرضيته مميزة مواصلة عملها بثقة.
بعد دقيقتين رفع لوميان فجأة يده اليمنى وضغط عليها مخفضا صوته “إختبئوا في مكان قريب”.
سمع خطوات ناعمة!.
إختبأ كامو على الفور إلى الجانب خلف شجرة نخيل وزحفت ريا إلى شجرة أخرى لتختبئ بين أوراقها.
نظر لوغانو إلى الغابة حيث هناك عدد لا يحصى من الحشرات والثعابين السامة متمتما “لا تخف تستطيع شفاء نفسك إذا تعرضت للعض”.
سرعان ما إنكمش خلف كومة من الفطر الضخم ذي الألوان الزاهية.
لدى أماندينا خبرة في الإختباء بمثل هذه الأماكن لأنه في ذلك الوقت شاهدت تواناكو يتجه إلى القبر الأسود القديم، بإستخدام غطاء الليل والإعتماد على إدراكها الروحي تحركت برشاقة عبر النباتات الخضراء المنخفضة لتختبئ خلف شجرة ضخمة، فجأة عادت الحياة إلى كرمة سميكة تتدلى من الشجرة متأرجحة نحو أماندينا بينما تفتح فمها الملطخ بالدماء.
إتضح أنها ثعبان ذو لون أخضر داكن!.
أغلقت عيون أماندينا وشدت على قبضتيها.
سقط الثعبان في سبات عميق بصدى صوت ضعيف حيث تمايل عدة مرات قبل أن يهبط أخيرًا على الأرض، عندما رأى لوميان أن زملائه إختبأوا إختفى فجأة مندمجا في الظلال التي أحدثها الليل وبعد 20 ثانية إجتازت شخصية المسار أمامه، من الأعلى بفضل الفجوات الموجودة في الأوراق رصدت ريا الشكل مرتديًا رداءً أسودًا معقدًا بطبقات واضحة.
إستقرت قبعة سوداء ناعمة على شعره وبرز من حافتها ريشة بيضاء تتمايل بلطف.
رأى لوميان في شكل مخلوق الظل أيضًا المظهر القاسي للشخصية حينها توتر عقله فجأة حيث نشأ الإرتباك بداخله ‘أليس هذا إيفليستا إيغرز؟ لماذا يظهر عضو فصيل الإعتدال من كنيسة الأحمق في الحلم كمشارك بمهرجان الأحلام؟’.
خلال الأيام القليلة الماضية إستكشف لوميان المناطق الداخلية من تيزامو والمزارع المحيطة بها والمعسكرات خارج البلدة.
عرف بوضوح من هم الغرباء الذين وصلوا مؤخرًا ولم يكن إيفليستا من بينهم!.
‘هل وصل إلى هنا بعد بدء مهرجان الأحلام؟ نعم ذكر ذات مرة أن مهمته الأصلية هي التحقيق في شيء ما بالغابة البدائية حول ميناء بيلوس، هل تلقى أمرًا في اللحظة الأخيرة للتعامل مع جهة إتصال هيسوكا؟ هل يمكن أن يكون الأمر الذي يحقق فيه مرتبطًا بالقبر الأسود القديم؟، ينتمي فصيل الإعتدال إلى مسار السجين وتنحدر عائلة إيغرز من الموت لذا من الطبيعي أن يجذبه القبر القديم الأسود والجثة الباردة بداخله… هل دخل إيفليستا إيغرز مهرجان الأحلام أثناء البحث عن القبيلة البدائية في الغابة؟’ قام لوميان بتحليل مظهر إيفيليستا متفحصا تعبيراته من خلال الظلال.
رأى شراسة لا توصف على الوجه الأبيض الشاحب لعضو فصيل الإعتدال.
إنبعثت من عينيه البنيتين شراسة وحش بري مشوب بالدم تحت وهج القمر القرمزي الخافت.
‘على الرغم من أنه لم يتأثر بنسخة الحلم التي شكلتها المشاعر والرغبات الشديدة إلا أنه لا يزال من الصعب عليه التحكم في نفسه خلال مهرجان الأحلام…’ لم يتفاجأ لوميان لأن لودفيغ وكولوبو أمثلة على ذلك.
بالنظر إلى حالة إيفيليستا الحالية لم يخرج من الظل بل إنتظر بصبر حتى غادر المنطقة مع تراجع الخطى تدريجيا.
‘من مظهره فهو أيضًا يتجه إلى القبر الأسود القديم…’ عاد لوميان مرة أخرى إلى إنسان ووقف على طريق مليء بالأعشاب محدقا في المكان الذي إختفى فيه ظهر إيفيليستا.
“يمكنكم الخروج الآن” رفع يده اليمنى مشيرا بأصابعه.
غادر كامو وريا ولوغانو أماكن إختبائهم الواحد تلو الآخر.
ذهب كامو لإيقاظ أماندينا التي نظرت إلى لوميان متسائلة “هل نواصل؟”.
“نعم” أجاب لوميان دون تردد.
هذه المرة تقدموا بحذر مع إيلاء إهتمام وثيق لمحيطهم.
بعد أن إستعد لوميان للتعامل مع إيفيليستا وريزا إتبع توجيهات أماندينا منزلقا عبر فجوة بين عدد قليل من الأشجار العملاقة، ظهرت صخرة سوداء ضخمة ومألوفة في الأفق حيث بدت بحجم منزل لكن عند الفحص الدقيق يمكن للمرء أن يرى الأنماط عليها، تم الكتابة عليها مع وجود نتوءات ومنخفضات غير طبيعية بشقوق تشبه الخيوط لا تستطيع العيون العادية إكتشافها، في الواقع لم يكن مجرد حجر بل يوجد حول الصخرة السوداء جذور أشجار من الأرض تغطي مساحة بحجم مربع، تشبه الأوعية الدموية البارزة للإنسان ومع ذلك فقد ماتوا منذ فترة طويلة وذبلوا مغ جعل المكان خاليا من أي أحد!.
‘إيفيليستا لم يأتي إلى هنا؟ أليست هذه وجهة ريزا؟ هل ضاعوا في منتصف الطريق؟ هل أولئك الذين حصلوا على هبة القبر القديم أو الجثة هم فقط من يمكنهم الوصول إلى هذه المنطقة؟’ قام لوميان بمسح محيطه في حالة من الإرتباك.
“أصبحت الهلوسة أكثر وضوحًا إنني أرى المزيد” عقدت حواجب أماندينا مرة أخرى ولم تستطع إلا أن تضغط بيديها على جانبي رأسها حيث قالت بلمحة من الألم “إقترب مني ذلك الشخص ومد يده ليضغطها على أعلى رأسي! هو… إنه يرتدي قبعة غريبة…”.
لم يقاطع كامو وريا والآخرون أماندينا لمعرفة ما إذا بإمكانها تذكر المزيد أو إيقاظ المزيد من الذكريات الخاملة.
“هل هذه هي الطريقة التي مُنحت بها القوى الخارقة؟” تمتمت أماندينا لنفسها.
عندما إستمع لوميان إلى كلمات أماندينا ثبّت نظره على الصخرة السوداء التي قيل إنها قبر قديم حيث أحس بشعور من الألفة، بصفته متآمرًا سارع إلى إستحضار ذكرياته بحثًا عن مصدر الألفة وسرعان ما حصل على إجابة.
ذكّره القبر الأسود القديم بينبوع المرأة السامرية عندما لم يكن أبيضًا شاحبًا!.
‘إنه بالفعل مرتبط إرتباطًا وثيقًا بمجال الموت…’ قام بفحص هالة إمبراطور الدم المتبقية في يده اليمنى وأكد أنها لم تتأثر أو تظهر عليها علامات التنشيط.
في تلك اللحظة سقط المحيط في صمت غير طبيعي!.
يبدو أن الحفيف في الغابة وصرخات الوحوش البرية وطلقات الرصاص والصراخ من تيزامو قد إختفوا…
سقط الليل العميق في صمت تام!.
نظرت أماندينا إلى الأعلى بينما تصرخ في رعب “أتذكر الآن…. أتذكر الآن… عندما حصلت على قوى خارقة أصبح هذا المكان هادئًا أيضًا.. لم يبدو مثل مهرجان الأحلام على الإطلاق!” في اللحظة التالية إتسعت حدقات أماندينا “هو… هو… ذلك الشخص… لقد ظهر ذلك الشخص!”.
‘هاه؟’ نظرت ريا وكامو ولوغانو إلى القبر الأسود القديم بجدية لكنهم لم يروا أي شخص أو أي شيء غير عادي.
“ألا ترى؟ هو… إنه يسير نحوي… إنه يسير نحوي!” أصبح صوت أماندينا حادا.
للحظة لم يتمكن لوميان ورفاقه من تحديد هل هذا وهم واضح جدًا لأماندينا لدرجة أنه حقيقي تقريبًا أو أن هناك شيء ما حدث بالفعل.
“لا! لا تقترب أكثر!” صرخت أماندينا حيث إنهار تعبيرها بينما تحدق في المنطقة الفارغة أمامها.
بسبب هذا الصراخ شعر لوميان أن المنطقة بأكملها ترتعش قليلاً ليصبح محيطه غير واضح.
في الضبابية ظهرت مشاهد مثل أجزاء مختلفة من الحلم ركزت على القبر القديم الأسود لكن وقف أشخاص مختلفون بجانبه، في بعض المشاهد وقف ريزا ببدلة سوداء رقيقة وفي حالات أخرى وقف إيفيليستا مرتديًا قبعة من الريش.
إقترب رجل وإمرأة جنبًا إلى جنب بينما الآخرون محاطين باللون الأسود.
بشر برداء!.
إلتفت أحد البشر ذوي الرداء الأسود إلى لوميان بإبتسامة بجلده البني الفاتح وعيناه البنيتان المشوبتان باللون الأخضر الداكن.
لم يكن سوى “هيسوكا” تواناكو!.
–+–