559 - حليف من الدرجة الأولى
بعد إتخاذ قراره أتيحت فرصة للوميان للإستفسار “من هو المشتبه به؟”.
“لاتو غويارو” أعلن فارس السيوف.
تعرف لوميان على هذا الشخص كونه عضو في نقابة صيد الأسماك فلم يقتصر الأمر على إمتلاكه أسهمًا لثلاث قوارب صيد كبيرة وشركة ميناء سانتا للأسماك، شارك أيضًا في بناء السفن وإنتاج الثلج وصناعات أخرى لأن أحد أفراد عائلته تزوج بالفعل من عذراء البحر منذ أكثر من 100 عام.
“ما علاقة لاتو غويارو ببالان؟ لإيجار القوارب؟” سأل لوميان بتعبير مدروس.
“إنه دائن للشركة قام بترتيب فرص عمل للعديد من الأقارب هناك” أجاب فارس السيوف بإيجاز.
“هذا يضيف الكثير” أومأ لوميان بالموافقة متوقفا مؤقتًا للتفكير “ما رأيك أن نجتمع عند مفترق طرق شارع القديسة لانا وشارع القمح الذهبي بعد 3 دقائق؟”.
لم تطأ قدمه مطلقًا ملكية عائلة لاتو غويارو لذلك إفتقر إلى إحداثيات عالم الروح المقابلة خاصة أن خيار النقل الآني الوحيد لديه هو شارع القديسة لانا، على الرغم من كونه قريب نسبيًا من هدفهم إحتاج إلى إستخدام إجتياز عالم الروح بتكتم للتهرب من أي مراقبة.
“بالتأكيد” ذاب فارس السيوف مختفيا على الفور.
قضى لوميان دقيقتين في تعديل الجسم مرتديًا سترة وقبعة من القش عندها فقط أضاء التوهج الخافت للعلامة السوداء على كتفه الأيمن، إختفت شخصيته من الغرفة المغطاة لتظهر عند تقاطع شارع القديسة لانا وشارع القمح الذهبي في زاوية مخفية، وقف فارس السيوف الذي يمتلك شعرًا بنيًا أشعثًا ويرتدي قميصًا كتاني اللون مع سترة داكنة على حافة ضوء القمر القرمزي، أشار وجهه الشاحب وعيناه القمعيتان إلى تحول كامن كما لو أنه يستطيع التخلص من مظهره البشري في أي لحظة ليكشف عن شكل وحشي تغذيه المكبوتات أصل الرغبات، في حين أن الآخرين قد يغيب عنهم هذه التفاصيل الدقيقة فإن لوميان كونه زاهدًا يمتلك حساسية شديدة لمثل هذه المواقف.
‘إنه حقا من فصيل الإعتدال…’ تأمل شكل فارس السيوف مستمتعًا بفكرة غريبة الأطوار ‘أخي هل فكرت في إحتضان الحتمية؟ بإعتبارك راهبًا للصدقات أو زاهدًا فإنك ستحمي نفسك من تحمل الكثير!’ بطبيعة الحال تلاعب لوميان بالفكرة ولم يقترحها فعليًا.
بدون لقاءات الحظ الصحيحة يمكن لهبة الإله الشرير أن تفسد المتجاوزين تدريجيًا داخل نظام الجرعات وتحولهم في النهاية إلى وحوش شبيهة بالبشر، رغم ذلك أشارت تأملاته إلى التآزر المحتمل بين تسلسلات محددة لنظام الهبة ونظام الجرعات.
“دعنا نمضي قدما” ظل فارس السيوف صامتًا لذا أخذ لوميان زمام المبادرة.
أومأ فارس السيوف برأسه متبعا من الظلال على طول الشارع قبل الإلتفاف إلى شارع القمح الذهبي بوتيرة محسوبة متجهين شمالًا وسرعان ما وصلوا إلى مبنى من 5 طوابق يشبه قلعة صغيرة، عند مراقبة النوافذ المضيئة والجدران الخارجية ذات اللون الأزرق الرمادي أشار فارس السيوف إلى لوح زجاجي محدد.
“هذه غرفة نوم لاتو حيث ينام في غرفة منفصلة عن زوجته”.
‘المعلومات الإستخبارية المجمعة مفصلة بشكل مثير للإعجاب…’ إعترف لوميان بصمت مستفسرا “ما هي خطتك؟”.
“التسلل ثم السيطرة على الهدف” أجاب فارس السيوف بإيجاز.
‘أليس هذا بسيطًا جدًا وتقليديا بعض الشيء؟ من المحتمل أن توظف عائلة غويارو أكثر من مجرد متجاوزين عاديين… ربما إكتسب بعض الأعضاء قوى من خلال طقوس صلاة البحر…’ إستذكر لوميان الخصائص الفريدة للروح بينما يقوم بتقييم قدراته.
“حسنا” أجاب بينما يضع إحدى يديه في جيبه بشكل عرضي.
بهذه الكلمات ذابت هيئته في ظل ليندمج بسلاسة مع الظلام وبجانبه إختفى فارس السيوف بالفعل.
بإستخدام الظلال الملقاة على الجدار الخارجي للمبنى تسلل لوميان ببراعة إلى غرفة لاتو غويارو وفي لحظة ظهر هدفه، رجل في منتصف العمر بشعر أسود مجعد قليلاً وعينين بنيتين داكنتين مزين برداء قطني أزرق داكن.
تغير تعبير لاتو غويارو إلى خوف حيث تجمد جسده قبل التوجه نحو الظل الذي يخفي لوميان.
في الإنعكاس داخل كل عين لغويارو رأى لوميان فارس السيوف شاحب الوجه مرتديا سترة بنية داكنة وقميصًا كتانيًا ملونًا بشعر بني أشعث!، بعد ملاحظة فقدان لاتو غويارو للسيطرة على جسده وعدم قدرته على النطق خرج من الظل ليعود إلى شكله الأصلي.
لف ضغط ثقيل الهواء من حوله – أقرب إلى وزن مياه البحر – لكن بصرف النظر عن هذا لا شيء يبدو خاطئا.
بخطوة مدروسة إقترب لوميان من لاتو غويارو بإحساس يشبه التحرك عبر المستنقع حيث إمتنع عن اللجوء إلى الإستخدام المباشر لتعويذة هارومف.
أولا بدا الطرف الآخر عاجزا ويمكن إدارته بوسائل بديلة مما يوفر طاقته الروحية.
ثانيًا تردد بسبب عدم اليقين من تأثير تعويذة هارومف نظرًا لسيطرة فارس السيوف على لاتو غويارو بالقوة.
بعد الحصول على زجاجة من مهدئات مجتمع النعيم قام بفك الغطاء ليقربه إلى أنف لاتو غويارو.
قام بتهوية الفتحة بيده لتسريع تدفق الغاز وبعد حوالي 10 ثوانٍ أغمض عضو نقابة صيد الأسماك عينيه فاقدا للوعي، من اللافت للنظر أنه بقي واقفاً ولم يسقط على الأرض حيث سيطر حامل بطاقة الأركانا الصغرى على جسد لاتو غويارو.
‘هذا أبسط من إستخدام النقل الآني وتعويذة هارومف… واجهت العديد من المتجاوزين من قبل لكن لم يسبق لي أن أخضعت أحدهم دون أن أضع يدي عليه، يعتبر الروح حليف إستثنائي قادر على التنسيق مع تسلسلات أي مسار كما أنه يظل منيع أمام غازات التخدير… لم يكن للمهدئات التي قدمها مجتمع النعيم أي تأثير عليه’ عندما لاحظ لوميان القرار الصامت شعر تقريبًا كما لو أنه لم يشارك في المناوشات على الإطلاق.
أعاد مهدئ مجتمع النعيم إلى جيبه المخفي مخرجا علبة مصل الحقيقة حيث إغتنم الفرصة ليسكب ما يقرب من ثلثها في فم لاتو غويارو، نظرًا لأن تأثير المهدئ قد يكون قصير الأمد على المتجاوزين ذوي السمات غير المعروفة سارع لإستكمال إستعداداته قبل أن يستعيد الهدف وعيه، في غضون 20 إلى 30 ثانية رمشت عيون لاتو غويارو مفتوحة أين رأى لويس بيري المغامر ذو القبعة الذهبية المصنوعة من القش يظهر إبتسامة باهتة، بعد ذلك وجد نفسه جالسًا على كرسي في لحظة غير محددة مواجهًا الأريكة وحينما أراد الصراخ تمردت أحباله الصوتية مما جعله بلا حراك.
“هل إستوعبت موقفك؟” إتكأ لوميان على الأريكة واضعًا قدمه اليمنى على ركبته اليسرى متحدثا باللغة الإنتيسية.
إنطبع الخوف على وجه لاتو مما جعله غير قادر على الإيماء أو الرد فرغم إمتلاكه لقدرات معينة ظل متأكد من أنها لن تكون كافية ضد المغامر لويس بيري – من المحتمل أن يسبب لنفسه غيبوبة أخرى أو صعقة سريعة.
“ماذا تريد؟” إستفسر لاتو فجأة بالإنتيسية.
عندما حاول أن يرفع يده على حين غرة ليلمس رقبته وجد نفسه عاجزاً عن الحركة لذا بقي صامتا.
“لدي بعض الأسئلة لك أجب عليهم بشكل مرضي حينها سأفكر في السماح لك بالعيش حتى الغد لمساعدتي بنشر الأخبار حول هذا الأمر” أجاب لوميان بإبتسامة.
“ماذا تريد أن تعرف؟” ظل لاتو صامتًا للحظات قبل أن يوافق.
“هل نولفي وباتنة معك؟” هز لوميان كاحله الأيمن بشكل عرضي.
“نعم” أجاب لاتو بميل قوي للكشف عن المعلومات “إنهم محتجزون في الطابق السفلي ما زالوا على قيد الحياة أريد فقط إستخدامهم”.
“لماذا؟” إستفسر لوميان مفتونًا.
إرتعشت شفتا لاتو بينما يشرح “أنوي إستخدامهما لإرشادك إلى موقع طقوس تضحية البحر من أجل جعلك تأخذ قارب إلى هناك”.
“أنت من كتب تلك الملاحظة…” رد لوميان مدركًا “كيف تخطط لإرشادي؟”.
كافح لاتو للتعبير عن أفعاله لكن فمه تحرك بشكل أسرع من أفكاره “أريدك أن تكتشف أن نولفي وباتنة ينويان إستئجار قارب والتوجه إلى البحر بعد ذلك سأرتب لهم فرصة للهروب لنقل شيء إليك لإعلامك بأهمية المنطقة البحرية”.
“وبعدها؟” إستفسر لوميان بفضول.
أغلق لاتو شفتيه لكنه تحدث في النهاية “ما سيقولونه لك هو الحقيقة لكنهما لا يدركان شيئًا واحدًا: لا تشتبك أبدًا مع طفل البحر في معركة بحرية!، خوان أورو سينتظرك في تلك المنطقة البحرية على إستعداد لدفنك بالكامل!”.
‘إذا زرعت نقابة صيد الأسماك أثرًا خادعًا من خلال الدليل حول نولفي متظاهرين بأنهم مترددين لإغرائي نحو الفخ من أجل القضاء علي، إذا لم أكشف بسرعة عن نيتي للتحقيق في طقوس صلاة البحر وإستغلال نولفي وباتنة لربما يكونان بالفعل نائمين مع الأسماك، المناوشات ضد لوغانو مصممة لخداعي…’ تسارعت أفكار لوميان حينها سمع لاتو يعبر عن إرتباكه.
“أنت لم تبدأ حتى تحقيقاتك كيف وجدتني؟ لقد قمت فقط بإرسال مترجمك للإستفسار عن نولفي ومكان وجود الآخرين فلم تكن هناك متابعة…”.
“هل تعتقد أنني هنا وحدي للتحقيق في طقوس صلاة البحر؟ أنا أمثل إرادة الكثيرين فالعديد من الرفاق يكمنون في ظلال ميناء سانتا” حملت إبتسامة لوميان مسحة غامضة.
شعر لاتو بتدفق البرد عبر جسده المتصلب مما أعطى مصداقية لكلمات لوميان.
“من أين تأتي قوتك؟” رفع لوميان يده اليمنى ليحك ذقنه.
إنقبض حلق لاتو قبل أن يجيب “من البحر لأن كل طقوس صلاة البحر تمنحنا القوة لكن لسوء الحظ فشلت الطقوس في العام الماضي، لم نتلق أي تجديد لمدة عامين وضعف الجميع بدرجات متفاوتة وإلا لقضى خوان أورو عليك منذ فترة طويلة، سيلقي بجسدك الهامد في ساحة الأمواج كتحذير صارخ لأولئك الذين يتحدوننا!”.
‘تشبه الهبة؟ من الناحية النظرية حتى بدون تجديد سوف تتضاءل قوة الهبة تدريجيًا…’ فكر لوميان للحظة معلقا “طقوس صلاة البحر هي طقوس واسعة النطاق للبحث عن الهبة حيث يكون حاكم البحر هو التضحية الأساسية؟”.
“إنه بمثابة التضحية والمضيف في نفس الوقت” فكر لاتو للحظة قبل أن يجيب “نحن وخوان أورو نعمل كمضيفين مساعدين لأن طقوس صلاة البحر هي في الأساس زواج من البحر لإسترضائه أما الهبة فهي نتيجة ثانوية”.
“الزواج من البحر؟” فجأة وجد لوميان أن مخيلته ناقصة.
–+–