469 - التعزيزات
– قسم المحبة في معسكر حامية ترير:
تحت ضوء القمر الخافت خرج عدد كبير من الجنود من مختلف المباني منظمين في فرق بدقة ملحوظة – إما بإطلاق المدافع على حواجز الطرق البعيدة أو حمل البنادق على الكتف – أثناء تقدمهم نحو شارع طريق بوليفارد في فرق منسقة، من بينهم تمركز مقاتلون مجهزون بحقائب ظهر تعمل بالبخار وأسلحة نارية ضخمة بشكل إستراتيجي في نقاط مراقبة مرتفعة وأماكن مخفية، داخل أحد المباني في المعسكر جلس ألبوس الذي بدا شعره مصبوغًا باللون الأحمر بثقة على كرسي الضابط وساقاه متقاطعتان بشكل عرضي على حافة الطاولة أمامه.
تدلى في مجال رؤيته رؤوس بلا أجساد مع أشواك دامية كما لو أنها ذيول ممتدة.
إرتفعت هذه الرؤوس المقطوعة نحو أجساد بدون رأس ترتدي معاطف جنود زرقاء مزينة بخيوط ذهبية.
إستهدفوا الرقاب الفارغة ثم أدخلوا أشواكهم الملطخة بالدماء بدقة.
كسر!.
أكملوا “إندماجهم” في وقت واحد حيث إلتفوا يسارًا ويمينًا للتأقلم مع مضيفيهم الجدد.
أخذ الجنود الجدد أسلحتهم على الفور منطلقين في تشكيل منظم بعد توجيهات غامضة.
نقر ألبوس ميديشي على لسانه قائلا “هذا مشهد مثير للذكريات هل ستتحول هذه الليلة إلى حمام دم؟”.
…
وراء العديد من الأبراج الشاهقة والمباني ذات اللون الذهبي تم تنبيه الساحر والعدالة من خلال قعقعة المدافع البعيدة.
“ثورة مبكرة؟” حدقت الساحر التي ترتدي قميصًا أبيض اللون بياقة وفستان بني مع ضوء النجوم في عينيها كما لو أنها لمحت من خلال حجاب عالم الروح وشهدت الإضطرابات في المعسكر.
تنبؤاتها الفلكية السابقة أشارت إلى أن الكارثة لا تزال بعيدة بعض الوقت ومع ذلك عندما ألقت جينا القبض على الراهب الآلي – وإكتشفت علاقاتهم بالهراطقة وعملهم في نقل الدهانات والفرش – من الواضح أن القدر تغير مما أدى إلى تحريك التروس الوهمية قبل الأوان حيث بدأت الكارثة دون الإستعداد المناسب…
إستمعت العدالة التي ترتدي ثوبًا أزرق فاتح إلى دوي المدافع وأجابت بنبرة هادئة “بالنظر إلى الحجم من الواضح أن هذا لن يطيح بحكومة إنتيس الحالية ولا يمكن إلا أن يحرض على درجة معينة من الفوضى المؤقتة… هل يمكن أن تكون هناك إضرابات وإحتجاجات ومسيرات وأعمال شغب وأشكال أخرى من الإضطرابات المدنية المتصادمة؟”.
“هذه هي نقاط القوة نظام صليب الحديد والدم ومنظمة كاربوناري ربما إختبأ غاردنر مارتن وبعض رفاقه لإشعال النيران، يبدو أن التنسيق بينهم ليس قويًا بما فيه الكفاية فبدون تعاون فعال لا يمكنهم تأسيس إتصال” تغيرت نظرة الساحر إلى المنطقة الجنوبية الشرقية حيث تقع منطقة قسم الكاتدرائية التذكارية ومنطقة السوق وقسم الحديقة النباتية.
“هذا يعني أن جهودنا قد أثمرت بعض النتائج فقد إضطروا إلى تسريع خططهم” أومأت العدالة برأسها وأضافت “من المثير للإعجاب أنهم أنجزوا مثل هذا العمل الفذ في ظل هذه الظروف”.
بمجرد أن إنتهت من حديثها ظهرت من الفراغ الرسول “الدمية” التي إرتدت ثوبًا ذهبيًا فاتحًا وسلمت الرسالة من الحكم إلى الساحر.
“مساء الخير يا آنسة عدالة يوم جيد لك” إستقبلتها الرسول بمرح.
كونها مخلوق مصاب بالوسواس القهري من عالم الأرواح وتميل إلى الجمال تعتبر العدالة تجسيدًا لتفضيلاتها، من ناحية أخرى لدى صاحب العمل العديد من أوجه القصور التي وجدتها لا تطاق لذلك غالبا ما تولت مهام إضافية بنفسها… ومع ذلك بنى هذا رابطة قوية من القرب والثقة بينهما.
“عالم في لوحة” قامت الساحر بفتح الرسالة وفحص محتوياتها بسرعة حيث خضع تعبيرها لتغيير طفيف “هل إستخدم أروديس العملة الذهبية المحظوظة وختم الأحمق على لوميان للحصول على لمحة غامضة عن المشاهد داخل عالم اللوحة؟ لمحات جزئية لشارع السوق…” بعد التذمر لنفسها إلتفتت الساحر إلى العدالة وقالت “لدي فهم تقريبي لما يسعى إليه هؤلاء الزنادقة ولماذا يستخدمون شكل الفندق وجوهر غرفه، لا يمكننا أن نضيع المزيد من الوقت فلنتخذ إجراءً الآن إما التحكم في السيدة قمر أو القضاء عليها قبل أن نبحث عن عالم اللوحة”.
“أتفق” أومأت العدالة برأسها ثم إبتسمت وأضافت “يجب أن نضع ثقتنا في رفاقنا والمتعاونين معنا”.
“حسنا” خطت الساحر خطوة نحو دير القلب المقدس بينما حاشية فستانها البني تتصاعد مع النسيم.
رفعت يديها فظهرت حولها كوكبة من النجوم المتلألئة التي بدت بعيدة ومكتظة بالسكان أين تقاربت لتشكل سماء الليل فوق المرتفعات، ألقت النجوم التي لا تعد ولا تحصى بريقها على سطح دير القلب المقدس وبجهد حازم رفعت الساحر الفراغ أمامها كما لو أنها تحمل عبئا ثقيلا، وسط الإهتزازات المضطربة والصامتة تم “إسقاط” دير القلب المقدس جنبًا إلى جنب مع عدد لا يحصى من أبراج الكنيسة والأرض تحته في فراغ أسود اللون، أحاطت بهم الأعاصير العنيفة وطبقات من الظلام وفي الوقت نفسه تقريبًا أضاءت أشعة الشمس الرائعة المباني المترابطة كما لو أنها تستحضر آلاف الشموس المصغرة…
قاوموا الظلام الزاحف وحاولوا كشف الفراغ المخفي!.
إختفت الساحر والعدالة لتظهرا مرة أخرى في مساحة بدا أنها تنحني وتنكمش مشكلة مجالًا مظلمًا.
في مكان قريب قامت كلب مسترد ذهبي بتنشيط الإختفاء النفسي بينما تراقب محيطها بعناية محافظة على أعلى مستوى من اليقظة.
…
– عالم اللوحة في شارع السوق:
من الظلام الذي يتوافق مع قاعة رقص النسيم ظهرت هياكل عظمية حمراء داكنة وصفراء ملطخة بالصدأ.
أطلقوا هالة واضحة من الموت ورائحة قوية للصدأ والدم في الهواء وعندما إجتمعوا معًا خلقوا وكثفوا جوًا محمومًا وعنيفًا، ظل الإحساس ملموس حيث هز على الفور الحاجز البلوري الذي يلف الظلام منتجا العديد من الشقوق قبل أن ينهار بصمت، عند مشاهدة هذا المشهد المرعب صدمت المرأة التي ترتدي فستان الرسم الأبيض وعائلة سانسون في شارع السوق مع الغرف المختلفة ذات الهالة المماثلة لهالة سيرافين.
ومضت في ذهن لوميان كلمات معينة قالتها الرسول “الدمية”… العظام القديمة!.
بفكر سريع أمسك ذراع جينا بيده اليسرى وغمر وعيه في كفه اليمنى.
عادت ندوب حمراء ساطعة للظهور مرة أخرى لتظهر هالة عنيفة ومجنونة ومستبدة بشكل إستثنائي من جسده مما تسبب في إرتعاش السماء الزرقاء والسحب البيضاء وغروب الشمس بشكل واضح، حتى سيرافين و”الغرف” الأخرى على الرغم من تجربتهم أصيبوا بالذهول ولم يكن بوسعهم إلا أن يرتعدوا.
صر الجنية في الخارج أكثر رعبًا مقتنعا بأن حضورًا هائلاً هبط ما جعل عالم اللوحة على حافة الإنهيار.
صرت العظام القديمة الصفراء والممزقة وغير المكتملة مستديرة ثم أحنت رؤوسها في إنسجام تام للوميان ممتنعين عن مهاجمة أقرب البشر بشكل غريزي.
رفع لوميان ذقنه قليلاً وأشار بيده اليمنى بتصميم جليدي إلى “الغرف” والجنيتين.
تحولت العظام القديمة المغطاة بالدروع الممزقة والأسلحة الصدئة إلى كرات نارية متوهجة خطيرة منطلقة نحو كل هدف حقيقي.
إتسعت حدقتي الجنية التي ترتدي القبعة الزرقاء ومدت كفها فجأة في الفراغ.
أصبح شكلها أثيريًا مرة أخرى ومليئًا بالفراغ واللامبالاة كما لو أنها أخفت نفسها في عالم آخر.
إنفجار!.
إندمجت الكرة النارية البيضاء الساخنة مع شكلها مما أدى إلى إنفجار قوي لكنها لم تتمكن من الوصول إلى عالم الخيال البعيد وإيذاء هدفها المقصود، أما الرسام الذي يرتدي بنطالاً أحمر فتعرض لسقوط شديد مع كسور في العظام وإحساس دائم بالدوار لذا لم يكن هناك وقت لتغيير حالته، خياره الوحيد هو محاولة إعادة التموضع بإستخدام السرعة القصوى التي يمكن للتسلسل 8 حشدها ومع ذلك عندما قفز على قدميه ضربته كرة نارية بيضاء مشتعلة.
إنفجار!.
تُرك الجني في حالة دموية بسبب الإنفجار حيث تمزق بطنه وتناثرت أعضائه الداخلية كما تقطعت ذراعه اليسرى لتغطي علامات الحروق الشديدة جسده.
فقد وعيه بينما تتضاءل حياته…
الكرة النارية البيضاء المتوهجة التي إندفعت نحو سيرافين وغابرييل إنحرفت فجأة إلى البرية ونأت بنفسها عن النموذج البشري غير المبالية والخالية بعدة مئات من الأمتار، كلما طارت أبعد أصبحت أضعف وبعد أن تحملت مسافة 100 إلى 200 متر وصلت في النهاية إلى الأرض وإنفجرت، لعل أخطر ما في الأمر هو تلك المرأة التي ترتدي ثوبا أبيض مع شعر أسود مجعد ووجه جميل.
بدت بلا روح عندما تم توجيه العديد من الكرات النارية البيضاء المشتعلة نحوها.
ومع ذلك فإن الكرات النارية الخطرة إما تجاوزت راحة اليد المرفوعة للنموذج البشري أو إنفجرت قبل الأوان بطريقة غريبة… حتى أن بعضها صعد إلى الهواء وتحول إلى ألعاب نارية كما لون أن الغرفة 7 منيعة للهجوم.
على مقربة من سيرافين وقفت إمرأة مذهلة ترتدي ثوبًا أحمر فاتحًا بعينان تحملان صفة شاغرة وبدت هالتها منفصلة إلى حد ما.
في تلك اللحظة شاهدت كرة نارية بيضاء مشتعلة تندفع نحوها مثل النيزك لكنها بقيت بلا حراك تمامًا.
أصبحت الكرة النارية البيضاء المشتعلة أكثر خفوتًا وأصغر تماما وعندما أوشكت على الإصطدام بهدفها إنطفأت لتعود إلى شكل هيكل عظمي مصفر يحمل رمحا صدئ.
تمايل الهيكل العظمي عدة مرات قبل أن يتفكك مع إحساس بالذبول.
في المقهى المقابل ظهرت سيدة أنيقة ممتلئة الجسم ترتدي فستانًا أسود وبدت كأنها فقدت حيويتها لتصبح أثيرية على نحو غير عادي، من ناحية أخرى أظهرت تعبيرا ونظرة شوق حين فتحت فمها عندما إقتربت الكرة النارية البيضاء المتوهجة، رفعت يديها ممسكة بسكين وشوكة فضية وبصوت عالٍ قامت بتقطيع كرة النار البيضاء المشتعلة إلى نصفين، تشكلت دوامة وهمية مليئة بالأشباح ذات الأنياب في فمها وإلتهمت جزءًا من الكرة النارية “لتحييد” التهديد.
إنفجار!.
فقدت معظم الكرات النارية مسارها وإنحرفت مما أدى إلى تحطيم زجاج المقهى وإسقاط الطاولات والكراسي والجدران الخارجية القريبة، بجانب ظلام قاعة رقص النسيم شاهد لوميان العظام القديمة تتحول إلى كرات نارية بيضاء مشتعلة وتهاجم “الغرف” المختلفة والجنيتين، لم ينتظر لرؤية النتيجة النهائية أو إغتنام الفرصة لشن هجوم مفاجئ بل أمسك بذراع جينا مندفعا نحو الموقع الذي ظهرت منه العظام القديمة.
–+–
تم الدعم من طرف: fshar