لورد الغوامض 2: حلقة الحتمية - 431 - ثلاثة صيادين مستوى واحد
مددت إلروس كفها الأيمن مطلقة العنان لكرة نارية قرمزية أمام الثعبان الناري حتى يصطدما بالأرض.
وسط الهدير إجتاحت الثعابين المشتعلة في إنفجارها الخاص وأوقفت تقدمهم نحو التابوت البرونزي.
بدون مزيد من اللغط إلتقط ألبوس المصباح الكربيدي ووقف على قدميه بينما يحدق في إلروس بإبتسامة عريضة.
“إذاً هل تعرفين شيئاً؟” ثم سخر من لوميان قائلاً “أنت جاهل هنا”.
‘اللعنة! لولا هذا الإعداد غير المناسب كنت سأواجهك وجهاً لوجه…’ الآن فقط أدرك لوميان أن تهور ألبوس بمثابة إختبار وفخ.
“هذه هي قلعة البجعة الحمراء لعائلة ساورون” أجابت إلروس دون أن تخاطب ألبوس مباشرة بل ذكرت حقيقة بسيطة.
أشارت ضمنًيا إلى أن لديها سلالة عائلة ساورون وأقامت في قلعة البجعة الحمراء منذ ما يقرب 6 سنوات من الطبيعي أن تمتلك المعرفة.
حول ألبوس نظره إلى الشموع البيضاء التي إنطفأ ثلث لهبها كأنه لم يسمع إلروس وسأل بصراحة “ماذا تفعلين في أعماق هذا القصر تحت الأرض؟ إذا لم تخبرينا فكيف يمكننا التعاون ومساعدتك؟”.
نظرت إلروس إلى التابوت البرونزي وإلتفت بشكل غير متوقع إلى لوميان “أرغب في إستكشاف هذه المنطقة المحظورة المعروفة بإسم الأرض السرية للعائلة… يُسمح لعدد قليل فقط بالدخول لمعرفة هل اللعنة الموجودة في دمائنا مرتبطة بهذا المكان؟…”.
“أنت من عائلة إينهورن هل تعتبرين نفسك حقًا أحد أفراد عائلة ساورون؟” سخر ألبوس ميديتشي من السيدة.
‘هذا بمثابة إنتقاد لإلروس لإخفاء الحقيقة الكاملة ومحاولة زرع الفتنة بينها وبين عائلة ساورون مما يجعلها تدرك مكانتها… إذن ليست هناك حاجة لمساعدة عائلة ساورون في إخفاء تلك الأسرار؟’ إكتشف لوميان معنى مزدوج في كلمات ألبوس.
هذا جعله يشك في أن الطرف الآخر قد يكون متآمرًا بالفعل وسلوكه غير المرغوب فيه مجرد فخ مخفي.
تنهدت إلروس قائلة “أنا أحمل نصف سلالة عائلة ساورون كما أنني صياد لذا سوف تطاردني تلك اللعنة” عند هذه النقطة حولت نظرتها نحو ألبوس ميديتشي وإستفسرت “ما الذي أتى بك إلى أعماق القصر تحت الأرض؟ لا تقل لي أنك هنا حقًا لتنغمس في الألعاب الطفولية لإبن عمي الساذج؟”.
رد ألبوس بنبرة نصف تنهد ونصف صادقة “حان الوقت لتنتهي لعنة عائلة ساورون ولكسرها يجب علينا أولا أن نفهم جوهر وأصل هذه اللعنة”.
“حقا؟” لم تعد إلروس تظهر نفس الطاعة وضبط النفس.
“أنت تسيئين الفهم هذا ما نسميه أعلى مستوى من الحب والرحمة والإحسان لا توجد حدود وأنا أجسد ذلك” ضحك ألبوس.
‘سأكون أحمقًا إذا صدقت كلامك… ومع ذلك فإن المتآمر الحقيقي لا يكذب فقط بل يكشف دائمًا عن حقائق جزئية أو حتى الحقيقة بأكملها، كل ما في الأمر أنه يحذف الأجزاء الحاسمة… ما هي الحقيقة في رد ألبوس ميديتشي؟ هل يمكن أنه يرغب حقًا في مساعدة عائلة ساورون على كسر اللعنة؟، إذا قالت إلروس ذلك فسأصدقها لكن كيف يمكن لشخص غريب مثله ليس له علاقة بعائلة ساورون أن يمتلك مثل هذا اللطف… هل يمكن أن يكون هذا نتيجة ثانوية لمتابعة هدفه الحقيقي؟’ إستمع لوميان بصمت مخمنا ردود “رفيقيه”.
لم يكن يثق تمامًا في إلروس أيضًا لأنه يشتبه في أنها تكشف فقط جزءًا من الحقيقة.
لم يكن التغيير المفاجئ في سلوكها وسيطرتها على العناكب السوداء العملاقة شيئًا يمكن لفتاة صغيرة تعيش في منزل جدها أن تفعله.
قامت إلروس وألبوس بتقييم لوميان بإبتسامات متطابقة تكاد تكون ساخرة ثم إلتفتا إليه وسألا بصوت واحد “لماذا غامرت في أعماق القصر تحت الأرض؟”.
“أنا؟” أشار لوميان إلى نفسه بيده اليسرى الحرة مجيبا بصراحة “كلفني أحدهم بالتحقيق في سبب تراجع عائلة ساورون وزودني بشيء ما”.
تشير كلمة “أحدهم” إلى غاردنر مارتن وكلمة “شيء ما” تتعلق بالفساد الخطير في 13 شارع السوق على الرغم من أن لوميان لم يكشف قبوله للأمر.
إبتسم ألبوس معترفًا بالكذبة بينما هو على علم بـ “الهوية الحقيقية” للوميان.
لمعت عيون إلروس التي قيمت بسرعة أي أجزاء من كلمات لوميان صحيحة وأيها أكاذيب أو غير مكتملة.
بعد لحظة صمت تنهد لوميان ووبخ كلاً من ألبوس وإلروس “أنتم أيها الصيادون على الرغم من كل ما قلتموه لم يتخذ أحد منكم خطوة للأمام!”.
بقي الثلاثة عند الباب ينتظرون دخول بعضهم البعض إلى حقل الألغام.
“التحدث معكم يا رفاق هو مضيعة للوقت” تنهد ألبوس ومع ذلك إمتنع عن التقدم وأضاف “لو أن هناك متجاوز لمسار البحار في وقت كهذا”.
“لا تفترض أن متجاوزي مسار البحار مندفعون ومتهورون وغير صبورين فقد يكون للجرعة تأثير لكن شخصية الشخص وخبرته هما العاملان الأكثر أهمية في تحديد تصرفاته، إذا كنت تعتمد على مثل هذه الصور النمطية لمتجاوزي مسار البحار في المستقبل قد تجد نفسك تحولت إلى خاصية مميزة” سخرت إلروس من ألبوس.
إمتنع لوميان عن الإنضمام إلى نقاشهم وتساءل متأملاً “لو لم نختر الطريق الأوسط وباب الجنون هل كنا سنصل إلى هنا؟”.
“نعم ولكن بعض الغرف أكثر خطورة” أجابت إلروس بنظرة مثبتة على محيط القاعة.
أومأ لوميان برأسه وسأل “هل سنواجه وحوشًا على مستوى نصف إله؟”.
“تم إسترداد معظم خصائص التجاوز على مستوى نصف إله ولا يزال الكثير تحت مستوى نصف إله موجودًا في القصر تحت الأرض، مما يحول هذا المكان إلى أرض صيد مقيدة لأفراد عائلة ساورون الذين يسعون إلى تحسين أنفسهم” لا يبدو أن إلروس تميل إلى إخفاء أي شيء عن عائلة ساورون.
‘تم إسترداد معظمها… هل يعني ذلك أن بعضها ما زال مختبئاً في أعماق القصر تحت الأرض؟ هل تزامن ذلك مع الإختفاء الكامل لبعض الأعضاء الأساسيين؟ هل لا تريد عائلة ساورون إستعادتهم أم أنهم غير قادرين على القيام بذلك؟، في الواقع يتماشى وصف إلروس مع الوضع الحالي لعائلة ساورون فلا يوجد العديد من أنصاف الآلهة على مستوى القديسين لكنه لا يزال عددًا كبيرًا، العديد من الأعضاء الأساسيين منتشرين في الجيش والسياسة وعالم الأعمال ويتمتعون بنفوذ كبير إذا هل يفتقرون إلى القوة على المستوى الأعلى؟ بحيث لا توجد ملائكة بل قطع أثرية مختومة من الدرجة 0 أم أن هناك ملاك واحدا فقط؟’ نظر لوميان حوله وأدرك أن إلروس وألبوس ظلا صبورين بشكل ملحوظ كما لو أنهما تجمدا في مكانهما.
الحقيقة هي أن لوميان يميل إلى مراقبة نتائج إلروس وألبوس مستخدمًا حظهما لقياس خطورة المغامرة في عمق القاعة داخل القصر تحت الأرض، ومع ذلك نظرًا لمزاج إلروس المتقلب والصمت المثير للأعصاب لتيرميبوروس فقد تخلى عن الفكرة.
لم يكن الأمر محفوفًا بالمخاطر فحسب بل قد يضلله أيضًا!.
في تلك اللحظة شعر لوميان فجأة بموجة من الخطر حيث إستدار بسرعة وتتبع نظره وهج مصباح الكربيد كما فعل ألبوس وإلروس الشيء نفسه، في الممر المائل أعلاه هناك يد ذات أوعية دموية حمراء داكنة وسوداء تقريبًا تمتد من الظلام لتضغط على الحائط المضاء بوهج أصفر خافت.
إرتعشت جفون لوميان متذكرا الصورة التي تركت الأثر الأعمق على كوابيسه نتيجة للعبة فطيرة الملك.
في التابوت البرونزي المحاط بالشموع البيضاء إمتدت فجأة يد ذات أوعية دموية حمراء داكنة تقريبًا ممسكة بقلب أسود ذابل ينزف منه الدم!.
‘هل ظهر المخلوق المهدد من التابوت البرونزي؟’ قبل أن يتمكن لوميان من تفعيل إجتياز عالم الروح سيطر عليه خوف شديد كما لو يريد منه أن يستسلم وإنحنى إلى الأمام بشكل لا إرادي.
بعد أن قاوم وكافح غريزيًا تراجع مع ألبوس وإلروس ليدخلوا القاعة وفي لحظة تجسد الوهم أمام أعينهم.
“شهد” لوميان القاعة محاطة بلهب أرجواني سريالي يشبه جحيمًا من الأساطير… في قلب النيران الأرجوانية هناك تابوت برونزي أصبح شفافًا كما لو أنه فقد شكله المادي وكشف عن حلقة حديدية سوداء تضغط عليه، الحلقة مغروسة في الأرض وفي وسطها مياه ينابيع لزجة بلا قاع بلون الدم وقد تمايلت فيها القلوب الذابلة والمسودة لأعلى ولأسفل، إمتدت الخصائص من الحلقة الحديدية السوداء حيث جرف البعض حول قاعدة التابوت البرونزي وحفروا فيه بينما إتصل البعض الآخر بالشموع البيضاء، في اللحظة التالية سمع لوميان هديرًا وهميًا مسعورًا وعنيفًا كما لو أنه ينبعث من أعماق الأرض حينها إرتعد عقله وفقد وعيه.
…
في الظلام اللامحدود سمع لوميان الحائر بصوت ضعيف صوتًا مهيبًا لكن الكلمات إستعصت على فهمه وفي ذهوله جاهد لتمييز الصوت.
ترددت أصداء أغنية أورورا الشنيعة وفلوت الرعاة الأثيري في أذنيه.
“أنا إلف الربيع…”.
مع إزدياد وضوح الأصوات تدريجيًا شعر لوميان بحرارة شديدة في كفه الأيمن حيث شدة الإحساس ملموسة تقريبًا ومصحوبة بألم حارق.
‘ألم… ألم!’ خرج لوميان من شروده وفتح عينيه.
أمامه إشتعلت كرة نارية قرمزية أين وجد نفسه محاطًا بإطار معدني وجسده منتصب.
في تلك اللحظة وقف رجل يرتدي عباءات سوداء وله لحية حمراء زاهية جعلته يبدو وكأنه هجين من الإنسان والأسد أمام الإطار المعدني.
أمسك شموعًا ذائبة وضغطها على جسد لوميان واحدة تلو الآخر.
بدون تردد قام لوميان بتنشيط العلامة السوداء على كتفه الأيمن ومع وميض شبحي إختفى من الإطار المعدني مع جزء من الشموع.
تجسد لوميان بسرعة عند مدخل متاهة قلعة البجعة الحمراء الموجودة تحت الأرض.
قام بمسح المناطق المحيطة على عجل وتنفس الصعداء عندما رأى أن كل شيء يبدو طبيعيا.
بدون تأخير قام بإزالة الشمع من جسده وفحص متعلقاته ولدهشته لم تكن العناصر الغامضة الأصلية والعملات الذهبية والأوراق النقدية والمستحضرات المختلفة سليمة فحسب، بل حتى خاصية التجاوز الخاصة بحرفي تماثيل الشمع والقلب المنكمش الذي حصل عليه في القصر تحت الأرض.
‘لم يفتشني أحد؟’ وسط حيرته تطايرت ذكريات مجزأة في ذهنه.
تذكر مشاهد لنفسه وهو يسير بصمت في الظلام بدون مصباحه الكربيدي.
في تلك الصور بدا وجهه جامدًا وهادئًا مثل تمثال الشمع.
في النهاية وصل إلى الغرفة وجلس داخل إطار معدني منتظرًا حرفي الشمع بهدوء.
‘هذا لا يشبهني على الإطلاق…’ فرك لوميان رأسه النابض وإختار صعود الدرج لمغادرة المتاهة الموجودة تحت الأرض.
عاد على الفور إلى غرفة المعيشة في الطابق الأول أين وجد الشاعر إيرايتا يحتسي الأفسنتين بسعادة.
“هل عدت أيضاً؟” تساءل إيرايتا بفضول.
“نعم” أجاب لوميان بعد أن إستعاد رباطة جأشه وإستقر على الأريكة “لقد إنفصلت عنهم”.
عندما إنتهى من الحديث ظهر ألبوس بشعره الأحمر الناري عند باب غرفة المعيشة.
–+–
فصول اليوم…