لورد الغوامض 2: حلقة الحتمية - 428 - الحرق
‘دير القلب المقدس؟ أكبر دير لكنيسة الشمس المشتعلة الأبدية في ترير؟ لماذا ذهب ألبوس ميديتشي إلى هناك؟ هل يمكن أن يكون عميلاً سريًا أرسله المطهرين إلى نظام صليب الحديد والدم؟ أم أن غاردنر مارتن أمره بمراقبة دير القلب المقدس؟’ ظل عقل لوميان متسابقًا بالأسئلة والتخمينات.
ممسكًا بمصباح كربيد تدخل إيرايتا على عجل بمزيد من المعلومات “لدي صديق في دير القلب المقدس وكثيرًا ما أذهب إلى هناك لأشرب معه”.
قال لوميان الذي حول تركيزه للحظات عن ألبوس ميديتشي مازحًا “هل يستطيع رهبان الدير أن يشربوا؟”.
تحرك الإثنان عبر الممر الغامض مسترشدين فقط بالتوهج الأصفر لمصباح الكربيد.
“بالطبع يمكنهم ذلك لكنهم لا يستطيعون تناول المشروبات الكحولية أو السكر رغم أن النبيذ الذي يتم تحضيره في دير القلب المقدس هو أفضل ما تذوقته على الإطلاق” رد إيرايتا بإرتباك.
“هل صديقك راهب؟” سار لوميان بوتيرة معتدلة وتردد صدى خطواته عبر الممر الذي لا نهاية له على ما يبدو.
بدا إيرايتا سعيدًا بالحديث مع سيل ولم يخفي أي شيء “نعم إنه عضو في الأخوية الصغرى برتبة أسقف وساهم في معمودية إبن أخي… لم يعد يحتمل إنغماس رجال الدين في الملذات وإختار أن يصبح راهبًا لذا إنضم إلى دير القلب المقدس ويشرف حاليًا على مصنع الجعة”.
‘أحد أعضاء الأخوية الصغرى دعاة الإعتدال والزهد…’ إستنتج لوميان ذلك وأعاد توجيه حديثهم “كم مرة رأيت أنت وصديقك ألبوس ميديتشي؟ ما هو سبب زيارته لدير القلب المقدس؟”.
“مرة واحدة فقط” تمتم إيرايتا “أنا لا أشغل نفسي بمثل هذه الأمور فلا توجد راهبات هناك لكن عندما إلتقيته رأيته يسير في الممر مع راهب ودخل الجزء الخلفي من الدير”.
‘يبدو أن ألبوس ميديتشي لم يدخل سرًا أو خائفا من إكتشافه…’ إستنتج لوميان هذا من رواية إيرايتا.
وسط بحث الشاعر إيرايتا المستمر عن المواضيع مر الإثنان أخيرًا عبر غرفة تماثيل الشمع المخيفة تاركين وراءهما القاعة ذات الأبواب الغامضة للأمل والجنون والموت.
عادوا إلى درجات القصر تحت الأرض حينها أطلق إيرايتا تنهيدة طويلة من الراحة متذمرا “القصر تحت الأرض خطير للغاية وهناك مخلوقات ذات قدرات خارقة للطبيعة… قادنا بوفر حقًا إلى مغامرة هنا! هل يحاول قتلنا؟”.
‘تم إفسادكم جميعًا بسبب لعب فطيرة الملك عدة مرات أتساءل عما إذا كنت على قيد الحياة حقًا…’ إمتنع لوميان عن الرد المباشر على شكاوى إيرايتا وإختار إظهار إبتسامة مرحة “يبدو أنه كلما كنت أكثر خوفا وتوترا كلما أحببت التحدث أكثر”.
“هذا ما يجعلني أشعر أنني على قيد الحياة” إعترف إيرايتا.
أطفأ مصباح الكربيد عندما خرجوا من تحت الأرض عبر الدرج الحلزوني.
إستدار لوميان إلى الوراء متتبعًا خطواته إلى باب الجنون الذي لم يغلقه عندما غادر.
على الرغم من أنه لم يقترب بعد فإن الضوء الأصفر من مصباح الكربيد جعل تماثيل الشمع يبدون كما لو أنهم ينتظرون في الظلام، توقف لوميان عند الباب وإنحنى ببطء ليضع مصباح الكربيد على الأرض أمامه ثم إستقام ووجه نظره عبر وجوه تماثيل الشمع، تجمدت تعابيرهم من الألم رغم أنهم مغطون بالظلال حينها بدأت الغربان النارية القرمزية تتشكل حوله واحدة تلو الآخر، نظرًا لأن الكونت بوفر قد أظهر سوء نية من خلال قيادتهم إلى أعماق القصر تحت الأرض المحفوفة بالمخاطر – أي شخص عادي سيموت بالفعل – لم يعد هناك سبب لإظهار أي مجاملة لأحد أفراد عائلة ساورون وصاحب قلعة البجعة الحمراء!.
خطة لوميان واضحة ومباشرة: إشعال النار في تماثيل الشمع.
لهذا عدة أغراض: أولاً سيساعد في هضم جرعته وثانيًا يمكنه القضاء بشكل إستباقي على التهديدات المحتملة ومنع تماثيل الشمع من العودة إلى الحياة والهجوم في لحظة حرجة، أخيرًا يمكن أن يخلق حالة من الفوضى من شأنها أن تعطل خطة الكونت بوفر السرية مما يزرع الشك والإرتباك لمزيد من الإستكشاف.
الفوضى غالبا ما خلقت الفرص…
بحركة سريعة أطلق موجة من الغربان النارية القرمزية التي إندفعت نحو تماثيل الشمع.
بعد إرسال مجموعتين من غربان اللهب سقط لوميان على ركبة واحدة بينما يضغط يديه على الأرض ومن كفيه إنزلقت الثعابين المشتعلة لتشق طريقها عبر كومة التماثيل الشمعية، تبع ذلك نشاز من الإنفجارات حيث تحطمت رؤوس تماثيل الشمع وإشتعلت النيران في أطرافها السفلية مما أدى إلى خلق قفص من اللهب القرمزي، ذاب الشمع الأبيض الذي يتكون من أجسادهم بسرعة وتحول إلى قطرات سائلة أو أصبح لينًا ومتفتتًا مما جعلهم هشين تحت الهجوم المزدوج للإنفجار والإحتراق.
تحطم!.
تفككت “العضلات” الموجودة على أحد التماثيل الشمعية تمامًا لتكشف عن وجه جديد.
وجه بشري!.
إنسان فقد عينيه ومات منذ فترة طويلة بوجه مليئ بالألم!.
بصمت ذابت المزيد من تماثيل الشمع وإنهارت بدون إستثناء ليتضح أن هناك جثة بشرية داخل كل واحد منهم.
من بين الجثث المغطاة في تماثيل الشمع هناك رجال ونساء بعضهم بلحم وجلد مكشوف والبعض الآخر برؤوس وأجساد يبدو أنها تم خياطتها معًا بشكل فظ بعد الموت.
لدى البعض معدة مفتوحة وأمعاءهم متشابكة ومملوءة بالشمع الأبيض مما خلق مشهدًا بشعًا…
القاسم المشترك بينهم جميعًا هو تعبير الألم المحفور على وجوههم كما لو أنهم عاشوا أهوالًا لا توصف أو ظلوا محاصرين في أحلك الكوابيس، لاحظ لوميان تحول الشمع المنصهر إلى سائل لزج يتسرب من وجوه البشر المتوفين كما لو أن هذه النفوس المعذبة تبكي دموع الإرتياح عندما واجهت أحضان النيران المطهرة.
‘يوجد داخل التماثيل أناس حقيقيون في الواقع…’ لوميان الذي حصل على نصيبه العادل من المشاهد المرعبة لم يستطع إلا أن يتوتر ويشعر غريزيًا بالإشمئزاز والخوف.
عرف أخيرًا أين ذهب الناس العاديون من قلعة البجعة الحمراء الذين أصيبوا بالجنون وشوهوا أنفسهم في كوابيسه، وقف لوميان على قدميه ممسكًا بمصباح الكربيد حيث إندلعت النيران القرمزية من جسده وتحولت إلى نيازك مشتعلة، إنتشرت في كل ركن من أركان الغرفة المليئة بالتماثيل الشمعية لتحولها إلى جحيم.
بدأ الشمع الأبيض يحترق بشدة ويتغذى على نفسه لدرجة أنه لم يعد هناك مكان لتأكله النار.
عكست عيون لوميان اللهب القرمزي والدموع الشمعية اللزجة على وجهه الشاحب ولم يحول نظره بل راقب بإهتمام، في تلك اللحظة إكتسب فهمًا جديدًا لقدراته في إفتعال الحرائق حيث أصبح مبدأ التمثيل الثالث الذي ظل غامضا في السابق واضح.
أحدث مهووس الحرائق الفوضى وتسبب في كارثة مطلقة! أما بالنسبة لمفتعل الحرائق فيمكنه عن طيب خاطر إطلاق العنان للكوارث والدمار على أي شخص! تمنى لوميان بشدة أن تبتلع النيران الهراطقة وأولئك الذين أصيبوا “بالجنون” ولا يمكنهم إلا إيذاء الآخرين!.
بعد أن دمج لوميان أفعاله المختلفة في هذا المبدأ أصبح لديه إحساس واضح بشكل غير عادي بأن جرعة مفتعل الحرائق الخاصة به قد تم هضمها بالكامل، حتى أن بإمكانه سماع صوت تحطم وهمي ومع سلسلة من الضربات سقطت الجثث الهامدة بعد تجريدها من دعامتها الشمعية واحدة تلو الآخر على الأرض.
تراكموا وأحرقوا بقوة أكبر لكن فجأة إنفتح الباب الخشبي من المخرج المقابل لغرفة تماثيل الشمع.
وقف حرفي تماثيل الشمع بلحيته الكثيفة وشعره الذي يشبه الأسد البشري أمام لوميان.
عيناه السوداء الحديدية مشوبة بالقرمزي بسبب النيران التي إرتفعت نحو السقف وبدا صوته أثيريًا متسائلا “لماذا… أشعلت النار في تماثيل الشمع الخاصة بي؟”.
لم يرد لوميان بدلا من ذلك قام بتنشيط العلامة السوداء على كتفه الأيمن.
إجتياز عالم الروح!.
ومض ضوء طيفي داخل ملابسه وتجسد شكله بسرعة بجوار حرفي تماثيل الشمع في نفس الوقت تقريبًا فرق لوميان شفتيه.
“ها!”.
إنطلق ضوء غازي أصفر شاحب من فمه وضرب رأس حرفي تماثيل الشمع.
تمايل الحرفي الذي يرتدي رداء أسود رمادي بعد أن فقد توازنه للحظات كما لو أنه خضع للإختراق نفسي وأصبح في حالة صدمة ناجمة عن الألم، لم يعتمد لوميان فقط على تعويذة هارومف بل رفع كفه الأيسر المجهز وألقى كرة نارية قرمزية مضغوطة بإحكام بطبقات في فم وأنف الحرفي بإستخدام اللهب.
تحولت الكرة النارية تدريجيًا إلى اللون الأبيض ودخلت إلى فم الهدف وأنفه لتغزو دماغه.
إنفجار!.
إنفجرت الكرة النارية البيضاء المشتعلة من الداخل إلى الخارج بينما يراقب توسع رأس حرفي تماثيل الشمع بسرعة قبل أن ينفجر، إنفجر اللحم والدم المشتعلان حينها قام لوميان المستعد بالفعل بحماية وجهه بمصباح الكربيد في يده اليمنى تاركًا ظهر يده يلطخ بالدم.
بصوت إرتطام تمايل حرفي تماثيل الشمع مع بقاء نصف صغير فقط من رأسه وإنهار على الأرض.
وجد لوميان الذي أعد سلسلة من الهجمات بدقة نفسه متفاجئًا للحظات لم يكن يتوقع أن يحل الوضع بهذه السهولة، توقع أن صانع تماثيل الشمع الغامض قد يشكل تحديًا هائلاً لذا أعد نفسه “للإنتقال الآني” على الفور إذا سارت الأمور نحو الأسوأ، من الجدير بالذكر أن تمثال الشمع الذي تم إحيائه سابقًا أكثر روعة من هذا الحرفي… مجرد وجوده له تأثير كبير على جسد لوميان وعقله ما جعله غير قادر على المقاومة.
‘هل يمتلك القدرة الفريدة على إنشاء هذه التماثيل الشمعية لكنه يفتقر إلى القوة الكامنة؟ أم أنه بحاجة إلى إستخلاص القوة من قصر عائلة ساورون الموجود تحت الأرض لإعادة هذه الأشكال الشمعية المهددة إلى الحياة؟، ربما هجومي سريع جدًا ولم يترك له الوقت للرد فقد هلك على الفور قبل أن يتمكن من الإستفادة من أي قوة خارجية؟’ حدق لوميان في حرفي تماثيل الشمع وقام بتقييم الوضع.
…
– في أعماق القصر تحت الأرض ضمن قاعة مزينة بالشموع البيضاء:
بوفر ساورون الجالس في الزاوية فتح عينيه فجأة وثبت نظره على التابوت البرونزي الموجود في وسط الغرفة، حول التابوت إنطفأت شموع عديدة بشكل غريب دون سابق إنذار حينها وقف بوفر على قدميه بتعبير ملتوي قليلاً في حالة من الذعر.
…
عند الخروج من غرفة تماثيل الشمع شهد لوميان إشعاعًا قرمزيًا ينبعث من جسد الحرفي.
في البداية إرتفع اللمعان نحو الرأس ولكن لم يبق سوى جزء صغير من رأسه نتيجة لذلك إنتقل إلى صدره لكنه لم يتبدد.
شعر لوميان بمسحة من المفاجأة وقام بتمزيق الرداء الأسود الرمادي للحرفي كاشفا عن صدره.
وجد جرح أسود اللون والمساحة التي من المفترض أن يوجد فيها قلبه جوفاء!.
‘القلب مفقود… ذكرت إلروس أنه يجب إرسال قلوب أفراد عائلة ساورون إلى عمق القصر تحت الأرض…’ أدرك لوميان بشكل غامض السبب وراء الطبيعة الهائلة والهشة لحرفي تماثيل الشمع.
في النهاية إندمج الضوء القرمزي في كيان أثيري مع عدد لا يحصى من الأخاديد يشبه الدماغ المنكمش بلون الدم، غير متأكد من أهميتها خبأها لوميان بعيدًا وخرج بينما تستمر ألسنة اللهب في الغرفة بالإشتعال ولكن لسبب غير معروف لم تتمكن من الإنتشار.
…
– في قاعة الأعمدة الحجرية حيث حدثت المواجهة مع العنكبوت الأسود:
لاحظ ألبوس وإلروس عودة لوميان حاملاً مصباحًا من الكربيد ينبعث منه وهج أصفر خافت.
في نفس الوقت تقريبًا لاحظوا وجود بقع من الدم على جسده.
“هل قتلت الشاعر؟” سأل ألبوس مستمتعًا.
هز لوميان رأسه وأجاب بهدوء “لقد قتلت الذي يصنع تماثيل الشمع”.
–+–