لورد الغوامض 2: حلقة الحتمية - 424 - المتاهة تحت الأرض
‘ألبوس ميديتشي…’ كرر لوميان الإسم لنفسه بينما ينظر إلى عضو نظام صليب الحديد والدم الذي ظهر فجأة.
أثناء إجتماع غاردنر مارتن لم يكشف ألبوس عن إسمه الأخير مطلقًا ولم يقدمه غاردنر مارتن أبدًا الآن أعطى إسمه الكامل لبوفر ساورون.
‘هل يحاول أن يجعل الأمر أكثر واقعية؟’ إجتاحت نظرة لوميان وجه ألبوس.
أدرك أنه عندما ذكر الكونت بوفر لقب ميديتشي لم يخف سخريته على الإطلاق كما لو أنه يسخر من أحد أفراد عائلة ساورون.
“سيل دوبوا” مد لوميان يده اليمنى وقدم نفسه بأدب.
صافح ألبس يده بشكل عرضي مع إبتسامة واضحة في عينيه “سمعت إسمك من قبل راعي الفن الكريم” وشدد عضو منظمة صليب الحديد والدم على “الكريم”.
“يعود الفضل في ذلك بشكل رئيسي إلى الراعي خاصتي” قال لوميان بمغزى مزدوج.
في آذان الضيوف الآخرين يشير إلى والده – عائلته الثرية – لكن بصفته عضوًا في نظام صليب الحديد والدم أدرك ألبوس الرسالة الدقيقة.
تبادل بوفر ساورون بعض المجاملات مع لوميان قبل أن يرافقه إلى الأريكة.
أصبح التجمع حميميًا مع وجود وجوه مألوفة في كل مكان بما في ذلك إبنة عم بوفر إلروس والروائي أنوري والرسام مولين والناقد إرنست يونغ والشاعر إيرايتا.
بعد إجراء بعض المحادثات غير الرسمية وتناول الوجبات الخفيفة المصحوبة بالشاي الأسود نظر الكونت بوفر حوله وإقترح بإبتسامة ماكرة “ما رأيكم في أن نبدأ مغامرة اليوم؟”.
“مفامرة؟” رفع ألبوس حاجبه ولم يستطع مقاومة قول سخرية مرحة “مغامرة في غرفة النوم؟”.
تلميحه واضح لأن قلعة البجعة الحمراء فسيحة بحيث تتسع لأحد أفراد الأسرة الرئيسيين مع مئات الجنود في ذروتها إلا أنها بالكاد تبدو مكانًا مناسبًا للمغامرة… هل من المفترض أن يعيدوا تمثيل مغامرة شبيهة بمغامرة ترير تحت ملاءات غرفة النوم الفخمة؟.
خففت الدعابة الجو بينما يتنحنح بوفر ساورون قبل أن يتابع “ربما لا تعلم لكن قلعة البجعة الحمراء تضم منطقة واسعة تحت الأرض لأنه في عصر بنائها إعتبرت وظيفتها الأساسية هي الحرب، عليها أن تتباهى بقبو كهفي ونفق للهروب خلال المواقف العصيبة وإلا فسيتم إعتبارها غير كافية، على مر القرون قام أسلافي بتوسيع وتعديل الأرض في الأسفل وتحويلها إلى متاهة تشبه شيئًا من قصص الرعب، على الرغم من أنني نشأت في قلعة البجعة الحمراء إلا أن معرفتي بهذا المكان تقتصر على المناطق التي أستخدمها بشكل متكرر، هدفنا اليوم هو المغامرة في عمق هذه المتاهة الجوفية وتحديد موقع تاج الكونت الذي وضعه أحد أسلافي في غير مكانه بإحدى غرفها، التاج مزين بالعديد من الياقوت مما يجعل من السهل تمييزه والشخص الذي يستعيده سوف يتوج ملكًا اليوم”.
‘في أعماق المتاهة تحت الأرض…’ ومضت المشاهد فجأة في ذهن لوميان.
الأشخاص الذين يقومون بتشويه أنفسهم بإستمرار في قلعة البجعة الحمراء… صرخات مجهولة المصدر… تابوت من البرونز محاط بعدد لا يحصى من الشموع البيضاء… كف ذو أوعية دموية حمراء داكنة وسوداء تقريبًا… قلب أسود ذابل تتسرب منه قطرات من اللون القرمزي… يبدو أن هذه الأشياء الأخيرة مخبأة في مكان ما بأعماق القاعة تحت الأرض!.
في لحظة فهم لوميان خطورة الإقتراح فهذا هو تحقيق بوفر ساورون!.
لقمع الرغبة في مسح محيطه وربما إلقاء نظرة على غاردنر مارتن المختبئ حول لوميان إنتباهه إلى ألبوس ميديشي.
نقر عضو نظام صليب الحديد والدم على لسانه وضحك “يبدو الأمر مثيرًا للإهتمام هذه لعبة للشجعان!”.
الأمر يهدف إلى تهدئة أي شكوك أو تردد بين المجموعة فإن القيام بذلك يعني: أولئك الذين يرفضون المشاركة هم مجرد جبناء!.
إنتهز الكونت بوفر الفرصة ليطمئنهم قائلاً “لا تقلقوا إذا ضللتم الطريق فما عليكم سوى سحب حبل الجرس الموجود في غرفتكم وسيتم إرسال الخدم للبحث عنكم وإعادتكم”.
“لا مشكلة” قال أنوري الروائي القصير السمين ساخرًا وفي عينيه بريق ماكر “إنني أتطلع بشدة إلى حدوث شيء ما ففي نهاية المطاف سيوفر لي ذلك مادة ممتازة لكتابتي”.
“مثل اليوم الأخير لأنوري؟” مازح لوميان.
بعد أن حضر العديد من التجمعات التي إستضافتها منظمة القط الأسود الفنية أدرك لوميان جيدًا السخرية الفريدة للروائي أنوري والشاعر إيرايتا، من المحرمات لدى أنوري مدح زملائه المؤلفين بينما أثير غضب إيرايتا من الحقائق الإجتماعية الحالية في إنتيس.
أخذ أنوري رشفة من الشاي الأسود وتمتم “هؤلاء العجائز القدامى من كلية إنتيس للفنون سيحبون هذا الموضوع تمامًا”.
لم ير الكونت بوفر أي إعتراضات لذا نهض من مقعده وخاطب الضيوف المجتمعين “دعونا ننقسم إلى مجموعتين ونبدأ هذه المغامرة سننطلق بشكل فردي على طول الطريق حيث ستتبعني مجموعة وسترافق الأخرى سيل، هذا يشمل جميع الأفراد الذي أصبحوا ملوكا في الأشهر الثلاثة الماضية الأن أولئك الذين يرغبون في الإنضمام إلى سيل إرفعوا أيديكم”.
“أنا!” ألبوس ميديتشي أول من رفع يده.
توقع لوميان منه أن يتبع بوفر ساورون عن كثب لإكمال مهمة نظام صليب الحديد والدم.
بدا الكونت بوفر غير منزعج كما لو أن هذا هو المسار المتوقع للأحداث.
الشخص الثاني الذي رفع يده هي إلروس إبنة عم المضيف.
بشعرها البني الطويل وملامحها الناعمة وعينيها البنيتين اللامعتين إبتسمت للوميان وقالت “كنت دائمًا رفيقة السيد سيل في الماضي ولا أرى أي سبب لتغيير ذلك الآن”.
أومأ لوميان ورد لها الإبتسامة مدركا أنه تحت مظهرها الشاب تمتلك إلروس تعقيدًا يكذب براءتها.
في أحد أحلامه المزعجة معظم المشاركين في لعبة فطيرة الملك إنحدروا إلى الجنون مما أدى إلى إيذاء أنفسهم أو الآخرين.
لم يتأثر سوى ثلاثة أفراد: لوميان نفسه وبوفر ساورون والآنسة إلروس.
لم يكن بوسع لوميان إلا أن يتساءل عن دوافعها الحقيقية لإختيار مرافقته إلى المتاهة تحت الأرض.
ثالث من رفع يده هو الشاعر إيرايتا الذي أمسك غليون خشب الكرز الخاص به وقدم سببًا مباشرًا “إنه كفيلي!”.
الضيوف الباقون بما في ذلك الروائي أنوري والرسام مولين والناقد إرنست يونغ شكلوا فريقًا مع بوفر ساورون، غادروا غرفة المعيشة المريحة ليجدوا أنفسهم واقفين بجوار تمثال مدرع بالكامل وبعد نزولهم السلالم القريبة المصممة لشخصين للسير جنبًا إلى جنب غامروا بالدخول إلى أعماق القلعة، لاحظوا جدران السلم المرقطة بلون أبيض مائل للرمادي بينما يشقون طريقهم نزولاً إلى باطن الأرض حيث أصبحت المناطق المحيطة هادئة بشكل متزايد.
بعد إجتياز حوالي ثلاثة طوابق وصل لوميان ومجموعته إلى مدخل المتاهة تحت الأرض.
تمت إضاءة الممرات بواسطة العديد من مصابيح الحائط بعضها متصل بأنابيب الغاز بينما البعض الآخر بتصميم أكثر كلاسيكية مع شموع مشتعلة بشكل مشرق، حدق لوميان في السقف ولاحظ الطوب الحجري الأسود المائي أعلاه يكتنفه الظلام مع شقوق واضحة على السطح تظهر علامات التقشير.
أعلن بوفر الذي أخذ مصباح الكربيد من الحائط وقاد فريقه إلى أسفل الممر الموجود في أقصى اليسار “دعونا نختار هذا”.
بعد إعداد مصباح الكربيد سار لوميان غريزيًا عبر الممر للأمام دون تردد فقد إعتقد أنه في مثل هذه البيئة سيؤدي البحث المنهجي إلى إغفال شيء مهم، من خلال الإعتماد على تقارب خصائص التجاوز وهالة إمبراطور الدم المخفية إعتقد أنه سيعثر على شيء ذي قيمة.
“ما هو سبب إختيارك هذا الطريق؟” بدا تعبير ألبوس ميديشي منزعجًا بعض الشيء.
“أنا أؤمن بالقدر” رد لوميان بتلميح من اللامبالاة.
“أنا أحب هذا السبب” أعطت إلروس إبتسامة باهتة.
أخذ الشاعر إيرايتا نفخة من غليون خشب الكرز وأضاف “أنا أؤمن بذلك أيضًا ولكن فقط إذا كان القدر يميل لصالحي”.
توغلت المجموعة الرباعية في عمق الممر وواجهت ما يبدو أنها غرف تخزين على طول الطريق.
سرعان ما وصلوا إلى قاعة ذات إضاءة خافتة ولها ثلاثة أبواب كل منها يحمل كلمة واحدة باللغة الفيزاكية القديمة: الأمل والموت والجنون.
تخلى لوميان عن التفكير العميق عند هذه النقطة وبدون تردد سار نحو باب الجنون ثم دفعه بلطف لفتحه، عندما فُتح الباب جزئيًا غطى الظلام الغرفة وتسرب ضوء المصباح الكربيدي إلى الداخل ليكشف عن مشهد غريب، تماثيل شمعية نابضة بالحياة في جميع أنحاء الغرفة من رجال ونساء مزينة بملابس عادية أو رائعة مع تعابير ملتوية من الألم.
“ليس سيئًا” علق ألبوس بينما يربت بإزدراء على وجه تمثال الشمع بيده اليمنى.
“ألم تعلمك والدتك الأخلاق؟” نظرت إلروس إليه.
“ليس لدي أم” ضحك ألبوس.
تفاجأت إلروس للحظات ولم تكن متأكدة تمامًا من كيفية الرد على هذا البيان.
في الخلفية تحدث الشاعر إيرايتا بلمسة من الإعجاب “في الماضي عندما سرت شائعات عن تورطي في علاقة غرامية مع أرملة نشرت شائعات أخرى مفادها أنني إختطفت إبنة عضو البرلمان ويشتبه في قيامي بقتل تاجر، حتى أنني وجدت نفسي متورطًا في شائعات تتعلق بفطائر اللحم البشري وإختفاء جيراني في ظروف غامضة، طالما أنني لا أهتم بسمعتي وأقوم بتشويهها فلا يمكن لأحد أن يقف على أرض أخلاقية عالية ويوجه أصابع الإتهام إلي”.
‘كما هو متوقع من الشاعر…’ مدح لوميان داخليا.
أمسك بمصباح الكربيد وقاد الطريق عبر الغرفة المليئة بتماثيل الشمع بهدف الخروج من النهاية البعيدة.
بدت الأشكال الشمعية المضاءة بالضوء الأصفر الخافت لمصابيح الحائط التي تعمل بالغاز كأنها نابضة بالحياة بشكل مثير للأعصاب.
يبدو أن أعينهم تتبع لوميان ورفاقه مما يخلق جوًا غريبًا ومقلقًا.
لم يتمكن لوميان من نسيان ذكرى تمثال الشمع السابق الذي عاد إلى الحياة وهاجمه.
لم يستطع إلا أن يشعر أن أيًا من هذه الشخصيات يمكن أن تنبض بالحياة فجأة وتندفع نحوه.
كسر ألبوس ميديتشي الصمت الذي لا يوصف وتحدث بنبرة مريحة مخاطبًا إلروس “أنت إبنة عم بوفر وإسمك الأخير ليس ساورون أليس كذلك؟”.
“أنت على حق” إعترفت إلروس بصراحة.
“إلى أي عائلة تنتمين؟” سأل ألبوس عرضًا.
أدارت إلروس رأسها لتنظر إلى ألبوس ميديشي ثم إلى لوميان بإبتسامة “إسمي الكامل هو: إلروس إينهورن”.
–+–