89 - لم يحدث شيء
هبت الرياح في الخارج، شبه صامتة. سمح لوميان لأفكاره بالتجول في هذه الحالة الهادئة بينما لفت أسئلة غريزيا في ذهنه.
‘لا يزال هناك ضوء في الممر. يجب أن تكون ليا مستيقظة، تقرأ مجموعة كتب أورور…’
‘ظلمة كاملة تغطّي غرفة نومي. يجب أن يكون فالنتين مستريحًا في السرير. أتساءل ما الذي يفعله ريان…’
‘هيه هيه، لم يحضروا أي كحول في زيارتهم الأولى. ليس لديهم أدنى فكرة عن عادات داريج…’
‘إذا رفعت الحلقة، يمكن لأختي الكبرى أن تصبح مخبرة للمكتب 8. عندما يحين الوقت، لن تضطر للقلق بشأن أي تحقيقات إذا ذهبت إلى ترير… بالنسبة لي، لست بالحاجة إلى الخضوع لأي اختبارات خاصة كمخبر، أليس كذلك؟’
‘الآن لدينا نظرية كاملة عن القضية بأكملها. الشيء الوحيد الذي لا يمكننا التأكد منه هو دور البومة والمشعوذ الميت في الضريح…’
‘إذا قاموا بسحر الأب والبقية، متسببين في حدوث الشذوذ لتحقيق هدف ما مع طقس الليل الثانية عشرة، فلماذا لم يفعلوا شيئًا سوى مراقبة تقدمي في استكشاف أنقاض الحلم؟’
‘أيمكن أنهم، كالسيدة بواليس، ينتظرون وقتًا محددًا أو الطقسي الليلة الثانية عشرة، بهدف إكمال الجزء الذي تم التدخل فيه؟ أذلك هو سبب عدم رغبتهم في أي تغييرات بالحلقة وإعادتها في وقت مبكر؟’
‘أفعالهم بدورها تثبت أن مفتاح الحلقة يكمن معي. لذلك السبب حاولوا مرارًا وتكرارًا تأكيد مدى استكشافي لأنقاض الحلم…’
‘إذا قمت بفتح سر الحلم قبل حلول الليلة الثانية عشرة وأتقنت التحكم في الفساد، فهل سيتجاهلون إمكانية إعادة الدورة في وقت مبكر ويهاجمونني لاحتجازي؟’
‘نعم، من المحتمل جدًا أنهم ما زالوا يحتفظون بذكرياتهم…’
بينما تسارعت كل أنواع الأفكار عبر ذهنه، سمع لوميان فجأةً ضجة خافتة.
”باااع!”
كان ثغاء خروف، وكأنه من مكان بعيد.
فكر لوميان على الفور في الأشخاص الثلاثة اللذين تحولوا إلى خراف والراعي بيير بيري.
‘لا تخبرني أنه يريد حقًا مهاجمتنا في عمق الليل؟’ وقف لوميان واستمع بشدة.
خارج النافذة لم يوجد إلا صوت الريح عبر الأوراق والأغصان. لا ثغاء.
بدا وكأن لوميان قد إنغمس في أفكاره لدرجة أنه بدأ يهلوس.
لكنه لم يظن ذلك لأنه شعر بحرارة طفيفة في صدره الأيسر.
بدا وكأن رمز الأشواك السوداء قد ظهر مرةً أخرى!
عنى ذلك أن قوة غير مرئية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالوجود الخفي قد غزت الغرفة بهدوء.
لم يمتلك لوميان وقت للتفكير. هرع إلى السرير وهز أورور.
“استيقظي! استيقظي!” صرخ بصوتٍ خافت.
لقد قلق غريزيا من أن ليا، ريان وفالنتين سيشعرون بشيء خاطئ معه.
فتحت أورور عينيها، عيناها الزرقاء الفاتحة، غير مركزة بوضوح.
“ما هي الساعة؟” سألت بصوت ضعيف. من الواضح أنها كانت لا تزال غير مستيقظة تمامًا.
“هناك موقف،” قال لوميان بشكل حاسم، قبل أن يواصل، “التاسعة والنصف.”
كانوا واحدة من العائلات القليلة في القرية التي إمتلكت ساعة حائط.
انفتحت عيون أورور بسرعة. قفزت منتصبة، ألقت يدها اليمنى، ودلكت صدغيها.
لم يكن لديها الوقت لإعتبار ما قد تراه ولا ينبغي لها أن تراه.
إذا لم تتمكن من تحديد الحالة الشاذة وتأكيد المشكلة في أسرع وقت ممكن، فقد لا تحتاج للقلق بشأن رؤية أي شيء مرةً أخرى. لم يمتلك الموتى أي حاجة للعيون!
قامت أورور بمسح الغرفة، ونظرتها مظلمة كما لو كانت تعكس أضواء وظلال غريبة لا توصف.
انتهز لوميان الفرصة ليخبر أخته عن ثغاء الأغنام الذي سمعه من بعيد والحرارة التي اندلعت في رمز الأشواك السوداء على صدره.
عبست أورور. “لكنني لم أكتشف أي شيء.”
“لا يزال الحرق في صدري باقي،” قرقرة لوميان.
شعر بالرعب بشكل غير مفهوم. لم يكن الظلام من حوله بسيط. لقد كمن خطر لا يوصف.
فحصت أورور كل ركن من أركان الغرفة، محاولةً العثور على المجهول.
في صمت، تعرق لوميان ببرودة- تناقض صارخ مع الحرارة الحارقة في صدره الأيسر.
إعتبر للحظة وقال، “لماذا لا نخبر ريان والآخرين؟ لربما يمكنهم العثور على شيء ما “.
تأملت أورور، ثم أومأت برأسها.
“استخدم إحساسك المفاجئ بالخطر الوشيك كذريعة.”
“حسنا.” فتح لوميان فمه، على وشك الصراخ في الخارج – ثم تجمد.
“ما الأمر؟” سأل أورور، قلقة.
عبس لوميان. “الحرارة في صدري تخفت بسرعة.”
بمعنى أن رمز الأشواك السوداء قد كان ‘يتلاشى’ بسرعة.
“الخطر الذي يغزو غرفتنا قد غادر؟” تأملت أورور. “لأننا أعددنا أنفسنا له، لم يفعل شيئ؟”
“ربما.” التفت لوميان إلى الممر وصرخ، “هناك خطأٌ ما!”
ظهر ريان في المدخل في غمضة عين، تبعته ليا، ثم فالنتين، الذي بدا وكأنه قد تم إيقاظه من النوم.
دون انتظار أن يُسأل، روى لوميان ما حدث، مستخدمًا إحساسه بالخطر بدلاً من الحرق في صدره.
استمع ريان باهتمام، ولم يشك في أن هذه قد كانت هلوسة من لوميان. تنهد،
“من المفيد حقًا التناوب في مراقبة ليلية.
“في الغالب تكون مملة، ولكن إذا أنقذت الجميع، فتكاد تكون مسألة حياة أو موت.”
بينما تحدث، استحضر بريق شروق الشمس من حوله، لافا حول كل غرفة في الطابق الثاني.
على الرغم من أنه لم يستطع العثور على القوة الشريرة إستطاع على الأقل أن تقديس البيئة.
…
تحركت ليا في الأرجاء، تتمتم تحت أنفاسها. رن حجابها وأحذيتها بشكل ينذر بالسوء، ثم سكتت بشكل مفاجئ.
أخيرًا، قالت لأورور ولوميان، “كان الوضع صعبًا الآن. علاوةً على ذلك، أيًا ما قد كان، فقد إستطاع منع التحفة الأثرية المختومة من إعطائي أي تحذير. أخشى أن هذه الأجراس الغبية لن ترن إلا بمجرد أن يبدأ ذلك الشيء في استهداف شخص ما. لكنه غادرت الآن”.
“حسنًا، ذلك مطمئن.” تنهدت أورور بارتياح.
“ربما لم يكن مخلوق واحد.” إرتاح لوميان وابتسم. “يمكن أنه قد كان أكثر من واحد.”
التزم ريان والآخرون الصمت.
“ذلك أسوأ!” إنفجرت أورور على لوميان وقالت للمحققين، “الآن بعد أن انتهى الإنذار، فلنعد إلى جدولنا الزمني.”
لم تذكر من قد تسلل لمهاجمتهم. لقد وجدت الكثير من الاحتمالات: الراعي بيير بيري، الجثة المجهولة في القبر، أو نائب الأب الغريب.
بدون أدلة قوية، فإن الإفتراضات ستضيع الوقت. من الأفضل الانتظار حتى ضوء النهار.
في الوقت الحالي، لم يكن عليهم إلا تذكر أن الليل قد حمل خطر حقيقي. لقد إستهدفهم شخص ما، لذلك عليهم البقاء في حالة تأهب قصوى.
بمجرد أن ذهبت ليا والآخرون إلى غرفهم، نظر لوميان إلى ساعة الحائط وسأل أورور، “هل تريدين النوم أكثر قليلاً؟”
“مستحيل، الاستيقاظ والنوم في هذا الوقت المتأخر مريع.” مدت أورور ذراعيها بعيدا. “أرغه، فقط للتعامل مع حالات الطوارئ، حصلت على هذا الفستان مع جيوب لمكونات التعاويذ والأشياء المفيدة. لم أجرؤ حتى على التدحرج، خائفةً من أن أطعن نفسي. لقد نمت مثل اللوح”.
…
وبينما تحدثت، قفزت من على السرير ومضت نحو النافذة. سحبت الستائر وأطلت للخارج.
كانت كوردو صامتة. لا تزال العديد من المنازل مضاءة.
“اعتقدت أن تلك البومة ستأتي بعدنا بالتأكيد، ولكن لا توجد علامة على ذلك.” قامت أورور بمسح المنطقة وشرحت لـلوميان.
أومأ لوميان.
“كان ذلك تخميني أيضًا.”
ثم انحنى إلى الداخل وهامس بكل ما توصل إليه لأخته.
“ليس سيئًا”. قالت أورور بابتسامة، “أنت تتحسن في تحليل المواقف. ليس لدي ما أضيفه”. توقفت. “لكن لا يمكننا أخذ الأمور بأيدينا. ذلك القبر خطير للغاية…”
في هذه المرحلة، صاحت، “في الفجر، سنقوم بزيارة السيدة بوليس ونخبرها بنظريتك. دعها تعرف أن دوافع المشعوذ والبومة قد تؤثر على هروبها من هذه الحلقة الزمنية في تلك اللحظة المهمة”.
“سأذهب بنفسي”. قال لوميان، لم يريد من أورور ان تذهب لأي مكان قريب من السيدة بواليس التي حملت افكار عليها
لم تجادل أورور. ذكّرته فقط، “انتبه لظهرك. لا تغضبها، وإلا…”
نظرت إلى بطنه بشكل كإشارة.
تنهدت أورور وقالت، “الحقيقة هي أن السيدة الغامضة في الحانة القديمة أقوى بشكل واضح، لكنها لا تريد أن يكون لها أي دخل بشأن هذه الحلقة الزمنية. لن تساعدنا بالتأكيد في التحقيق من ذلك القبر”.
“نعم”. وافق لوميان.
ثم قال، “مع ذلك، سأذهب إلى الحانة القديمة غدًا لأرى ما إذا كان بإمكاني أن أصادفها. ماذا لو غيرت رأيها؟”
“ليس هناك مشكلة.” لم تعترض أورور.
تجاذبوا أطراف الحديث بنبرة هادئة حتى منتصف الليل.
بعد إعفاء لوميان لمنصبه مع ليا في غرفة الدراسة، عاد إلى غرفة أورور. استلقى بجانب أخته، مستنشقا رائحتها المألوفة وغرق في الفراش الناعم. استعصى عليه النوم.
“ما الخطب؟” سألت أورور، ملاحظةً توتره.
“لست معتادًا على هذا فقط”. قال لوميان بحذر.
شخرت أورور.
“ما الذي حدث لـلوميان الجريء الذي أعرفه؟”
لم يرد لوميان. زفرت أورور ببطء وابتسمت.
“أتذكر عندما بدأت في تتبعي لأول مرة؟ كنت خائفا من أنني سأهرب ورفضت النوم في الليل. لقد كنت يقظًا للغاية”.
“نعم أتذكر.” انجرف لوميان إلى الماضي. “في ذلك الوقت، كنت ستهمهمين بتهويدة، وتتركينني أغفو على صوتك.”
بمجرد أن غادرت الكلمات شفتيه، وصل لحن مألوف إلى أذنيه. كان خفيفًا ومهدئًا، لقد هدأ جسده وعقله.
متكئة على السرير، حدقت أورور في الظلام القرمزي أمامها. دندنت التهويدة من مسقط رأسها، ناعمة وحزينة.
كانت أغنية دندنتها والدتهم عندما كانت أورور طفلة، تدفعها للنوم.
“اذهب إلى النوم، اذهب إلى النوم…”
ضائع في اللحن اللطيف، هدأ لوميان تدريجياً وانزلق للنوم.
استيقظ لوميان وسط ضباب رمادي خافت.
قام بفحص الغرفة وأدرك أنه لم يكن في غرفة أخته. كان لا يزال في غرفته الخاصة.
~~~~
إستمتعوا~~