79 - المُعاني
بإستشعار الضوء يخفت، فتح لوميان عينيه على عجل.
إستلقى الرداء الأسود متفحمًا على المذبح، مقاوما ألسنة اللهب الذهبية التي لعقت حوافه. ومع ذلك، كان لا يزال يكافح من أجل الوقوف، كمية ملعونه ترفض الموت.
ومضت الوجوه الشفافة لرايمون والآخرين مختفيةً وظاهرة، أشباحٌ محاصرةٌ بين حاضرٍ ومستقبلٍ مدمر.
“إنزلوا!” صرخ ريان.
سقط لوميان دون تردد. لو وجد وقت، لكان قد ألقى بنفسه على الأرض مباشرةً.
ليا وفالنتين كانا متأخرين بنبضة، متعثرين للنزول.
في نفس اللحظة، أغرق ريان سيف الفجر في قلب المذبح، مخترقا الثوب.
في صمت، تحطم السيف في عاصفة من الضوء المتلألئ، ممزقةً المذبح.
عندما إختفى الإشعاع، أطل لوميان ليجد المذبح خرابًا، تقلص بمقدار الثلث. اختفت الشموع، الأشواك والقماش الأسود، مطحونة في غبار يطفو على الهواء.
‘قوة صادمة…’ فكر لوميان في هذه الضربة منذ اليوم السابق.
“كل شيء على ما يرام؟” سأل.
نهضت ليا ولفت بسرعة. رنت الأجراس الفضية الأربعة التي زينت حجابها وحذاءها بشكل ينذر بالسوء، لم يكن لحنها مطمئن ولا مزعج.
“هذا لم ينته بعد.” لقد حذرت ريان وفالنتين قبل التمتمة. “المذبح قد إختفى- فما الخطب؟”
أثناء حديثها، استحضر فالنتين ألسنة لهب ذهبية طفت في الهواء وأضاءة الفضاء.
في النهاية البعيدة للطابق السفلي، لم يوجد أي شيء سوى عظام بشرية مكدسة وبعض جلود الأغنام. أصبح السقف خاليًا وغير مزخرف- ولا حتى ثريا.
ضحك لوميان بسخرية. “لا توجد خصائص تجاوز؟”
“لقد تم التضحية بها على الأرجح”. قال ريان بشكل مباشر، “من المحتمل أيضًا أنهم لم يحصلوا على الكثير من الهبات في البداية ولم يكونوا أقوياء بما فيه الكفاية. لم يتمكنوا إلا من الإمساك بالأشخاص العاديين كتضحيات وملاحقة المتجاوزين بمجرد أن تمتعوا بقوى لائقة فقط. على سبيل المثال، هذه المرة.”
من الواضح أنهم لم يكونوا مألوفين بالحصول على الهبات.
ثم قال ريان، “لا يوجد شيء آخر هنا. يجب أن نتراجع. لا فائدة من التشابك مع خطر لا يمكننا رؤيته”.
لم يتفاعل لوميان. قام بمسح الغرفة مرةً أخرى، بحثًا عن أي أبواب مخفية من الآثار الدقيقة.
كان الجواب لا.
قاد الطريق للخروج من الطابق السفلي، وخلفه ليا وريان وفالنتين.
بمجرد خروج لوميان، غمغم ريان بألم.
طار جسده إلى الخلف، مصطدما بباب القبو. ارتجفت السلالم المتهالكة.
ووووام!
اخترق رمح غير مرئي ما صدر ريان وعلقه على الحائط. تدفق الدم من الجرح المتفاقم. لو لم يكن ريان قد قفز جانباً في الوقت المناسب، لكان هذا الرمح قد طعن قلبه.
ليا، التي أبقت رؤيتها الروحية منشطة طوال الوقت، لم تستطع اكتشاف مهاجمهم
كان الأمر كما لو أن إله ما قد خص ريان بالعقاب.
قبل أن يتمكنوا من معرفة ما كان يجري، إلتوت ابتسامة ليا إلى تجهم.
إنكسرت ذراعيها للخلف من تلقاء نفسها. تحطمت العظام مع صوت طحن بينما إرتخت أطرافها. تفتحت حفرة في بطنها، كما لو أنها قد تعرضت للكم. أرسلتها الصدمة إلى الوراء إلى الحائط.
صرخ فالنتين من أسفل الدرج.
انهارت ضلوعه الواحد تلو الأخر، كما لو أن مطرقة ثقيلة قد تضرب صدره. مع سلسلة من الانفجارات، مزقت ثقوب دموية معدة وصدر ليا وفالنتين، وألسقهما رمحين بالجدار الحجري.
صدم لوميان للحظة. في حين أن هذا التغيير الذي لا يمكن تفسيره قد أربكه، فقد شعر بالارتياح لأنه بدا وكأنه لم يكن هدفًا لهذا الهجوم الغريب.
‘هل يحميني رمز الأشواك السوداء؟’ عندما مرت هذه الفكرة عبر ذهنه، شعر فجأةً بقوة غير مرئية تضربه ضد الدرج بالحائط.
لم يمكن رؤية أي شيء برؤيته الروحية.
متذكرا ما حدث لريان والآخرين، تفادى لوميان على الفور إلى الجانب.
ملأ الألم الشديد عقله على الفور. تمزق الجلد على صدره الأيمن، وكشف رئتيه تقريبيًا.
شعر لوميان كما لو أن قضيبًا غير مرئي قد خوزقه وسمّره على الحائط.
مع تدفق دمه الأحمر الساطع، أضاء ريان المنطقة ببقع من الضوء تشبه الفجر. من شأن ذلك أن يقضي على الشر بشكل فعال ويبدد الأوهام.
ومع ذلك، فإن أربعتهم كانوا لا يزالون غير قادرين على رؤية أي شيء.
بانغ!
انحنى صدر ريان للداخل، مصاب بمطرقة غير مرئية.
بينما دقت أجراس حجاب ليا وحذائها الفضية بقوة، تم انتزاع أظافرها من قبل قوة غير مرئية، مما لطخها بالأحمر.
هذا الألم الذي لا يوصف شوه وجهها في رعب.
نشر فالنتين ذراعيه وترك عمود النور المقدس ينزل عليه. إنفجر ضوء الشمس فجأة، وأزال كل الشرور وأشعل جسد فالنتين. ومع ذلك، في وهج الشمس، تم شد ذراعيه إلى الوراء بشكل لا يمكن السيطرة عليه وعلقتا على الحائط. ظهرت ثقوب حمراء على معصميه مثبتةً لهما في مكانهما.
عندما تلاشى الضوء، كان وجه فالنتين متفحم، وتقشر جلده شبرًا بشبر.
عند رؤية محنتهم، لم يستطع لوميان إلا الشعور بالألم في مكانهم.
لم يكن معروف ما إذا كان بسبب رمز الأشواك السوداء، لكن بؤسه قد قل. شعر وجهه كما لو أنه قد صفع بيد غير مرئية بشكل متكرر. أصبح وجهه محمر ومتورم وخفت أسنانه. بالكاد إستطاع الكلام.
تمامًا عندما كانت جولة أخرى من الهجمات على وشك الهبوط، تضببت رؤية لوميان ولمح برية.
لاحت في المسافة سلسلة جبلية، وقريبا منهم إمتدت برية معشبة.
قام مخلوقان يشبهان الشياطين بقرون الماعز بسحب عربة حمراء داكنة تشبه القوقع من بعيد، مسرعين أمام لوميان ورفاقه.
جلست في العربة امرأة ترتدي ثوباً من الزمرد وأكليل من الغار. سُحبت خصلات كستنائية للأعلى، عيون عسلية مشرقة ومائية. مهيبة ونبيلة، مذكرة بسيدة بواليس ناضجة أكثر.
‘لقد حافظت على تعهدها بتقديم المساعدة؟’ أذهل لوميان، ثم ابتهج لأن القوة الخفية لم تهاجمهم.
بطريقة ما لقد عرف أن المرأة أمامه لم تكن السيدة بواليس تمامًا. أو بالأحرى، ليست السيدة بواليس على وجه التحديد. أقرب إلى بنية غير واقعية صنعتها السيدة بواليس بإرادتها.
اختار لوميان أن يدعوها السيدة ليل.
على عكس لقاء باراميتا، أمسكت السيدة بواليس بغصن بلوط مليء بالهدال في طرفه بيد، ووعاء جاديت بسائل متلألئ في اليد الأخرى.
غمست السيدة بواليس فرع البلوط في الوعاء ورشتهم.
بعد الرشة الثالثة، رأى لوميان جرح صدره يلتئم بسرعة. انحسر التورم بسرعة، ولم يعد معلق على الحائط.
شُفيت ليا وريان وفالنتين تمامًا، ولم يوجد أي أثر لإصابات قاسية.
“ما الذي هاجمنا؟” سأل لوميان، مفكرا أنه إذا ام يجرب لن يخسر أي شيء.
السيدة بواليس، جالسة في عربة قرمزية، أجابت بتعالٍ، “توجد لمحة تلويث مُعَانِي عليكم الأن. لحسن الحظ، إنها خفيف. وإلا، لكان عليكم إعادة الحلقة.”
“تلويث مُعاني؟ ما الذي من المفترض أن يعنيه ذلك؟” تبادل لوميان نظرات حائرة مع ريان والآخرين.
ردت السيدة بواليس بخفة، “ذلك كل ما أعرفه”.
“إذن أتعرفين ما قد حدث للمشعوذ الميت والبومة في المقبرة؟” ضغط لوميان.
نظرت إليه السيدة بواليس. “لو علمت، لما وصلت الأمور إلى هذا الحد. كنت أخطط أصلاً للسيطرة على هذا المكان، لكن الآن ليس لدي خيار سوى المغادرة.”
‘حكم هذا المكان؟’ دقت أجراس الإنذار في رأس لوميان. لربما لم يكن الوقوع في حلقة أسوأ مصير.
‘لا أمتلك وأورور أي فكرة عن كم الأطفال الذين كنا سننجبهم إذا حصلت السيدة بواليس على ما أرادت!’
‘بالمقارنة مع ذلك، فإن الوقوع في حلقة والتعرض للتدمر في أي لحظة لا يبدو سيئًا للغاية.’
‘على الأقل سنموت غير زانين!’
ألقت السيدة بواليس نظرة خاطفة عليهم لكنها لم تقل شيء آخر. لقد جلعت وحوشها الشيطانية ذات اللون الأسود القاتم تسحب عربة المحارة إلى البرية.
بحلول الوقت الذي اختفت فيه عن رؤية لوميان والآخرين، كانت البرية قد ولت.
عندها فقط، أدركوا أنهم لا يزالون في القبو. كان نصفهم على الدرج، والنصف الآخر عند الباب الخشبي.
لولا الدماء والأظافر المتساقطة على الأرض والجدران، لظنوا أنهم قد مروا بوهم شديد الواقعية.
“دعونا نخرج من هنا أولا.” سرعان ما استعاد ريان حواسه وأخبر فالنتين، “تخلص من أي آثار تركناها”.
أومأ فالنتين برأسه واستحضر لهيبًا ذهبيًا وهميًا لحرق الدماء والأظافر.
لم يواجه الأربعة أي هجمات أخرى في طريق عودتهم إلى الكاتدرائية.
ولم يكن من الواضح مما إذا كانت لمحة تلوث المعاني قد نفدت أو ما إذا كانت السيدة بواليس قد قضت عليها.
تماما عندما كان لوميان على وشك المغادرة عبر الباب الجانبي، اكتشف فجأة نائب الأب، ميشيل غاريغ، وهو يقف في حالة ذهول خارج الغرفة التي تم فيها تخزين الخدم النائمين.
‘هل عاد هذا الرجل من ملء معدته؟’ كان لوميان على وشك تجنبه عندما استدار ميشيل بشعره البني المجعد وملامحه الرقيقة فجأةً ورآهم.
إستعد ريان لضرب هذا الرجل عندما سأل ميشيل غاريغ بابتسامة مرحة بشكل غير طبيعي، “هنا للصلاة؟ هل تحتاجون إلى الإعتراف؟”
‘انهار الجميع في الكاتدرائية، لكنك قلق بشأن الاعترافات؟’ نظر لوميان إلى ميشيل كما لو كان مجنون.
بالمقارنة مع السابق، كان شذوذ هذا الرجل واضحًا بشكل صارخ!
~~~~
إستمتعوا~~