75 - الإلتقاء بالسيدة بواليس مجددا
خارج مقر الإدارة، مبنى تم تحويله من قلعة قديمة.
تجول لوميان عبر الحدائق واقترب من الباب الأمامي. قال للحارس الواقف، “أنا بحاجة إلى كلمة مع السيدة بواليس.”
قام الخادم- مرتديًا قميصًا قرمزيًا وسروالًا عاجيًا- بمسحه بحذر وسأل، “لماذا ذلك؟”
‘هل هذا الشقي هنا ليثير المشاكل؟’
سخر لوميان. “إنه ليس لك لتعرف.”
‘لماذا يهتم خادمٌ لهذه الدرجة؟ من تظن نفسك؟ كم عدد الأطفال الذين دفعتهم؟’
تردد الخادم قبل أن يقرر نقل الرسالة إلى السيدة بواليس والسماح لها بتحديد ما إذا أرادت مجاراةَ هذا الشاب اللعوب.
إنتظر لوميان عند المدخل لبضع دقائق. عندما عاد الخادم، قال لوميان، “سَـتراك السيدة في الردهة الصغيرة.”
كانت الردهة الصغيرة مألوفة لِـلوميان. في المرات القليلة التي رافق فيها أخته إلى هنا، لقد تم ترفيهه في تلك الغرفة بالذات. دون الحاجة إلى أي توجيهات، شق لوميان طريقه إلى الغرفة الصحيحة. تتبع الخادم وراءه كَـكلب مطيع.
إستلقى لوميان على الأريكة في الردهة وساعد نفسه بتناول الشاي الأسود. ثم انزلقت السيدة بواليس عبر المدخل.
كانت السيدة ترتدي لتقتل، في فستان مشد أسود رائع، شال متناسق ملفوف على كتفيها. إرتدت قبعة سيدة مستديرة منحرفة قليلًا وقلادة من الألماس مرصعة بالذهب.
أعطى الزي لوميان شعورًا بِـأنه مألوف. لقد أدرك أن السيدة بواليس كانت ترتدي هذه المجموعة بالذات عندما جاءت لإغرائه.
‘فعلت ذلك عن قصد، أليس كذلك؟’ فكر لوميان بابتسامة جليدية.
“صباح الخير، السيدة بواليس.”
بمجرد أن غادرت التحية شفتيه، لاحظ لوميان فجأة شخصيةً بجانب السيدة بواليس. لم تكن كاثي، خادمة السيدة، ولكن ‘المُولدة’ التي لقيت حتفها على يدي ريان بالأمس فقط.
إرتدت ‘المولدة’ ثوبًا أبيضًا مائلًا للرمادي. بدت عيناها فارغتين، ووجهها خالٍ من التعابير. إمتلكت بشرتها لمحة من الزرقة، مشابهة لعندما رأى لوميان جثتها في الحديقة في الليلة السابقة. ومع ذلك، لم تكن تحمل أي أدوات بستنة هذه المرة.
‘إحضار ‘المولدة’ بدلًا من خادمتها؟ لقد فعلت ذلك عن قصد أيضًا، أليس كذلك؟’ لم يستطع لوميان منع الفكرة الساخرة.
ابتسمت السيدة بواليس. “يجب أن يكون الظهر الآن.”
استقرت على الكرسي ذو الذراعين الذي مَيَّزَ المُضيف، بينما وقفت ‘المولدة’ على الجانب كالإكسسوار.
“إذا لم تتناول الغداء بعد، فليس الظهر بعد.” رد لوميان بحدة.
تسابق قلبه تحت الردود. مشتبها في أن السيدة بواليس قد أحضرت ‘المولدة’ إلى هنا لاستجوابه بشأن أحداث الأمس.
إذا لم يتعامل مع هذا جيدًا ولم تقم مجموعة ليا بإعادة تشغيل الدورة في الوقت المناسب، فقد شك لوميان أنه قد يضطر إلى لعب دور ‘بابا’ لبضع دقائق. أو لفترة أطول.
نظرت إليه السيدة بواليس، وعيناها اللامعتان تتألقان بابتسامة غامضة.
تساءلت بشكل عرضي، “ما يمكن أن تكون المشكلة؟”
قرر لوميان الذهاب إلى لب الموضوع. بجدية قال، “سيدتي، لابد أنك أدركت أننا عالقون في حلقة زمنية.”
بينما تحدث، راقب وجه السيدة بواليس عن كثب، متيقظًا لأي رد فعل.
إذا كشفت عن مفاجأة أو صدمة أو ارتباك، فسوف يضيف بسرعة، “فقط أمزح!” ثم يبدأ بشيء غريب ويرى كيف تستجيب. عندها فقط سيفكر في إخبارها عن الحلقة الزمنية.
بالطبع، إذا بدت السيدة بواليس وكأنها تعرف بالفعل وأن ‘سرها’ قد كشف، فسيكون الهروب على رأس أولوياته.
كانت احتمالات الهروب ضئيلة في ذلك السيناريو، لكن كيف سيعرف ما إذا وجد أي أمل دون المحاولة؟
قامت السيدة بواليس بمسح لوميان لبضع ثوانٍ، ثم ابتسمت.
“يبدو أنك وجدت رئيس* أيضًا.”
(*:رئيس كانت هنا boss)
لم تبدُ متفاجئة بمفهوم الحلقة الزمنية، كما أنها لم تبدو في حيرة. كان ذلك جيدًا بقدر الاعتراف بأنها عرفت ما يجري.
‘رئيس؟ كانت تلك كلمة مفضلة في كتب أورور. أكانت تعني قوة عليا ما منحت الهبات؟’ فسر لوميان كلمات السيدة بواليس.
لقد ظن أنها لم تستطِع الاحتفاظ بالذكريات عبر الحلقات إلا لأنها قد إمتلكت ‘رئيس’- نوع من الحماية.
ابتسم لوميان وتظاهر بالتنهد بارتياح. “يبدو أنني لن أحتاج إلى شرح الكثير.”
“ما الذي ترمي إليه؟” سألت بواليس وهي لا تزال تبتسم.
وقفت ‘المُولدة’ بجانبها بلا حراك مثل دمية عرض.
قام لوميان بإعداد عذر، وبدأ فيه بسحرٍ كافٍ لإقناع أي شخص.
“الناس في الخارج يعرفون بالفعل عن شذوذ كوردو. إذا لم ننهِ هذه الحلقة قريبًا، فسيتم مسح هذا المكان. سيموت الجميع.
“نحن في نفس القارب. فقط من خلال الاتحاد يمكننا تجنب الغرق. عندها فقط ستتاح لنا فرصة العثور على المفتاح للهروب من هذه الحلقة والعودة إلى الحياة الطبيعية.
“سيدتي، الوقت ينفد. فلنعمل معًا.”
استمعت السيدة بواليس بابتسامة خافتة، ولم تقاطع قصة لوميان.
على هذا، ضحكت. “من قال أننا في هذا معًا؟”
‘ماذا؟ أيمكن أنها الشخص الذي يريد إغراق القارب؟’ صدم لوميان.
حافظت السيدة بواليس على ابتسامتها. “لماذا علي التعاون معك؟ يمكنني مغادرة المكان هنا في وقت محدد.”
‘ما…’ ذُهل لوميان، ولكن بصيص من الأمل ومض.
“أتقولين أنه لديك طريقة للخروج من الحلقة الزمنية؟ ما عليك سوى القيام بشيء ما في وقت محدد؟”
أومأت السيدة بواليس برأسها واحتسبت الشاي من الخزف الفاخر. لم تقل أي شيء آخر.
‘مزايا حماية قوة أعلى… انتظر، هذه ليست الدورة الأولى. لماذا ما تزال هنا؟ أيمكن أنه قد تم إعادة الحلقات السابقة الأخرى قبل الوقت المحدد؟ حسنًا… ذلك ما يفسر عدم ملاحقتها لنا لتسللنا إلى القلعة وقتل ‘المُولدة’. إنها تخشى أن يسبب المتجاوزين الثلاثة المتاعب ويعيدوا تشغيل الدورة بالقوة…’ استوعب لوميان الأشياء التي حيرته.
لقد إشتبه في أن السيدة بواليس قد كانت تنتظر الليلة الثانية عشرة أيضًا.
وسط أفكاره، ابتسم لوميان. “أتساءل عما إذا كان بإمكانك إخراجي أنا وأورور من هذه الحلقة؟”
‘أي محققين رسميين؟ لم اسمع بهم ابدا!’
قيمته السيدة بواليس بتسلية.
“لماذا علي مساعدتك؟”
“ألم تقولي أن الحب…” توقف لوميان، غير قادر على الاستمرار.
لقد عنى ذكر كلمات السيدة بواليس عن الحب، على أمل أن تنقذه وأورور بدافع اللطف. لكن بما أن السيدة بواليس قد أرادت شقيقته على الأرجح، لم يستطِع قول ذلك.
لو أن السيدة بواليس قد أحبته، لَـإستعمل رجلٌ عديم الخجل كَـلوميان بطاقة الحب وعرض عليها أن يعطيها طفلًا لإخراجهم من هذه الحلقة.
حسنًا، كان يصر أسنانه وينجب هو نفسه إذا عنى ذلك أن السيدة بواليس ستقوم بإجلائه وأورور من هذه الحلقة.
تغير تعبير السيدة بواليس قليلًا. بعد بضع ثوانٍ من الصمت، قالت، “أتوحي بأن الحب غير قابل للفهم؟ إنقاذها رغم أنني أريدها ميت لأخطائها؟”
لم يرد لوميان. إستطاع أن يميز أن السيدة بواليس قد أشارت إلى ‘امرأة’.
لم تتوقع السيدة بواليس ردًا. تنهدت، “ولكن ماذا لو كان غير قابلٍ للإصلاح؟”
‘غير قابل للإصلاح…’ غرق قلب لوميان كالسقوط في بحيرة جليدية في أوائل الربيع.
استعاد أنفاسه، وطلب تأكيد.
“أتقصدين، حينها، لن يمكنك إلا أخذ عدد قليل من الأشخاص، لكن ذلك لا يشملني أو أورور؟”
أومأت السيدة بواليس برأسها.
“يمكنك رؤية الأمر بتلك الطريقة.”
‘يبدو أنه لا يزال يتعين علي الاعتماد على نفسي…’ تنهد لوميان، مجبرا الهدوء.
كان صعود الأمل وانهياره أمرًا مزعجًا حقًا.
فكر للحظة ثم ابتسم.
“سيدتي، الأجانب الثلاثة وأنا سوف نستكشف تحت الكاتدرائية في وقت لاحق. إذا حدث أي شيء، فقد تعاد الحلقة في وقت مبكر. لن نصل للصوم الكبير حتى.”
ناهيك عن الليلة الثانية عشرة.
أضاقت السيدة بواليس عينيها، ذقنها مرفوع. “أتهددني؟”
“لا، فقط تذكير.” ابتسم لوميان بصدق، صورة الإسترخاء.
ظاهريًا، لقد خشي إغضاب السيدة بواليس وأن يحتجز هناك للولادة. سيقوم المحققون الثلاثة بإعادة الدورة إذا لم يخرج بعد خمسة عشر دقيقة.
حدقت السيدة بواليس في عيون لوميان لبضع ثوانٍ. بدون رؤية أي جفل أو مراوغة، ابتسمت فجأة.
“أنت مثير للاهتمام حقًا. سيكون أمرًا رائعًا أن تصبح أنت وأختك من عُشاقي.”
دون انتظار رد، التفتت إلى ‘المُولدة’.
“لقد دمرتم سيد تعاويذ مهرطق، لكنني لم أقُم بلومكم. أنا رحيمة بما فيه الكفاية، لكنكم ما زلتم تتوقعون مساعدتي؟”
‘سيد تعاويذ مهرطق؟’ حفظ لوميان المصطلح وقال بجدية، “هذا لا يتعلق بالمساعدة. إنه يتعلق بفعل ما يفيد الجميع.”
صمتت السيدة بواليس لبضع ثوانٍ قبل أن تبتسم مرةً أخرى.
“لن أستكشف تحت الكاتدرائية معكم، ولكن من أجل أورور وشجاعتك، سأقدم بعض المساعدة إذا حدث أي شيء.”
رضي لوميان بهذا التفاوض كثيرا. وقف وقلد موقف الرجال المحترمين من كتب أخته. ضغط يده على صدره وانحنى. “أشكرك يا سيدتي.”
ضحكت السيدة بواليس. “ألا يجب أن تكون ‘نور شمسي’؟”
لقد أشارت إلى ما قاله لوميان في حلقة سابقة، “سيدتي، أنتِ ‘نور شمسي’.”
شعر لوميان بالحرج لكنه كان دائمًا عديم الخجل. متظاهرًا بأنه لم يسمع، غادر الغرفة الصغيرة.
……
بعد نزول التل من القلعة ودخول كوردو، رصد لوميان ليا، ريان وفالنتين منتظرين تحيته.
“كيف سار الأمر؟” سألت ليا بابتسامة.
روى لوميان محادثته مع السيدة بواليس، مستخلصا “هذه أفضل نتيجة يمكن أن نأمل بها.”
“ذلك صحيح. لا يزال بإمكاننا الاعتماد على شخص ما للمساعدة في أحلك لحظاتنا.” أومأ ريان برأسه.
سأل لوميان، “أتلقيتم ردًا؟”
قبل زيارة القلعة، أبلغ ريان أن السيدة بواليس لم تكن حقًا من عائلة روكفورت وأن صورة بوليت كانت في غرفتها.
زفرت ليا، مجيبةً في مكان ريان، “ذَكَّرَنا رؤسائنا بإعتبار إمكانية أن بوليت قد أصبح امرأة من خلال جرعة أو قوة.”
“كما هو متوقع.” اعترف لوميان بإيجاز. “متى سنستكشف تحت الكاتدرائية؟”
كان ريان قد قرر بالفعل. قال بصوت عميق، “الآن.”