70 - إستدعاء الأرواح
في اللحظة التي وقعت فيها عينه على ‘المولدة’، بدا قلب لوميان وكأنه قد توقف عن النبض.
‘إنها لاتزال حية؟’
‘من الواضح أنني رأيتها تُقتل على يد ريان، وتحطمت روحها!’
تذكر لوميان بوضوح كيف تم تحويل المولدة في النهاية إلى قطع صغيرة من اللحم المتناثر على الأرض. لم يمكن العثور على بعض الأجزاء حتى.
‘يجب أن يكون هذا لقاءً شبحيًا غريبًا! لا، إنتظر، هناك صوت تنفس!’ فكر لوميان في بعض المشاهد من روايات أخته، وإنتقل قلبه من السكون إلى النبض السريع.
لولا أن ‘المولدة’ لم تنظر إليه، منشغلةً بقص أغصان الشجرة المزهرة، لكان قد تفاعل للضغط.
كاتشااا، كاتشااا. سقطت أغصان الأشجار الصغيرة التي نمت بشكل عشوائي على الأرض، لِـتُخرِجَ لوميان المصدوم من ذهوله.
أخذ خطوة للأمام دون وعي، وسار نحو المكان الذي تفتحت فيه أزهار الزنبق.
لم تمنعه ‘المولدة’ أو تستدير حتى.
لم يستطِع لوميان إلا أن يسترق نظرة أخرى إليها. لقد ركزت على تقليم الفروع. جعلت ظلال الزهور والأشجار صورتها تبدو مظلمة وكئيبة.
لم يجرؤ لوميان على التباطؤ، إلتقط بعض زهور الزنبق وغادر قلعة المسؤول.
كان قلبه لا يزال ينبض حتى عندما عاد إلى القرية.
بعد تهدئة نفسه، مشى لوميان نحو منزل رايمون غريغ. كان لا يزال الوقت مبكرًا جدا لكي تقوم أورور بإعادة الحلقة.
كان أيضًا مبنىً من طابقين، ولكن بالمقارنة مع منزل لوميان وأورور، بدا أقدم بوضوح، أكثر تداعيًا وضيقًا. كشف الجدار الخارجي عن اللون الرمادي للحجر وسط العديد من النباتات الخضراء الزاحفة فوقه.
في تلك اللحظة، كان باب عائلة غريغ مفتوحًا على مصراعيه، مما سمح للمرء برؤية الموقد على اليسار والطاولة على اليمين والدلاء الخشبية في الخلف.
تذكر لوميان أن البراميل الخشبية قد أُستُخدِمَتْ للتخزين. وُجد سريران خشبيان بسيطان في المساحة التي عزلوها. لقد إنتموا إلى رايمون وأخته.
لم يطرق لوميان ودخل مباشرةً إلى منزل غريغ كالمعتاد.
ساعدت أخوات رايمون الأكبر والأصغر سنا أمهم في تحضير العشاء. جلس والد رايمون، بيير غريغ، على كرسي على طاولة خشبية، يشرب نبيذًا رخيصًا بتعبير مظلم.
“سمعت أن رايمون مفقود؟” سأل لوميان بيير غريغ بنظرة قلقة.
بدا بيير غريغ وكأنه قد تقدم في العمر بشكل ملحوظ، بدت التجاعيد القليلة على وجهه أكثر وضوحًا.
نظر إلى لوميان وسأل في حيرة وتفاجئ، “لا تعرف؟”
في هذه اللحظة، أوقفت والدة رايمون وشقيقتاه ما كانوا يفعلونه وإستداروا لإلقاء نظرة على لوميان.
لا يمكن لِـلوميان أن يكون أكثر صدقًا.
“لقد إنشغلت بأموري الخاصة. لم أرَّ رايمون منذ أيام.”
كان بيير غريغ قد إستفسر بالفعل وعرف أن لوميان قد قال الحقيقة. وإلا، مع شكه في أن هذا الوغد قد حرض رايمون على الهروب من المنزل، لكان قد ذهب لإستجوابه بعد ظهر ذلك اليوم.
“قبل ظهيرتين، قالوا أنه قد كان اليوم التاسع والعشرون، لم يعد رايمون بعد مغادرته.” قال بيير غريغ بتعبير مظلم، “لقد بحثنا عنه. لا يزال شقيقاه في الخارج يبحثان. أين تعتقد أنه ذهب؟”
تردد لوميان قبل الرد، “يقول عادةً أنه لم يرِد أن يتعلم الرعي، لكنه لا يملك الكثير من المال عليه. من المستحيل أن يغادر بمفرده. دعني أرى ما إذا كان قد ترك أي شيء وراءه…”
بينما تحدث، سار بشكل طبيعي إلى البراميل الخشبية في الجزء الخلفي من الطابق الأول ومر عبرها للوصول إلى سرير رايمون.
بدا السرير بسيطًا للغاية، كما لو أنه قد تم تجميعه ببعض الألواح الخشبية. ومع ذلك، بدت ملاءات الأسرة الزرقاء الرمادية والوسادة المحشوة بالقش واللحاف ذو أثار الإصلاح كلها نظيفة. من الواضح أنه غالبًا ما تم غسلهم.
كان ذلك لأن أورور قد أحبت النظافة ولم تسمح للقمل بالظهور في المنزل أو على جسدها. حتى لوميان طور هذه العادة. لذلك، عندما تفاعل مع زملائه في اللعب، عادةً ما حثهم بوعي على الحفاظ على النظافة الشخصية. لم يسمح لهؤلاء الزملاء بأن يكونوا قذرين وأن يعيشوا مع القمل والبراغيث طوال اليوم.
إذا تخاذل رايمون والآخرون في وقت ما وإكتشفوا أنهم مصابون بالقمل، فسيتعرضون للمقالب بالتأكيد. قد يتم دفعهم إلى النهر وإجبارهم على الإستحمام حتى لو رفضوا ذلك.
بعد بضع سنوات من ‘القمع’، عادة ما ساعد رايمون في تنظيف البيئة عندما عاد إلى المنزل.
“لم نجد أي رسالة.” قال بيير غريغ بتعبير قلق بينما تبعه إلى السرير.
جلس لوميان بجوار سرير رايمون وجد يده تحت الوسادة.
وجد غرضين- قلم حبر أحمر داكن متصدع وكتاب تمارين مليء بخط يد.
كان رايمون متعطشًا للمعرفة، لكن لم يكن لديه فرصة تذكر لتلقي التعليم.
في زمن الإمبراطور روزيل، وجد بالقرى كَـكوردو مدارس محلية إلزامية، وقعت في نفس المبنى الذي وجد فيه مكتب المسؤول. إحتوى المبنى أيضًا على مركز تجنيد عسكري، لجنة فحص جسدي للتجنيد، ومؤسسات أخرى، لكن في النهاية، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الموظفين.
في العقود الأخيرة، فقدت العديد من القرى مدارسها. قدمت الكنيسة مدرسة الأحد للأعداد الأكبر من السكان، لكن كان على كوردو الاعتماد على كبار السن المتعلمين لتعليم الأطفال بشكل متقطع. مع مرور الوقت، أصبح بعض الشباب أُميين مرةً أخرى.
عندما كان لوميان في مزاج جيد، سَـيدَّعي أنه بحاجة إلى المال من أجل المشروبات. لذلك، سيبيع أقلام حبره القديمة وكتب عمله لِـرايمون، أڤا وآخرين بسعر منخفض، معلمًا لهم بعض الكلمات في هذه العملية.
أخذ رايمون كل درس بنفس الجدية التي أظهرها عند التدريب القتالي ومساعدة الرعاة في صنع الجبن في الجبال لكسب المال.
كان مصممًا على تغيير مصيره.
أزال لوميان قلم الحبر وكتاب التمارين، محدقًا بهما لفترة طويلة.
“سألت الأب. قال أن هذه مجرد كلمات بسيطة لا تشكل جملة.” تنهد بيير غريغ.
قلب لوميان عبر كتاب التمرين، ملاحظًا كيف تحسن خط اليد من فوضوي وقبيح إلى شيء مقبول.
“صحيح، ليس هناك رسالة.” إتفق مع بيير غريغ قبل أن يضيف، “لكنني أتساءل عما إذا كان رمزًا يمكن فك شفرته في جملة. لقد سمعت قصة مماثلة، أليس كذلك؟ أخبرتها أورور للعديد من أطفال القرية. هل ذكروها في المنزل؟”
شمل ذلك شقيق وشقيقة رايمون الأصغر.
“نعم لقد فعلوا.” أومأ بيير غريغ برأسه.
غالبًا ما تجمع قرويوا كوردو في المطبخ ليلًا للمحادثة والضحك ورواية القصص عندما لم يستطيعوا تحمل تكلفة الحانة. كان على ضيوف المرة الأولى متابعة الأعراف الاجتماعية بإنتيس وجلب زجاجة من النبيذ، حتى لو كانت رخيصة.
سمع بيير غريغ قصة مماثلة من إبنه الأصغر خلال مثل هذا التجمع.
رفع لوميان كتاب التمرين بثقة.
“سأعيده إلى أورور لكي تفحصه وترى ما إذا كان يمكنها العثور على أي شيء.”
“حسنًا.” لم يظن بيير غريغ أنه قد كان شيئًا ذا قيمة.
بعد تجاوز المنطقة المحاطة بالبراميل الخشبية، سار لوميان نحو الباب، وجلس بيير غريغ مرةً أخرى.
بعد خطوات قليلة، سمع لوميان بيير غريغ يتنهد ويتمتم، “لو لم يكن يريد أن يتعلم الرعي، فكان عليه إخباري فقط. لماذا غادر فقط… ستصبح عائلتنا ثريةً قريبًا. لن يحتاج إلى تعلم الرعي بعد الآن… “
‘ثرية؟’ تسارع قلب لوميان وهو يستدير، متظاهرًا بالفضول.
“ما هي فرصة الثروة هذه؟”
لم ينظر بيير غريغ للأعلى، وأبقى رأسه منخفضًا بينما قال بيأس،
“برج عائلتنا على وشك التغيير. حظنا سيتحسن…”
‘ما-‘ شعر لوميان بقشعريرة تنزل أسفل عموده الفقري.
“من اخبرك بذلك؟” سأل.
لم يرد بيير غريغ، وإستمر في الرثاء.
…
عند عودته إلى المنزل، أبلغ لوميان أخته على الفور أن ‘المولدة’ لا تزال حية.
عبست أورور حواجبها الشقراء. “إنها ليست بالضرورة شخصًا حيًا.”
“هاه؟” فوجئ لوميان.
إعتبرت أورور وقالت، “ألم نناقش هذا من قبل؟ قد يكون لمسار السيدة بواليس القدرة على التحكم في اللاموتى. لربما تلك زومبي.”
“مستحيل.” قال لوميان، “لقد رأيتها دون تفعيل رؤيتي الروحية. بالإضافة إلى ذلك، لم توجد أي علامات خياطة على جسدها. في ذلك الوقت، قام ريان بتقطيعها إلى قطع صغيرة.” تذكر لوميان وقال، “أيضًا، سمعتها تتنفس!”
عند هذه النقطة، توقف لوميان.
“ومع ذلك، كانت بالفعل بطيئة بعض الشيء. كان تعبيرها مظلمًا، ولم تكن عيناها مفعمتين بالحيوية بدرجة كافية. بدت تمامًا مثل ناروكا! تلك التي رأيتها في ليلة الحلقة السابقة، عندما أخذت ناروكا المبادرة لدخول باراميتا!”
ناروكا، التي كان وجهها شاحبًا وعيناه فارغتان.
بالطبع، من الواضح أن ‘المولدة’ قد أشبهت الشخص الحي أكثر.
أومأت أورور برأسها وقالت، “حالة خاصة أقرب إلى اللاموتى؟”
غير قادرةٍ على إستنتاج إجابة، أشارت إلى لوميان لِـأن يقول شيئًا آخرًا.
روى لوميان كل ما حدث في كلمات والد رايمون بالتفصيل، وكيف بدا وكأن شيئًا لم يحدث في القلعة.
إستمعت أورور بهدوء وأومأت برأسها.
“يبدو أن السيدة بواليس لا تريد متابعة مسألة القلعة. أتساءل ما الذي لم تُظهِره…
“أيضًا، يثبت اكتشافك أن جزءًا من الشذوذ في القرية مرتبط بها، لكن لا يبدو أنها متورطة في الحلقة.”
ما قصدته هو أن تورط السيدة بواليس في هذا الشذوذ قد كان بشكل أساسي في الخصوبة، الموت، الأرواح وباراميتا. لا علاقة لها بالحلقة الزمنية.
“أظن ذلك أيضًا.” حصل لوميان على مثل هذا الفهم خلال إستكشافاته. “يبدو أن الشخص الذي يقف وراء الأب والبقية ليس السيدة بواليس على الأرجح.”
مستشيرًا بكلام والد رايمون، خمن.
“الشخص الذي نشر خبر أن فعل شيء ما يمكن أن يؤثر على برجك ويحصل على الحظ السعيد؟”
أقرت أورور بإقتضاب.
“سنحقق غدًا ونرى ما إذا كان بإمكاننا توجيه روح رايمون الليلة.”
…
بعد العشاء، رأت أورور أن الوقت قد حان وبدأت في إقامة المذبح.
لقد صلت لنفسها، لذا وضعت شمعة واحدة فقط، لكن الشمعة استبدلت بأخرى مصنوعة من أزهار النوم وغيرها من المواد.
قدست أورور خنجرًا فضيًا وصنعت جدارَ روحانية. ثم قامت بتقطير المستخلص المصنوع من فانيليا الليل وزهور القمر على اللهب البرتقالي، مثيرةً ضبابًا ضبابيًا.
بعد أن رأت أورور أن الاستعدادات قد اكتملت، ألقت نظرة خاطفة على كتاب الأعمال الموجود على المذبح وتراجعت خطوة إلى الوراء. قالت في هيرميس القديمة، “أنا!”
عندما نطقت بالكلمة، إغمقَّتْ عيناها، كما لو أن ريحًا غير مرئية قد حامت حولها.
“أنا أستدعى بإسمي:”
كانت هذه هي الجملة الثانية التي قالتها، وغيرتها إلى هيرميس.
نظرًا لأنها لم تعرف أين كانت روح رايمون، لم تستطِع التواصل معها بشكل مباشر. لم يمكنها إلا محاولة إستدعائها. كمتجاوزة غير رسمية، لم تجرؤ على الصلاة إلى إلهة الليل الدائم، التي كانت مسؤولةً عن هذا المجال. لم يمكنها إلا الاعتماد على نفسها فقط. لم تكن فرص النجاح كبيرة، إلا إذا وجدت روح رايمون بالفعل في مكان ما في كوردو وكانت قريبةً جدًا.
واصلت أورور التلاوة، “الروح الباقية في كوردو.
“الرجل المدعو رايمون غريغ.
“مالك دفتر التمارين هذا…”
تمايلت شعلة الشمعة البرتقالية فجأة، وإمتصت الضباب المحيط وأصبحت أكبر قليلًا.
تموج ضوئها وصُبِغَ بالأزرق المظلم.
ظهرت حبات عرق على جبين أورور بينما بدأت تستعير قوتها من مواد مختلفة.
وسط عواء الريح، ظهرت هيئةٌ فوق اللهب الأزرق.
بكونه قد قام بالفعل بتنشيط رؤيته الروحية، رأى لوميان شخصية شفافة. إمتلك لديه شعرًا بنيًا وعينين بدتا عاديتَين إلى حدٍ ما. رايمون غريغ.
كان لا يزال في القرية حقًا.
بدا جسد رايمون منتفخًا، وجهه شاحب، بتقطر دموع دموية من زوايا عينيه.
‘ما-‘ من الواضح أن أورور قد صُدِمَت.
بعد إعادة الحلقة، كان رايمون قد إختفى فقط ولم يغرق. كيف إنتهت روحه هكذا؟
صحيح. لو لم يكن قد غرق فكيف أصبح روحًا؟
‘لقد كانتا متناقضتين…’
وسط إرتباكها، تساءلت أورور، “رايمون غريغ، لماذا اختفيت؟”
فجأةً أصبح تعبير رايمون شرسًا وهو يصرخ بحدة، “لقد أغرقوني!”
~~~~
وأخيرا، الفصل الثاني، أرجو أنه قد أعجبكم
رايمون المسكين…
ذلك كل شيء للآن، أراكم غدا إن شاء الله
إستمتعوا~~