60 - 'الراقص'
لم يكن لوميان في عجلة من أمره لتعقب ريان، ليا وفالنتين. بدلًا من ذلك، توجه مباشرةً إلى الحانة القديمة، على أمل أن يكون محظوظًا.
إذا ظهرت تلك المرأة الغامضة، فقد إمتلك عدد كبير من الأسئلة لها!
قبول هديتها قد ألزمه بتكاليف مستقبلية ما. فَـلِـمَ لا ينتهز الفرصة للحصول على المزيد من الفوائد، كما نصحت أورور.
في اللحظة التي خطى فيها لوميان إلى الحانة القديمة، لمعت عيناه.
جلست المرأة الغامضة في مقعدها المعتاد في الزاوية، كأسان من الأفسنتين الزمردي أمامها.
‘كأسان؟ عرفت أنني سآتي؟’ اقترب لوميان بإبتسامة وحياها.
“صباح الخير.”
كانت ترتدي بلوزةً بيضاء بنقوش أوراق العنب على ياقتها وفستانًا بيج بطول الكاحل، وبجانبها قبعة حمراء فاتحة.
أدرك لوميان، الذي لم يكن غريبًا على مجلات الموضة لأخته، أن هذه قد كانت أحدث موضة في ترير.
نظرت إليه.
“الوقت متأخر. الظهيرة تقريبًا.”
‘هذا ليناسب جدولك الزمني، أليس كذلك؟’ فكر لوميان، منزعجًا.
لكن رؤية المرأة الغامضة جلبت له إحساسًا غريبًا بالهدوء.
جلس وركز على النقطة الرئيسية.
“لقد مررت بالكثير مؤخرًا.”
دفعت كأس الأفسنتين نحوه. كان السائل الأخضر الملتف كَـمنارة فرح.
لم تدعُهُ للتحدث ولم تُسكِته.
إرتشف لوميان الأفسنتين، ووجده غنيًا ومُنَشِطًا، مع ملاحظة مريرة خفية. طعمه قد إختلف عن أي أفسنتين كان قد تناوله من قبل.
“ما هذا؟” سأل في حيرة.
“نوع آخر من الأفسنتين- شائع جدًا في ترير هذه الأيام. لتمييزه عن الأصلي، يدعوه الناس أفسنتين الشمر. الكتاب والرسامون والشعراء مغرمون به بشكل خاص.” أخذت رشفة صغيرة.
بدا السائل الأخضر في الكأس الشفاف وكأنه قد إمتلك لونًا منومًا.
المكونات الرئيسية للأفسنتين كانت الشيح، الشمر واليانسون. إستخدم المنتجون المختلفون وصفات متنوعة قليلًا، حتى أن بعضهم أضاف زيوت الليمون الأساسية.
لم يفهم لوميان دوافعها. هل سافرت إلى ترير لإحضار أفسنتين الشمر فقط؟
لم يسأل. وبدلًا من ذلك، سرد الأحداث الأخيرة، في الواقع وفي الحلم.
شربت من كوبها الصغير من أفسنتين الشمر، مُستَمِعةً بهدوء لرواية لوميان.
“ذلك كل شيء. هل يمكنني تعلم تلك الرقصة الغامضة بأسرع ما يمكن؟” سأل بصراحة.
لم يكلف نفسه عناء الإستفسار عن مفتاح الحلقة أو سر الحلم. أخبرته التجربة أنه لن يحصل على إجابة مباشرة.
حركت المرأة السائل الزمردي وإبتسمت.
“بدون زيادة كبيرة في المرونة، لن تتقنها أبدًا.
“يمكنك أن تجبر نفسك على رقصِ جزء، لكنك ستخاطر بتمزق أربطتك وعضلاتك. كيف ستصطاد الوحوش بعد ذلك؟”
كان لوميان معتادًا على قراءة المعنى الخفي في كلمات الآخرين.
“هل هناك طريقة لزيادة مرونتي بشكل كبير؟”
ضحكت. “ذلك لك لتعرفه.”
“…” إحتار لوميان من تلميحها الغامض.
إذا كانت أحد معارفه الأقل غموضًا، فكان ليطلب، “إشرحي نفسك! لا تجعليني أركع وأتوسل!”
كأنها تقرأ أفكاره، ابتسمت وأضافت، “يَكمُنُ حل مرونتك في داخلك.”
“هاه؟” بدا لوميان حائرًا.
ارتشفت أفسنتين الشمر خاصتها وتنهدت.
“ألم تعلمك أختك السحر الشعائري؟”
لاحظ لوميان وميض المشاعر الغريبة في عينيها مرة أخرى.
“لقد فعلت.” تسارع قلبه. “أُصلي لنفسي؟”
قيَّمتهُ وضحكت.
“من تظن نفسك؟ ما فائدة الصلاة لك؟
“لا يمكنك إلا استدعاء أضعف مخلوقات عالم الروح. إن إدراكك الروحي يتحسن مع جسدك.”
‘حدس الخطر مثلا؟’ أدرك لوميان جوهر كلماتها.
على الرغم من تعزيز روحانية الصيادين، إلا أنها ركزت على الإدراك الروحي وقصرت في السحر الشعائري ومسائل الغوامض الأخرى.
“إذن، ما الذي علي أن أفعله؟” ضغط لوميان.
تنهدت السيدة بضجر. “لقد درست قانون الطقوس الثنائية، أليس كذلك؟”
“نعم.” أومأ لوميان.
تنهدت السيدة مرةً أخرى. “لحسن الحظ لديك أخت. وإلا، لكان علي أن أعلمك كل معلومات الغوامض المربكة تلك. متعب للغاية.”
‘تقصدين أنكِ لم تخبريني عن السحر الشعائري، التأمل، الرؤية الروحية، المخلوقات المتعاقدة أو اللغات السحرية لأن ذلك كان متعبًا للغاية؟ ظهرتي بعد أن أنهت أورور تعليمي فقط؟’ شعر لوميان بالغضب يتصاعد بداخله.
أخذ نفسا عميقًا وقال، “الطقوس الثنائية تتطلب غرض مرتبطًا بشكل وثيق بالآلهة أو الكائنات الخارقة، لكن ليس لدي أي منها…”
تلاشى صوته بينما أذهلته فكرة.
إبتسمت المرأة بسخرية وقالت، “أوه نعم، لديك.
“ألا تتذكر؟”
وضع لوميان إصبعه على صدره.
“رمز الأشواك والرمز الأسود المزرق؟”
أومأت السيدة برأسها قبل التذكير، “إنسَ الرمز الأسود المزرق. مفتاح الطقوس الثنائية هو توجيه القوة الإلهية في الغرض. إذا انخفضت قوته، فسيتم تعطيل التوازن في جسمك. وعندما يحدث ذلك…”
تركت الجملة معلقة لكن تعبيرها أخبر لوميان كل ما إحتاج إلى معرفته.
في كلمات أورور المظلمة المعتادة، “لا أمل. لننتظر الموت فقط!”
“هل يحميني الرمز الأسود المزرق من الفساد؟” عرف لوميان ما يكفي عن الغوامض ليعرف أن حالته الحالية هي فساد.
“إنه الوجود العظيم الذي ذكرتُه من قبل والذي يحميك.” قالت المرأة بجدية، “بمجرد أن تحل سر أنقاض الحلم، سأخبرك بـإسمه الشرفي. يمكنك أن تصلي إليه مباشرةً.”
‘هل ختم هذا الوجود العظيم الفساد الذي ترمز إليه الأشواك في قلبي، ومنعه من إفسادي بالكامل؟’ لم يعرف لوميان ما إذا كان هذا الوجود العظيم خيرًا أم شريرًا، أم كانت له نوايا شريرة، لكنه شعر بألفة غريبة معه في هذا الشأن.
فكر للحظة وخمن، “إستخدام طقس ثنائي لسرقة قوة رمز الأشواك؟
“إذا انخفضت قوته، سيضعف الفساد ويقوى الختم؟”
“كيف تدعوها سرقة؟” ردت السيدة. “إن هذا مناشدة كيان من أجل هبة. يصادف فقط أن لديه بعض قوته في مكان قريب. الإستجابة تتبع قانون القرب. بفضل الختم من الوجود العظيم والحواجز التي تخفف، فإن الجسد الحقيقي للكيان لن يشعر به.”
‘فقط الغامضون أمثالك الذين يتحدثون بالألغاز يعرفون كيف يجملونها… ما الفرق بين هذا والسرقة؟’ فكر لوميان بتوتر.
من شرح السيدة للهبة الإلهية والمسارات غير الطبيعية، سأل بذكاء:
“من خلال الطقس الثنائي، هل يمكنني مناشدة القوة الكامنة وراء رمز الأشواك وأطلب منه أن يمنحني القدرة على زيادة مرونتي بشكل كبير؟”
“شيء من ذلك القبيل.” قالت السيدة، “لكي أكون دقة، إطلب منه أن يمنحك قوة الراقص.”
“الراقص؟” فكر لوميان في أداء رجل النودل.
تناولت السيدة رشفة من الأفسنتين وقالت، “لمسارات التجاوز البعيدة عن 22 العادية، نصنفها من التسلسلات 9 إلى التسلسلات 0 للراحة.
“بطريقة ما، يتبع تقسيم التسلسلات هذا قواعد هذا العالم.”
“هل يتوافق الراقص مع التسلسل 9 لرمز الأشواك، تمامًا كما يتوافق مقيم الحلقة مع التسلسل 4؟” أطلق لوميان. “هل يمكن أن يعزز مرونتي ويحسن مهاراتي الغامضة، مما يتيح لي بسهولة إستيعاب تلك الرقصة الغامضة؟”
ابتسمت السيدة بإرتياح. “كما هو متوقع، بأساس في الغوامض، يصبح التواصل أسهل بكثير. لا حاجة لي للمزيد من التوضيح.”
سأل لوميان بلهفة، “إذن ما هي التسلسلات 8، 7، 6 و5 لرمز الأشواك؟”
“التسلسل 8 هو راهب الصَدَقات، و التسلسل 7 هو المتعاقد. يا إلهي، لماذا تريد أن تعرف كل هذا؟ أتقن الطقس أولًا وأُبذل قصارى جهدك لتصبح راقصًا في أسرع وقت ممكن.” كانت المرأة تفقد صبرها.
‘راهب الصدقات… المتعاقد…’ سقطت هذه الأسماء في مكانها بالنسبة لوميان.
أشار راهب الصدقات إلى بعض الأعضاء في مختلف الكنائس في الواقع.
كانت كنيسة الشمس المشتعلة الأبدية مليئة بالفصائل، لكل منها معتقداته الخاصة. برزت مجموعتان رئيسيتان؛ نظام الدعاة وإخوان الصغرى، والمعروفون أيضًا بإخوان راهب الصدقات.
تكون الأول من رجال الدين والمنقِّين من محاكم التفتيش الذين كرسوا أنفسهم للإضطهاد القاسي وتطهير الزنادقة، المهرطقين والمتجاوزين غير الرسميين، كل ذلك بإسم تعزيز التعاليم الأرثوذكسية للشمس المشتعلة.
الأخرون مع ذلك، قد تركزوا بشكل أساسي في الأديرة، مع وجود عدد قليل من رجال الدين في صفوفهم. لقد إعتنقوا الاعتدال، متوسلين من أجل الطعام وتدربوا على التقشف، ووَعَظوا في أماكن فقيرة مختلفة، كل ذلك بهدف نشر إيمان الشمس المشتعلة.
عند ذكر راهب الصدقات، فكَّرَ لوميان على الفور في المبشرين، الزهد والسحر الشعائري الخاص.
أما بالنسبة للمتعاقدين، فإن أول ما تبادر إلى ذهنه هو العلامة السوداء على الأب ووحش فتحة الفم.
أوضحت أورور أنها قد تكون علامة خلَّفَها عقد خاص.
“إنتظري، الوحش الذي قتلته كان متعاقدًا؟” سأل لوميان بتفاجئ.
‘لقد قتلت في الواقع وحشًا مكافئًا للتسلسل 7؟’
أومأت السيدة برأسها بخفة وقالت، “نعم، يستخدم المتعاقدون عقودًا خاصة وألوهية يوفرها ذلك الوجود كشهود للحصول على قوى مختلفة من مخلوقات مختلفة. كل عقد يتوافق مع قدرة واحدة.
“سواء كانوا أقوياء أم لا يعتمد على القدرات التي حصلوا عليها وعددها. ليس من المستحيل على الناس العاديين قتلهم إذا سلكوا الطريق الخطأ.
“في الواقع، تحدث مواقف مماثلة في مجال التجاوز. من الشائع أن يتم قتل المتجاوزين الذين ليسوا ماهرين في القتال على يد من هم في التسلسلات الأدنى.
“القدرة مهمة، مثلها مثل الذكاء. التحضير المسبق مهم بنفس القدر.”
~~~~
إستمتعوا~~