56 - حدس
كلما زاد تفكير أورور في هذه المسألة، كلما إزدادت شكوكها.
‘كيف يمكن لغيوم بينيت عديم القوة أن يقهر بيير بيري العظيم، الذي إمتلك ما لا يقل عن قدرتين خارقتين للطبيعة؟’
‘إذا فضَّلتْ القوة السرية حقًا الأب لدرجة أن زمرتهم إعتبرته قائدهم، ينبغي أن يكون قد مُنح بركةً منذ زمن بعيد وأن يُرفع فوق العوام.’
‘وإذا رفض البركة، فسوف يواجه النبذ حتما.’
‘في هذه الظروف، مكانته، سلطته ومكائده أصغر مقارنةً بقوته أو الهوة التي فصلته عن الألوهية.’
إفتقرت أورور لترف الوقت لإعتبار هذا ولم يمكنها إلا تصور تفسيرين معقولين.
إما أن غيوم بينيت لم يكن القائد الحقيقي للمجموعة الصغيرة وكان فقط يستغل مكانته لتنظيم وإخفاء الشذوذ عن كنيسة الشمس المشتعلة الأبدية في داريج.
أو أنه لم يكن يرفض البركة حقًا بل كان ينتظر الوقت للوصول إلى قوة أكبر.
لم يُبَشِر أي من التفسرَين بالخير.
وجَّهتْ أورور نظرتها إلى الخراف الثلاثة وسألت، “من هو الرجل الذي رافق بيير بيري في إعتداءه عليكم؟”
خَربَشَتْ الخراف الثلاثة إجاباتهم.
“نيور باستيت.”
“راعي يدعى نيور.”
“يستخدم الإسم نيور.”
‘حصل نيور باستيت أيضًا على قوة غير عادية؟’ كانت أورور مألوفة بالفرد المعني.
كان نيور راعي من كوردو كثيرًا ما رعى قطيعه جنبًا إلى جنب مع بيير بيري. لكن يبدو أنه لم يعد في وقت مبكر هذه المرة.
تساءلت أورور، “أين نيور؟ لم أره في القرية.”
تحركت الخراف الثلاثة لخطوات أبعد قليلا ووجدت رقعة جديدة من التربة غير المميزة لتكتب عليها.
“إنه ميت.”
“قتلتُه.”
“قضينا عليه، لكن تم القبض علينا.”
‘لقد وقع ضحيةً لهجوم مضاد؟’ أومأت أورور متأملة.
“هل كلكم متجاوزون؟”
توقفت الخراف الثلاثة عن الكتابة بلغة المرتفعات بحوافرهم وأومأوا بالموافقة.
تقبلتهم أورور بإيجاز وهي تتسارع لمعالجة الآثار المترتبة عن ذلك.
‘يقوم بيير بيري ونيور باستيت بصيد المتجاوزين. ما دافعهم؟’
‘وأحدهم قد مات الآن…’
‘إما أن قدرات نيور سيئة مقارنةً بِـبيير، أو أنهم إكتسبوا قوتهم من خلال المباركة وليسوا بارعين في إستخدامها. معارك التجاوز قد تواجه التعقيدات بالتأكيد…’
نظرت أورور إلى الخراف الثلاثة مرةً أخرى وسألت، “هل تعرفون لماذا أمسككم بيير؟”
استأنفت الخراف الثلاثة الكتابة.
“سمعته يتكلم عن الإله والتفاني.”
“قد يكون لتضحية دم.”
“أظن أنه يريد أن يقدمنا كتضحية لإله شرير.”
‘تماما، يمتلك المتجاوزون روحانية عالية بشكل ملحوظ وخصائص فريدة. ويتفوقون على البشر العاديين كتضحيات، ويمكنهم إرضاء الآلهة الحاقدة بشكل أكثر فعالية… إستخدم بيير بيري ونيور باستيت رعي الخراف كخدعة لإختطاف المتجاوزين من بلدان أخرى لتقديمهم كتضحيات؟ إنه مخطط يُمَكنه من التهرب بسهولة من ملاحظة السلطات المحلية…’ أومأت أورور برأسها بخفة.
تحدثت بجدية، “هل ذكر بيير الاسم الفخري لذلك الإله؟ أو بالأحرى، لمن قد صلى خلال الطقس الذي حولكم إلى خراف؟”
فوجئت الخراف الثلاثة وكأنهم غرقوا في الذكريات.
فجأةً، أنزلوا رؤوسهم ومدوا حوافرهم نحو التربة التي أمامهم.
لسبب ما لا يمكن تفسيره، شعرت أورور بإنخفاض درجة الحرارة، وأن الشمس قد حُجبت بغيوم مظلمة، مع مرور نسيم جبل بارد.
بدأت الخراف الثلاثة في الكتابة.
أطلق الحدس الروحي لأورور إنذارًا قويًا، مما دفعها إلى الصراخ، “انتظروا!”
رفعت الخراف الثلاثة رؤوسها ونظرت إليها. في مرحلة ما، تجمعت دموع حمراء في عيونهم، وكان فراءهم ملطخًا ومروعًا.
في اللحظة التالية، استأنفوا الكتابة.
إلتفتَتْ أورور واندفعت نحو السياج.
عندما خرجت من الحظيرة ونظرت إلى الوراء، غُمرت الخراف الثلاثة في ضوء الشمس.
لولا بقع الدم على وجوههم، بدا كل شيء عاديًا تمامًا.
ثووومب، ثووومب… إستمر قلب أورور في الخفقان.
لاهثة بشدة، تنهدت بإرتياح.
‘لو لم أكن قد تعلمت ختم بصري ورأيت أشياء لم يكن عليّ رؤيتها، لما كنت سأتفاعل في الوقت المناسب…’
أخرجت قنينة من مسحوق حديدي أسود ونثرتها على حظيرة الخراف.
إختفت الكلمات المحفورة في التربة كما لو كان بفعل يد غير مرئية.
أما بالنسبة للبقع على وجوه الخراف، فقد وجدت أورور صعوبة في محوها بإستخدام التعاويذ، لذلك إمتنعت عن الاقتراب منها وغسلتها بالماء فقط.
لقد خشيت أن الخراف الثلاثة قد صارت مختلفة عما كانت عليه من قبل وآوت مخاطر كامنة.
…
في الحانة القديمة، جلس لوميان في البار، وهو يحتسي الأفسنتين ذو اللون الأخضر الفاتح، مرفقه الأيمن مسنود بشكل عرضي بينما فحص للغرفة.
لقد بحث عن السيدة الغامضة، لكنها لم تكن موجودة في أي مكان، ولا رايان، ليا وفالنتين.
لم يعرف لوميان متى ستصل الأولى، أما بالنسبة للثلاثة الأخيرين، فقد إفترض أنهم كانوا يتجولون في القرية، منخرطين في أحاديث عادية.
بيير بيري، الذي أنهى لِـتوه كأس الأفسنتين، إلتقط سائلًا أخضرًا شاحبًا جديدًا وثرثر، “أتيحت لي فرصة الزواج.”
“أذلك صحيح؟” شخر لوميان، “من قد يريد راعيًا؟”
تنهد بيير وأجاب، “معظم المراعي التي نرعى فيها مملوكة لأصحاب قصور أو قرى مجاورة. إذا أردنا الرعي، فعلينا دفع ضريبة مزرعة أو الزواج من فتاة قروية والإستقرار هناك.”
ابتسم لوميان. “ذلك شيء جيد لراعي.” أخذ بيير رشفة من الأفسنتين وألقى نظرة جانبية على لوميان.
“تلك الفتاة يجب أن تحبك ولا تطلب أي مهر.
“ذات مرة، اعتقدت سيدة أنني لست سيئًا ولم تمانع في أنني فقير وراعي. كانت مستعدة للزواج مني. أكانت حمقاء جدًا؟”
“نعم.” أومأ لوميان ‘بصدق’.
أخذ بيير رشفة أخرى من الأفسنتين وسكت لفترة طويلة قبل أن يقول، “لاحقًا، ماتت. عملت في مصنع في الضواحي ومرضت بسبب الإرهاق. ذهبت إلى العديد من الكاتدرائيات، ودفعت الكهنة للصلاة من أجلها، ووجدت أطباء لمعالجتها، لكن ذلك لم يكن مجديًا. بعد ذلك اليوم، أدركت شيئًا.”
سأل لوميان، وهو يأخذ جرعة من الأفسنتين، “ما كان ذلك؟”
ظهر الإستياء على وجه بيير وهو يجيب، “أولئك الذين يمتلكون اللحم ويتغوطون من خلفهم لا يمكنهم إعفاءنا من مأزقنا!”
سأل لوميان، “إذن، أولئك الذين ليس لهم لحم وأولئك الذين لا يتغوطون من خلفهم مقبولين؟”
ضحك بيير. “أولئك هم القديسين والملائكة، لكن هل سيتكرمون بالنظر إلينا؟”
أطلق لوميان تسك. “إذن لماذا ذهبت إلى الكاتدرائية لطلب مشورة الأب؟ إنه لا يمتلك اللحم ويتغوط من مؤخرته فقط، ولكن أيضًا ينغمس في الملذات الجسدية مع النساء.”
أدار بيير رأسه نحو لوميان وألقى عليه نظرة جانبية.
“أنت تفشل في الفهم. لديه ذكاء معين يمكنه أن يفدي أرواحنا.”
“ذكاء؟” كافح لوميان لفهم المصطلح. أخذ بيير رشفة أخرى من الأفسنتين ذو اللون الأخضر الفاتح، بدا غافلًا عن السؤال.
لم يجرؤ لوميان على ضغط الأمر أكثر، وبدلاً من ذلك سأل، “سمعت أنك زرت الكاتدرائية ظهرًا. لماذا عدت عند بعد الظهر؟”
أضاءت ابتسامة بيير الدافئة وجهه بينما أجاب، “في فترة ما بعد الظهر، يمكن للمرء أن يتحدث مع الأفراد ذوي التفكير المماثل.”
ولم ينفِ أنه زار الكاتدرائية في وقت الظهيرة.
تنهد لوميان بإرتياح، مدركًا أنه في الوقت الحالي، لن يبقي لأي شخص ذكرياته ويعطل تدفق التاريخ.
لقد إشتبه في كون بيير بيري قد زار الكاتدرائية ظهرًا للتشاور مع الأب مسبقًا عن مناقشتهم الجماعية الصغيرة المقرر إجراؤها في فترة ما بعد الظهر.
بعد الشرب ومع غروب الشمس في الأفق، ودَّع لوميان وبيير بيري بعضهما البعض وعادا إلى مسكنهما.
ظهر بونز بينيت، الأخ الأصغر للأب، فجأة مع عدد قليل من الجامحين وعرقلوا طريق لوميان عند وصوله إلى طريق منعزل.
حدق بونز بينيت، ذو الشعر الأسود الغرابي، ذو العينين اللازورديين، في لوميان وإبتسم بشكل خبيث.
“لقد كنت جيدًا ئي المزح ئي فترة ما بئد الظئر، أليس كذلك؟ إضاعة وئتنا في الئاتدرائية. لو لا أن الأب ئد كان موجودًا، كنت سأضربك، إيه! أيها الوغد، تعال وتناول XX من أبيك بونز.”
في البداية فوجئ لوميان بحماقة هذا الأبله.
كان حكمه وخاصة أورور صحيحين. في الدورة السابقة، لم يكن بونز بينيت على الأرجح قد إكتسب قدرات خارقة للطبيعة قبل جنازة ناروكا، وبالتالي لم يكن لديه أي إحساس بالخطر.
لقد تجرأ في الواقع على عرقلة طريق متجاوز! دون تردد، استدار لوميان وانطلق، مع بونز وجامحيه في مطاردة ساخنة.
ومع ذلك، بمجرد خروجهم من الممر بين مبنيين، فقدوا رؤية هدفهم.
قام بونز بينيت بفحص محيطه وأمر أتباعه، “انتشروا وابحثوا.”
واعتبر أنه من المستحيل أن يفر لوميان بتلك السرعة وظن أنه كان يختبئ في مكان قريب.
قام الجامحين بالتفرق وتمشيط المنطقة بحثًا عن أي مخابئ محتملة، تاركين بونز بينيت بمفرده عند مدخل الطريق.
لوميان، الذي كان قد صعد إلى الطابق الثاني من المبنى المجاور، ضحك وقفز بإتجاه بونز.
بانغ!
أُرسل بونز مندفعًا إلى الأرض بقوة هائلة، لاهث لإلتقاط أنفاسه وعاجزًا مؤقتًا.
لو لم يقم لوميان بكبح نفسه وضربه مباشرةً، لكان قد كسر عدة عظام.
وقف لوميان أمسك ساعدي بونز وإبتسم له قائلاً، “تعال، فلنتعارف أكثر.”
قبل أن يقدم بونز أي مقاومة، سحبه لوميان إلى حضنه وضربه بركبته.
كادت عيون بونز أن تترك تجاويفها، وإلتوى وجهه من الألم.
ثووود!
أطلقه لوميان، سامحًا للرجل بالإنكماش على الأرض مثل الروبيان.
ثم استدار وإنطلق أسفل الطريق، مختفيا عن الأنظار قبل عودة الجامحين.
…
في المطبخ، والذي عمل أيضًا كمنطقة معيشة وتناول طعام جزئية، أطلع لوميان أخته على وضعه.
“زار بيير بيري الكاتدرائية في فترة ما بعد الظهر… تم تأكيد عدم إمتلاك بونز بينيت لأي قوى خارقة.”
أومأت أورور برأسها قليلاً وسردت تجربتها الخاصة، ولا سيما الخطر الذي لا يمكن تفسيره في النهاية.
تأمل لوميان للحظة قبل أن يعلق، “إدَّعتْ تلك السيدة الغامضة أن بعض الكيانات قد تفسدك بمجرد الإعتراف بوجودها.”
~~~~
قال الكاتب أن الاحداث ستتصاعد حقا بعد العاشر من أبريل، الوقت الذي سيتم إغلاق الفصول فيه، أيضا أحد الأسباب التي جعلته يحشوا هذه الفصول بالتفاصيل عن الطقوس هو لأنه سنحتاجها لاحقا ولها تأثير كبير في الكتاب، وسبب أخر هو أنه أراد أن تكون هذه المعلومات في الفصول المفتوحة لكي لا يضيع الناس أموالهم لفتح فصول ليجدوها محشوة بالتفاصيل~
ذلك كل شيء للآن، أراكم غدا إن شاء الله
إستمتعوا~~