53 - علامة
‘مجسات؟’ أُذهل لوميان للحظات قبل التعرف على الزوائد التي لفت الكتلة اللحمية.
لقد عرف روايات أورور جيدًا ورأى كل الرسوم التوضيحية. لم يتذكر فقط كل مشهد ميلودرامي، لكنه أيضًا إستوعب مفاهيم تعدت فهم رفاقه، مثل المجسات الوحشية.
لفت سبعة أو ثمانية أشرطة الكتلة اللحمية، وسحبتها نحو المبنى المنهار.
ظهرت هيئة من وسط فوضى الركام المتناثر.
إمتلك المخلوق شكلًا بشريًا، مع الجزء العلوي من جسمه وقدميه عاريتَين، مرتديًا سروالًا أسودًا فقط.
لكنه إفتقر إلى رأس، لم يمتلك إلا بقايا من الرقبة. ملأت دائرة من الأسنان الحادة المقطع العرضي، وكان جلده القرمزي يتلألأ بينها.
لم يستطِع لوميان إلا تخيل إنسان تم إستبدال رأسه ونصف عنقه بفتحة غريبة ومفتوحة. هز رأسه، غير قادرٍ على تحديد نقطة ضعف للهجوم عليها.
نبتت سبعة أو ثمانية مجسات لحمية من فاه الوحش، ساحبةً بسرعة الكتلة اللحمية أمامه ورافعةً إياها.
إنفتح فم عنق المخلوق كالسرخس.
إنغلقت أسنانه اللؤلؤية الشبيهة بالإبرة على اللحم، مبتلعةً إياه بالكامل كثعبان يلتهم فريسته.
سخر لوميان بصمت.
‘إذن، ما زلتُم بحاجة للأكل. ظننت أنكم يا رفاق تستطيعون النجاة بدون طعام…’
ثم غرق في تفكير عميق.
‘يجب أن تكون الوحوش شائعة في هذه الأنقاض. يجب أن يكون الطعام شحيحًا…’
‘لذلك تتغذى بعض الوحوش على الآخرين، مثل الآن. أو ربما الجميع صيادٌ وفريسة…’
‘أيمكنني إغراء وحشٌ لا يهزم نحو الآخرين وإستغلال الفوضى؟’
‘من الناحية النظرية، نعم. لكنه محفوف بالمخاطر. قد يتعاونون لقتلي أولًا…’
بينما فكر كان لوميان في الأمر، لاحظ أن صدر الوحش- المهتز من جهد الهضم- بدأ في الإنتفاخ والتقلص، كما لو كان يمر بعملية هضم مكثفة.
جذب هذا انتباه لوميان وجعله يدرك أن صدر الوحش كان أي شيء إلا عادي.
زيَّنتْ ثلاث علامات سوداء تشبه الختم صدريته وقاعدة عنقه.
‘ما…’ توسعت بؤبؤا لوميان بشكل غريزي، مجتهدين للحصول على نظرة أفضل.
لقد رأى شيئًا مشابهًا على الأب!
في نهاية إحتفال الصوم الكبير، إنتفخ جسد الأب ومزق ملابسه ليكشف علامة سوداء!
عند الفحص الدقيق، أكَّدَ لوميان أن الأختام السوداء الثلاثة الموجودة على الوحش قد تطابقت مع خاصة الأب.
مؤلفةً من كلمات ورموز غامضة، بدت وكأنها متصلة بعالم لا يوصف.
الإختلاف؟ حمل الأب ما لا يقل عن 11 أو 12 علامة، بينما كان للوحش ثلاثة فقط.
‘ما خطب هذه العلامات؟ أتمنحها قوة خفية؟ وكلما زاد عدد ما لديك، كلما زادت الهبة؟’ تساءل لوميان، في حيرة من أمره.
حاول عبثًا حفظ العلامات لكنه لم يستطِع في مثل هذا الوقت القصير. بدون قلم أو ورقة، لم يمكنه إعادة إنتاجها أيضًا.
إنتهى الوحش من هضم الكتلة اللحمية. أرجح ذراعه، هازًا المجسات بجانب فتحة فمه.
لمعت العلامة تحت رقبته، وإنبثقت همهمة منخفضة من صدره.
تضخم الصوت، مشابهًا لمرور دوامة من الهواء عبر خلية نحل، تصفر عبر أنفاقٍ لا حصر لها.
توسعت الفتحة الشبيهة بالبوق، مما أدى إلى تضخيم الضجيج المصيب للجنون.
أزعجت الضوضاء أعصاب لوميان، مما جعله يشعر بالرغبة في ضرب الوحش.
‘ضجيجُكَ لا يطاق، أتعلم ذلك؟’
بينما تدفق الغضب عبر عروقه، تصرف لوميان غريزيًا، قافزًا من سطح المنزل المنهار جزئيًا، وبيده بندقية الرش.
بانغ!
ضرب لوميان الأرض بقوة، وعيناه تركزان على فم الوحش الغائر المليء بالأسنان الحادة.
كان على وشك تمزيق حفرة جديدة للطرف الأخر لكونه خنزيرًا عجوزًا عنيدًا، لكن الصفاء استحوذ عليه كَـيَدٍ حديدة. شعر بالعجز، كعابر طريق تم دفعه إلى خشبة مسرحية مميتة.
ركز فم الوحش الدموي عليه، ولم يصدر أي صوت.
“أيمكنني قول أنني آسف، إنه سوء فهم؟” تمتم، صوته مسموع بالكاد.
لقد شك في وجود خطأ ما في الضوضاء الآن، مما جعله يفقد عقله. ويقفز من مخبأه ويحاول الهجوم!
لكن الوقت قد فات على الاعتذار. كان عليه أن يختار: القتال أو الفرار.
من خبرته، عرف لوميان أن الهرب لم يكن خيارًا. كان الوحش سليمًا ومستعدًا، مجساته الثمانية مرفوعة ومستعدة للهجوم.
لذلك، إذا أراد الهرب حقا، فعليه القتال قبل أن يجد فرصة!
إذا أراد النجاة، فعليه القتال. دون تردد، رفع لوميان بندقية الرش في يده، محملة بقذائف رصاصية.
بانغ!
فوجئ الوحش بسرعة لوميان وحزمه. لم يمتلك أي فكرة عن ما كانت بندقية الرش ولم يكن لديه فرصة بينما تم رشقه بقذائف رصاصية.
“آه!”
عوى من الألم، فمه المملوء بالأسنان الحادة يُفتح غريزيًا. كان صدره فوضى دامية، بما في ذلك العلامة السوداء على جانبه الأيمن.
ومع ذلك، بدت العلامة السوداء وكأنها قد حفرت في دمه ولحمه. كانت لا تزال مرئية بشكل واضح ولم تُصَب بأذى.
لم يستمتع لوميان بصراخ الوحش. أعاد تثبيت نفسه بسرعة وأخرج رصاصة جديدة من حقيبته.
ولكن قبل أن يتمكن من التصويب مرةً أخرى، توهجت العلامة السوداء على الجانب الأيسر للمخلوق، وإختفى في الهواء.
هكذا فقط، لقد اختفى أمام لوميان!
‘هل هرب أو أصبح غير مرئي؟’ ضغط دماغه للحصول على إجابات من مختلف الروايات التي كتبتها أورور ومعرفة الغوامض التي علمتها.
بحث لوميان بشكل محموم عن أي علامة عنه، لكنه إختفى تماما.
أدى هذا المشهد والصعوبة التي لم يواجهها من قبل أبدًا إلى ذعر لوميان. أراد أن ينتهز الفرصة للهروب وأخذ لا شعوريًا بضع خطوات إلى الوراء.
تم سحب كاحلي لوميان فجأة، وفقد توازنه، مقلوبًا ومتدليًا رأسًا على عقب.
ظهرت مجسات لحمية داكنة من العدم، تلتف بإحكام حول ساقي لوميان وترفعه.
كان الوحش أمامه مباشرةً، علامته السوداء على جانبه الأيمن متوهجة. إتسع الفم المليء بالأسنان البيضاء الحادة الذي يشبه الدوامة ليكشف عن جزء داخلي أحمر دموي.
كانت الرائحة الكريهة غامرة، وشعر لوميان بالدوار وهو معلق رأسًا على عقب.
إستطاع رؤية جلد فم الوحش ذو اللون الدموي وأسنانه التي لا تعد ولا تحصى.
مفكرًا بسرعة، أمسك بإحدى المجسات ولفها بإحكام حول ذراعه. وهو معلق، صوب بندقية رشه على فم الوحش وأطلق النار.
بانغ!
صرخ الوحش بينما تناثر اللحم والدم من فمه.
رمى لوميان بعيدًا، وأصبح جسده شفافًا قبل أن يختفي مرةً أخرى.
إرتطم لوميان بالأرض وتدحرج قبل أن يقفز مجددًا، مصممًا على العثور على هدفه.
فجأة، أمسك نفحة من الدم تقترب منه. قفز في الإتجاه المعاكس دون تردد.
ظهرت مجسات مظلمة من الهواء حيث كان يقف، لكنها أخطأت هدفها.
عاود الوحش الظهور على بعد ثلاثة إلى أربعة أمتار، فمه الذي يشبه الدوامة مفتوح على مصراعيه، جاهزٌ للهجوم.
حمّل لوميان بندقيته بذخيرة رصاصية، لكن العلامة السوداء على الجانب الأيسر للوحش توهجت وإختفى مرة أخرى.
‘الإختفاء. إنه الاختفاء حقًا!’ أصدر لوميان حكمًا على الفور.
إلى جانب لقائه السابق، لقد ظن أن هذا الاختفاء لم يستطِع إخفاء رائحته وسيفقد تأثيره بمجرد دخوله في حالة هجوم.
بعد إكتشاف الأمر، هدأ لوميان وسخر داخليًا،
‘كيف يمكنك أن تكون غير مرئي إذا لم تستطِع حتى إخفاء رائحتك؟’
كان إلتقاط الآثار نقطة قوة الصياد.
إستعاد لوميان رباطة جأشه وقام بمسح محيطه بهدوء وهو يلتفُّ حول المنطقة.
سرعان ما إكتشف آثار أقدام الوحش وأمسك رائحة الدم ورائحته النتنة التي لا يمكن إخطائها.
بإستخدام هذه الدلائل، تفادى هجمات الوحش وأطلق بندقية رشه، لكن يبدو أنه لم يمتلك أي نقاط حيوية. أصبح المخلوق أضعف بعد تعرضه للضرب لعدة مرات.
مع نفاد الذخيرة الرصاصية، فكر لوميان سريعًا في حل.
في غضون ثوانٍ قليلة، حصل على إجابة.
كان قد إستكشف المنطقة مسبقًا ووجد العديد من الفخاخ الطبيعية التي يمكن إستخدامها، بما في ذلك واحد سيكون مثاليًا لهذا الوحش.
عندما ظهر أثر قدمين باهتتين في المسافة، إستدار لوميان وركض، متجنبًا بصعوبة المجسات المظلمة اللحمية التي أخطأت هدفها.
إستمر بالركض، ينظر إلى الوراء من حين لآخر للتأكد من أن الوحش كان لا يزال يطارده ولتجنب أي هجمات.
أزيز، أزيز، أزيز!
لم تؤدي ‘ضوضاء’ الوحش إلا إلى إشعال غضب لوميان، مما جعله يرغب في الإلتفاف والهجوم بفأسه. لكنه ذكر نفسه أن هدفه كان قتل المخلوق، وليس فقط التنفيس عن إحباطه.
لحسن الحظ، لقد تذكر أن هدفه من الركض كان قتلَ ذلك الرجل. في الوقت الحالي، لم يكن يهربُ حقًا. الغضب والإحباط لم يغير خطته. لقد جعلاه أكثر تَحَفُزًا فقط.
ثووود ثووود!
أخيرًا، إكتشف المبنى نصف المنهار وإندفع إلى الداخل، وتوقف عند الحافة وتظاهر بالتمدد في كمين.
سرعان ما رأى خطوات الوحش الضحلة تقترب، بالإضافة إلى الرائحة الكريهة والدم.
قدَّرَ لوميان مسافة المجس وعاد بضع خطوات إلى الوراء. بضربة بفأسه، ضرب عمودًا حجريًا كان على وشك الانهيار، ثم ركله بقوة، مستخدمًا القوة الدافعة للتراجع.
لم يستطع المبنى نصف المنهار أن يتحمل الصدمة وإنهار، سلسلة من الصخور الثقيلة تملأ الممر. بوووم!
أطلق الوحش، المختفي والمستعد للهجوم، صرخة شرسة إستمرت لثانية واحدة فقط قبل أن يتم إسكاتهُ إلى الأبد.
~~~~
فصل اليوم الأول، أرجو أنه قد أعجبكم~
‘أيمكنني إغراء وحش لا يهزم نحو الآخرين واستغلال الفوضى؟’ أوجدنا إستعمال للوحش ثلاثي الوجوه؟ 🤔🤣~~