103 - خطة الأب
بقي ضباب أبيض كثيف في السماء، مبتلعا معظم الضوء وملقيا بأنقاض الحلم في شفق دائم.
وقف لوميان، ممددًا أطرافه ماسحا قمة الجبل المغطى بالدم بينما قيم حالته.
بالمقارنة بالصياد، تحسنت قوة المستفز، ردود فعله، سرعته وخفة حركته، وإن كان بشكل متواضع.
تعرف لوميان على ثلاثة تغييرات أساسية:
أولاً، نما جسده أكثر صلابةً وتحسنت قدراته على التعافي على ما يبدو.
ثانيًا، ازدادت روحانيته إلى حد ما. إستطاع الآن إبقاء على حالة التملك لأربع دقائق، بدلاً من ثلاث دقائق فقط.
أخيرًا، حصل على قوة تجاوز تدعى الاستفزاز.
تسببت هذه القدرة في تغيير حالة دائم بينما تطلبت أيضًا التنشيط بإدراك لتحقيق التأثير المطلوب.
شهدت مهارات مراقبة لوميان تحولًا نوعيًا، فاقت بكثير مهارات الشخص العادي. إستطاع الآن أن يميز بشكل فعال الكلمات، الأفعال والمواقف التي من شأنها أن تثير حساسيات هدفه بسهولة وتثير انفعاله.
عندما يتم استخدام الاستفزاز، ستندمج مع الإهانات والإذلال، مؤديةً إلى فقدان الهدف لرباطة جأشه.
كلما كانت الاستهزاءات والإذلال أكثر تفصيلاً، كلما كان الاستفزاز أكثر فاعلية. بذلك، فحتى كلمات بسيطة كـ’هراء لعين’ تستطيع إثارة الغضب إلى حد ما.
ضد خصم لا يستطيع التواصل، سمح الاستفزاز لـلوميان بإثارة هالة بغيضة.
ناسبت هذه القدرة تمامًا الفخاخ والكمائن التي برع فيها الصيادون، لكنها لم تكن ذات جدوى تذكر لـلوميان في حالته الحالية.
لم يعد لديه وقت للصيد. كمن تركيزه الوحيد في استكشاف ‘الجدار’ المحيط بـ’القمة’ الملطخة بالدماء والكشف عن سر أنقاض الحلم.
بالمقارنة، أرضته التحسينات التي طرأت على روحانيته ومرونته الجسدية. على أقل تقدير، إستطاع الآن التعمق أكثر في المنطقة المظلمة التي هدأته ذات يوم للنوم.
مع دفعة الجرعة، قام لوميان بتدليك صدغيه.
هذه المرة، تم تنشيط رؤيته الروحية بشكل سلس.
إمتلك أخيرا القدرة على استدعاء رؤيته الروحية بسهولة.
بدون تردد، قام لوميان بتغيير ملابسه وجمع معداته: الزئبق الساقط، الفأس الأسود الحديدي، كيس من القماش من الجبن والبسكويت. ألقى بندقيته على ظهره وخرج من المبنى الشبه تحت أرضي المكون من طابقين. وسط الضباب الرمادي الصامت، اجتاز البرية ودخل الأنقاض.
اتبع مسارًا مألوفًا، متجنبًا المناطق التي قد تكمن فيها الوحوش، وتقدم بحذر.
عند الوصول إلى المنطقة التي واجه فيها الوحش ثلاثي الوجوه، رقص لوميان، مما أدى إلى ظهور رمز الأشواك الأسود جزئيا.
مستخدما ‘التميمة’، عبر التضاريس الوعرة بشكل متزايد وصد العديد من المخلوقات المرعبة.
وصل أخيرًا إلى ‘الجدار’ الشائك الذي شكلته مجموعة من المنازل.
بعد لحظة من التفكير، اختار لوميان اتجاه.
قرر الدخول إلى المنطقة التي بدى وكأنه يكتنفها الليل، مكان أغرقه على الفور في إرتباك النعاس.
اقترح حدسه أن شيئًا مهمًا قد كمن وراء الجدار الشاهق المكون من الأشجار الملتوية. ومع ذلك، فإن المنطقة التي أشبهت بداية الليل قد إمتلكت احتمالية أكبر لإيواء سر أنقاض الحلم.
فبعد كل شيء، غالبًا ما كانت ‘الليل’, ‘النوم’ و’الأحلام’ مصطلحات ذات صلة.
في وقت محدد، بعد أن أدى لوميان رقصة طقسية أخرى، وجد نفسه في مكان أكثر ظلمة بشكل ملحوظ من محيطه.
زافرا ببطء، تقدم إلى الأمام بعزم.
على الفور تقريبًا، شعر لوميان كما لو أنه انتقل من نهار ضبابي إلى أمسية غائمة. غلف الظلال الأشياء من حوله.
ممسكًا بالزئبق الساقط، تثاءب وإستمر.
‘لا أستطيع النوم. لا أستطيع النوم!’ حث لوميان نفسه إلى الأمام.
أثناء تقدمه، ظل لوميان يقظًا، يدقق في المباني التي شكلت سور المدينة. ومع ذلك، فإن أسرار أنقاض الحلم قد استعصت عليه.
العملات الذهبية والحلي الأخرى لم تثر إهتمامه.
متقدما أعمق، تعثر عشرات الأمتار، وقوة إرادته وحدها تبقي عينيه مفتوحتين ضد النعاس الغامر الذي لف عقله.
بعد لحظة من التفكير، اختار التراجع. سيتفحص المنطقة الواقعة خلف الجدار الخشبي ويدخل هذه المنطقة المحفزة للنوم من زاوية أخرى.
لربما سيستطيع ذلك إدخاله إلى مواقع لم يكن ليستطيع الوصول إليها سابقًا.
قام لوميان بالإلتفاف وإستعادة خطواته، لكن النعاس استمر، وازدادت حدته مع كل لحظة مرت.
في النهاية، انهارت عزيمته. انزلقت عيناه، وسقط على الأرض.
استهلك الظلام رؤيته مرةً أخرى.
…
أمسك فجأةً ألم حاد بطن لوميان، مما جعله يلتف ويفتح عينيه.
أولاً، رأى لوحة جدارية مبهرة بقبة منحنية، متبوعة بمظهر الأب الصارم مع أنفه المعقوف قليلاً، والقبضة اليمنى لبونز بينيت، الذي سحبها بابتسامة شريرة.
‘تم القبض علي وجلبت إلى الكاتدرائية؟’ تعرف لوميان على المشهد فوق رأسه وقام بمسح محيطه بشكل غريزي.
رأى والد ريمون، بيير غريغ، والد أڤا، غيوم ليزير، وجاره لويس بيدو، وجميع القرويين تقريبًا.
تحول المذبح إلى حد لا يمكن التعرف عليه، وقد كان الآن مزين بالأرجواني والزنبق ورموز أخرى لذلك الكيان المخفي بدلاً من زهور عباد الشمس.
اختفى شعار الشمس المقدس، وحلت محله حلقة شائكة ملتوية بشكل غير طبيعي، تنضح على ما يبدو بسائل أسود.
بعد اكتشاف الرمز المألوف، شعر لوميان بموجة من الدوار مع ارتفاع الحرارة في صدره.
لقد عرف أن تلك علامة على أن الفساد داخله قد تفعل لكنه ظل محاصر داخل الرمز الأسود المزرق.
‘الأب وأتباعه حولوا الكاتدرائية إلى مذبح للكيان الخفي؟ القديس سيث المسكين…’ تخيل لوميان أن فالنتين سيهيج عند رؤية هذا.
مربوط بإحكام، قام بمسح محيطه، مرتاحًا لإيجاد أن الزجاج الملون والجداريات التي صورت الشمس المشتعلة الأبدية ووعظ القديس سيث قد كانت سالمة.
‘يبدو أنه قد تم إجراء التعديلات على عجل..’ استنتج لوميان الوضع الحالي للكاتدرائية.
وقف القرويون صامتين بشكل مخيف، مثل تماثيل شمع.
بعد مراقبة لوميان للحظة، قام الأب بتوبيخ بونز بينيت.
“كيف يمكنك تركه ينام؟ وجب أن توقظه بمجرد أن تعيده إلى الكاتدرائية!”
“مفهوم”، أجاب بونز بينيت، نظرته مراعية بشكل غير عادي، كما لو أن الأب قد كان إلهه أو حاكمه.
متكئًا على عمود، نظر لوميان إلى غيوم بينيت. “أين أورور؟”
ابتسم الأب بشكل مبهم. “ستعرف ذلك قريبًا بما فيه الكفاية.”
“وماذا عن الاجانب الثلاثة؟” ابتكر لوميان بشكل محموم خطة هروب أثناء محاولته لإبقاء المحادثة مستمرة.
حدق غيوم بينيت في الزجاج الملون، وارتاح تعبيره. “لقد هربوا. يجب أن يكونوا في أقرب مرعى جبال ألبي الآن. لكن لا تتوقع منهم أن ينقذوك وأورور الليلة. بمعرفة المتجاوزين الرسميين، سيتوقفون ويراقبون فقط. لن يتصرفوا إلا بعد تأكيد الوضع. في بعض الأحيان، يفضلون عدم فعل شيء على إرتكاب خطأ. هكذا أضاعوا عقدًا من حياتي”.
اعترف لوميان بنقطة الأب، لكنه عرف أن ذلك لم يكن سبب انتظار رايان والآخرين.
بدون فهم سبب أسْر أتباع الإله الشرير له ولأورور، لن تتخذ مجموعة رايان أي أفعال صارمة، مثل إعادة الحلقة بمغادرة كوردو. لقد أرادوا الانتظار حتى الليلة الثانية عشرة لكشف سبب الاضطراب هنا، ووضع أساس متين للهروب من المأزق في المستقبل.
تسبب صمت لوميان في اتساع ابتسامة الأب.
وأعلن بنبرة وكأن الأمر واضح، “أخطط لإكمال الطقس الليلة”.
‘ماذا؟’ إرتبك لوميان.
في حالة معنويات عالية، أوضح غيوم بينت بصبر، “أنوي نقل طقس الـ9 من أبريل إلى الليلة. لن تتاح الفرصة للأجانب الثلاثة للتدخل”.
‘ماذا؟ يمكن تقديم الليلة الثانية عشرة؟’ صدم لوميان، ذعر وأصبح غير قادر على الكلام بشكل لا يمكن تفسيره.
في تلك اللحظة، التفت غيوم بينيت إلى بونز بينيت وأمره، “قبل نقله إلى المذبح، تأكد من بقائه مستيقظًا. يمكنك استخدام أي طريقة، فقط لا تقتله.”
سأل بونز بينيت بلهفة، “ماذا لو قتله؟”
“سنموت معا!” حدق الأب في أخيه الحمقاء.
‘نقلي إلى المذبح وبدأ الطقس من جديد؟ أيمكن أن يكون الرمز الأسود المزرق علي مفيد مرة أخرى؟’ استقرت أعصاب لوميان بينما إستمع إلى محادثة الأخوين بينيت.
أعاد الأب توجيه نظرته إلى لوميان وانحنى. “لا تقلق، أنت لست الوعاء. لدينا خيار أفضل.”
‘خيار أفضل؟’ نما خوف لوميان وهو يتابع نظرة الأب إلى المذبح الأصلي.
ظهرت أورور هناك في وقت ما، مرتديةً رداء أبيض عادي، وشعرها الذهبي غير مزين وعيناها الزرقاوان فارغتان.
“أورور!” صرخ لوميان.
بقيت أورورا كالتمثال، غير مستجيب .
ابتسم الأب وأومأ.
“نعم، أختك هي الوعاء المتفوق. دورك في الطقس هو مساعدتنا في تسريع الجدول الزمني. لا نحتاج إلى انتظار تلك اللحظة بالضبط أو التحول في الأبراج.”
أرعب لوميان وإرتبك.
‘لماذا يمكنني المساعدة في تقديم طقس الليلة الثانية عشرة؟’
انحنى الأب مرة أخرى، ابتسامة ترقب على وجهه.
“لأن معظم الهبات التي صلينا من أجلها موجودة بداخلك.”
‘ماذا؟ كيف يعرف؟’ اتسعت عيون لوميان، مجهدةً نفسها لفحص وجه غيوم بينيت أكثر.
انحنى غيوم بينيت وهمس في أذن لوميان، “أتعتقد حقًا أنك وبواليس كنتما الوحيدين القادرين على الاحتفاظ بذكرياتكما في الحلقة؟”
~~~~