27 - استيقاظ سيف
🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿
📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة
🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت وعيها يتأرجح بين الفوضى والواقع، كالغرق في أعماق البحر ثم السحب ببطء نحو السطح
فتحت سيف عينيها ببطء، ورؤيتها المشوشة تتضح تدريجيًا
ما قابل عينيها كان سقفًا خشبيًا غريبًا، والهواء مليء برائحة خفيفة من الدخان والنار
كان جسدها ملفوفًا في فراش دافئ، وبشرتها تشعر بوضوح بدرجة الحرارة المريحة
جعلها الحذر الغريزي تمسح المكان بعينيها بسرعة
كان بيتًا خشبيًا، جدرانه وعوارضه بسيطة لكنها نظيفة، فيه بضع طاولات وكراسٍ خشبية أساسية، ومدفأة يشتعل فيها نار دافئة
لحسن الحظ، لم تكن هناك سلاسل أسر، ولا أسلحة ظاهرة
حاولت سيف أن تتقلب، لكنها شعرت أن جسدها لا يستجيب إطلاقًا، ضعيف جدًا حتى إنها لم تستطع أن تتحرك قليلًا
اللعنة! هذا الجسد لا يمكنه الحركة على الإطلاق!
جعلها ذلك تشعر بانقباض في قلبها
ثم غمرت ذاكرتها المأساوية عقلها كالموج المتدفق
دمار قبيلة هان يويه
إخوتها وأخواتها ووالداها ماتوا جميعًا بطريقة مأساوية بسبب الخيانة
ضحّى شقيقها الأكبر الأخير بنفسه لتغطية هروبها، ومات مع العدو
أغمضت عينيها، والحزن يجتاحها، وصدرها يشعر وكأن صخرة ضخمة تضغط عليه، مما يجعل التنفس صعبًا
“على الأقل ما زلت على قيد الحياة، وما زال لدي فرصة للانتقام!”
عضت على أسنانها، وقمعت حرارة عينيها، وحاولت تهدئة مشاعرها
في تلك اللحظة، انفتح الباب الخشبي بصوت صرير
فتحت سيف عينيها فجأة، ونظرت بحذر نحو المدخل
كانت تتوقع أن ترى جنودًا غرباء أو نبلاء أو القتلة الذين ذبحوا قومها
لكن الذي دخل كان امرأة نحيلة في منتصف العمر، تبدو في الأربعين من عمرها، وجهها يحمل بعض التجاعيد
كانت ترتدي ملابس قطنية بسيطة، وتحمل صينية عليها وعاء من العصيدة وكوب ماء دافئ، يتصاعد منه بخار يحمل لمحة من رائحة الطعام
عندما رأت المرأة أن سيف قد استيقظت، لمعت المفاجأة في عينيها: “أوه، لقد استيقظتِ أخيرًا يا ابنتي، لقد كنتِ محظوظة بالنجاة”
رفعت المرأة في منتصف العمر جسد سيف العلوي برفق، وجعلتها تتكئ على الوسادة الناعمة
ثم أخذت كوب الماء الدافئ واقتربت به ببطء نحو فمها، وقالت بنبرة لطيفة: “اشربي بعض الماء أولًا لترطيب حلقك، لقد كنتِ فاقدة الوعي لعدة أيام”
بعد لحظة تردد، فتحت سيف شفتيها قليلًا، مما سمح للمرأة بأن تقرب حافة الكوب من فمها
تدفّق الماء الدافئ ببطء إلى فمها، والشعور بالحرقة في حلقها حصل على بعض الراحة
لم تستطع سيف منع نفسها من البلع برفق، وبدأ وعيها يتضح تدريجيًا مع تغذية الماء
“على مهل، لا تتعجلي” كانت نبرة المرأة تحمل لمحة من الشفقة، “يا مسكينة، لابد أنك عانيت كثيرًا…”
ارتعشت رموش سيف قليلًا، ومرّت في عينيها لمحة من العتمة، لكنها لم ترد على كلمات المرأة
“لو لم يُرسل السيد أحدًا لإنقاذك، لكانت الوحوش البرية قد أخذتكِ!” بدأت المرأة تتحدث مع نفسها وهي تربت على ظهرها برفق
خفضت سيف عينيها قليلًا عند سماع ذلك، وشدّت أصابعها بخفة
السيد؟
هل هو نبيل من الجنوب؟!
تصاعد الحذر في قلبها، لكن وجهها بقي صامتًا
لم تلاحظ المرأة تغير مزاجها وأكملت حديثها: “لا تخافي، رغم أن سيدنا شاب، إلا أنه شخص بارز وطيب القلب، لا يحتمل رؤية الناس يعانون
ألا تعلمين؟ إنه حتى ينقذ العبيد الجرحى؛ نحن اللاجئين تلقينا الكثير من رعايته”
تحدثت بعفوية، لكن سيف شعرت بزيادة القلق
لقد تم انتشالها فعلًا من قِبل نبيل من البرابرة الجنوبيين!
منذ طفولتها، سمعت عددًا لا يحصى من الشائعات عن إمبراطورية الدم والحديد
كانوا غزاة ماكرين، كل واحد منهم بارد القلب، قساة، يحبون خداع الضعفاء بالأكاذيب، ثم يلتهمون كل شيء بلا رحمة
والآن سقطت في أيدي مثل هؤلاء الناس، ما جعل قلقها يتضاعف
وأول ما يجب عليها فعله هو ألا تدعهم يعرفون هويتها الحقيقية
رغم أن عائلتها قد دُمّرت الآن، إلا أن هويتها كأميرة سابقة لقبيلة هان يويه ما زالت تحمل قيمة هائلة
بالنسبة لأصحاب السلطة، فهي ورقة مساومة سياسية مفيدة جدًا
قد يتم إرسالها حتى إلى البلاط الإمبراطوري، لتصبح لعبة في يد بعض النبلاء
لم تستطع سيف قبول مثل هذا المصير أبدًا
فماذا عليها أن تفعل الآن؟
انحنت أصابعها قليلًا، وقلبها يخفق بقلق
الهرب مباشرة؟
سيف تخلّت بسرعة عن هذه الفكرة
جسدها الآن عاجز، ولا تعرف شيئًا عن تضاريس المنطقة
الفرار بتهور قد ينتهي بها إما إلى الموت في الطريق أو القبض عليها وإعادتها، وحينها ستسوء حالتها أكثر
التظاهر بالطاعة؟
ربما يكون خيارًا
يمكنها أن تتظاهر بالطاعة أولًا، وتراقب سرًا كل شيء هنا، ثم تبحث عن فرصة مناسبة للهروب
لكن لفعل ذلك، يجب أن تتصرف بحذر، فلا تدعهم يعرفون هويتها، ولا يشعرون بنيتها في الهرب
وطبعًا، الأهم هو أن تعرف ما نوع هذا “السيد” في الحقيقة
إذا كان فعلًا شخصًا طيبًا كما قالت المرأة في منتصف العمر، فقد تجد لنفسها بعض المساحة للتنفس
لكن إن كان ظاهره الرحمة وباطنه القسوة والخداع، فعليها أن تتهيأ للأسوأ
في كل الأحوال، لا يمكنها الجلوس مكتوفة الأيدي
وبينما كانت غارقة في التفكير، جاءت فجأة أصوات خطوات من خارج الباب، ترافقت مع إعلان الحارس: “لقد وصل السيد”
تشنج جسد سيف غريزيًا، وأصابعها تشبثت بالفراش، وحبست أنفاسها
كانت قد أعدّت نفسها ذهنيًا لمواجهة نبيل إمبراطوري بوجه سمين، وعينين ماكرتين، ورائحة عطر نفاذة
بل وأعادت في عقلها المشهد القادم مرات لا تحصى
إذا أهانها الطرف الآخر، فسوف تتظاهر بالخضوع وتنتظر فرصة للهروب
لكن، عندما فُتح الباب، كانت الحقيقة بعيدة تمامًا عن توقعاتها
الذي دخل كان شابًا وسيمًا بشعر أسود
يبدو في بداية العشرينات من عمره، طويل القامة ومستقيم، يرتدي بملابس أنيقة ومرتبة، لا فاخرة بشكل مفرط ولا رثة؛ كل شيء في مكانه الصحيح
لم يكن على جسده أي عطر قوي مزعج، ولا حُلي ذهبية مبالغ فيها، ولا هالة قاسية أو متعطشة للدماء؛ بل حتى أنه بدا عليه جو من الانتعاش والكفاءة
كانت عيناه تحملان نظرة فاحصة، لكنها لم تكن النظرة المتعالية المحتقرة؛ بل كان فيهما لمحة من اللين؟
تجمدت سيف لوهلة
هل هذا… نبيل من إمبراطورية الدم والحديد؟
هذا لا يتوافق إطلاقًا مع ما تربّت عليه منذ طفولتها!
في تصورها، نبلاء إمبراطورية الدم والحديد إما بطونهم ممتلئة جشعًا وعقولهم فارغة، أو جزارون باردو القلب؛ عطاشى للدماء، متعجرفون، وينظرون إلى البرابرة الشماليين كقطيع ماشية
لكن هذا الشاب أمامها لا يشبه أولئك الناس إطلاقًا
لكنها سرعان ما استعادت وعيها، ودق جرس الإنذار في قلبها
لا تدعي المظاهر تخدعك!
قد يكون هذا الرجل بارعًا في إخفاء حقيقته أكثر من غيره من البرابرة الجنوبيين
مظهره النظيف وسلوكه الأنيق لا يعنيان أنه يفتقر إلى الطموح أو المكر
لذلك، عليها أن تكون أكثر حذرًا!
قمعت سيف شكوكها، وخفضت جفنيها، تراقب بصمت كل حركة له
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
شاركنا رأيك واقتراحاتك في التعليقات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ