200 - حصاد وفير
🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿
📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة
🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم
📖 “وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ — سورة يس، الآية 33”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تكن صقيعة الصباح قد تلاشت تمامًا بعد، وكانت الشمس قد ارتفعت لتوّها فوق الطرف الجنوبي من حافة المدّ الأحمر، ترسل ضوءها على الحقول الواسعة
تموّجت موجة ذهبية عبر حقول الجاودار وهي تتمايل مع الريح، وتكدست حبات البطاطس كالتلال الصغيرة، وتمسكت قطرات الندى غير المتجمدة بأوراق اللفت تلمع ببريق واضح
حمل الهواء رائحة التراب والحبوب ونفَسًا خفيفًا من عبق اليخني، وكان ذلك فطور الفلاحين
قال لويس وهو يأخذ نفسًا عميقًا وتعلو شفتيه ابتسامة خفيفة: همم، رائحة طيبة
كان يرتدي زي ركوب رماديًّا مائلًا إلى الأزرق الفاتح، وبدا حذاء الركوب ملطخًا بالندى والطين، لكنه لم يُبالِ
هذه الأرض التي كانت قاحلة يومًا تعرض الآن مشهدًا نابضًا بعامٍ وفير
مشى ببطء بين السواقي الضيقة، ورفع بصره إلى صفوف سنابل القمح الممتلئة المنتظمة، كأنها تومئ له بتحية
ناداه صوت لاهث يتصبب عرقًا: يا— يا لورد لويس
كان الفلاح العجوز ميك يهرول من حقل اللفت، يمسح العرق عن جبينه وهو يسرع للقائه
قال وهو يلهث: لقد—لقد جئت بنفسك فعلًا، كنت أنوي أن أعمل قليلًا ثم أرفع التقرير
قال لويس وهو يربّت على كتفه: كان عليّ أن أرى بعيني، فالتقرير الذي كتبته قبل أيام يا ميك كان مبالغًا فيه قليلًا، وخشيت أن تكون تُفاخر
رد بحماس: إذن سأريك
قاد ميك لويس عبر المسالك بين الحقول، وخطاهم فوق تربة مقلوبة حديثًا رطبة لا تزال تنفث دفئًا خفيفًا من باطنها
قال مشيرًا: قمح هذا العام— اللون على السداد، والحبوب ممتلئة، والرؤوس متجانسة— كأنها ذهب
وأشار إلى الحقل على اليسار وقد حُصد معظمه، وامتلأت نبرته بفخر لا يخفيه: ليس أنه ضعف محصول العام الماضي فحسب، بل إن هذين الحقلين الأولين وحدهما— في ظني— يكفيان لأربع قرى طيلة الشتاء
رفع لويس حاجبًا، وحدّق في الفلاحين وهم يحملون الأكياس، تكدست الأكياس الثقيلة في صفوف مرتبة كأنها قلاع تستقبل الخريف
ولم يتوقف ميك، بل قاده إلى الجانب الآخر ولوّح بذراعه نحو المنحدر البعيد
قال: وهذه الدفعة من البطاطس نمت قوية أيضًا، لم أر درنات بهذا التجانس في الحجم من قبل، سلال فوق سلال نخرجها من الطين، ومنظرها يشرح الصدر
لقد زرعنا مبكرًا هذا العام وحصدنا بسرعة، ونظام الري بالينابيع الحارة عجيب حقًا— التربة لا تتجمد والبراعم تنمو بسرعة
مضى يمشي وهو يلهث، لكنه ظل يتكلم بسرعة، كأنه يفرغ دفعة واحدة كل ما تراكم في صدره خلال الأشهر الماضية
قال: رأيت اللفت، أليس كذلك؟ الجذور هذا العام تعمقت، والأوراق طرية عصيرة، وتربة الأسفل تغذينا حقًا
وجرّبنا زراعة أشياء جديدة أيضًا: جزر الشتاء، الفاصوليا الداكنة، والحنطة السوداء رقيقة القشرة التي جلبناها من الجنوب، لم تكتفِ بالإنبات، بل أعطت بذورًا كذلك
والفِجْل ذو القشرة الحمراء صُنّف على درجات، والكرفس الطري نُشف، والخشن منه للشوربة، وحتى فطر الطحالب وبقية خيرات الجبال لم نتركها تضيع
تكلم ميك بحماسة حتى إن لطخات الطين على وجهه بدت لامعة
قال: وإلى جانب الحبوب الرئيسية لدينا خضراوات برية مجففة ومخللات— كلها مخزنة معًا
بيت التدخين امتلأ تقريبًا، ونحتاج إلى مساحة جديدة
توقف قليلًا وقال وهو يرفع بصره إلى لويس: بصراحة— أنا فلاح طول عمري، ولم أر مشهدًا كهذا قط— أكياس تتكدس كجبال صغيرة، يا مولاي، طريقتك عجيبة حقًا
جثم لويس وأمسك قبضة من قمح طازج، ودلّكها في كفه، يمرر إبهامه على الحبوب يتحسس امتلاءها ودفأها
قال وهو يبتسم: اللون بالفعل جيّد، لكن مهما كانت الطريقة حسنة فهي تحتاج مهارة أمثالكم
فرك ميك يديه وارتسمت على وجهه بسمة: نعم، نعم— ولكنه الفضل أولًا للورد لويس، فكّرت طيلة الليل، وأحسب أن حبوبنا هي الأفضل في الشمال هذا العام
أضاف برادلي من الجانب: حجم الاحتياطي بلغ خمسة أضعاف العام الماضي، وفائض حبوب المدّ الأحمر لا يكفي المنطقة فحسب لعبور الشتاء، بل إن أحسنّا التوزيع فسيغطي احتياجات الإقليم ويدعم أقاليمًا أخرى أيضًا
أومأ لويس إشارة إلى أنهم أحسنوا العمل
عند حافة الساقية كان كثير من الفلاحين يستريحون قرب أكوام القمح، يحملون أوعية من عصيدة اللفت الساخنة
الدخان الأبيض يتصاعد من القدر عند طرف الحقل، والنساء يصببن الحساء من الأباريق، والأطفال يقرفصون على الأرض يلعقون أصابعهم الملطخة بفتات خبز القمح
قال فلاح أشيب وهو يحرك عصيدته وفي صوته شجن صادق: آه— هذه المرة الأمر مختلف حقًا
في السنوات الماضية كنا في مثل هذا الوقت نعدّ كل عود حشيش لنكفي أيامنا، والآن انظروا— حتى الصغار يأكلون عصيدتهم حتى الشبع
قال الرجل الضخم بجواره وهو يجرع حساءه ثم يلتهم نصف خبزة قمح: بخلاف الأقاليم الأخرى حيث يزرعون ثلاثة أجزاء فيتعفن منها اثنان، ومن الجزء الثالث يذهب أكثره ضرائب، في تلك الأيام كان الأمل في لقمة خبز أصعب من أمل ذوبان الثلج
ضحك أحدهم وأضاف: لا عجب أن جماعةً من الناس خلال الأشهر الماضية تسللت من الأقاليم الأخرى تزعم أنها «تزور الأقارب»، ومن لا يعرف أنهم يقصدون إقليمنا ليظفروا بشيء يؤكل، فانفجر الجميع ضاحكين
سأل شاب وهو يشمر عن ساعديه الأسمرين اللامعين بالشمس: ما رأيكم لماذا كان حصادنا هذا العام هكذا، تقول زوجتي إن السر في بيوت السلحفاة النارية وذلك المسحوق الأسود، تقول إنه يطرد الحشرات ويهوّي التربة
أومأ الفلاح العجوز فورًا: نعم نعم، أنا أزرع اللفت منذ ثلاثين سنة، ولم أر حشرات بهذا القِل، وحين ترش ذلك المسحوق يتنفس التراب
تنهد آخر وقد خفض صوته قليلًا: في النهاية، سمعت طوال هذه السنين نبلاء كثيرين يقولون إنهم يهتمون بالناس، فمن منهم نزل إلى الحقول، من يقف عند حقولنا ويسأل: هل شبعتم
قال آخر: لكن اللورد لويس— عمل بيديه فعلًا، متى لم يرَ بعينيه ويجرّب بيديه، أتذكرون حين وقف في الحقل العام الماضي يجرب بيوت السلحفاة النارية، رأيت بنفسي ساقيه وقد تاولعتا من الحرارة، ولم يتأوه
ضحكت زوجة شابة تكتم دمعها: الآن وقد ذكرتهم أكاد أبكي، قال طفلي: يبدو أن اللورد لويس يلقي سحرًا على الأرض، والأرض ترضى أن تُنبت طعامًا أكثر
قهقه أحدهم: حسنًا قلت، العيش في إقليم المدّ الأحمر كأنه ببركة عظيمة تظلّلنا
وفجأة قاطع الضحك سعال خفيف
ولّوا رؤوسهم فإذا بلويس، وإلى جانبه برادلي وميك، قد ظهروا عند طرف الحقل ينظرون إليهم بهدوء
وبعد لحظة صمت أدرك فلاح عجوز الموقف سريعًا، فوضع وعاءه ونهض مسرعًا: يا— يا لورد لويس
وفي طرفة عين وقف قسم كبير من الجمع على وقع حفيف
ثم وضع الفلاحون طعامهم وأدواتهم وجثوا بتحية واحدة متحمسة أمام لويس
توحدت أصواتهم في هتاف واحد
يحيا لورد المدّ الأحمر
لقد أتعبت نفسك يا لورد لويس
شكرًا لأنك أطْعمتنا
ترددت الهتافات فوق الحقول، وكانت تلك الحناجر الخشنة تحمل دفئًا متقدًا صادقًا قويًا، أشد اندفاعًا من أمواج القمح المتدحرجة في الظهيرة
توقف لويس قليلًا وقد بدا عليه العجب من هذه الحماسة المفاجئة
وبعد لحظة ابتسم ورفع يده: انهضوا جميعًا، الطعام لا يزال ساخنًا، لا تدعوه يبرد بسببي
لكن الحماسة لم تنطفئ بجملة واحدة
ناوله أحدهم وعاء حساء، وألحّت عليه نسوة كثيرات، فما كان منه إلا أن قبله، ثم جلس على مقعد طويل عند طرف الحقل وارتشف رشفات قليلة من الحساء الساخن
صعد بخاره الدافئ ممزوجًا بعطر الكرفس البري وعظام مطهوة، ومعه نفحات أعشاب وتراب بعيد، فأدفأ قلبه
ثم نهض وأكمل الجولة حول السواقي الرئيسية، يطمئن على نمو المحاصيل وتقدم الحصاد
وحيثما مرّ توقف الفلاحون عن العمل وحيّوه بهتاف
كان قد حُصد نحو نصف الجاودار، وأوشك اللفت والبطاطس أن تُخزن تباعًا، وكان الأطفال أحيانًا يلوّحون بجزر موحل كأنهم يرفعون كؤوس نصر يعرضونها على الكبار
قال أخيرًا وهو يقف عند زاوية مرتفعة من الحقل يحدق في أمواج القمح الذهبية البعيدة: …جيّد جدًا
غمض عينيه قليلًا وقال: أحسنت يا ميك
وقف ميك إلى جواره يحكّ رأسه ووجهه محمر، لا يُدرى أهو من الشمس أم من الفرح: لا أجرؤ على ادعاء الفضل، إنها طرائقك القديمة، وأنا لم أفعل إلا أن التزمت بها
أومأ لويس برضا ثم التفت إلى برادلي بجانبه
قال: أعطني ملخصًا عن الحصاد والاحتياطي الآن
كان برادلي ينتظر، فلما سمع انحنى قليلًا وفتح دفتره الخاص وتكلم بنبرة ثابتة تخالطها مسحة فخر
قال: نعم يا مولاي، أودِعت سبعة أعشار الحبوب الثلاث في إقليم المدّ الأحمر، وبينها يملك الجاودار أكبر احتياطي، واللفت والبطاطس أعلى بثلاثة أضعاف من الفترة نفسها العام الماضي
وأضاف: أما المحاصيل المبكرة والتجريبية في منطقة بيوت السلحفاة النارية— مثل جزر الشتاء والفاصوليا الداكنة— فقد أتمت حصدها الأولي، والكميات قليلة لكنها باتت تصلح لإسناد الوجبات
توقف لحظة وقلب صفحة أخرى: وبالنسبة للصيد فقد أنهت نقاط الصيد كلها حصتها، والسلمون المدخن والشبوط المخلل والسمك المجفف مخزنة وفق النسب، ومعها لحم الغزلان المعالج ببيت التدخين، والطيور البرية المجففة هوائيًا، وفطر الجذور، وأكياس الخضار البرية المجففة— مجموعها يكفي لإعاشة 6000 شخص لأكثر من 3 أشهر على الاستهلاك القياسي
قال: أما الأعشاب والنواتج الاحتياطية فقد سُلّمت الآن إلى نقابة الطب للفرز والتصنيف، ودخل بعضها بالفعل إلى مخزن الدواء
ثم تأخر خطوة ووقف ويداه على جانبيه
قال لويس بخفة: وماذا عن الأقاليم الأخرى
همس برادلي: في إقليم كانغلو وإقليم السهل الثلجي— وبسبب فرق الارتفاع— دخلت بعض المحاصيل المبكرة موسم الحصاد، أما إقليم هان شان فمحصوله متأخر نحو شهر لتأثير التربة، وإقليما حافة الجليد وفجر الشتاء أبرد، فلا نتوقع إنتاجًا واسعًا قبل أواخر الخريف
ومع ذلك فقد اعتمد الجميع طرائق الزراعة المحسّنة التي اقترحتها، بما فيها تخطيط تدوير المحاصيل واستخدام «الكولا الذهبية»، ورغم أنهم يفتقرون إلى ميزة الحرارة الجوفية، فالمحصلة ستكون أعلى من أقاليم بقية اللوردات بما بين مرة ومرة ونصف إلى مرتين
عندها تروّى لويس لحظة وقال: إذن— مع أن المدّ الأحمر أول من يحصد، فسيكون هذا العام عامًا وفيرًا لكل الأقاليم التابعة لي
أجاب برادلي: نعم
وفي البعيد، وعلى وقع النداء، أخذت العربات بين السواقي تتحرك ببطء، وتُعبّأ الأكياس واحدًا واحدًا وتُرصّ في انتظام
جاودار وبطاطس ولفت— حمولة كاملة تتنقل على عربات الدفع بقوة الأيدي، وصار طرف الحقل يعج كأنه محطة تحويل مؤقتة
وقع بصر لويس على الأكياس الثقيلة، وفكر لحظة ثم قال: يُنقل نصف هذه الحبوب إلى مستودع الصخر الأحمر، ويقسّم النصف الآخر ويُرسل إلى المباني الترابية في المواقع المختلفة
تردد برادلي قليلًا ثم خفض صوته واقترب يذكّره: يا مولاي— مستودع الصخر الأحمر ثابت الحرارة ومضاد للرطوبة والحشرات، فيحفظ الحبوب مدة أطول
كان يشير إلى منشأة التخزين التي بُنيت العام الماضي في الإقليم ووسّعت هذا العام خصيصًا لتخزين المزيد، وممرات المستودع الآن عميقة وغرف الصخر متصلة، وفروق حرارة السطح لا تكاد تؤثر فيه، وهو مكان حفظ ثمين فعلًا
نظر لويس إلى الجبال البعيدة وقد جدّ وجهه: قد تلوح تغيرات هائلة، حرب أو وباء، وللاحتياط إن وقعت فوضى كبيرة كان أسرع لنا توزيع الحبوب من المباني الترابية
لم يكن صوته عاليًا، لكنه جعل برادلي ينتفض، فانحنى فورًا وقال: مفهوم
لم تعد «المباني الترابية» اليوم مقصورة على مدينة المدّ الأحمر الرئيسية، بل وتحت إشراف ميك أُنشئت دائرتان مبسطتان في الشرق والجنوب على غرار المدينة الأم، للإسكان ونقل المؤن، وأقامت الأقاليم الستة التابعة مبنى ترابيًا بسيطًا سهل الدفاع، موزعة كنجومٍ تتجاوب
وكان ذلك درعًا للشتاء والحرب والخلية الأم
قال لويس وهو يعيد نظره إلى برادلي: وأيضًا— عبر نقابة تجار كالفين اشتروا مزيدًا من الحبوب من الجنوب، وحتى لو خزّنا محصول هذا العام كاملًا يجب أن نعدّ فائضًا إضافيًا
دوّن برادلي الأمر في دفتره وأومأ بجد: مفهوم، سأتواصل حالًا
توقف لحظة ثم أضاف بخفوت: في هذه الأيام يتحدث الجميع كيف أننا— بفضلك— سنقضي شتاءً طيبًا هذا العام
قال لويس وهو لا يلتفت، واقفًا بهدوء عند الساقية ينظر إلى ضوء الشمس وهو يقع على شوك القمح: آمل— أن يكون الأمر كذلك حقًا
بدا كأن تحت طبقة الذهب طبقة أخرى من ظل لم يُكشف بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
⚠️ تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك 🙏
أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة ✨، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها 🌸
🤲 المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي 💐، وبالشفاء العاجل لوالدتي 💖، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية 🌙
📢 ندعو قرّاءنا الكرام القادرين إلى دعمنا ودعم فريق العمل من أجل الاستمرار في ترجمة الروايات بأفضل جودة ممكنة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ