179 - التحقيق
🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿
📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة
🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم
📖 “وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” (سورة الإسراء، الآية 85)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغيوم الرمادية كانت تنخفض كأن السماء كلها تحبس أنفاسها ترقبًا لنذير شؤم قريب
امتزمت رائحة الأرض المتفحمة بنتن جثث قديمة متعفنة، فخدشت حاسة الشم كمدية يعبث بها الهواء
وأحيانًا كانت هبّة ريح تجلب معها أثرًا لزجًا كالقار، مزيجًا مقرفًا من معدن متآكل وبيض فاسد
ذبل كل نبات، وحتى زقزقة الطير المعتادة غابت عن الغابة، فلفّ الصمت الميت الأحراج الكثيفة أمامهم
وقف فيك أمام خط العزل، وخلفه عشرون فارسًا نخبة بدروع فضية داكنة مصطفّين بصمت
تقدم فارس من القوة المرابطة وسدّ الطريق بحزم قائلًا: هذه المنطقة محجوبة، يُمنع دخول غير المصرّح لهم
لم يُبدِ فيك ضجرًا، بل أخرج ببطء من عباءته صفيحة حديدية منقوشًا عليها شمس حاكم المدّ الأحمر
قال بهدوء: أرسلني حاكمكم
تبدلت ملامح الفارس المرابط فورًا وزال تحفّظه، وانحنى مقبوض اليدين قائلًا: إساءة منّي يا سيدي، اعذرني من فضلك، تفضل بالدخول
همهم فيك: لا بأس، وخطا إلى الداخل
وعبر طبقات من خطوط العزل، وألقى نظرة يجول بها: أرض ميتة متفحمة، ومشهد نظيف بشكل غريب، بلا جثث متحللة ولا آثار تمزيق، كأن كل شيء قد «مُحي»
اقترب فارس أوفده لويس إلى هنا وقال تقريرًا: منذ البداية وحتى الآن لم يُعثر على أحياء قرب هذه المنطقة، وآثار القتال تنتهي هنا أيضًا
رمقه فيك بطرف عينه وسأله بنبرة هادئة لكنها أوقعته على جمر: ألا وجود لاكتشافات أخرى
أطرق الفارس رأسه: …نعم
لم يجب فيك، بل خفض بصره إلى التربة تحت قدميه
لاحظ آثارًا مجزأة على سطح الأرض احترقت بحرارة عالية، فيما العشب والأوراق حولها ذابلة لكنها غير محترقة، ما يعني أن خط العزل رُسم بدقة كبيرة
قال مثبتًا: خط العزل مرسوم بإحكام
ثم أخرج دفتراً مربوطًا من خاصرته ودوّن سريعًا بضعة ملاحظات
سيُدرج هذا في تقرير الاستخبارات الرسمي الذي سيرفعه إلى الدوق إدموند
وبعد أن فرغ من التدوين، رفع رأسه ببطء وحدّق نحو أعماق الأرض السوداء البعيدة
قال بصوت ثابت كالحديد: حسنًا، من الآن فصاعدًا سنتولى نحن التحقيق
2
شقّ فيك طريقه عبر طبقات من الأرض المتفحمة ونتانة العفن، ودخل ببطء مركز الفراغ داخل الغابة
كانت هذه في الأصل غابة كثيفة، لكنها الآن أغصان ذابلة وتربة متفحمة
كأن كارثة تلتهم الأرواح مرّت من هنا لحظة ثم تلاشت بلا أثر
زفر نفسًا عكرًا، وسلّ سيفه، ولمس به الأرض وهمس: تفعيل
في الحال دارت طاقة القتال في جسده، وجرت مع عروقه نحو عينيه وجلده وحتى كل مسامّ فيه
وارتسمت من أسفل عنقه خطوط حمراء نارية، ظهرت على بشرته ككائنات حيّة تتحرك
وتبدّل عالمه معها
تراجعت الألوان، ولم يبقَ إلا عالم تموجات تتمايز حرارةً وبرودةً
بدت الغابة الكثيفة أمامه ظلًا رماديًا، فيما ظهرت في عينيه آثار دقيقة لا حصر لها من بقايا الدفء وتذبذبات السحر ومسارات تيارات الهواء
لقد «رآها»
ثلاثة أشخاص ينسلون مسرعين عبر الغابة، أرديتهم ترفرف، وعصيّهم تقذف ضياءً يتشابك بحرّ خانق وبرد قارس
انتشرت مواقعهم وتناسق أداؤهم: مهاجم وضابط وكابح
وخلفت الانفجارات السحرية هالات زرقاء باهتة في الهواء تتمدد كموجات الماء
وأمامهم مباشرة كانت تتقدّم مصادر حرارة كبيرة غريبة، لا هي معدن ولا لحم، وهي تزحف بهيئة مقززة
تركت على الأرض آثار تآكل، وحرارتها مريبة الارتفاع، ومساراتها تتشعّب كشقوق بيت العنكبوت وتذوب عند الملامسة
تلك كانت «جنود الديدان» فرادى، سريعة على نحو مدهش، عَمَدُها مضطرب لكن فيها تناسق دقيق
تلألأ في عيني فيك ضوء خافت وهو يهمس: إنهم هم فعلًا
وتابع في نفسه بصوت منخفض جدًا: وقد تطوّروا أيضًا
مشى ببطء إلى حافة ساحة القتال وجثا واضعًا كفه على الأرض، فتسرّبت خيوط من طاقته القتالية الباردة من أطراف أصابعه إلى التربة
لم يكن يبحث عن الحرارة بل كان يقرأ «المسار»
قال: جنود الديدان هؤلاء لم يهجموا عبثًا
وعلى أثر خطوط التآكل الخافتة وبصمات الدفء، وفي عالم «خارج الرؤية»، أبصر حقيقة أفظع: كان مسار تقدم جنود الديدان على هيئة مروحة، واضح أنه «مسيطر عليه» أو «موجّه»
تجنبوا عوائق معينة، وهاجموا على دفعات، والأهم من ذلك
أنهم بعد موتهم استعادوا بقاياهم عمدًا ونظّفوا ساحة القتال، فلم يتركوا دليلًا يكاد يُتعقّب
قال فيك وهو ينهض تحدو نظرته حدّة: ليسوا وحوشًا، بل…
تذكّر ذلك الكابوس قبل ثلاث سنوات، حين طحنت آلاف الجثث، كالسيل، نخبة الجيش الشمالي إلى عجين دم بفعل كثرتها وطبائعها الطفيلية
في ذلك الوقت كان جنود الديدان مرعبين، لكنهم أشبه بوحوش جامحة، خارج السيطرة وفوضويين بلا نظام
أما هذه المرة فبدَوا «وحدة عسكرية»
تمتم: أكثـر خفاءً… أكثـر كفاءة
ومض في ذهنه خاطر نذير
وأخرج من خاصرته مفكرة محمولة وكتب على صفحة بيضاء: سلوك جنود الديدان يميل إلى التنظيم، يُشتبه أنهم عيّنات اختبار
لم ينطق بهذا الاستنتاج
فإن كان ثمة من يسيطر حقًا على جنود الديدان فلن تكون معركة دفاع، بل مقدّمة لحرب نهاية العالم
وفي تلك اللحظة، وبحواسه لم تُكبح بعد، رفّت حاجباه قليلًا
…؟
في الهواء ارتجاج خافت للغاية يمتد نحو الجنوب الغربي، كاد يتلاشى لكنه لم يبرد كليًا بعد
كان هذا أثر هروب جنود الديدان، لا يراه معظم الناس، لكنه لم يفُت عين فيك الخبيرة
برد صوته وأمر: لم يغادروا نظيفين، استعدوا للقتال، شمال غرب، مطاردة
بهت مساعده: سيدي، لم ننهِ بعد…
قاطعه فيك بنبرة هادئة لكنها باردة: التحقيق هنا قد انتهى، هيا
تقدّم فيك أولًا إلى أعماق الغابة الكثيفة
وتبعه الفرسان العشرون بلا تردد، سريعًا ما انتظموا صفوفًا كرمح بارد يشقّ الغابة الصامتة
بدأ صيد هادئ على هذا النحو
كانت شموع السحر تشتعل بهدوء
وانعكس لهب رمادي أزرق على جدران السبج، وأُلقيت نظرات باردة على ليكسيير
وقف في وسط «قاعة المجلس السري» مرتديًا رداء السحر المتلألئ الذي يرمز إلى السحرة ذوي الأقنعة الفضية، ووجهه شاحب
وضغط بيده اليسرى دون وعي على صدره، حيث كانت لسعة دودة تزحف قديمًا، وكأنها لا تزال تغلي تحت جلده
فوق الدرجات المتدرجة، في الظلال، جلس مجلس شيوخ السحرة
سبعة عشر ساحرًا عجوزًا لم تخفت فيهم قوى السحر، يحدّقون صامتين بالشاب الذي عاد بأخبار الكارثة
وعلى المقعد البلاتيني الأعلى جلس شخص صامت، برداء سحري فضيّ خفيف، يحجب القلنسوة وجهه
ذلك هو الساحر الأعلى، صاحب السلطة العليا في غابة السحرة كلها
جثا ليكسيير على ركبة، وصوته مبحوح لكنه واضح كل الوضوح
قال: بدء التقرير، أنا وفو لاوياي ومودي، وصلنا ثلاثتنا إلى الشمال من إمبراطورية الدم والحديد نتتبّع أثر اختفاء الساحر الأكبر يورغن، فتعرّضنا لهجوم، ستة من جنود الديدان بتنسيق دقيق، لا يخافون السحر ولا الموت، وغرائزهم القتالية لم تضعف، وقد طُفّلت فو لاوياي، فاحتفظت بذكريات السحر والقتال لكنها لم تتعرّف إلى أحد منا إطلاقًا
حكى ليكسيير كل شيء بتفصيل، بلا تزيين ولا حذف، كأنه عرّى نفسه أمام الشيوخ
إلا ما يتصل بتعليم لويس السحر، فلو قال إنه «علّم سيدًا السحر بلا إذن»، ولو تحت عنوان «رد الجميل»، لأثار الاضطراب والاتهامات، فكان حذرًا
حلّ صمت قصير على مقاعد الشيوخ
وجالت نظرات سبعة أصحاب أردية رمادية على ليكسيير كحواجز عقلية خفية تفككه وتحلله وتعرّيه
قالت ساحرة مسنّة أخيرًا بنبرة حذِرة: ذلك «جسد الدودة» الذي ذكرتَه لا سجل لدينا له، أأنت متيقّن أن ما رأيتَه ليس وهمًا، أو هذيانًا بسبب طفيليّ عقلي ما
ثبت ليكسيير نظره إليها كحديد وقال: لست مجنونًا
ثم قال بخفوت: يا رئيس المجلس
وفي اللحظة التالية طفت من كُمّه علبة رونية سحرية زرقاء فضية مختومة وهبطت وسط القاعة
قال: هذا خرج من جسدي
طَقّ، تحطمت أختام الرون كالسلاسل، وتبددت خضرة باهتة في الهواء
كانت دودة ميتة، لا تتجاوز راحة اليد، ملتوية لكنها دقيقة، فقراتها منتظمة كالبُنى المعدنية، وعلى أطرافها الشعرية بقايا لعاب متآكل، والأشد رعبًا أن عين الدودة لم تجف تمامًا، كأنها لا تزال تدور بخفوت
سألوا: أكان هذا داخل جسدك
أجاب: كانت حية قبل أن أغشى عليّ، وقد أزالها طبيب إقليم المدّ الأحمر جراحيًا، وختمتُها بآخر ما بقي لي من السحر، لقد حاولت أن تحفر نحو عمودي الفقري، قال ليكسيير محدقًا في الدودة وصوته كحد شفرة على جليد
واغتمّت قاعة القضاء السحري لأول مرة بالفوضى
اختلط الهمس بموجات عقلية في الجو، وانخرط الشيوخ على غير عادتهم في نقاش حاد
بعضهم دعا إلى كتمان الأمر لئلا ينتشر الذعر، وآخرون اقترحوا تشكيل فريق بحث متخصص
أما الساحر الأعلى وراء القناع الفضي الأرجواني فلم ينطق بكلمة منذ البداية إلى النهاية
جلس بهدوء كأنه ممتزج بقاعة المجلس السري، كأن صمته أثقل وزنًا من كلام الجميع
ولمّا استقرّت نظرات الرئيس عليه للمرة الثالثة خفتت أصوات الشيوخ تدريجيًا
رفع الساحر الأعلى يده ببطء
وخمس أصابع طرقت طرقًا عميقًا
ليست تعويذة ولا رقية، بل طرقة بسيطة، لكنها هوت كمطرقة ثقيلة على قلب القاعة كلها
قال أخيرًا بصوت عميق أجش لا يُردّ: حادثة جنود الديدان هذه ليست واقعة منفردة
ستوفد غابة السحرة رسميًا ساحرًا من رتبة الساحر الأكبر يقود فرقة نخبة إلى الإقليم الشمالي لتقصّي الحقيقة
اهتزت المقاعد الأربعة جميعًا
وسكت الشيوخ وأومؤوا إيماءات خفيفة بالموافقة
وقف ليكسيير في القاعة، وبعد توتر دام طويلًا زفر أخيرًا زفرة لا تكاد تُلحظ
لم يبدُ عليه تعبير كبير، لكن شدّة قلبه تراخت في تلك اللحظة
ليس لأنه نال ثناءً ولا لأنه نجا، بل لأن الخطر الذي شقّ عليه إبلاغه قد سُمِع أخيرًا حقًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
⚠️ تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك 🙏.
أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة ✨، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها 🌸.
🤲 المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي 💐، وبالشفاء العاجل لوالدتي 💖، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية 🌙.
📢 ندعو قرّاءنا الكرام القادرين إلى دعمنا ودعم فريق العمل من أجل الاستمرار في ترجمة الروايات بأفضل جودة ممكنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ