لقد أصبحت الأمير الأول - 102 - جيش يوكشيون (3)
هبت عاصفة من الرياح محملة بطاقة مشؤومة قذرة فجأة
الفرسان والجنود وكل من على الجدران سكن في نفوسهم خوف شديد
لم يكن هذا مقبولا ومع ذلك لم يسعه قول شيء
الموت الذي لم يتمكن من رؤيته،
والحقيقة ما وراء ذلك،
في هذه اللحظة فقط شعر بثقل الاربعة مائة عام
اغمض عينيه من دوار اصابه وبرد يلامس وجنتيه
وعندما فتح عينيه مرة اخرى كان يشع عيونه كما لو كانت نجوما في الليل
نظرت اوفيليا اليه بنظرات غير مفهومة مليئة بالشفقة، نظراتها ذكرته بقائهما الأول
ربما كنت تعبر له عن مدى ثقل واجبه هذه المرة أيضا
لكن ادار رأسه عنها دون ان يستطيع معرفة تلك المشاعر التي لم يفهمها منها
ولكن بهذا استطاع معرفة الوضع الان فقط بمجرد ان نظر نحو الجبل
الشيء الوحيد الذي بقي للفرسان والجنود الذين احبهم هو
الموت البارد الذي يلفح هذه الرياح
لم يكن حارا مثل نار الحياة
هذا بارد جدا…
فاختفى احساس البرد الذي لامس وجنته
– عندما تغرب الشمس سيتم تحريرهم مع كراهيتهم الباردة نحو الأحياء.
اوفيليا التي تراجعت للخلف خطوة قالت وهي تنظر نحو الأمير، ثم اكملت بعد لحظة صمت صغير
– اذا لم نوقفهم فسيتم اقتيادهم، واذا تم نقلهم بعيدا فسيفقدون الأداء والجسد والروح
لقد كان تحذيرا مشتتا للغاية
مع ذلك لم يطالب الامير بتفسير اخر فقط رفع بصره إلى الأعلى ونظر الى السماء كانت الشمس لا تزال تطفو عاليا لكن لم يتبقى الكثير حتى الزوال، ستميل قريبا نحو المغيب لهذا خفض رأسه مرة اخرى، كان فينسنت والجميع ينظرون اليه فسرت قشعريرة في جسده وارتبك
كانت جيوشا لم يسبق لهم مثيل، ذو وجه مظلم يبث رعبا غريزيا في النفس من الموت
سيأتون في الليل…
فأغمض عينيه ثم فتحهما مرة أخرى ثم أمر بصوت متزن جهور
– اجمعوا الحطب والزيت، كونوا اقوياء حتى عند النظر إليهم ميعاد المعركة هو الليل فلا تدعوا الخوف يستنزف قوتكم…
سكت قليلا ثم صاح بصوت اعلى بجدية اكبر
– اجمعوا قدر ما تستطيعون من اسلحة وادوية ووقود وما نشبع به بطوننا، ستكون الليلة طويلة، طويلة للغاية.
________________________
ثم المعارك مع الوحوش في الايام السابقة كانت قد جعلت الجدار مليئة بالحطب والجرار الزيتية، والشيء ذاته مع تحت الجدار ومع ذلك بأمر الأمير بدأ الجميع بالتحرك كمثل خلية نحل بانتظام وتسارع وفي الوقت نفسه كلما اقترب الليل كلما بدأت الوحوش في الطيران نحو القلعة حتى ان بعض الوحوش حاولت تجاوز الجدار بطريقة ما…
تخترق العفاريت التي تزحف على الحائط سهام الحراس لسحب
يستمر الاورك الذي يتكفلهم الفرسان في الركض حتى بعد ان يُسحق عظامهم ويمزق لحومهم
ان كنت ستسأل الجنون
فهو ما يحدث الان في هذه القلعة
هذا هو الجنون بعينه
حتى القدماء قي قلعة الشتاء الذين رأوا الوحوش وكافحوا ضدهم عاما بعد عام كانوا الان شاحبين امام هذه الوحوش الثائرة
أما المجندين الجند فلا تسأل عن حالهم
سئموا وتعبوا من المعارك الطويلة التي لا تنتهي، والخوف يملأهم من الوحوش التي تحت الجدار والرعب من ذاك الشيء الاسود الذي عند الجبل
لم يكن الوضع جيدا قط
حتى لو تم تنظيف الحدود من كل الوحوش قبل حلول الظلام، لا يمكن رفع المعنويات التي سحقت الى الأرض بضغط الرعب
لم يكونوا جيشا تم اعدادهم لإيقاف الموتى
الروح الخائفة ستنهزم فور بدء القتال، والطامعين بالحياة سيدفعون حتى حلفائهم للموت في سبيل النجاة، ثم…
ستلتهم الفوضى الجيش وتنتشر الجحيم في قلعة الشتاء
– فنسنت، ما هي القوة المتاحة للفرسان؟
– هناك اربعة وستون فارسا من فرسان الشتاء، ثم تسع وخمسين من الفرسان الاخرين ينتظرون الأوامر
بالمقارنة مع نهاية الحرب مع لورد الاورك تم بالفعل لملمة القوات واستعادة النظام ومع ذلك لم تكن هذه قوة كافية لطرد كل هذه الوحوش المجنونة…
– اجمعهم جميعا تحت الأبواب
– هل ستفتح البوابات وتغادر؟
صاح فينسنت بقلق
على الرغم من انخفاض عدد المعارك المستمرة بشكل كبير عن الايام السابقة لكن لا يزال هناك اكثر من الفين وحش تحت الجدار
لا، لم تكن فقط مجرد وحوش بل وحوش هائجة مجنونة
لم يكن من الحكمة فتح البوابات في مثل هذه الحالة
لكن لم تكن هناك طريقة
اذا استمرت هذه المعركة حتى الليل سيتحول قلعة الشتاء إلى قلعة المآسي
اذا في هذه اللحظة اول ما يحتاجونه هو نصر ساحق يمحق الخوف من صدور الجنود والفرسان، ثم يمكن التفكير في الباقي عندما يحين وقت ذلك، وبهذا تجاوز الامير عن سؤال فينسنت وأكمل أمره
– اخبر ايلي ان يجمع فرسانه المتدربين ايضا
فينسنت الذي يدرك بوضوح الوضع ويعلم غاية الامير وان لا حل اخر فانحنى بوجه حازم ثم استجاب لأمر الأمير
الحراس على الحائط كانوا يحدقون به
كان الجميع ينظرون نحوه لم يفهم معنى نظراتهم بعد ان كانوا سمعوا هذه المحادثة القصيرة مع فينسنت لكن كان بإمكانه التفكير بشيء واحد قد يكون الجميع متفق عليه
حقيقة؟
ماذا تفعل بحق بترك الجدار الآمن في الانغماس بأرض الخطر؟
لم يستطع الامير ايجاد كلمات اخرى لنظراتهم
او ربما اقوال مثل
ان مجرد الاستمرار برمي السهام من فوق الحائط سينظف الارض قرييا، لا افهم لما يجب فتح البوابات والمخاطرة!
لكن وجوه المحاربين كانت مختلفة
– الشمال، يريدونك في الشمال فانقلع الى هناك
– اي وغد هذا الذي لمس بوقي
– فكر في الشخص الذي لم يتعرف على جندي ميت، سأقتلك ايها الاخرق
كان تعليقاتهم صاخبة ومزعجة كما لو كانوا يحضرون لمهرجان
– ساراهن عليك
– جنود الرمح الاسود هم الأفضل في الخيول، رغم ذلك سأراهن على الكابتن
– هيي، ساراهن على الكاتبن ايضا، اوصل الرسالة
كنت تستطيع ان تفهم الوضع من مجرد نظرة عميقة كانوا يدفنون يأسهم بهذا التهريج، الذي انضم اليه فينسنت في محاولة منه لرفع معنويات الجيش بمشاركته في رهانهم رغم انه هو بنفسه بحاجة من يرفع له معنوياته
– الان هل هناك اي شخص اخر؟ فقط الكابتن من تراهنون عليه؟
– هل تشاركنا ايها القائد؟ ستفلس عائلة بالاهارد
– يجب ان يدفع من جيبه الخاص وليس من جيب عائلة بالاهارد سيكون ذلك غش ان فعل
ضحك قائد سلاح الفرسان الوحيد الذي تحت الجدار وانغمس الجميع في الرهان على من سيكون له العلم
تدريجيا حتى انهاء كل الاستعدادات اختفى كل التوتر الذي كان في النفوس مع رهانات فرسان وجنود القلعة المخضرمين حتى ان الوافودن الجدد جرفهم جو الضحك والمزح دون ادراكهم
هز الامير رأسه في النظر اليهم، وفي نفسه استراح ان لا خوف على هؤلاء الشجعان ثم بدأ ينزل من الجدار
– سمو الأمير
اديليا التي رأته اسرعت باخذ سيفها ودرعها ووقفت بجانبه
فنظر الامير اليها الى يديها الرقيقتين ووجهها الشاحب من قلة الراحة فابتسم لها بعطف دون ان يجيب ثم اكمل طريقه إلى الجنود الذين عند البوابة
– الأمير
– سمو الامير قادم
لتحركه اسرع فرسانه فرسان البلاط باللحاق به يمشون خلفه ويضحكون بينما يحادثونه
– سمو الامير، الست مرتاحا جدا؟
– سموك رائع حقا بكيف لست ترتبك حتى بمثل هذا الوضع
– سموك اعتقد ان عليك ربط شعرك سيعيقك في القتال
قدم له الفارس ربطة شعر فاخذه ثم ربط شعره وشعر بنوع من الراحة ووضوح الرؤية اكثر عندما ازيحت تلك الخصلات المزعجة من جبينه وامام عينيه لهذا شكر فارسه
– شكرا لك، عندما اعود سأعيدها لك.
وعندما وصلوا لتجمع الجند عند البوابة انسحبت اديليا بوجه ارضي، رغم انها كانت مسلحة بالكامل لانها تعلم بأنه لن يسمح لها بالمغادرة، اما اروين اسرعت إلى جانبه فتحدث الامير اليها
– لما انتِ هنا؟
– لكن سموك، ستكون في الطليعة اليس كذلك؟
– ماذا تريني بحق؟، اذهبي إلى مكانك حيث امرتك بقيادة المتدربين
في هذه اللحظة تدخل ايلي مبتسما لخسارتها امام الامير داعيا اياها لتسرع وتعود لمكانها
– اللورد اروين، اتمنى لك التوفيق
حتى مع تحية ايلي الحنونة لم تجب اروين وادعت انها منشغلة بفحص ذرعها، فتجاهلها الامير وسأل قائد الفرسان
– هل كل شيء جاهز بالفعل؟
– نعم، سمو الأمير هو المتأخر بالفعل.
كان في كلماته نوع من العبث مع الامير وحتى الفرسان ادركوا ذلك وانفجروا ضاحكين، تجاهل الامير ضحكاتهم وصعد إلى حصانه وتقدم حتى وقف امام الجميع ثم اشار لقائد سلاح الفرسان
– انت الذي يتأخر دوما، انت الاكثر شهرة من هذه الناحية ان كنت نسيت
ضحك قائد الفرسان على نبرة الامير اللطيفة في الدفاع عن نفسه وكان الكل يترقب بعض القدامى مليئين بالحماس واخرين مليئين بالتوقعات، بعض الجدد مترقبين وبعضهم الاخر متشككين، لم يكن باليد حيلة مع ذلك…
– سمو الامير ماذا تنتظر؟، فقط قلها، وسأفتح الباب بأي وقت، ننتظر اوامرك
بكلمات فينسنت المذكرة اياه بانتظارهم الامر رفع الامير يده ثم صاح بصوت عالي وبوجه جاد دون تردد
– افتح البوابات
زمجرت البوابات فور صدور أمر الامير وبدأت تُفتح ببطء، ورغم ان الفجوة التي فُتحت كانت لا تزال ضيقة الا ان الوحوش هرعت نحوه وبدأوا في التحرك نحو البوابة
اغمض الامير عينيه في انتظار الباب يُفتح يستمع الى هدير الوحوش التي كانت فقط صاخبة ولم تكن في اصواتهم العنف المعتاد، هل لانهم خائفين؟
حبس انفاسه للحظة ثم فتح عينيه بهدوء على صوت جوين
– معدتي تؤلمني
فابتسم الامير
– لما انت؟
– حسنا لقد اكلت الكثير لهذا اشعر باني لم اهضم بعد ما اكلت
– هذا ما سيحدث عندما تكدس ارغفة الخبز بجانبك على الجدار اثناء القتال
قهقه جوين على كلماته وكلاهما يعلمان ان هذا غير صحيح، لم يكن الم المعدة الذي يعاني منه من مجرد بضع ارغفة خبز التقطه على الحائط، بل بسبب هذا القتال العنيف والمهلك للأعصاب والذي لم يتوقف منذ ايام
اي باختصار انه متوتر قليلا
لكن لم يرغب اي منهما بقول ذلك علانية. ان كان هذا شعور القادة فالعزاء للجنود اذا
لكن يقينا ان هذه ستكون قصة سيروونها في التاريخ هذا ما آمن به الأمير
في احد الايام هاجمت الوحوش بكل انواعها القلعة ورغم اندفاعها نحوهم رفعت البوابات وغادرت الخيالة بقيادة الأمير الاول رغم التعب والارهاق قاتلوا حتى قاموا بتصفية اكثر من الفي وحش خلال سويعات حتى قبل هبوط الليل
عليهم فعل ذلك لو ارادوا النجاة…
فهمس الامير بينما يسحب سيفه ببطء من الغمد
– هذا سيكون صعبا حقا
في تلك اللحظة انبعث المانا من قلبه حتى انتشر بهالة على جميع انحاء جسده كما لو ان فيضانا من المانا غمره ثم نادى
– حيث هربت من الموت
ثم رفع سيفه الذي ذبح به امير الحرب
ثم أكمل
– حتى وإن فعلت
– لا مهرب
– ستموت حتما…
مع كلماته اهتز الارض وتشكل ضوء ساطع على نهاية سيفه ثم انطلقت كشفرة حادة نحو الوحوش
– قوة الدمار قوة الأسياد
– امسك بالأرض كما هي مكنون
احدثت خط ضوء واحد فقط في الهواء امام البوابة التي اندفع منها خمس وحوش، ولكن حتى قبل ان يدرك احد ما كان يجري تدحرجت الرؤوس الخمسة للوحوش على الارض ثم تلاهم اجسادهم الضخمة
لم يكن هناك حتى وقت للصدمة إذ صاح الأمير الذي لا يزال يرفع سيفه عاليا
– تقدمـــــــــــــــوا
فاندفعت خلفه جيش بحماسهم واصواتهم عالية تطغى على صخب الوحوش وتبث في نفوسهم الشجاعة والاقدام
____________________________
ما ان فُتحت البوابة انفجرت طاقة مزقت الوحوش فينسنت الذي كان يقف اعلى الجدار وقف متصلبا مذهولا يرتجف
– هذا هو…
كان موجة مألوفة لم يمتلكه
– الهالة…
بزيئر كزئير الاسود زمجر الفرسان والجنود واندفعوا بقيادة الامير
لم يستطع فينسنت ازاحة نظره عن الامير وشعر بشيء ساخن في صدره يشعل قلبه فتمتم بعيون لامعة بالدموع
– سيد سيف
سيد سيف، كان شيئا فقدوه في حربهم الاخيرة
والده..
لكن الان يستطيع ان يرى ابن عمته كما كان والده في الماضي يتقدم وبين يديه سيف كأن سقط فيه قبسا من الفجر يطرد الظلام من حوله…