76 - التحوّل (3)
الفصل 76: التحوّل (3)
“ألا تشعرون أن الطقس أصبح حارًّا نوعًا ما؟ أظن أنه حان الوقت لنضع أقمشة الشتاء في المخزن.”
“كل هذا بسبب كالوانوي. تأتي من هناك رياح حارّة فتجعل الجو هكذا.”
“على أي حال، الصيف سيحلّ قريبًا. يجب أن نُخرج الملابس الثقيلة إلى المخزن.”
مع انتهاء موسم الأمطار واقتراب الصيف، في أقصى جنوب مملكة هيلام، في مدينة إندوِيل،
كان التجار والباعة في السوق يلوّحون بمراوح ورقية بأيديهم ويتبادلون الأحاديث عن الطقس الحار.
“أهلاً، تفضلوا.”
وبينما كان التاجر والصبيّ يختارون الأقمشة الصوفية الثقيلة لينقلوها إلى المخزن، دخلت امرأة شابة ترتدي ثيابًا جلدية بالية إلى المتجر.
جسدها رشيق ومشدود، وبشرتها سمراء متوهجة بفعل تعرضها الطويل للشمس. على خصرها سُوط جلدي، وعلى فخذها خنجر مربوط بحزام رقيق، مما يوحي بأنها مرتزقة أو مغامِرة.
تيقّن الصبيّ العامل أنّه مهما كانت هويتها، فلو أزعجها أحدهم فلن تكون العواقب جيدة.
قالت المرأة:
“هناك ثوب نبيل أبيض، حاشيته مزينة بالحرير الأزرق، كان قد دخل المستودع منذ فترة كسلعة مستعملة.”
ردّ الصبيّ:
“لا يوجد لدينا مثل هذا.”
“أحضره، سأشتريه.”
تظاهر الصبيّ بعدم المعرفة، لكن المرأة أصرّت وأظهرت له كيس نقود ممتلئ.
نظر الصبيّ سريعًا إلى صاحب المتجر، ثم مضى ليُحضِر الثوب من المخزن.
وبينما كان مشغولاً، نظرت المرأة في مرآة معدنية مصقولة صنعت من النحاس.
الندوب والكدمات لم تعد واضحة، لكن آثارًا باهتة ظلت هنا وهناك.
‘ربما كان يجدر بي إخفاء هذه الندوب… على الأقل، لا حاجة لصبغ الشعر لفترة من الوقت.’
تأكدت أن جذور شعرها لم يظهر فيها الأحمر، ثم عدّلت كتفها لتتأكد من أن الذراع الاصطناعية التي تلبسها في يسارها لا تُرى ما دامت لا تتحرك.
‘ليست مثالية، لكن تكفي لخداع الناس.’
عاد الصبيّ محمّلًا بالثوب. اختارت المرأة بعض الملابس التي أعجبتها، دفعت ثمنها، ثم حشرَتها في كيس على كتفها.
سألها الصبيّ:
“لكن… لماذا تبحثين عن مثل هذا الثوب؟”
“لا شأن لك.” ردّت ببرود، وغادرت.
قبل أن تصل للباب، دخل صبيّ رثّ الثياب.
‘يا له من وجه بريء.’
كان جميل القسمات رغم ملابسه البالية. المرأة أمعنت النظر فيه سريعًا، ثم واصلت طريقها.
قال الصبيّ العامل وهو يرحّب بالضيف:
“أجئت في مهمة؟”
“ن… نعم…”
تلعثم الصغير وهو يذكر أنه يريد شراء ملابس: قميص، صديريّة، سروال، جوارب، ملابس داخلية… بل وطلب معطفًا خفيفًا متينًا.
أخرج بعض النقود الذهبية، فتهلّل وجه الصبيّ وصاحب المتجر.
“أريد ستة أطقم كاملة… اثنان لي، والباقي لإخوتي.”
فكّر لحظة، ثم استدرك: “بل… لإخوتي الكبار.”
ابتهج التاجر، وبدأ يُقيس له الملابس. أوقفه أمام المرآة، فأخذ الصغير يتأمل صورته بدهشة.
‘هكذا إذاً أبدو؟’
كان يملك وجهًا ناعمًا، عينان رماديتان زرقاوان لامعتان كالبلور، وحاجبان كأنهما رُسِما بريشة فنان.
فقال العامل مازحًا:
“لو كنت مكانك، لجلست أمام المرآة طول اليوم! حاجباك جميلان جدًا.”
احمرّت وجنتا الصبيّ، وهو يتذكر الطريق الشاق الذي قطعه ليحصل على هذين الحاجبين.
لقد تسلّق مع مُعلميه جبال دينسالبـي الشاهقة، وسط العواصف والثلوج، عانى حتى تمزقت يداه وقدماه، وكاد يهلك مرارًا.
وهناك واجهوا طائرًا عملاقًا اسمه فروفوس، يُطلق لُعابًا جليديًا ويثير العواصف بجناحيه. وبعد معارك دامية وأهوال كادت تقتله، نالوا من فضلاته مادة سحرية استُخدمت كعلاج لإزالة الشعر.
ظلّ مُعلمه الأكبر ثلاثة أيام يفكر: أي شكل للحاجبين يناسبه؟ فالمادة تجعل الشعر لا ينبت أبدًا. قطعوا أوراقًا بأشكال مختلفة، جرّبوها واحدًا تلو الآخر، وضحك المُعلم الأصغر حتى البكاء من بعض الأشكال الغريبة.
وفي النهاية، وبعد عناء، رُسم شكل الحاجبين اللذين يزينان وجهه اليوم.
عاد الصبيّ من ذكرياته، وتحسس حاجبيه بفخر. مدينٌ لمعلميه رغم قسوتهم.
وبعد أن اختار ملابسه، سأله الصبيّ العامل:
“ما اسمك؟”
“و… والفريد.”
“اسم جميل.”
خرج الصبيّ، يعانق الكيس الممتلئ، وجرى في الشوارع حتى وصل لورشة حدادة عند أطراف البلدة، حيث كان معلمه الصغير كازار ينتظره، يمضغ عود عشب وهو يتفحص سيفًا جديدًا.
رماه باتجاهه قائلًا:
“خُذ، إنه لك.”
أمسكه الصبيّ بمهارة، شاكراً إياه بسعادة.
أومأ كازار:
“طلبتُ لك أيضًا خنجرًا، سيجهزه الحدادون غدًا.”
في هذه الأثناء، عاد المُعلم الأكبر إرنولف وهو يقود حصانه، ومعه حصانان جديدان.
قال:
“رأيت في المرعى خيولًا جيدة، فاشتريتُ اثنين.”
لقد أنفقا كل ما حصلا عليه من أموال المسروقات والغنائم على التجهيز.
اقتربت ساعة الرحيل إلى كالوانوي، مقبرة المغامرين.
نظر التوأمان إرنولف وكازار إلى بعضهما بثقة. لم يعد هناك خوف.
سأل كازار:
“تُرى… هل ما زالوا أحياء؟”
أجاب إرنولف ببرود:
“سنرى حين نصل.”
وكان يقصد جيفروي وألبرت المعالج الدجّال إلسيد…
لكنهم صمتوا، رافضين الحديث عن أشخاص ربما ماتوا بالفعل.
———————–
⭐️ أتمنى استمعتم بدفعة الفصول ⭐️