51 - العداوة والولاء (4)
الفصل 51: العداوة والولاء (4)
كازار شقّ سيفه بين ضلوع كاسيون، ثم سحب إحدى قدميه إلى الوراء ودور جسده بقوة. ارتفعت الريح بحدة مع حركة سيفه وهو يستهدف رأس كاسيون.
صدّ كاسيون على الفور، وحاول أن يحرف سيف كازار باستخدام نصل سيفه. لكن كازار بدّل موضع معصمه بخفة وغيّر زاوية الهجوم نحو كتفه.
“ككاه!”
انفجرت الدماء من جسد كاسيون، متناثرة على الأرض مع كل حركة سيف كازار.
من جهة مرتزقة كاسيون سُمعت أنات أسى، بينما من جهة فرسان بوزوني علت صيحات الإعجاب.
قال البارون بوزوني وهو يراقب بدهشة:
“مذهل… في مثل هذا العمر الصغير ويملك هذه البصيرة في القتال!”
سأله إرنولف بارتباك:
“كيف تقصد ذلك؟”
لم يكن قادرًا على تتبع سرعة مقاتلي الهاله ببصره، لذلك لم يفهم سبب اندهاش الناس. كل ما شعر به هو الخوف على كازار من شراسة ضربات كاسيون.
ابتسم البارون بخفة:
“حتى سيف أخيك لا تعرفه.”
ردّ إرنولف بهدوء:
“أنا ساحر، لا أفهم في المبارزة… وحركاتهما أسرع من أن أتبينها بوضوح.”
قال البارون:
“لكن لا بد أنك تلمس الفرق، أليس كذلك؟”
“قليلًا فقط…”
“هل لاحظت أن سيف كازار تغيّر عما كان عليه قبل قليل؟”
“نعم. في البداية كان يتحرك بضجيج وعنف، أما الآن فقد صار بسيطًا.”
“ولماذا تظن ذلك؟”
فكر إرنولف:
“ربما لأن هجمات كاسيون العنيفة منعته من التحرك بحرية… أو ربما لأنه أُنهك من معركته السابقة مع باراغول.”
امتلأ وجه إرنولف بالقلق وهو يتأمل كازار. أما البارون، فوجد التناقض بين التوأمين عجيبًا: أحدهما محارب هاله فظّ، والآخر ساحر مهذّب.
قال البارون وهو يشرح:
“كلما كانت قراءة حركات الخصم أدق وأسرع، قلت الخدع والحركات غير الضرورية. مثل هذا—”
ثم فجأة نقر جبهة إرنولف بإصبعه.
“يمكنك استغلال الثغرة بسهولة.”
لكن صوته ارتجف قليلًا وهو يقول ذلك، لأنه شعر بشيء غريب.
قبل أن يلمس إصبعه جبهة إرنولف، ومضة من نار انبثقت من يده ثم انطفأت سريعًا.
‘يا إلهي… إن كان في إصبعي نية قتل حقيقية، لكان الرد كارثيًا!’
حتى وهو مذهول من كازار في قتاله مع كاسيون، بدا له إرنولف أكثر رعبًا. أن يرد الفعل في جزء من لحظة، ثم يستعيد هدوءه فورًا… هذا لم يكن عاديًا.
تنحنح البارون ليخفي ارتباكه:
“همم. إذن أخوك له الغلبة.”
“تقصد أن كازار يتفوق الآن؟”
“بالضبط. إنه كأن لعينيه مكان على حافة سيفه، يصيب ضعف كاسيون بدقة.”
تضيق عينا البارون وهو يحدق بكازار. الحركات كانت مذهلة. لم يكن الأمر مجرد تقليد لسيف كاسيون… بل بدا كأنه استوعب أسلوبه بالكامل.
‘إنه لا يقلده فقط… بل يفككه ويفهمه تمامًا!’
تاهاات!
اندفع كاسيون بطعنة سريعة نحو أسفل فك كازار.
كان يغير إيقاع الطعنة في اللحظة الأخيرة، يتراجع قليلًا ثم يندفع أو يبدّل اتجاهه فجأة، مما يجعل التنبؤ بحركته شبه مستحيل.
لكن أمام كازار بدت كل الأمور سهلة للغاية.
كاانغ!
التقى طرفا السيفين بدقة، إذ صدّ كازار الهجوم في اللحظة نفسها، وبالزخم نفسه.
اتسعت عينا كاسيون بصدمة.
‘إنه لا يقرأ فقط… بل يقلد أسلوبي حتى في التوقيت نفسه!’
فهم كاسيون أن امتلاك البصيرة لا يكفي للفوز؛ لا بد من القوة والمهارة لدعمها. وكازار كان يملك الاثنين.
ابتسم كازار بابتسامة واثقة، وهو يلوّح بسيفه كطفل يلوّح بغصن خشب.
تشانغ!
كاسيون صدّ الضربة بمهارة، وأدار سيفه ليصرفها بعيدًا، ثم قفل المسافة بركبة هاجمت بطن كازار.
لكن كازار فجّر هاله قوية في اللحظة نفسها، فاندفع الاثنان إلى الوراء منزلقَين.
‘هذا ليس أسلوب بريتفيل…’
اصطدم السيفان مجددًا، هاله بيضاء تشتبك في مسارات سريعة مضيئة.
‘هذا أسلوبي أنا!’
كاسيون جمع بين ما سرقه من أسلوب بريتفيل وبين تقنيات جسدية تعلمها كمرتزق، ليبتكر أسلوبه الخاص. وصدمه أن كازار يستخدم هذا الأسلوب نفسه.
‘هل كان تلميذي في حلم ما؟!’
لم يستوعب الأمر بعد، لكن فجأة اخترق سيف كازار صدره من اليسار.
أسرع كاسيون بإطلاق درع هاله لصدّ الضربة. لكن في لحظة، اختفت هالة كازار البيضاء من أمامه—أو بالأحرى صارت شفافة.
كوااك!
مزّق سيف كازار درع كاسيون كما يقطع السكين الجبن.
قال بصوت بارد:
“لم يكن عليك أن تطعنني في ظهري.”
تجمد كاسيون، مسترجعًا تلك اللحظة في الغابة حين رمى خنجره في ظهر كازار. لكنه لم يعلم أن كازار يتحدث عن خيانة ستقع مستقبلًا.
“كاسيون!”
“القائد!”
صرخت هيلفينا وإيفنر.
وفي اللحظة التي اخترق فيها سيف كازار صدر كاسيون، ألقت هيلفينا قارورة سمّ متفجرة.
“كازار، احذر!”
إرنولف حاول فتح درع لحمايته، لكن إيفنر قذفه بشارة هاله ليمنعه.
“أيها الحقير!”
سحب كازار سيفه عن صدر كاسيون، ليرد هجوم إيفنر. كان ذلك يعني تفويت فرصة قتله، لكنه فضّل حماية حياة إرنولف.
‘هل كان هذا الصبي قويًا هكذا؟’
بمجرد أن تلقى ضربة كازار، أدرك إيفنر أنه لن يفوز. لكنه استمر بالهجوم ليمنح كاسيون وقتًا للهرب.
“أنقذوا القائد!”
بينما كان إيفنر يصدّ كازار بيأس، فجّرت هيلفينا قوارير سم إضافية، وغلف الضباب السام المكان.
أسرع مرتزقان يدعمان كاسيون، وحملوه للخروج عبر الشرفة.
صرخ هيلفينا:
“اسرعوا! اخرجوا الآن!”
قفزوا من الشرفة. تبعهم رودريغو وبعض الفرسان.
ارتبك الجنود وسط الضباب السام. أما المرتزقة، فبدوا محميين، كأن معهم دواء مضاد.
‘المهم أن كاسيون نجا…’
لكن هيلفينا واصلت نشر السمّ، ثم حدّقت نحو إرنولف.
كان يقاتل مرتزقَين داخل الضباب، يجمّد أحدهما بالجليد ويخترق الآخر بسهام النار.
اغتنمت هيلفينا لحظة التفاته، وأطلقت إبرة سامة دقيقة نحوه. عبرت الدرع لتخترق إصبعه.
“آه!”
صرخ إرنولف، فشاهد يده تتحول إلى اللون البنفسجي بسرعة، والألم يمتد في عروقه.
‘خيط إيزكورا…!’
بأسرع ما يمكن، جمد يده بالثلج ليمنع السم من الوصول إلى قلبه.
لكن عندما رفع رأسه، رأى هيلفينا تفر عبر الضباب.
‘يجب أن أمسكها… إنها الوحيدة القادرة على نزع السم.’
لكنه لم يجرؤ على التحرك، خشية أن يدفع السم نحو قلبه.
وفي تلك اللحظة هاجمه مرتزق كان قد نجا.
“انتبه!”
اندفع هارييت بجسده ليصدّ المرتزق، والتقط سيفًا من الأرض ليقاتله. أما إرنولف، فانهار جالسًا على الحائط.
‘يجب أن أبدّد الضباب أولًا…’
رفع يده وقال:
“زوبعة! (whirlwind!).”
انطلق إعصار قوي، جارفًا الضباب بعيدًا. ومع انقشاعه، ظهر كازار وهو يلاحق هيلفينا على الشرفة.
أطلق شفرة هاله قطعت وتر ساقيها. سقطت وهي تصرخ.
(م.م: الوتر اللي عند كعب القدم).
تأملت بعينين دامعتين، غير قادرة على الهرب.
‘كاسيون…’
أمسكت بالدرابزين محاولة الفرار، لكن ساقيها المقطوعتين لم تتحركا.
اقترب منها كازار بخطوات باردة، متذكرًا:
‘لقد سممتني… وقطعت أوتار أطرافي. الآن دوري لأفعل بك الشيء نفسه.’
رفع سيفه المغطى بالدم، عازمًا على رميها للوحوش حيّة.
لكن فجأة شعر بوخز حاد في يده. قبض على ذراعه وهو يتألم.
“أغلقوا الأبواب وابحثوا في كل مكان! إنها مصابة ولن تبتعد!”
صرخ البارون بوزوني، بينما مرّ الجنود بجانب كازار ليطاردوها.
أما كازار، فبقي ينظر حوله وسط الفوضى، يبحث عن إرنولف.
وعندما وجده، شعر وكأن قلبه سقط إلى الأرض.
كان إرنولف جالسًا، وجهه شاحب، يده متجمدة أرجوانية اللون.
قال إرنولف وهو يبتسم بتعب:
“أرهقت نفسي… منذ قتال باراغول. ارتكبت خطأ.”
لكن كازار صرخ:
“أين أصبت؟ يدك؟!”
رأى يده البنفسجية، وفكر فورًا بهيلفينا.
‘السم… الترياق!’
تذكر أنهم استهلكوا آخر الترياق في معركة باراغول. لكنه رأى الحرس يوزعون جرعات للجنود المصابين بالضباب.
“هنا، أعطني!”
أخذ زجاجتين، سكب واحدة على يد إرنولف، وأجبره على شرب الأخرى.
لكن السم انتشر أكثر بدل أن يختفي.
قال إرنولف وهو يعض على شفتيه:
“لا يجدي… ليس الترياق الصحيح.”
فعاد ليجمد يده مجددًا، وهذه المرة حتى ذراعه. الألم كان جحيمًا، لكنه صمد.
“إبرة كالخيط… اخترقت إصبعي. يجب إخراجها…”
تذكر كازار الرعب:
‘خيط إيزكورا… السم الأخطر الذي تعرفه هيلفينا.’
إن لم يزل الإبرة قبل أن تصل السموم للقلب، سيموت إرنولف.
“اللعنة!”
صرخ كازار وهو يضرب الجدار بقبضته، غاضبًا أن كاسيون نجا، بينما شقيقه يواجه الموت.