46 - الانقسام والوحدة (6)
الفصل 46: الانقسام والوحدة (6)
بعد أن أضاء العالم كله بالبياض، أنزل كازار ذراعه التي كان يغطي بها وجهه.
‘نجوت… ها؟’
كان يظن أنه سيتفحم تمامًا بسبب موجة الكهرباء، لكنه خرج سالمًا مرة أخرى. على ما يبدو، أنقذه الدرع السحري الذي ظهر أمامه قبل لحظة من اصطدام الوميض.
لقد أنقذ إرْنولف حياته مرتين الآن: الأولى عندما أنقذ جيفروي، والثانية هذه اللحظة.
‘اللعنة… ما الذي تريد مني أن أفعله؟!’
كان يصرخ دائمًا بأن إرْنولف شخص لا يمكن الوثوق به، لكن مع تكرار ما يحدث لم يستطع إلا أن يزداد اعتماده عليه. وهذا جعله يشعر بمزيج غريب من الامتنان والضيق، فهو لم يعتد قط أن يتأثر بغيره بهذا الشكل.
“أسرعوا! اسحبوا الجرحى إلى الخلف!”
صرخ قائد حرس السد، غاستون. فأسرع أحد المقاتلين بحمل اثنين من المصابين وسحبهم بعيدًا. عندها، دوّى صوت جعل شعر الرأس يقف.
“إنه يقلب جسده!”
كان الوحش باراغول يحاول أن يستعيد توازنه، فمد عنقه وضغط برأسه على الأرض لينهض.
“هجوم!”
اندفع المقاتلون نحو عنق باراغول. عشرات من شفرات الهالة انهالت على عنقه وعينيه بلا توقف. ومع أن عينيه قد طُعنت، واصل الوحش دفع الأرض برأسه بجنون، كأنه يدرك أن حياته في خطر إن لم ينهض.
إرنولف لامس الأرض بيده وبدأ بتلاوة تعويذته:
“غرق (Sink)!”
أضاءت الدوائر السحرية باللون الأزرق، وجعلت التربة تحت رأس باراغول تنهار فجأة. اختفى ما كان يضغط عليه، فصار رأسه يخبط في الهواء.
“كوااااه!”
صرخ باراغول غضبًا وبدأ يهتز بقوة، مما جعله يبتعد عن موقعه السابق.
ثم—بوم!
بكل قوته دفع رأسه على الأرض، ونجح أخيرًا في قلب جسده. حاول إرنولف مجددًا:
“سينك (Sink)!”
لكن هذه المرة لم ينجح.
دوّى صوت ارتطام ضخم عندما استدار الجسد الهائل للوحش، فاهتزت الأرض بعنف. كانت محاولة الهجوم الأولى قد باءت بالفشل.
“كرووو!”
استقام باراغول وانطلق يعدو نحو نهر كْليرون.
“أوقفوه! إن وصل إلى الماء، انتهى كل شيء!”
بعد أن انسحب اثنان مع الجرحى، لم يتبقَّ من المهاجمين سوى غاستون، توماس، كازار، وهارييت.
“هااات!”
أربع سيوف من الهالة مزّقت الهواء وهي تضرب رأس باراغول، لكن الوحش ردّ بدفع جسده الضخم نحوهم كما لو كان حصنًا منزلقًا.
“تراجعوا! جحيم الحمم (Magna Inferno)!”
اندلع لهيب أزرق أقوى من النار الحمراء العادية، وانتشر كالمروحة من حيث يقف إرنولف. التصق اللهيب بجسد باراغول، فأطلق الوحش عواءً مرعبًا وراح يضرب الأرض بأقدامه محاولًا إسقاط النار.
وبينما كان يترنح، بدأ ظهره يصدر ضوءًا جديدًا. هذه المرة لم يكن مجرد موجة كهربائية—بل صاعقة برق كاملة!
“احموا الساحر!”
اصطف المقاتلون الأربعة أمام إرنولف ونشروا دروعهم السحرية معًا. لكن لم يكن هناك ضمان أن تصمد الدروع أمام صاعقة مدمرة.
“جدار الصخور العظيم (Great Stone Wall)!”
اكتمل تعويذ إرنولف في اللحظة ذاتها. ارتفع جدار حجري ضخم من الأرض، وفي نفس اللحظة انطلقت صاعقة البرق من ظهر باراغول. ضربت الجدار وانفجرت بصوت مزّق السماء.
“كوااااه!”
تعثّر باراغول، لكنه حاول الهروب من الحاجز.
“جليد (Ice)! غرق (Sink)!”
جمّد إرنولف ساق الوحش ثم أسقط الأرض من تحته مجددًا. ارتفع الغبار الكثيف وهو يهوي على ظهره.
تنفّس المقاتلون الصعداء، ونظروا إلى إرنولف بدهشة واحترام. لكنه كان يلهث بشدة، يتصبب عرقًا، وقد شحب وجهه وكاد يسقط من الإرهاق.
في تلك اللحظة، وصلت وحدة رودريغو.
“إعادة تنظيم! نحن سنتولى الأمر!”
اندفع رودريغو ورجاله نحو باراغول، بينما صاح هارييت بسعادة:
“أخي!”
لوّح جيفروي بيده باختصار ثم قفز إلى جسد الوحش، وبدأت الجولة الثانية من القتال.
***
من على ضفتي النهر، راقب الناس القتال بقلوب مشدودة. بدا وكأن المقاتلين يهاجمون صخرةً ببيض هش.
مرة ينجحون في صد الموجات الكهربائية، ومرة يفشلون فيسقط بعضهم جثثًا متفحمة أو يُسحقون تحت أقدام الوحش.
ورغم ذلك، لم يتوقفوا. قلبوا الوحش مرارًا، قفزوا على جسده، وواصلوا الهجوم بلا انقطاع. حتى بدأ الغروب يرخي سدوله.
الجميع كانوا يدركون أن قواهم تقترب من الانهيار. الناس صلّوا في قلوبهم:
‘رجاءًا… هذه المرة فلينجحوا!’
***
كان المحاربون يبتلعون جرعات العلاج والمنشطات بلا توقف.
“اللعنة… لو كانت قوتنا القتالية أعلى قليلًا فقط!” صرخ رودريغو وهو يرمي قارورة فارغة أرضًا.
حتى غاستون، قائد الحرس، كان منهكًا: “أين كاسيون؟ هل مات أم ماذا؟!”
أجاب رودريغو بغضب: “لا، ما زال حيًا! يجلس في المؤخرة كأن وزنه جبل!”
ضرب سيفه في جلد باراغول السميك، لكنه بالكاد أحدث تموجًا فيه.
“تبااا!”
قال كازار وهو يرفع سيفه:
“سيأتي… عندما نفتح فجوة، سيهجم مثل الضبع ليسرق النصر.”
امتلأ الجنود بالغضب:
“هل نحن بيادق له؟!”
“يا له من وقاحة!”
لكنهم واصلوا القتال رغم النقمة. كانوا يعلمون أن إرنولف يقترب من نهايته—قلب وحش الوحوش الذي يغذي سحره بدأ يضعف ويتحول إلى السواد.
‘قد تكون هذه المحاولة الأخيرة.’
صرخ أحدهم: “درع الوحش أصبح أضعف! فلننهي الأمر الآن!”
اندفعوا بكل قوتهم. وفي الخلف، كان إرنولف يقف منهكًا مثل شيخٍ عجوز، لكن عينيه تلمعان بحدة:
‘الطفيليون مثل كاسيون دائمًا يظنون أنهم وحدهم من يملكون الخطة…’
نظر نحو كازار، الذي قفز عاليا وهو يغرس سيفه. الهاله البيضاء حوله تحولت شفافة، نقية حتى بدت غير مرئية.
شقق!
انغرز السيف في الدرع أخيرًا. فجوة صغيرة، لكنها كانت كل ما قاتلوا لأجله.
“نجحنا!”
هتف الجنود بفرح حتى وصل الصوت إلى داخل قلعة بوزوني.
عندها صرخ كاسيون:
“الوقت قد حان! انطلقوا!”
اندفع مع مرتزقته المدربين إلى المعركة.
شعر كازار بخطر قادم فابتعد فورًا، وفي اللحظة نفسها اخترق شعاع سام الفتحة الصغيرة وأذابه.
التفت كازار ورأى إرنولف على ظهر الوحش مع “ريكس جيجانتيا”.
أطلق الوحش صرخة هائلة بينما كان جسده يتآكل من الداخل، فيما علت صيحات الجنود فرحًا… حتى صاح أحدهم:
“إنه كاسيون!”
والتفتت كل الرؤوس لترى كاسيون يقود قواته نحو ساحة المعركة.