20 - حصنُ جيش الإمبراطورية (1)
الفصل 20: حصنُ جيش الإمبراطورية (1)
“درع (Shield)!”
لم يستطع إرنولف أن يقف متفرّجًا. وفي اللحظة التي طوّق فيها جسدَ كازار بدرعٍ وهو يغوص متهوّرًا، ابتلعته سُحُبُ الدخان الأسود.
ارتفع دخانُ الموت الذي يطلقه السحرةُ السودُ كأنّه غيومٌ مكدّسة تريد أن تغطي الجرف كله.
راح إرنولف يحدق في الدخان المعتم بلا نفس.
‘كازار، إن بدا الأمرُ سيئًا عُد!’
كان السحر الذي يستخدمونه مشوبًا بطاقةٍ خبيثة. وكان خصمًا ثقيلًا على كازار الذي لم يتقن بعد استخدام الهاله. فصلى إرنولف في سرّه أن يعود سالمًا.
“آآاه!”
سمع صرخةً قصيرة، وهَوى أحدُ السحرةِ السود تحت الدخان.
ركّز إرنولف المانا في عينيه ليلتقط أثرَ كازار. فاشتغلت ‘رؤية’ ضعيفة.
كان كازار يقاتل داخل الدخان.
شقّت شفرةُ الهاله درعَ الساحر الأسود وغرست في كتفه.
وما إن أفلتت يدُه من الصخر حتى مدّ إرنولف يده:
“سهم النار (Fire Arrow)! درع!”
أطلق تعويذتين على التوالي بسرعةٍ لا تجارى.
نعم، هو سحرٌ منخفض الرتبة، فيُسرع في الإطلاق لكن كان لأثر الموهبة الكامنة عند إرنولف اليدُ العليا.
وكما تختلف ركلةُ المتمرّس عن ركلةِ المبتدئ، كذلك السحر حتى الأدنى رتبة إذا خرج من يد إرنولف حمل قدرةَ قتلٍ تفوق المتوقع.
“ككآاه!”
خرقت السهمُ الناريُّ معصمَ الكاهن ثم قطعته.
وفي تلك اللحظة اندفعت من جهةٍ أخرى حزمةٌ سوداء تستهدف ظهرَ كازار.
اصطدمت الحزمةُ بدرعِ إرنولف فانفجرت.
‘هذا الوغد!’
قبض كازار بيدٍ على الصخر وقلب جسده، ثم لفّ عنقَ الكاهن بساقيه وشدّه حتى تحطّم.
كرااك.
ومع طقطقةِ العظام، سقط كاهنٌ آخر من على الجرف. من السبعة، خرج اثنان من المعركة.
وضع إرنولف كفَّه على الجرف وتهيّأ لسحر الأرض.
كان طقسًا واسعًا بحاجةٍ لوقتٍ يجمع فيه المانا ويرسم الدارة السحرية.
وما إن اكتملت الدارة حتى أحسّ بطاقةٍ غريبةٍ قربه.
‘ها!’
اندفعت يدٌ ضخمة تحمل هالةً مفزعة نحو صدره إنها يد بِلِّيجان.
كان بِلِّيجان قد تسلّق سريعًا خارج مسار الرؤية، واستهدف إرنولف مباشرة.
“تيري!”
قذف كازار خنجرًا نحو بِلِّيجان.
كَنغ!
صعد الخنجر من أسفل وارتطم بكفِّ بِلِّيجان فسقط، فانحرفَت اليدُ التي قصدت القلب.
قبض بِلِّيجان على معصمِ إرنولف كأنه سيحطمه.
“آآاخ!”
شعر إرنولف بأن عظمَ المعصم يُسحق فصرخ.
“كيكيك… لم تفتح بعدُ مكتبةَ الحاكم!”
ولمّا رأى قلبَ ملك الوحوش أسودَ اللون، ابتسم بِلِّيجان ابتسامةً عريضة.
“لم تكن لك من الأصل!”
وانبعث من يدِ بِلِّيجان القابضة دخانٌ أسود.
“آآااه!”
واكتسح نفَسُ الموت ذراعَ إرنولف.
“تيري!”
أرسل كازار كل ما لديه من هاله نحو بِلِّيجان.
فلطم هلالٌ من شفرة الهاله ذراعَ بِلِّيجان… وفي تلك اللحظة اكتمل طقسُ إرنولف:
“كاسر الصخور (Rock Buster)!”
وانتشرت من يدِه القابضة للصخر تشققاتٌ على هيئة خيوط العنكبوت.
تَزَقَّق… تَشّق.
تفكّك الجرفُ اليابس كقاعِ نهرٍ قُطع عنه الماء، وانفصلت كتلٌ ضخمة.
“أوووه!”
تخبط الكهنةُ الملتصقون بالجرف كي لا يهووا مع الصخور.
والحقيقة أن المعالِج والساحرَ الأسود يشتركان في تعاطيهم مع الحياة فهذا يحيي وتلك يميت لكن طريقةُ تشغيل المانا واحدة في الأصل.
‘وتشغيلُ المانا لدى المعالِج درجةٌ دون الساحر.’
وبالتالي حتى لو تمرّن أطول فما دام معالِجًا، لا يُجزم بأنه أقوى من ساحرٍ مثل إرنولف.
وصدق الدليل، إذ هوتْ مع الصخور أوراقُ الخريف ‘وهم الكهنة’ متساقطين.
“آآاه!”
“آآآااه!”
ولم ينتهِ أثرُ التعويذة هنا؛ فقد انفجرت الكتلُ الكبيرة في الجو.
وتناثر وابلٌ من الشظايا.
تمزقت الدروعُ إلى خِرَقٍ وعطِلت. منهم من هلك مسحوقًا تحت الصخور، ومنهم من نجا بسحر التحليق لكنه تلقّى وابلًا من الشظايا حتى غطّته الدماء.
“هَه.”
حتى بِلِّيجان فقد التوازن إذ انخلعَ الحجر الذي يمسكه.
لم يُضع كازار اللحظة.
“هُوتْشا!”
اندفع من على الجرف، وضمّ إرنولف، وانقذف إلى شِقٍّ صخري.
كان الشقّ ضيقًا لا يمرّ فيه إلا شخصٌ نحيل وهو كافٍ لفتيان نحيلين.
“هل أنت بخير؟”
وما إن نالوا فسحةَ وقت حتى فحص كازار إرنولف. كانت الذراع التي أمسَكَها بِلِّيجان سوداءَ كالفحم.
“تبًّا…”
“لا بأس. أستطيع الاحتمال.”
قال إرنولف بوجهٍ شاحب.
‘لكن… من هؤلاء؟ ثيابُهم تخالف كهنةَ معبد الكرمة الزرقاء…’
وما إن لفّ رأسَه يبحث عن جواب حتى ظهر بِلِّيجان عند الفتحة. سدّ المدخل، فغشي الظلامُ المكان.
شُواا!
أطلق كازار شفرةَ الهاله، ومدّ إرنولف درعًا سريعًا. وأحدثت الشفرةُ خدشًا صغيرًا في وجه بِلِّيجان.
“أذاك إنسان؟ ما هذا القِشرُ الصلب!”
“لا نِدّ لنا به. لا تذهب، كازار.”
أمسك إرنولف بكازار وهو يهمّ للقتال. بعد أن رأى أن هجماتِه السحرية وهجماتِ كازار لا تُجدي مع بِلِّيجان، عقد العزم على الفرار.
“النجاة هي الأولوية. لندخل إلى الداخل.”
“هل نُسابقه: من يصمد أطول؟”
كان كلاهما تنقصه طاقةُ الحياة ‘ريحُ الموت تنخر قواهما’ ولو راهنا على طول النَّفَس داخل الشق فلن يغلبوا بِلِّيجان.
‘انظر هناك.’
أومأ إرنولف بعينيه داخل الشق. كان هناك فمُ كهفٍ تغشاه الطحالب.
“ضباب السم (Poison Mist)!”
قذف بِلِّيجان شفقًا أسود مليئًا بالسم داخل الشق. وبدأ درعُ إرنولف عند المدخل يذوب تحت السم.
“لنذهب.”
“ولِمَ أنت في المقدمة؟ احملني.”
طوّق إرنولف عنقَ كازار واعتلى ظهره من غير نقاش.
“تشبث جيدًا.”
“حسنا.”
ألصق كازار جسدَه بالجرف ومضى بكل ما يملك نحو الكهف.
كَررَك—
دَدَدَدَد.
بدأ بِلِّيجان يهشمُ مدخل الشق بيده.
“أيتها الجرذان… قِفا هناك!”
كان الشقُّ يتسعُ لصبيَّين هزيلين معًا لكنّه ضيّقٌ على بِلِّيجان.
وأثناء حمله إرنولف، ظلّ الأخير ينشر دروعًا تصدّ الضبابَ السام الذي يقذفه بِلِّيجان هائجًا.
“اصبر قليلًا سنصل!”
ومع سماعه أنفاسَ إرنولف المتعبَة، مدّ كازار يده نحو فم الكهف.
“رمح الموت (Death Spear)!”
انطلق من كفِّ بِلِّيجان رمحٌ أسود.
جمعَ ريحَ الموت فخرق الدرع بسهولة واندفع نحو صدر إرنولف.
وتحرّك إرنولف حالًا:
“رمح النار (Fire Lance)!”
سنٌّ بسنّ، وعينٌ بعين ورمحٌ برمح. اصطدم رمحُ النار برمحِ الموت وجهًا لوجه.
“كه!”
تلاشيا بانفجار، لكن بعض شُعاع الموت المتناثر غمرهما.
‘قليلًا فقط… قليلًا بعد…’
قبض كازار بيدٍ على نتوءٍ صخري، ومدّ الأخرى نحو فم الكهف.
كان إن أمسك النتوءَ عند المدخل، سيقلب جسده ويرمي بإرنولف إلى الداخل.
لكن الحجر كان يفلت في اللحظة الحرجة. ولمّا انزلقت أنامله مراتٍ، كان بِلِّيجان يُعِدّ تعويذةً أخرى
عندها خرجت يدٌ خضراء من الكهف وقبضت على معصمِ كازار.
“كَوْ! كَا كَوْ!”
وتبعها صياحٌ صاخب.
‘مستحيل!’
وما إن أدرك كازار صاحبَ الصوت حتى شدّت اليدُ الخضراء ذراعَه.
وفيما كان يُسحب نحو الكهف، قلب جسده.
ومرّ رمحُ الموت الذي أطلقه بِلِّيجان أمام وجهه ينفث نذيرًا شؤمًا.
وبانقلابه دخل إرنولف المحمول على ظهره أولًا إلى جوف الكهف.
“أوي!”
سقط إرنولف على عجزه وتمدّد.
“يا كازار…”
وأدار رأسه وهو ممدّد، وجمع المانا في يديه. فقد التمعت في الظلام عيونٌ صفراء لمخلوقاتٍ خضراء متجمّعة.
“أتراه في عينيك أيضًا…..غوبلن؟”
“……”
وما إن حدّق كازار بالغوبلن حتى اتسعت عيونهم أكثر.
“كِيَارو! كِيَارو! (البطل! البطل!)”
(م.م: مخلصين😂).
فجأةً أخذوا يركلون الأرض ويصيحون. زفر كازار طويلًا ولوّح بيديه هبوطًا وصعودًا يشير إليهم أن يهدأوا.
“هوو…”
لمعَت عينا إرنولف وهو ينهض.
“يا لها من مفاجأة… ظننتُك ملكًا عليهم وإذ بك… لك أصدقاء!”
“ما هذا الهراء!”
صرخ كازار، فصمت الغوبلن. وعندها ارتفع صوتُ تحطيم الحجارة، إنه بِلِّيجان.
“كَو!”
أومأ أحد الغوبلن لكازار وكأنه يقول: اتبعني. فنهض إرنولف يسند ركبتيه، وابتسم خفية.
“المرافق المهجورة تصير بيوتَ وحوشٍ غالبًا.”
“لا هؤلاء ليسوا سكّان المكان…”
“نزور بيتَ صديقِ أخي، ولقد جئنا خاليي الوفاض، ما أسوأ الأدب.”
ونفض إرنولف الطين عن ثيابه وسوّى هيئته كما لو أنه داخلٌ فعلًا بيت صديق.
“فلنذهب؟”
“من قال إنهم أصدقائي!”
ومهما احتجّ كازار، تجاهله إرنولف، وتبع الغوبلن قدمًا إلى عمق الكهف وحتى أنه قال بأدبٍ وهو يمشي: “عن إذنكم.”