166 - الدفاع عن إندويل - الندوب (5)
الفصل 166: الدفاع عن إندويل: الندوب (5)
“كككآآ!”
عض وال مؤخرة عنق غوب واندفع معه على الأرض.
تشابكت الكائنان وهما يطعنان بعضهما البعض ويخدشان بعضهما كما تفعل الوحوش.
حتى قبل وصول كازار، كان وال متأخرًا أمام غوب.
لكن الوضع تغير الآن.
سواء بفضل حجر القمر أو شعوره بالاطمئنان من وجود كازار، أصبح وال متفوقًا على غوب في كل شيء.
تصدّى وال لجميع هجمات غوب المتكررة نحو النقاط الحيوية أو تفاداها، ثم مزق صدر غوب بلا رحمة بمخلبه الطويل الحاد، وقطع عنقه.
نبتت أربعة براعم من رأس غوب المقطوع، وتحولت إلى أطراف صغيرة، أذرع وأرجل.
‘ألا يمزت عندما يتم تحطيم قلبه أو قطع عنقه؟’
بينما كان وال ينظر بدهشة، بدأت رأس غوب الجديدة تتحرك بسرعة باستخدام أطرافها، وزحفت كالديدان لتفرّ.
يبدو أن الجذع لم يُستعاد وبقي رمادًا، ما يعني أن الرأس كانت هي الكيان الأساسي.
“هذا الكائن الذي لا يموت يفعل أشياء غريبة حقًا.”
“وال، اترك غوب! لنبحث عن الساحر أولًا! هناك واحد آخر!”
حين حاول وال ملاحقة رأس غوب، صرخ كازار.
“حسنًا، فهمت!”
كان كازار لا يزال ينثر النيران هنا وهناك للبحث عن فوندراك.
بفضل النيران المشتعلة، تلاشى الضباب قليلًا، ما حافظ على حاسة السمع والبصر إلى حد ما، لكن لم يكن يعلم متى سيتغير الوضع فجأة.
كان يجب العثور على فوندراك والقضاء عليه قبل ذلك.
‘أين يختبئ؟’
أمسك ببصره المفتوح على مصراعيه الكونت ديتوري، الذي بدا وكأنه واقف فاقدًا للوعي، وعلى مصاصي الدماء الذين اندفعوا لمهاجمته.
“افتح عينيك، ديتوري!”
جمع كازار الهالة وصرخ نحو الكونت، الذي بدا كأنه قد أغمي عليه وهو واقف.
***
في الوقت الذي كان فيه الجميع منشغلين بالقتال، كان الكونت ديتوري يقف في غابة هادئة بها بركة كبيرة.
لم يعد يسمع صراخ ابنه الذي كان يربك قلبه، وكان صوت الريح وهي تحرك أوراق الشجر يعلو برقة في الغابة.
كان هذا المكان مألوفًا له منذ الطفولة، إذ اعتاده كملعب للعب.
أغلق الكونت عينيه وأخذ نفسًا عميقًا.
“هف…”
عندما زفر ببطء من فمه، هدأ قلبه المتشنج وكأن إعصار قد جرف الاضطراب بعيدًا بسرعة.
بعد أن أخذ عدة أنفاس عميقة أخرى، فتح عينيه بوجه أكثر هدوءًا وراحة.
“يا، كارديريو.”
مناداة بصوت شاب دعته إلى النظر نحو مصدر الصوت، فلاحظ صبيًا جالسًا على صخرة كبيرة.
اسمه ويلسون.
كان صديق اللعب الوحيد لابن الكونت ديتوري منذ الطفولة ورفيق حديثه.
(م.م: ذكرى من طفولة الكونت ديتوري).
“ماذا تريد أن نلعب اليوم؟”
نزل ويلسون عن الصخرة ونفض التراب عن مؤخرته.
كان ظهيرة سلمية حيث أشعة الشمس تتلألأ على سطح البركة.
“أيلين جاءت قبل قليل، هل قابلتها صدفة؟”
عندما ذكر ويلسون اسم أخته، عبس الكونت ديتوري.
لم يكن يحب أخته الصغيرة التي تصغره بثلاث سنوات.
بالطبع، أحيانًا كانت لطيفة بعض الشيء، لكن في معظم الأحيان لم يكن كذلك.
كانت أيلين دائمًا تقول هراءً لا معنى له، وتطلب منه أن يلعب معها ألعابًا تفضلها الفتيات.
عندما غضب مرات عدة ورفض اللعب معها، بدأت مؤخرًا تتجول حاملة عصا خشبية، تتظاهر بأنها ولد، مما زاد كرهه لها.
“أيلين جاءت مرة أخرى؟ هل كانت وحدها؟”
“لا أعلم… كان الأمر غريبًا بعض الشيء.”
“هي دائمًا غريبة.”
“لا، ما أقصده هو… أنظر إلى هناك.”
أشار ويلسون بإصبعه نحو جانب البركة. هناك كانت عدة أسماك ميتة متناثرة.
“كانت جالسة هناك تمزق الأسماك حية وتلتهمها.”
“ماذا فعلت بالأسماك؟”
“كنت أراها تأخذ الأسماك وهي لا تزال تتحرك وتقطعها لتأكلها مباشرة.”
ارتجف الكونت ديتوري من رأسه حتى أخمص قدميه. أكل الأسماك الحية… هل هذا إنسان؟
“عندما سألتها ماذا تفعل، لم ترد، بل سألت متى ستأتي، ثم فجأة ركضت في اتجاهك. حاولت اللحاق بها، لكنها اختفت بسرعة قبل أن أتمكن من رؤيتها. لهذا سألتك إن صادفتها في الطريق.”
“ليست أيلين، سيكون شخصًا آخر. أنت مخطئ.”
“حقًا؟”
“نعم.”
لكن هذه الغابة تعود لعائلة ديتوري. لا يمكن لأي شخص التجول هنا بدون إذن، وكان ممنوعًا صيد الأسماك والحيوانات بغير تصريح.
حتى لو تجاهلنا ذلك، لا يمكن للفتاة أن تتجول وحدها في عمق الغابة بهذا الشكل.
إذا كانت الفتاة التي رآها ويلسون هي أيلين، فماذا حدث لها؟ هل أصيبت بالهلاوس وفقدت صوابها؟ أم أن وحشًا يتظاهر بأنه أيلين؟
بدأت الأفكار تتراكم في ذهن الكونت ديتوري.
في تلك اللحظة، قال ويلسون شيئًا بدا وكأنه قد يكون إجابة.
“كاردياريو، هل سمعت عن بانايس؟”
هز الكونت ديتوري رأسه ببطء. حتى الاسم بدا غريبًا عليه.
أخذ ويلسون ديتوري بعيدًا قليلًا عن البركة، كما لو كان أحدهم قد يسمعه، وهمس له بحذر:
“بانايس هو جنية مائية فاسدة. يسرق صورة الشخص في الماء، ثم يتظاهر بأنه ذلك الشخص ويزور المنزل. بعد ذلك يختبئ بين الناس وينتظر الفرصة، ثم فجأة… وخ!”
“فجأة… وخ؟ وما الذي يحدث بعد ذلك؟”
صاح ويلسون في أذنه ليخيفه، وعندما لم يرد صديقه، اعتدل وقال بشكل طبيعي:
“…يهاجمك ويمزقك حيًا.”
“هل تقول إن ما رأيته الآن لم يكن أيلين، بل بانايس ربما؟”
“انس الأمر. قلتها كمزحة للمرح فقط.”
ابتسم ويلسون، مؤكدًا أنها كانت مجرد دعابة، لكن كلمات صديقه علقت في ذهن الكونت ديتوري ولم يستطع التخلص منها.
‘ماذا لو كانت كلمات ويلسون صحيحة؟ والدي الآن في إقليم الدوق…’
في القصر، كانت هناك والدته وأخته فقط. الحراس والجنود يحرسون المكان، ومعهم عدد من الخدم والخادمات، لكن لم يكن هناك أحد موثوق بما فيه الكفاية.
‘يجب أن أعود إلى القصر!’
التفت الكونت ديتوري نحو القصر. كان عليه العودة والتأكد من أن أيلين لم تتحول إلى وحش، وأنها لا تزال إنسانًا، ليتمكن من طرد القلق عن قلبه.
***
“افتح عينيك، ديتوري!”
صوت صاخب ضرب طبلة أذنه. عند سماع هذا الصوت، فتح الكونت ديتوري عينيه على الفور. في تلك اللحظة، كان كازار قد أطلق سيف الهاله الخاص به، ومرّ أمام عينيه، مقطّعًا ذراع مصاص دماء كان على وشك توجيه ضربة لعنقه.
تفاعل الكونت ديتوري على الفور بشكل غريزي. خلق سيف هاله طويلًا، ودوّره مثل الرمح، فمزّق مصاصي الدماء المحيطين به في لحظة. عندما تكون الفجوة في القوة كبيرة جدًا، يبدو القتال أحيانًا وكأنه مجرد لعبة، لكن طريقة قتال ديتوري لم تكن كذلك.
على الرغم من أنه كان يقطع أعداءه بحركات بسيطة، إلا أن كل حركة كانت دقيقة وثقيلة، مما أعطى إحساسًا بالرصانة. كان فن المبارزة منظمًا وفعالًا للغاية.
عندما حاول كازار الاقتراب من الكونت ديتوري، ظهر مجموعة من مصاصي الدماء لمهاجمته. بعد أن قضى عليهم بسرعة، ركض كازار بجانب الكونت ديتوري.
“هل أنت بخير؟”
“هل لديك أي جرعات علاجية؟”
“لا، ليست لدي.”
نظر الكونت ديتوري إليه بعينين مرتابتين، فرفع كازار كتفيه وعبّر بشفتيه عن معنى: “ماذا تريد أن أفعل بما أنه لا يوجد شيء.”
“بدون الجرعات، لا تستطيع الصمود؟”
رد الكونت ديتوري بابتسامة مليئة بالغرور، كأنه يتظاهر بالقوة.
“هاه، هذا مستحيل. أنا بخير تمامًا. اهتم بنفسك أنت، ويلسون.”
“ويلسون؟”
كازار، متسائلًا إن كان الكونت ديتوري قد أحضر شخصًا معه، بدأ يبحث عن ويلسون بعينيه. لكن كل ما كان يراه هو مصاصو الدماء يهاجمون، مفترسين وممزقين للجو من حولهم.
بينما كان كازار يلوّح بسيفه نحوهم، أدرك حقيقة مهمة.
“هل من الممكن… أن أكون أنا ويلسون؟”
دون أن ينظر إلى كازار، ألقى الكونت ديتوري عينه الحادة حول المكان، وهو يقيم الموقف بحذر شديد وقال:
“سأذهب إلى القلعة لأتأكد بنفسّي مما إذا كانت إيلين هي البانايس أم لا.”
“بانايس؟ أيّ بانايس؟ أنت لست على ما يرام عقليًا!”
“أنت في خطر، لذا عد إلى المنزل، ويلسون.”
“ألا تستمع لكلامي أنت أيضًا!”
بمجرد أن قضى الكونت ديتوري على جميع مصاصي الدماء أمامه، حاول مغادرة المذبح دون قتال. صرخ كازار بسرعة.
“إلى أين تذهب!”
“ألم أقل لك؟”
نظر إليه الكونت ديتوري بنظرة تعبر عن استهجان السؤال الغبي وكأن كازار لا يفهم.
تذكر كازار أن الكونت ديتوري قال قبل قليل إنه يحتاج للتحقق من شيء ما في القلعة.
“قلعة ديتوري في ذلك الاتجاه!”
رفع كازار سيفه وأشار مباشرة إلى المذبح، في محاولة لإيهام الكونت ديتوري وإغرائه بالتحرك نحو المذبح.
وبينما قطع الكونت ديتوري مصاصي الدماء الذين هاجموه إلى نصفين، رفع إصبعه نحو السماء وأشار.
“القلعة في الاتجاه الذي تشير إليه نجمة الرحّال.”
نظر كازار إلى السماء الليلية متابعًا الكونت ديتوري، وكان في مركز السماء كوكب الرحّال ممسكًا بشمعة تتلألأ.
كان هدف كازار الأساسي هو إنقاذ زال، لذا أثناء ركضه اعتمد على حجر الربط الذي أعطاه إياه أخوه لتحديد الاتجاه.
ونسي تمامًا النظر إلى نجمة الرحّال.
‘تبًا… إذا كنت ستجن، فلتجن بالكامل، لا تكون نصف مجنون…’
في تلك اللحظة، شعر كازار ببرودة قاتلة تنبعث من الأرض. قفز عاليًا وألقى نظرة إلى الأسفل.
تكوّن على الأرض دائرة سحرية ضخمة تشمل موقع الشخصين بالكامل.
رغم اختلاف الحجم، كانت البنية والزخارف مشابهة جدًا لدائرة مصاص الدماء السحرية التي استخدمتها بليجيا قبل موتها.
“إذن القزم أقامها!”
حاول كازار بسرعة تحذير الكونت ديتوري بشأن الدائرة السحرية، لكنه لم يكن بحاجة لذلك، فكونت ديتوري كان قد بدأ يتحرك بالفعل.
فبعد تجربته القاسية مع دائرة مصاص الدماء لبلِيجيا سابقًا، تمكن الكونت ديتوري بمجرد رؤية الدائرة من تقدير موقع الساحر والقفز نحوه.
غالبية السحرة، لتقليل الأخطاء، لا يغيرون اتجاه دائرة السحر، بل يبنون الدائرة وفق موقعهم. ومن خلال هذه القاعدة البسيطة، تمكن الكونت ديتوري من معرفة موقع بليجيا.
“حقًا ماكرة، هذه البليجيا.”
حين لاحظت بليجيا رد فعل دوق ديتوري، حاولت أن تنشر دائرة سحرية إضافية في المكان الذي سيهبط فيه.
“إغنيس!”
قبل أن تتمكن، أطلق كازار لهبًا أرجوانيًا نحو بليجيا. اندفع اللهب القوي بسرعة عبر الضباب.
كانت بليجيا مربوطة بالمذبح بواسطة الطاقة الحمراء، تتلقى قوة أبانوس مباشرة، لذلك لم تستطع مغادرة المذبح أثناء تنفيذ تعويذتها.
“أسرعوا وامنعوه!”
تجمد وجه بليجيا شاحبًا عند رؤية اللهب الطائر وكونت ديتوري، ثم تجمعت أمامها سحب من الدخان الأسود، تحولت بسرعة إلى مصاصي دماء شكلوا جدارًا بجسدهم. واشتعلوا في اللحظة التي أصابهم فيها اللهب.
“آآآه!”
بينما كانت صرخات مصاصي الدماء المشتعلين تتراكب كأنها وئام مرعب، وصل الكونت ديتوري إلى أمام بليجيا متجاوزًا أكوام الجثث المشتعلة.
وفجأة، كالمياه التي تنفجر من سد محطم، اندفعت العشرات بل المئات من الأجساد من الضباب ومن تحت الأرض.
“لتكن لعنة الخلود على كونت ديتوري!”
“لنحصل على سيد السيف إلى جانبنا!”
تقدم كل مصاصي الدماء من أجل هدف واحد. وكان من بينهم غوب.
عندما ظهر غوب، اختبأت بليجيا داخل المذبح كما لو كانت تمتصه. كانت بليجيا وفوندراك يتبعان استراتيجية، بعدم مواجهة العدو معًا في نفس الوقت، بل التناوب حسب الحاجة.
“أبي، هيا، لنكف عن القتال الآن.”
فتح غوب ذراعيه بشكل خفيف، كما لو لم يعد لديه أي رغبة في القتال، وهو يراقب حالة الكونت ديتوري بعينيه.
حتى لو كان سيد السيف، لم يكن بمقدوره الاستمرار لفترة طويلة مع كل هذا النزيف. سيف الهاله الذي ضعفت قوته قليلًا ووجهه الشاحب كصفحة بيضاء، كانا دليلًا على أنه يكاد يصمد بقوة إرادته فقط.
“ظننت أنك ستتمكن من خداعي؟”
وجّه الكونت ديتوري سيف الهاله، الذي حاول به قطع بليجيا، نحو غوب.
“أنت لست ابني.”
حدق الكونت ديتوري في غوب بعينين مليئتين بالغضب. بدا غوب مختلفًا في عينيه، لكنه لم يكن واعيًا لذلك.
“حتى لو أنكرت، لن ينفعك! أنا ابنك، وأنت والدي، وهذه الحقيقة لن تتغير!”
“هراء! لا تصغي له!”
صرخ كازار وهو يحرق مصاصي الدماء حتى يزولوا عن الوجود. لم يكن موت الكونت ديتوري مجرد فقدان قوة من جانب الحلفاء فحسب، بل كان يعني أن خصمًا من مستوى مادريل، وربما أقوى منه بكثير، سينضم إلى ساحة المعركة.
شعر كازار بالقلق من أن العقل شبه المنهك لكونت ديتوري قد يُستدرج تمامًا على لسان غوب اللاذع ويخرج عن السيطرة.
“أنت…!”
حين همس غوب لنفسه، كأنه يقول “هل انكشف أمري؟”، هتف الكونت ديتوري وهو يلوح بسيف الهاله.
“إنها باناياس!”
“ماذا تقول؟”
“ما هذا بحق الجنون، أيها المجنون!”
كلمة واحدة أطلقها بدقة واعتقاد قوي جعلت غوب وكازار يشعران بصدمة شديدة في مؤخرة الرأس.
“مت! يا باناياس!”
انقض الكونت ديتوري على مصاصي الدماء الذين حاولوا منعه واندفع يقاتلهم.
ما كان يراه في عينيه لم يكن غوب، بل إيلين. أو بالأحرى، الوحش المتحوّل متنكر في هيئة إيلين.
——————-
الحين عرفت ليش يكره الوحوش لهذي الدرجة 😔