72 - العَودة (1)
الفصل 72: العَودة (1)
انيسيه سليـوود.
المرأة التي تذكرها يوجين كانت شخصًا ناسبتها كلمة المؤمنة ولم تناسبها في نفس الوقت. قد تكون معتقداتها وإيمانها مُخلِصَين، لكن سلوكها المعتاد بالتأكيد لم يتطابق مع تعريف كلمة المؤمن أو لقبها الذي هو القديسة.
حيث أحبت انيسيه الكحول أكثر من سيينا. فَـلو إن سيينا تحب الإستمتاع أثناء الشرب، فإن انيسيه تحب الشرب فقط. حملتْ انيسيه معها دائما زجاجة نبيذ صغيرة، لكنها دائمًا تصر على أن السائل الموجود بداخلها هو ماءٌ مقدس، وليس كحولًا.
لقد إمتلكت مظهر قديس، على أي حال.
كلما واجهوا الكثير من الجثث، نزلتْ انيسيه على ركبتيها تصلي.
اعتاد هامل أن يتساءل عن ما هو المعنى من الصلاة لأجل جثة ماتت منذ فترة طويلة. الجثث قد تآكلت بالفعل، لذلك فَـأرواحهم إما قد غادرت بالفعل أو أصبحت لعبةً في أيدي الشياطين.
ويجب أن تكون انيسيه تعرف هذه الحقائق أفضل من أي شخص آخر. ومع ذلك، لم تتجنب الصلاة من أجلهم أبدًا. حتى لو لم يعنِ ذلك شيئًا غير إبداء الإحترام، فإن انيسيه لا تزال تصلي من أجل أن يجد الشخص المتوفى سلامه وراحته.
دائمًا ما كانت انيسيه شخصًا يسرف في الشرب، ولكن كلما مروا بالكثير من الجثث، شربت أكثر من العادة. حتى عندما أخبروها بعدم القيام بذلك، نظرًا لأنها سكرانة، فإن انيسيه ستظل تشرب على أي حال. حتى في وسط ساحة معركة مليئة برائحة الجثث الفاسدة الجهنمية، ما زالت انيسيه لا تستطيع كبح جماح نفسها.
– متى سيكون هذا العالم سلميًا وسعيدًا؟
كثيرًا ما طرحت انيسيه هذا السؤال، كلما إضطرت لإستخدام رائحة الكحول للتغطية على رائحة الجثث الفاسدة.
– يجب أن تكون الأمور سلميةً وسعيدة بمجرد قتلنا لجميع ملوك الشياطين.
– حتى لو قتلنا كل ملوك الشياطين، فهذا لا يعني أن كل الأبرياء الذين قتلوا سيعودون إلى الحياة.
– لكن يمكننا على الأقل إنقاذ أرواحهم.
– هامل، هل تؤمن بوجود حياةٍ بعد الموت؟
– ألا يجعل ذلك المرء يشعر براحةٍ أكبر؟
– لكنني إعتقدت أنك لا تؤمن بالآلهة.
– هذا وذاك شيئان مختلفان. على الرغم من أنني لا أعرف عن الجحيم، إلا أنني آمل بالتأكيد أن تكون هناك جنة. إضافةً إلى ذلك….ألا تعتقدين أنه من المضحك أنكِ أنت من يسألني هذا؟
في إمبراطورية يوراس المقدسة، الإله الرئيسي الذي عبدوه هو إله النور. على الرغم من وجود عدد لا يحصى من الأديان في جميع أنحاء القارة، لكن حتى من بينها جميعًا، الدين الذي يمكن إعتباره دينًا رئيسيًا هو دين إله النور، الذي هو أيضًا بمثابة الإله الراعي ليوراس.
يُراكِمُ المرء أعماله الصالحة طوال حياته، وعندما يموت….تصبح أعماله الصالحة نورًا، وتصبح أعماله الشريرة ظلامًا. وإذا تفوق سطوع الضوء بما يكفي لإبعاد كل الظلام، سيمكنه حينها الصعود إلى الجنة.
الظلام غير موجود في السماء. تنشأ خطايا العالم من الظلام حيث لا يوجد نور. بعبارة أخرى، في السماء التي يحكمها إله النور، حيث لا يوجد ظلام، لا توجد خطيئة، وبما أنه لا توجد خطيئة، فلا توجد معاناة.
– أحيانًا…تكون لدي شكوكي.
مع كونها سكرانة، غطى خديها اللون الأحمر.
– لقد مات الكثير من الناس. بسبب ملوك الشياطين، الشيطان، الوحوش الشيطانية والوحوش. في التاريخ الطويل لهذه القارة، عدد الأشخاص الذين واجهوا مثل هذا الموت المؤسف كبيرٌ لدرجة أنه لا يحصى. لذا، هل الإله الذي أخدِمهُ أنا….حقًا مهيمنٌ إلى درجة أنَّ لديه ما يكفي من الضوء لمحوِ ظلام كل تلك النفوس التي ماتت؟
– هل قديسةٌ مثلكِ تشك حقًا في إلهها؟
– نعم. أنا أشك فيه. ومع ذلك، فإن الإله القدير الذي أخدمه لم يقل شيئًا، ناهيك عن معاقبتي على شكوكي.
~
المكان الذي أجروا فيه مثل هذه المحادثة هو في وسط ساحة معركة مليئة بالجثث. كان ذلك بعد أن منعوا تقدم ذلك الوغد الوحشي، كاماش، زعيم العمالقة. عدد لا يحصى من الجثث البشرية وجثث العملاقة على حدٍ سواء غطت ساحة المعركة.
بذل مولون قصارى جهده لحماية الجنود العاديين. وبأمطارٍ من النور، إعتنت انيسيه بالجرحى. ودفعت تعاويذ سيينا العمالقة بعيدًا عن الجنود، بينما هزم هامل وفيرموث كاماش.
ومع ذلك، فإن الخسائر في صفوف الحلفاء لا مفر منها.
رافق العمالقة جيش كبير من الوحوش الشيطانية. وإنتشر الشياطين الأقوياء هنا وهناك. حيث إختلطوا في المعركة، قُتِلَ أو جُرِحَ الآلاف من الناس. وإعتنى كهنة الإمبراطورية المقدسة الذين تم إرسالهم كدعم والأطباء الذين أتوا من كل مكان بالجرحى، لكن من يموت لا يمكن إحياؤه. هذا لا مفر منه.
~
– لو إن الإله حقًا بهذه القوة، ألا ينبغي أن يكون هو الذي يبذل الدماء بدل سفك دماء هؤلاء الشباب الصغار؟
– انيسيه.
– لو إنه حقًا هو النور الذي ينير كل الظلام، فلماذا لا يضيء شخصيًا هذا الظلام الخانق؟
– أوي.
—حتى في هذه اللحظة بالذات، في ظل غرق العالم في ظلام دامس. بحلول الليل. الفجر الذي سيأتي قريبًا لن ينير أولئك الذين لفظوا أنفاسهم الأخيرة في الظلام دامس. الأشياء الوحيدة التي ستُضاءُ بنور الفجر….هي الجثث. هامل. هل تعرف كم من الناس قد ماتوا هنا اليوم؟ وهذا لم يحدث هنا فقط. بل في كل مكان في العالم. بالأمس واليوم وغدًا. لقد مات عدد لا يحصى من الناس في الظلام، وحتى في الأماكن المضاءة بالنور، ماتوا وسيستمرون في الموت.
– أنتِ ثملة.
– أنا حقا أريد أن أؤمن بإلهي. ومع ذلك لا أستطيع أن أفهم إرادته تمامًا. بغض النظر عن مدى جمال السماء التي سنصل إليها بعد الموت، فإن العالم هنا لا يزال بائسًا للغاية. لماذا لا يضيء الإله بنوره هذا العالم؟
– …لدينا فيرموث.
كان هذا ما قاله هامل في ذلك الوقت.
– لا….لا أعرف ما هي ديانة إله النور. لكنني أعلم أن الفيرموث، ذلك الوغد، هو وحش لا يوصف. ألم تقولي ذلكَ عدة مراتٍ الآن؟ عن أن فيرموث هو معجزة أرسلها الإله؟
– ….
– بما أن الإله لا يستطيع أن ينزل إلى هنا ليعتني بالعالم بنفسه، فقد أثبت وجوده بإرسال معجزة حية لنا على شكل فيرموث. هذا هو السبب في أنه البطل، ولهذا أيضًا إعترف السيف المقدس بأنه سيده. أليس هذا صحيحًا؟
– …لم أعتقد أبدًا أنني سَـأسمع مثل هذا النوع من الكلمات منك.
– لا أريد أن أقول هذا النوع من الأشياء أيضًا. ومع ذلك، من المزعج الإستماع إلى هرائك وأنتِ سكرانة. الآن، لا أعتقد أنك قد قلت ذلك لأنك أردتِ أن تسمعي مني كذبًا يريحك، لأنني لست من النوع الذي يلجأ إليه الناس للراحة.
لذلك، حاول هامل أن يكون صادقًا قدر الإمكان.
– فقط فكري في الأمر بهذه الطريقة. ما فائدة الغضب من إله لا يعطيك أي إجابات؟ كل ما علينا القيام به هو قتل كل ملوك الشياطين وإنقاذ العالم. إذا نجحنا، ثم كل شيء بعد ذلك….سَـيكون بخير. سيتم إنقاذ جميع النفوس التي إستولت عليها الشياطين وترتفع إلى السماء، وسوف يكون العالم مكانًا سلميًا وسعيدًا.
لقد قال هامل فقط ما تبادر إلى ذهنه. لم يكن متأكدًا من هل تمكن من إقناع انيسيه أم ال. ومع ذلك، من وجهة نظر هامل، أراد فقط أن يقدم لها غرضًا واضحًا كبديل للاستياء من السماء التي قد لا تكون موجودة أو إله لم يعد بإمكانها الإيمان به.
– …وهل سنكون حقًا قادرين على القيام بذلك؟
– يمكننا أن نفعل ذلك. لدينا فيرموث….ولدينا أيضًا قديسةٌ مثلك. هناك سيينا، مولون، وأنا كذلك. نحن أقوياء، أقوياء بما يكفي لقتل كل ملوك الشياطين وإنقاذ العالم.
حتى لو بدا غامضًا فقد إحتاجت إلى أمل.
– لهذا السبب يجب عليكِ التوقف عن الحديث عن مثل هذه الأشياء التي لا طائل من ورائها والسماح لي بالشرب معك. لا تشربي كل شيء بنفسك.
– هذا ليس كحولًا، إنه ماء مقدس. لا يمكن أن أعطيه لشخص مثلك يفتقر إلى الإيمان.
– سأصبح أيضًا مؤمنا بإله النور من اليوم فصاعدًا، لذا أعطِهِ لي.
– الإيمان الكاذب جريمة أثقل من أي خطيئة أخرى. وبصفتي شخصًا يدعى بالقديس، لا يمكنني تقديم أي نعمة لمن لديه معتقدات خاطئة.
في النهاية، لم تعطه انيسيه حتى قطرة واحدة من الكحول في ذلك اليوم.
المرأة التي تشبه الثعبان. هذا ما إستعمله هامل وسيينا لوصفها.
إمتلكت انيسيه مزاجًا سيئًا لا يتناسب مع صورتها كقديسة، وعلى الرغم من أنها مؤمنة، إلا أنها كانت تميل أيضًا إلى كسر القواعد العقائدية بشكل عرضي. ومع ذلك، عند الضرورة، تصبح مؤمنةٌ بما يكفي ليتم تسميتها بالقديسة، وسحرها الإلهي يشرق ببراعة أكثر من أي كاهن آخر.
كما أنها سرًا —لا— علنًا، كان لديها عادةٌ في العبث مع الناس. بصرف النظر عن فيرموث، عانى الجميع على يديها أكثر من مرة.
ففي مرةٍ من المرات عندما ركض مولون أمام المجموعة، تسبب لنفسه بقطع ساقيه، حينها قامت انيسيه بتبديل أماكن الساقين أثناء إعادة ربطهما من أجل محاولة إصلاح عادة مولون السيئة.
من بين العديد من الكهنة الموجودين، انيسيه فقط هي القادرة على إحداث معجزة إعادة ربط أجزاء الجسم المقطوعة. لقد آملت أن تغير هذه المزحة عادة مولون في التحرك أمامهم، ولكن إتضح أن مولون يستطيع الجري بشكل جيد للغاية حتى مع كون ساقيه على الجانبين الخطأ.
– إربطي أرجل هذا الوغد بشكل صحيح!
– للقيام بذلك، نحن بحاجة إلى قطع الساقين مرةً أخرى.
– أنا….أنا بخير مع ساقيَّ هكذا. لا يزال بإمكاني الركض بشكل جيد للغاية، ويمكنني أيضًا القتال بشكل جيد.
– لا تنطق بمثل هذا الهراء. كلما تتعثر، سأحصل على الضرب مكانك. تعال إلى هنا، سأقطعهما بضربة واحدة.
– لا أريد….
– سيينا! إجعلي هذا الوغد ينام!
في النهاية، تمكنت تعويذة نوم سيينا القوية من جعل مولون ينام، حيث قطع هامل ساقي مولون.
“يا لها من عاهرة سيئة.”
على الرغم من أن الأمر لم يكن بهذا السوء، إلا أن هامل تعرض أيضا لمقالب انيسيه عدة مرات. في أحد المرات مثلًا تآمر هامل مع سيينا لسرقة ماء انيسيه المقدس وشربه بمفردهما؛ ردًا على ذلك، إنتظرت انيسيه حتى يحين دورها للطهي، وبعد أن انتهوا من الأكل، ضحكت وأخبرتهم أن حساء سيينا وهامل قد تم غليهما بإستخدام بول الوحش.
لو لم يتدخل مولون حينها لإيقافهم، لكان سيينا وهامل وانيسيه قد تقاتلوا حقًا حتى يموت أحدهم.
عندما تذكر ذلك الوقت، ابتسم يوجين بمرارة.
أرض النور المقدسة، هوجاني.
خارج المدينة، هناك تمثال لأنيسيه راكعةٌ تصلي. ووجه التمثال مغطًى تقريبًا بغطاء كبير، ولم يمتلك الكثير من التشابه مع مظهر انيسيه الذي تذكره يوجين.
ومع ذلك، فقد أعطى شعورًا بالقدسية. حتى يوجين، الغير مؤمنٍ بإله النور، شعر بهالة مقدسة من التمثال، لذلك يجب أن يكون أتباع النور الحقيقيون قد أنشأوه.
حول التمثال، هناك بالطبع مؤمنون من يوراس، حتى أعضاء كنيسة النور من بقية البلدان قد أتوا إلى هنا للركوع والصلاة. نظر يوجين إليهم وهو يدور حولهم.
لقد مر أسبوع منذ وصوله لأول مرة إلى هوجاني.
لم يتمكن يوجين من العثور على أي شيء هنا. إعتقدَ أن انيسيه ربما تركت دليلًا هنا، لكنه لم يستطِع إكتشاف أي شيء.
الأمر كما هو الحال في أروث. تمامًا مثل ما شعر به سَحَرَةُ أروث حول سيينا، أراد المؤمنون من يوراس أيضًا العثور على انيسيه بشدة. لو ترك الإثنان شيئًا خلفهما حقًا، فيجب أن يكون قد أُكتُشِفَ بالفعل من قبل شخص آخر في الماضي.
‘كنت آمل أن تُظهِرَ بقاياهما ردًا على روحي.’
لكن لم يحدث شيء من هذا.
هذا التمثال يمثل الموقع الذي أقام فيه انيسيه صلاةً منذ مئات السنين قبل مغادرتها إلى الجانب الآخر من الصحراء.
انتهت سجلات رحلة انيسيه هنا. بعد ذلك، أرسل يوراس عدة بعثات لمتابعة مسار انيسيه، ولكن في النهاية، لم يتم العثور على انيسيه.
‘لماذا نهاما من بين جميع الأماكن؟’ تساءل يوجين.
يمكنه أن يخمن بشكل غامض سبب هذا.
في الوقت الحاضر، مع تطور السحر، تم تركيب بوابات الإنتقال في كل بلد، ولكن لم يكن هذا هو الحال منذ مئات السنين. وإذا إستقلت سفينة عبر المحيط من يوراس، فستصل إلى المدينة الساحلية الواقعة شمال هوجاني.
من هناك، بدأت رحلة حجها. انيسيه….على الأرجح…
‘لقد جاءت إلى هنا على الأغلب لتقديم احترامها أمام قبري.’
عزلة سيينا وحج انيسيه، لم يتداخل هذان الحدثان تمامًا.
حيث أن سيينا قد دخلت في عزلتها قبل بضع سنوات؛ بعد ذلك، شرعت انيسيه—التي تحظى بالتبجيل كقديسةٍ في يوراس—في رحلةِ حج.
تذكر يوجين، ‘لقد تم ختم قبري.’
تم اكتشاف قبره قبل ست سنوات فقط.
ربما تم الكشف عنه بعد فترة وجيزة من العثور على قلادة هامل في قبو كنز لايونهارت. ردًا على هذا الاكتشاف، لا بد أن الختم الموجود على قبره قد اختفى.
‘لا أعتقد أن انيسيه قد دخلت قبري.’
فَـلو تمكنت من الدخول، لما تركته يبدو وكأنهُ حُطام غارق تحت الرمال فقط.
بينما هو يحدق في تمثال انيسيه، انجرف شعور مرير في عقل يوجين.
‘…فيرموث.’
ذلك الرجل قد زيف جنازته، ونجا من وفاته المفترضة، ثم اقتحم قبر هامل. هناك، دخل في معركة مع سيينا. تمكن فيرموث من هزيمتها، ثم ختم سيف المون لايت والقبر.
كل هذا حدث قبل مائتي عام في الماضي.
تم رسم صورة لها وهي تتجول في الصحراء في ذهن يوجين. ‘أثناء تجولها بحثًا عن قبره غير المكتشف، بماذا كانت تفكر بحق السماء؟’
‘هل يمكن أن يكون فيرموث متورطًا أيضًا في إختفاء انيسيه؟’
لم يستطع يوجين معرفة ذلك على بيقين، لأن انيسيه لم تترك أي أدلةٍ وراءها. على الأقل في الوقت الحالي، الشخص الوحيد الذي ترك دليلًا واضحا على موقعه الحالي هو سيينا. انجرف تركيز يوجين لفترة وجيزة إلى أوراق شجرة العالم التي تم تخزينها داخل عباءته.
“أيها اللورد.” تحدث لامان، الذي يقف بهدوء بجانب يوجين، بتعبير حذر. “هل غيرت رأيك؟”
“لا.” قال يوجين وهو يهز رأسه.
قبل مغادرتهم المدينة، كان يريد فقط أن ينظر إلى التمثال للمرة الأخيرة. لم يستطع العثور على أي أدلة، ولم يمتلك يوجين الثقة للذهاب بحثًا عن أي أدلة ربما تكون قد تركت في هذه الصحراء الشاسعة قبل مائتي عام.
ومع ذلك، لم يستطع التوجه إلى مملكة مولون أيضًا. عرف ملك الحصار الشيطاني أن يوجين هو تناسخ هامل. ونظرًا لأنه تلقى تحذيرا من ملك الشياطين، فإن التوجه شمالا إلى بلد يحد هيلموث هو أمر خطيرٌ للغاية.
‘في الوقت الراهن، نتوقف هنا.’
قوته غير كافية.
شعر يوجين بشدة بهذه الحقيقة. منذ أن أُعيدَ تجسيده، لم يشعر بالحاجة للقوة بشكلٍ يائسٍ أبدًا، لكنه الآن يتوق إليها.
لقد كاد أن يقتل على يد فارس الموت في حالة غير كاملة.
كما كاد أن يموت على يد أميليا ميروين.
وحتى عندما كان ملك الحصار الشيطاني أمامه مباشرة، لم يستطِع يوجين التحرك نحوه لمحاولة قتله.
أكد يوجين، “نحن في طريقنا إلى كيهل.”
لقد مر عامان منذ أن ترك المنزل الرئيسي الخاص بعشيرة لايونهارت.
ولقد حان الوقت للعودة إلى المنزل.
* * *
عاصمة إمبراطورية كيهل، سيريس.
الغابة الكبيرة خارج العاصمة بأكملها هي جزء من ملكية لايونهارت، وهي أيضًا المنزل الوحيد في العاصمة الذي تم تركيب بوابة إنتقالٍ فيه.
وقف لايونهارت سيان وذراعيه متقاطعتان أمام بوابة الإنتقال. هو، الذي سيتحول قريبًا إلى شخص بالغ في عيد ميلاده العشرين، من شبه المؤكد أن يصبح البطريرك التالي لعشيرة لايونهارت.
ومع ذلك، لم يستطع سيان قبول هذه الحقيقة، ولم يتمكن من الإستمتاع بها.
هذا بسبب يوجين، الذي سيعود قريبًا.
‘…إبن العاهرة ذاك.’ شتمه سيان.
لا يسع سيان إلا أن يشعر بالتعقيد. هل من المفترض أن يشعر بالسعادة أو الحزن بشأن لقاء هذا الأخ، الذين لا يشاركه قطرة دم واحدة، والذي هو الآن عائدٌ بعد عامين كاملين؟
بصرف النظر عن ذلك، هناك بعض العوامل الأخرى.
بعد أن غادرت الزوجة الرئيسية، تانيس، والإبن الأكبر، إيوارد، المنزل الرئيسي، سيطرت أنسيلا بالكامل على خدم المنزل. وبإعتبارهِ إبنها، صُبت كل جهودها في سيان.
في هذين العامين بدون يوجين، قضى سيان كل يوم بشكلٍ مثمر. لم يهمل تدريبه اليومي، بل ظل يتقاتل بإنتظام مع والده. جنبًا إلى جنب مع التدريب المكثف الخاص بوالدته عن كيفية الوصول إلى الكمال، وحافظ سيان أيضًا على إستخدام وتنمية صيغة اللهب الأبيض خاصته. وتسكع مع الفرسان الأصغر سنًا، وبينما حنى رأسه أمام الفرسان الذين ظلوا يخدمون العائلة الرئيسية لفترة طويلة، وطلب بأدب مساعدتهم.
في البداية، كره سيان هذا الجدول الصارم، لكنه بدأ تدريجيًا في تقبله.
أراد سيان أن يصبح البطريرك.
فهذا شيء دائمًا ما تحدثت معه والدته عنه منذ صغره، ورغب سيان نفسه في مقعد البطريرك. الآن بعد أن تم إستبعاد إيوارد، أصبحت خلافة سيان كالبطريرك القادم مضمونةً تقريبًا.
لحسن الحظ، لم يحدث تنافس مع أخته التوأم سيل. تخلت سيل عن حقها في الخلافة لأنها أرادت أن تصبح عضوًا في فرسان البلاك لايونز.
ولو لا وجود يوجين، لصار من المؤكد أن يصبح سيان البطريرك التالي.
“اللعنة.” لعن سيان.
كره سيان أن يُنظَرَ إليه هكذا، وكره أيضًا تفكيره في ذلك. لو تنافس ضد ذلك الأحمق إيوارد، فقد لا يهتم، لكن سيان لم يستطع تحمل التنافس مع يوجين.
ضد يوجين، شعر سيان بالتنافس الجهنمي والشعور بالهزيمة التي تلوح في الأفق.
على الرغم من أنهم لم يلتقوا بعد، كان سيان يفكر بالفعل في هزيمته. إنزعج سيان من هذا الجانب من نفسه، وكره كيف أن تفكيره في يوجين يؤثر فيه.
يوجين لايونهارت، ذلك الرجل الإبن العاهرة. بعد أن تم تبنيه قبل ست سنوات، عانى سيان تحت يديه كل يوم. ظل يتعرض للضرب المتنكر في زي السجال التدريبي. وردًا على الضرب الذي لا يرحم الذي عانى منه، لم يتمكن سيان أبدًا من هزيمة يوجين ولو مرة واحدة.
“سيان.” تحدثت أنسيلا، التي ظلت تراقب تعابير ابنها المتصلبة. “لا يبدو أنك سعيد بعودة أخيك.”
“…سأكون سعيدًا برؤيته يعود، لكنني سأكون سعيدًا بنفس القدر لو لم يفعل ذلك.” اعترف سيان.
“سيان.”
“لو قال إنه يريد أن يصبح البطريرك، فمن المحتمل أن أتنحى جانبًا من أجله.” قال سيان وهو يهز رأسه بحسرة عميقة: “لأنه أكثر ملاءمة ليصبح البطريرك مني.”
“…وفقًا لسيل، قال ذلك الطفل، يوجين، إنه لا يريد أن يصبح البطريرك.” ذكرته أنسيلا.
“كان ذلك قبل عامين. ربما يكون قد غير رأيه منذ ذلك الحين.” جادل سيان بتشاؤم.
“طالما أنك لا تتنحى جانبا من أجله، فلا توجد طريقة لأن يصبح يوجين البطريرك التالي.”
“ولكن هل سيكون هذا هو القرار الصحيح لمستقبل عشيرة لايونهارت؟”
“سيان، يجب أن يكون لديك تصميم حازم.”
“يجب أن يكون بطريرك عشيرة لايونهارت أقوى وريث في العائلة الرئيسية.”
“ربما أنت أضعف من يوجين قبل عامين، ولكن الآن….”
“ذلك اللقيط يجب أن يكون قد تعرق بقدر ما فعلت.” طحن سيان أسنانه ببعضها كما حدق بغضب في بوابة الإنتقال. “…أمي، لا أعتقد أن الدم يجب أن يكون أكثر سمكًا من العَرَق. لو تبين أن يوجين أقوى مني ويريد أن يصبح البطريرك، ثم أنا….فقط ماذا علي أن أفعل؟”
“أترى؟ أنت لا تزال تريد أن تصبح البطريرك التالي.” لاحظت أنسيلا تردده، لكنها لم تستطع رفض كلمات ابنها ووصفها بأنها غير ناضجة بهذه السهولة.
لقد أرادت حقًا أن يقف ابنها، الذي ورث دم بطل عظيم، شامخًا ويصبح البطريرك التالي لعشيرة لايونهارت.
لكن بدلًا من الضغط عليه، قالت أنسيلا: “…أنت لم تعد طفلا. وهكذا، عليك أن تتخذ هذا القرار بنفسك. لو أردت أن تصبح البطريرك، فيمكنك أن تصبح البطريرك. ولو أردت التنحي جانبًا….ثم يمكنك فقط التنحي جانبا.”
“…لكن هذا ليس ما تريده الأم بالنسبة لي.” لاحظ سيان بمفاجأة.
“يبدو أنني قد ربيتك بشكل مفرط أكثر من اللازم” قالت أنسيلا وهي تربت على كتف سيان: “لا….لا أريد أن أصبح مثل تانيس، أعني بذلك أنني لا أريد أن أفسد طفلي بطموحي المفرط.”
“…أنا مختلف عن إيوارد.” أصر سيان.
“هذا صحيح، أنت مختلف”، وافقته أنسيلا. “لذلك يجب أن تفعل ما تشعر أنه صحيح. بغض النظر عن ما تختاره، سأكون فخورةً بك لفعل الشيء الصحيح. أريد أن أحترم إرادتك.”
هل ستستطيع حقًا القيام بذلك؟
على الرغم من أنها قالت هذا النوع من الأشياء، شعرت أنسيلا أنها يجب أن تسأل نفسها. منذ أن أصبحت الزوجة الثانية للسلالة المباشرة للايونهارت، أرادت أن تجعل ابنها البطريرك التالي. لولا الحادثة مع تانيس وإيوارد….لربما غضبت الآن من كلمات ابنها المترددة. ولما إستطاعت كبح نفسها كما فعلت الآن.
هل ذلك لأنها رأت كيف أن تدخل الأم المتغطرس وعنادها يمكن أن يفسد الإبن؟
“…سيان، بُني، فقط ضع هذا في الإعتبار. تماما كما تمتلك أفكارك ورغباتك الخاصة، سيكون لدى يوجين أيضا أفكاره ورغباته الخاصة.” ذكرته أنسيلا.
“…” إستَمَعَ سيان بصمت.
“أنت لا تعرف يقينًا ما يريدهُ أخوك. من كان يمكن أن يخمن أن سيل ستُصبِحُ حقًا بلاك لايون؟ لا أنا، والدة سيل، ولا أنت، توأم سيل، كنا على علم برغبات سيل.”
“….أخي.”
“هذا صحيح. يوجين هو أخوك. على الرغم من أنك لا تشاركه الدم، إلا إنكما لا تزالان شقيقان. لهذا السبب يجب أن يلتقي كلاكما وتتحدثان مع بعضكما البعض قبل إتخاذ قرار بشأن أي شيء. خليفة البطريرك…..لن يكون الأوان قد فات لتقرير من سيكون بعد إجراء محادثة.”
“…نعم.” أومأ سيان ببطء.
الآن، شعر أنه مرتاح أكثر.
‘دعونا نرى كم صِرتَ أقوى.’
بدأت بوابة الإنتقال تتوهج.
شحذ سيان نظرته وإنتظر خروج يوجين من بوابة الإنتقال.