44.1 - قاعةُ سيينا (1)
الفصل 44.1: قاعةُ سيينا (1)
أمامَ يوجين الذي فقدَ قُدرتَهُ على الكلام، حيث إنَّ فَمَهُ مفتوحٌ قليلًا فقط بلا إصدارِ أيِّ صوت، خلعتْ الفتاةُ الصغيرةُ أمامَهُ قُبَعَتَها الكبيرةَ وحَنَتْ رأسَها بعُمق.
“سُرِرتُ بلقائك؟” إستَقبَلَتهُ الفتاةُ بتَرَدُد.
في حياتِهِ السابِقة، نظرًا لأنَّهُم إلتَقَوا جميعًا في سنِ البلوغ، فَـيوجين لم يَرَّ شكلَ سيينا في طفولَتِها أبدًا. ومعَ ذلِك، أمكَنَهُ الآنَ أنْ يرى شكلَها الطفولي في هذهِ الشخصيةِ أمامَه. بشعرِها الأُرجواني الفاتِح وإبتسامَتِها الخبيثةِ التي لا توصف، على الرُغمِ مِن أنَّ عُمُرَها بدا أصغرَ بكثيرٍ الآن، إلا أنَّ هذهِ العامِلةَ بدتْ تمامًا مِثلَ يوجين.
“…عامِلة؟” سألَ يوجين في النهاية.
“نعم!” قالتْ الفتاةُ مؤكِدةً ذلِك.
“…هذا….اممم….”
أنتِ حقًا لستِ سيينا؟
قَمَعَ يوجين بشدةٍ رَغبَتَهُ في طرحِ مثلِ هذا السؤال. بالتفكيرِ في وَهمِ سيينا الذي إلتقى بهِ في الساحةِ أمامَ البنك، مِنَ المُستَحيلِ لهذهِ العامِلةُ أمامَهُ أنْ تكونَ هي سيينا نفسُها.
“…بماذا يجبُ أنْ أدعوك؟” سألَ يوجين بتردُدٍ أثناء مُراقبَتِهِ للهيئةِ الطفوليةِ أمامَه.
إنَّها قصيرةٌ يصِلُ طولُها تقريبًا إلى خصرِ يوجين. لهذا، توجبَ على يوجين أنْ يَنحنيَّ رأسَهُ قليلًا لمُجردِ إلقاء نظرةٍ على العامِلة.
قالتْ العامِلةُ إسمَها “السيدةُ سيينا أطلقتْ عليَّ إسمَ مير.”
“مُستَحيل. حتى إنَّها إقتَبَسَتْ إسمكِ مِن ميريدن؟” سألَ يوجين.
“نعم! إنَّهُ إسمٌ مجيد، ألا تعتقِدُ ذلِك؟” بينما أجابتْ مير بإبتسامة خجولة، مُلِء وجهُ يوجين بالصدمة.
ميردين هو لقبُ سيينا. صُنعُها لخادِمةٍ بناءً على مظهرِها، وحتى أنَّها إقتبَسَتْ إسمَ الخادِمةِ هذهِ مِن لقبِها.
‘بماذا كانت تُفَكِر؟’ تسائلَ يوجين.
بتردُد، سألَ يوجين، “…اه، أنا أسألُ فقط لأنَّني لا أعرِفُ الكثيرَ عن نوعِك، ولكِن، هل يكونُ الخدمُ أو أيًّ كان ما يُطلَقُ عليكُم…اممم…يُشبِهونَ البشرَ مِثلَك؟”
“أنا مُمَيزة، بالطبع “، أجابتْ مير ثُمَ رَفَعَتْ ذَقنَها بفَخر. “الشخصُ الذي صنعني هي سيينا الحكيمة، رفيقةُ فيرموث العظيم. الخدمُ الموجودونَ حاليًا الطوابقِ الأُخرى ليسوا مُمَيزينَ كما أنا.”
“…هل هذا صحيح؟”
“نعم! لم تذهبْ بعدُ إلى أيٍّ مِنَ الطوابقِ الأُخرى، صحيح، أيها السير يوجين؟”
“كيفَ تعرِفينَ إسمي؟ هل أنتِ حقًا خادِمة؟”
“ماذا تحاولُ أنْ تقول؟”
أيُّ نوعٍ مِنَ الهُراء هو هذا؟ بينما هو يُحَدِقُ بـمير بعيونٍ ضيقةٍ بشكلٍ مُثيرٍ للريبة، لم تَستَطِع مير سوى إظهارَ تعبيرٍ مُحتارٍ على وجهِها.
“السير يوجين لايونهارت، ألم تُسَجِل إسمَكَ للتوِ في آكرون في الطابُقِ الأول؟” ذَكَرَتهُ مير بذلِك.
“…نعم فعلت”، تَذَكَرَ يوجين.
“ليسَ أنا فقط. لكِن جميعُ الخدَمِ في هذا المكانِ مُرتبِطينَ بأنظمةِ آكرون. ونحنُ نعرِفُ بالضبطِ من يَدخُلُ ويَخرُجُ مِن آكرون في جميعِ الأوقات”.
غير يوجين الموضوع، “لذلك فأنتِ تقولينَ أنَّكِ حالةٌ خاصةٌ بينَ بقيةِ الخدم؟”
“نعم!” رَفَعَتْ مير ذَقنَها مرةً أُخرى وأظهرتْ تعبيرًا فخورًا كما أوضَحَت، “يُمكِنُكَ أنْ ترى ذلِكَ بنفسِكَ إذا ذهبتَ إلى أحدِ الطوابِقِ الأُخرى؛ الخدمُ هُناكَ ليسوا جيدينَ في المُحادثاتِ كما أنا. يُمكِنُهُم فقط تنفيذُ ما تمَ برمَجَتُهُم عليهِ عندما تم إنشاؤهُم لأولِ مرةٍ والإستجابةِ للأوامرِ الخارجية.”
“…وماذا عنك؟”
“لقد خلقتُ مع شخصيةِ سيدتي، السيدةُ سيينا، كأساس.”
“أليسَ مِنَ المُحَرماتِ في السحرِ خَلقُ كائنٍ حي؟” سألَ يوجين أثناء تذكُرِهِ للكلماتِ التي سَمِعَها في حفلِ إستمرارِ السُلالةِ قبلَ بضعِ سنوات.
لماذا لا يُمكِنُكَ خلقُ أيِّ شيءٍ حي؟
لم يُبدِ إيوارد، في ذلِكَ الوقت، أيَّ إهتمامٍ بحفلِ إستمرارِ السُلالة، لكِنَ عينيهِ كانتا تلمعانِ بشكلٍ مُشرِقٍ أثناء تحديقِهِ في سحرِ لوفليان. لسوء الحظ، على الرُغمِ مِن أنَّ إيوارد قد إمتَلَكَ مِثلَ هذا الإهتمامِ بالسحر، إلا أنَّهُ لا زالَ يَتَحَولُ إلى مثلِ هذهِ القُمامةِ بعدَ مرورِ أربعِ سنوات.
“لكِنَني لستُ كائنًا حيًا”، قالتْ مير بنبرةٍ ليسَ فيها حتى أثرٌ مِن عدمِ اليقين. “على الرُغمِ مِن أنَّني قد أبدو على قيدِ الحياة، إلا أنَّني لا أمتَلِكُ روحًا مِثلَ بقيةِ الكائناتِ الحية. فَـقد تم إنشاء جسدي مِن خلالِ سحرِ السيدةِ سيينا، وبالنسبةِ لوعيي….”
أعادتْ مير القُبَعةَ على رأسِها وإستدارتْ للنظرِ خلفَها. عندها قامَ يوجين أيضًا بتحويلِ نظرتِهِ بعيدًا عن مير لينظُرَ إليه. إلى الأمام، رأى كُرةً كبيرةً مِنَ الضوء تطفو في الغُرفة، مع عدةِ حلقاتٍ تدورُ بِبُطء حولَ كُرةِ الضوء.
“إنَّهُ هُناك”، أعلَنَتْ مير بإبتسامةٍ مُشرِقة.
حدقَ يوجين بغباء في الكُرة. هذهِ هي المرةُ الأولى التي يرى فيها مِثلَ هذا العملِ الفنيِّ ثُلاثيِّ الأبعاد. وللوهلة الأولى، أعطى إنطباعًا غامِضًا، لكِنَ حواسَ يوجين إكتَشَفَتْ تصميمًا ضَخمًا ومُفصَلًا بشكلٍ سخيفٍ للطاقةِ السحريةِ يقعُ داخِلَ الِتمثال.
“…ما هو هذا بحقِ السماء؟” سألَ يوجين في النهاية.
إبتَسَمتْ مير، “هذا سؤالٌ رائع!”
نَفَخَتْ مير صدرَها وألقتْ كَتِفَيها للخلف، مُميلةً رأسها للخلفِ مما تَسَبَبَ في إنحناء قُبَعَتِها الكبيرة، التي هي أكبرُ بكثيرٍ مِن رأسِها، للخلفِ أيضًا. من الطريقةِ التي بَقيتْ بها قُبَعَتُها تطفو على رأسِها بدا وكأنَها يُمكِنُ أنْ تَسقُطَ في أيِّ لحظة، يبدو أنَّها إعتادت على القيامِ بمثلِ هذهِ الحركات.
“هذا هو جوهرُ السِحرِ الذي طَوَرَتهُ السيدةُ سيينا على مدارِ حياتِها. هذا هو مَكرُ الساحِرة!” كَشَفَتْ مير عن هذا بصرخةٍ فخورة.
لم يستَطِع فكُ يوجين إلا أنْ يَسقُطَ مرةً أُخرى. هذا هو مَكرُ الساحِرة؟ الكِتابُ السحريُّ الذي قيلَ أنَّ سيينا قد إنتَهَتْ مِن كِتابَتِهِ فقط قبلَ إختفائِها بقليلٍ وقيلَ إنَّهُ قد تَمَ تقسيمُهُ إلى ثلاثِ مُجَلَدات؟!
“كيفَ يُمكِنُ إطلاقُ إسمِ كِتابٍ على شيء كهذا؟” إحتَجَ يوجين.
شَخِرَتْ مير، “إنَّهُ تَحيزٌ عفا عليهِ الزمنُ لِـأنْ نقولَ إنَّ الكِتابَ يَجِبُ أنْ يبدو وكأنَّهُ كِتاب.”
“هذا يبدو وكأنَهُ هُراء….”
“من الطبيعيِّ ألَّا يفهَمَ السير يوجين ذلِك. فَـبعدَ كُلِ شيء، مِنَ المُستَحيلِ أنْ يفهَمَ السير يوجين سِحرَ السيدةِ سيينا عندما لا يَستَطيعُ أسيادُ الأبراجِ حتى فِهمَه، صحيح؟”
فاضتْ كَلِماتُ مير بالفخر، وإمتلأتْ إبتسامَتُها بالثِقة. وفي الوقتِ نفسِه، نَظَرَتْ بمهارةٍ إلى الشخصِ الذي يواجِهُها. لقد قالتْ إنَّها قد صُمِمَتْ إستنادًا إلى شخصيةِ سيينا….في الواقِع، تُشبِهُ مير جدًا سيينا في أنَّها مُزعِجةٌ ولا تمتَلِكُ أيَّ شخصيةٍ جيدة.
“…لقد قُلتِ أنَّ تَصميمَكِ بُنيَّ على أساس…شخصيةِ السيدةِ سيينا، صحيح؟” شَعَرَ يوجين بالحاجةِ إلى تأكيدِ ذلِك.
“نعم!” أجابتْ مير بفخر.
“بما أنَّ هذا هو الحال…اممم…مُباشرةً قبلَ أنْ تَختَفي، هل كانتْ لا تزالُ شخصيتُها مُماثِلةً لشخصيتِك؟”
تذكرَ يوجين مظهرَ سيينا الذي رآه في صورَتِها. بإبتسامةٍ دافئِةٍ وخَيِّرَةٍ بَدَتْ مُختَلِفةً عَمَّا يتذَكَرُها يوجين. فَـسيينا التي يَتَذَكرُها يوجين لم تُظهِر أبدًا هذا النوعَ مِنَ الإبتسامات.
“بالطبعِ الأمرُ مُختَلِف.” أجابَتْ مير بإبتسامة: “فَـالسيدةُ سيينا أنبلُ بكثيرٍ وتفيضُ بالكرامة. لم تَضَحَك كثيرًا وظَلَّتْ مُنشَغِلةً فقط بالبحثِ وتطويرِ السِحر.”
بعدَ توقُفٍ قصير، سألَ يوجين، “…بما أنَّ الأمرَ هكذا، ثُمَ لماذا تبدو شخصيتُكِ هكذا؟”
“ما الخطأ في شخصيتي؟”
“على الرُغمِ مِن أنَّكِ مصنوعةٌ على شخصيةِ السيدةِ سيينا كأساس، إلا أنَّكِ تبدينَ مُختَلِفةً تمامًا عن السيدةِ سيينا التي وَصَفتِها.”
“بالطبعِ أنا كذلِك. ذلِكَ لأنَّ الشخصيةَ التي إستُنِدَ تصميميَّ عليها هي شخصيةُ طفولةِ السيدةِ سيينا.”
‘تِلكَ الدجاجةُ المُزعِجة. يبدو الأمرُ أنَّها كانتْ مُزعِجةً أكثرَ في طفولَتِها.’
في النهاية، غيرَ يوجين الموضوع، “إذن…ماذا تقصدينَ بالقولِ أنَّ وعيكِ موجودٌ هُناك؟”
تَرَدَدَتْ مير، ” هممم…هذا سؤالٌ صعب. كيفَ يُمكِنُني شرحُهُ حتى يتسنى لك، السير يوجين، الذي لم يتعلم الكثيرَ عن السِحر، فِهمُه…؟”
“فقط إشرَحيهِ بطريقةٍ يسهلُ فِهمُها.”
“يُمكِنُكَ القولُ أنَّني شيءٌ يُشبِهُ الذكاء الإصطناعي الذي خَلَقَتهُ السيدةُ سيينا مِن أجلِ مَكرِ الساحِرة.”
‘هذا بالتأكيدِ شيءٌ يسهُلُ فِهمُه.’
أوضَحَتْ مير، “يَتِمُ الحفاظِ على وعيي مِن خلالِ سِحرِ مَكرِ الساحِرة، والغرضُ مِن وجوديَّ هو حمايةُ وصيانةُ مَكرِ الساحِرة. وأنا أُشرِفُ على هذهِ القاعةِ إتباعًا لأوامرِ السيدةِ سيينا منذُ مائتي عام.”
مشى يوجين بجانبِ مير دونَ أنْ يقولَ أيَّ شيء. وشَعَرَ أنَّ مير بدأتْ في لحاقِهِ بهرولةٍ سريعة.
“…لماذا إستَخدَمَتْ السيدةُ سيينا شخصيةَ طفولتِها كقاعدةٍ لك؟” سألَ يوجين.
“فقط للتَذَكُر”، أجابتْ مير.
“التَذَكُر؟”
“قد يكونُ مِنَ الصعبِ على السير يوجين أنْ يفهَم، لكِنَ مُعظمَ البالغينَ يجدونَ صعوبةً في تَذَكُرِ طفولَتِهِم. على الرُغمِ مِن أنَّ ذكرياتَهُم قد تظَلُ واضِحةً، إلا أنَّهُم في كثيرٍ مِنَ الأحيانِ لا يستطيعونَ تَذَكُرَ نوعَ الشخصيةِ التي كانوا عليها بناءً على ذكرياتِهِم فقط.”
“…أعتَقِدُ أنَّ هذا هو الحال.”
“لذلِك، ولِكي تَتَذَكَرَ طفولتَها، قَرَرتْ السيدةُ سيينا قصرَ شخصيتي على شخصيتِها عندما كانتْ طِفلةً. إنَّ سِحرَها مُذهِلٌ لدرجةِ أنَّها تذكرَتْ كُلَ تِلكَ الذكرياتِ البعيدةِ بسهولة.”
إستمرَ يوجين في المشيِّ إلى أنْ تَوَقَفَ أمامَ مَكرِ الساحِرة. بعدَ الإقترابِ مِن هذا الشيء، بدتْ جلالَتُهُ مُثيرةً للإعجابِ حقًا. المجالُ المُتوَهِجُ الذي تمَ تغطيتُهُ داخِلَ عدةِ حلقاتٍ هو جوهرُ فهمِ ساحِرٍ فائقٍ للسِحرِ والذي تمَ الحفاظُ عليهِ لمئاتِ السنين.
فَكَرَ يوجين فجأةً في شيءٍ ما، “…بما أنَّكِ تقولينَ هذا، فَـهل لديكِ كُلُ ذكرياتِ السيدةِ سيينا؟”
“مُستَحيل”، قالتْ مير، ثُمَ إنفجرتْ بالضَحِك. “على الرُغمِ مِن أنَّ السيدةَ سيينا رُبما إستَخدَمَتْ شخصيتَها كقاعدةٍ لي، إلا أنَّها لم تَذهَب إلى حدِ مُشاركةِ كُلِ ذكرياتِها معي. لو فَعَلَتْ ذلِكَ، فَـهُناكَ فُرصةٌ جيدةٌ لِـأنْ يُساء إستخدامُ وجودي.”
“هذا يبدو منطقيًا.”
—