26.1 - آروث (1)
الفصل 26.1: آروث (1)
الوقتُ يطيرُ بسرعةٍ حقًا.
راودَ يوجين فجأةً هذا الفِكرُ أثناء نظرهِ في المرآة خلالَ الساعاتِ الأولى من صباحِ أحدِ الأيام. قامَ بترتيبِ شعرهِ الأشعث وهو يُحدِقُ في وجههِ في المرآة.
هذا هو موضوعٌ قد فكرَ فيهِ عِدةَ مراتٍ على مدارِ السبعةَ عشرَ عامًا التي عاشها في هذا الجسد، لكِنَهُ لم يشعُر بالمللِ من تكرارِ هذهِ الحقيقةِ داخلَ رأسِهِ كُلما رأى تطور جسدِه.
بادئ ذي بدء، لديهِ وجهٌ وسيم. لا علاقةَ لهذا بأنهُ وجههُ الخاص. حتى لو أُجبِرَ على النظرِ إليهِ بموضوعية، فعليهِ أن يعترِفَ بأن ملامِحَهُ جيدةٌ حقًا. على الرُغمِ من أنهُ شعرَ أن وجهَ هامل من حياتهِ الماضية ليسَ قبيحًا، لكِنَ بمُقارنةَ ذلِكَ الوجهَ بوجهِهِ الحالي بعدَ تجسيدِه، فإن الإختلافَ في مظهرهِم تقريبًا مِثلُ الفرقِ بينَ قزمٍ عادي وإنسان.
‘لكِنَ الإختلافَ ليس بقدرِ الإختلاف بين الإلف والأورك.’
لم يرغب يوجين في الإستخفافِ بوجههِ من حياتهِ السابقةِ إلى هذا الحد. بعدَ أن ربتَ على خديهِ الأملسَينِ عدةَ مرات، بدأ يوجين في شدِ عضلاتِ وجههِ مُظهِرًا كُلَ أنواعِ التعبيراتِ في المِرآة.
النظرةُ الشريرةُ في عينيهِ عِندما يعبس لم تَتَغير على الإطلاقِ منذُ الطفولة. يبدو أنها فقط جزءٌ من شخصيتهِ الفطرية. على الرُغمِ من إلتفافِ عيونهِ الضيقةِ مُنذُ صِغَرِه، إلا أن يوجين سعيدٌ لأن وجههُ صافٍ بلا أي تجاعيد.
‘كان لديَّ نظرةٌ أكثرَ شرًا في عينيَّ خِلالَ حياتي السابِقة.’
مُرخيًا حاجبيه، أظهرَ إبتسامةً عريضةً بدلًا من ذلِك.
ولكِن، هل هذا الرجلُ الوسيمُ في المرآةِ حقًا هو؟
على الرُغمِ من أنهُ قد تخلصَ بالفعلِ من التفكيرِ بجديةٍ في مثل هذهِ الأفكارِ غيرِ المَنطقية، حتى بعدَ سبعةَ عشرَ عامًا من العيشِ في هذا الجسد، إلا أنهُ لا يزالُ يشعرُ بالدهشةِ في كُلِ مرةٍ يرى فيها هذا الوجهَ الوسيمَ في المِرآة.
‘يجبُ أن أعترِفَ بذلِك، جيناتُكَ قويةٌ حقًا’ فكرَ يوجين بهذا عِندما نظرَ إلى شعرهِ الرمادي.
كُلما كَبُرَ في السن، أصبحَ الشعرُ الرماديُّ أكثرَ بُروزا. في كُلِ مرةٍ يرى فيها يوجين شعره، يتذكرُ فيرموث.
إمتلكَ يوجين أسبابهُ للإنغماسِ في مثلِ هذهِ المشاعرِ منذُ الصباحِ الباكِر.
فبعدَ أن بدأ في زراعةِ الطاقةِ السحريةِ عندما كانَ في الثالثةِ عشرةَ من عُمُرِه، قامَ يوجين بتدريبِ الطاقةِ السحريةِ كُلَ صباحٍ دونَ تخطي يومٍ واحد. واليوم، وصلَ يوجين أخيرًا إلى النجمة الثالثة في صيغةِ اللهبِ الأبيض.
‘هذا سريع.’
يمكنُ لهُ أن يَشعُرَ بالجواهرِ المُنقسِمةِ التي تدورُ حولَ قلبِه. ثلاثُ نُقاطٍ من الضوء أظهرتْ أنهُ وصلَ إلى النجمة الثالثة في صيغةِ اللهبِ الأبيض.
‘طريقةُ التدريبِ هذهِ سريعةٌ جِدًا.’
بعد أن بدأ في زراعةِ الطاقةِ السحرية، أدركَ يوجين شيئًا ما.
أداء صيغةِ اللهبِ الأبيض لا يُضاهى مع كِتابِ تدريبِ الطاقةِ السحريةِ الذي تعلمَ من خلالهِ في حياته السابقة. إكتشفَ يوجين أنهُ قادِرٌ على إستخراجِ الدرجةِ المُثلى من الكفاءةِ من كميةٍ صغيرةٍ من الطاقة السحرية، والسُرعةُ التي إمتصَّ فيها الطاقةَ السحريةَ هي مُذهِلةٌ أيضًا. كما أنَّ تكلُفةَ توزيعِ هذهِ الطاقةَ السحريةَ المُمتصةَ في جميعِ أنحاء جسمهِ وتحويلها إلى قوة ليستْ عاليةً جدًا.
على كُلِ حال، السببُ في أنهُ وصلَ إلى هذا المُستوى بهذهِ السُرعة…لا يُمكِنُ أن يُعزى فقط إلى تفوقِ صيغةِ اللهبِ الأبيض؛ لأن ذلِكَ يعودُ أيضًا إلى أنَّ جِسمَ يوجين يبدو وكأنهُ مُتفوِقٌ طبيعيًا في إستيعابِ الطاقةِ السحرية.
‘…على الرُغمِ من أنهُ لشيءٌ رائعٌ أنَّ أداء هذا الجسدَ هو مُدهِشٌ جدًا….’
ففي بعضِ الأحيانِ لم يستطِع إلا أن يَشعُرَ بالإنزعاج.
‘تقدُمي بهذهِ السُرعةِ منذُ الآن…إذن كيفَ ستكونُ سُرعةُ تقدُمي في المُستقبَل.’
ستكونُ مُرعِبة.
لكن هذهِ في الواقعِ قضيةٌ مُفرحةٌ. إبتسمَ يوجين أثناء نظرهِ إلى إنعكاسِه.
‘لكِنَ القوةَ التي كانتْ لديَّ في حياتي السابِقة لن تكونَ كافية.’
تمَ منحُ هذا الجسدِ المُذهلِ له، يوجين لايونهارت، مما جعلهُ يحمِلُ الكثيرَ من التوقعاتِ بشأنِ مُستقبلِه. مع هذا الجسد، لا يمكنُ أن يرضى فقط عن الإعتمادِ على ذكرياتِ وتجارُبِ حياتهِ الماضية. صار يوجين مُقتنِعًا بهذهِ الحقيقةِ منذُ سنوات.
كانَ هامل بالتأكيدِ موهبةً عظيمة. على الرُغمِ من أنهُ لم يكُن جيدًا مِثلَ فيرموث، إلا أنهُ عرفَ أيضًا كيفيةَ إستخدامِ جميعِ أنواعِ الأسلحة. بدون أي تدريب رسمي، تم تشكيلُ مهاراتِ هامل وشحذِها في ساحةِ المعركة بينما هو يعيشُ على الخطِ الفاصلِ بينَ الحياةِ والموت. هذا يعني أنهُ تمَ تحسينُ تقنياتهِ من خلالِ المُمارسةِ المتواصِلة.
صنعَ هامل لنفسهِ إسمًا بهذهِ المهاراتِ فقط، بل إنهُ أساء فِهمَ نفسهِ وتوقعَ أنهُ عبقري. في هذهِ المرحلةِ إلتقى بفيرموث و…أدركَ هامل فجأةً أنهُ ليس عبقريًا.
بعد أن صار رفيقَ فيرموث، مرَّ أيضًا بالكثير. وصارتْ تِقنياتهُ مصقولةً أكثر، وإكتسَبَ المزيدَ من المهاراتِ وتطورَ اكثر.
‘لكِنَ هذا لا يزالُ غيرَ كاف.’
الوصولُ إلى نفسِ مُستواهُ في حياتهِ السابِقة ليس كافيًا. للإستفادةِ من هذا الجسدِ الموهوبِ والمُثيرِ للجشع، هو بحاجةٍ إلى أكثرَ من مُجردِ ذكرياتِ حياتهِ الماضية.
‘أنا بحاجةٍ إلى تَعلُمِ كُلِ شيء.’
ولا يكفي الوصولُ إلى مُستوى تَعلُمِ الأساسياتِ فقط أيضًا.
السيفُ والرمحُ والفأسُ والقوس؛ يوجين يعرِفُ بالفعلِ كيفيةَ التعاملِ بمهارةٍ مع مُعظمِ الأسلِحة. وَثِقَ في مهاراتهِ لأنهُ لم يصقُل هذهِ المهاراتِ فقط من أجلِ البقاء على قيدِ الحياة ولكن للإزدهارِ في مملكةِ الشياطين أيضًا.
لكنه لم يصِل إلى هُناكَ بعد. على الرُغمِ من أنه لا يزالُ أبطأ قليلًا مما كانَ عليهِ في حياتهِ السابِقة، إلا أنهُ يعرفُ في رأسهِ كيفيةَ الوصولِ إلى ذلِكَ المُستوى; إنها مُجردُ مسألةِ متى لا إذا. سيصِلُ جسدهُ حتمًا إلى مُستوى توقُعاتِه. لذا وبما أنهُ سيصِلُ إلى المستوى الذي يتوقعهُ على كُلِ حال، ألن يكونَ ذلِكَ أكثرَ كفاءةً لإستخدامِ وقتهِ في مكانٍ آخر؟.
***
“يبدو أنَني بحاجةٍ إلى تَعلُمِ بعضِ السِحر”، قال يوجين فجأة.
“أيُّ نوعٍ مِنَ الهُراء هو هذا؟” لهث سيان.
بينما يجلسُ سيان على الأرض، محاوِلًا إلتقاطَ أنفاسِه، رفعَ رأسهُ ليِنظُرَ إلى يوجين. الرجُلُ الوحشي الذي يقفُ بجانبهِ لم يُظهِر أيَّ علاماتٍ على التعب حتى بعد كُلِ التمرينِ الذي قاموا بهِ للتو.
في البداية، كانَ هذا سيجعلهُ يَشتَعِلُ بالحَسَد، ولكن الآن-بعدَ أربعِ سنواتٍ من النظرِ إلى هذا التعبيرِ المُرتاحِ بعدَ كُلِ تمرين، إعتادَ على هذا بالفِعل.
“قلتُ إنني بحاجةٍ إلى تَعلُمِ بعضِ السِحر”، كرر يوجين بِلُطف.
“وقُلتُ أنا، ‘أي نوعٍ مِنَ الهُراء هو هذا؟’” قال سيان مع تعبيرٍ مُرتبكٍ على وجهِه.
ليس يوجين هو الوحيدُ الذي نما جسدهُ خِلالَ هذهِ السنواتِ الأربع. نما سيان كثيرًا أيضًا. بالطبع، من الواضحِ أن سيان لم يُقدِر هذهِ الحقيقةَ حقًا، ويوجين يُعتبرُ سببًا كبيرًا لهذا. على الرُغمِ من أنهُما في نفسِ العمر، إلا أن سيان أقصرُ قليلًا من يوجين، والإختلافُ في مستوياتِ مهاراتهِم ظلَّ كبيرًا كالعادة.
“بالحديث عن ذلِك، هذا الصباح….”
واصلَ يوجين التَحدُثَ دونَ تقديمِ يدهِ لسيان لمُساعدتهِ على الوقوف. سيان لا يزالُ ذلِكَ الشقي المُتفاخِر; لن يعترِفَ أنهُ خَسِرَ حتى عِندما يُهزَم، لذا فهو لن يُقدِرَ ذلِكَ لو قدمَ يوجين لهُ يدَّ المُساعدة. على الرُغمِ من أن سيان لم يَعُد يُثيرُ الضجةَ حولَ أنهُ تمتْ إهانتهُ أو شيء كهذا، مِثل ما حدثَ عندما إلتقيا أول مرة، لن تؤدي مُساعدةُ يوجين لهُ إلا إلى إثارةِ مشاعرِ الإحباطِ العالقةِ في زوايا قلبهِ.
“…وبينما أنا أتدربُ كالمُعتادِ على صيغةِ اللهبِ الأبيض….”
“هل يُمكِن، أنتَ حقًا…؟” لم يستطِع سيان إنهاء السؤال.
بدأت عيون سيان تَرتجِفُ وشعرَ بشعورٍ سيء. صرَّ على أسنانهِ وقفزَ واقِفًا على قدميه.
إبتسم يوجين وهو يرى سيان مُرتبِكًا هكذا.
“…ثم حدث هذا.”
عندما إنتهى يوجين من التَحدُث، تَجمَعت الطاقةُ السحريةُ التي تتجولُ عادةً في جميعِ أنحاء جسدهِ بالقُربِ من قلبِه. بمُجردِ وصولِها إلى هُناك، بدأت النجومُ الثلاثةُ في قلبهِ باللمعانِ مع بعضِها البعض. بدأتْ هذهِ النجوم، المُتمركِزةُ معًا في دائرةٍ حولَ قلبِه، في تَضخيم قوةِ الطاقةِ السحريةِ الصادِرةِ من يوجين بشكلٍ مُتفجِر.
فووش!
الطاقة السحرية، على شكلِ ضوءٍ أبيضَ نقي، إجتاحت جِسمَ يوجين بالكامِل. حدقَ سيان في هذا المنظرِ بعيونٍ واسِعة. بدا الضوءُ الأبيضُ الشبيهُ باللهبِ المُلتفُ حولَ جسدِ يوجين وكأنهُ خيالُ أسدٍ عظيم.
“…What…The fuck!” قال سيان وصوتهُ يرتجِف.
نظرًا لأنهُ تدربَ أيضًا على صيغةِ اللهبِ الأبيض، فقد أدركَ جيدًا ماذا تعني هذهِ الهالةُ المُلتَفةُ حولَ جسدِ يوجين. من خلالِ تغطيةِ جسدهِ ببريقٍ من الطاقةِ السحريةِ هكذا، فهو قد أظهرَ عظمةَ صيغةَ اللهبِ الأبيضِ الحقيقية.
هذا يعني أنَّ يوجين قد وَصَلَ إلى النجمةِ الثالِثةِ في صيغةِ اللهبِ الأبيض.
—