960 - اللاعب الذي سمح له المغادرة
960 اللاعب الذي سمح له المغادرة
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَن أَشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ
تَـــٰــرْجَــٰــمَــٰــة:
Arisu-san
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
.
.
قبل أن يُعاد تشغيل “الحياة المثالية”، استعمل هوانغ يين موهبة هان فاي «مرافق الأرواح» لنقل جميع الأدوات التي امتلكها خلال فترة الاختبار المغلق إلى العالم الغامض. لذلك كان متقدِّماً كثيراً على اللاعبين الآخرين.
بفضل تلك الأفضلية، صار هوانغ يين أوّل لاعب في اللعبة، وانشئ الكثير من اللاعبين الأقوياء في “حيّ السعادة”. الآن، جميع اللاعبين عالقون في المركز الرئيسي. باي شيان وجين جون التقطا الغضب في رسالة هان فاي، فقرّرا استخدام تلك القوة المخزَّنة. أعضاء “حيّ السعادة” الإضافيون أسرعوا نحو المستشفى. كانوا يسجّلون كل لاعب يدخل أو يخرج من المستشفى.
“سأترك هذا للاعبين العاديين. لديّ ما هو أهم.” وصل هان فاي إلى الجناح المركزي. شارك دليل الطبقة السادسة، وبدأ يتجوّل في المركز الرئيسي محاولاً تفعيل مهمة. دار طويلاً، لكن لم تظهر أي مهمة. “أين المشكلة؟ هل لا أستطيع تفعيل المهمات إلا في العالم الغامض؟!” بعد ساعة تقريباً من التجوال، أخيراً انطلقت أوّل مهمة له في العالم السطحي، بجوار مقبرة. كانت مهمّة خفيّة نادرة للغاية. إنّها مهمّة لمهنة خفيّة: الوسيط الروحي. كان عليه أن يبني قبراً لنفسه في المقبرة. لم يستطع هان فاي تفسير غرابة تلك المهمّة. بدا وكأن النظام لا يمنحه إلا هذا النوع من المهام.
“المهام الخفيّة تملأ العالم الغامض، بينما في السطح الأمر عسير للغاية!” بنى هان فاي القبر وأتمّ الخطوة الأولى. اللاعبون الآخرون كانوا يراقبونه، معتقدين أنّ هذا يعني أنّه يستعدّ للموت.
لمّا رأى زرّ الخروج وقد أضاء، لحس هان فاي شفتَيه الجافتين. “يمكنني تفعيل المهمات المرتبطة بالعالم الغامض في العالم السطحي، لكنّ العثور عليها نادر… وفوق ذلك، مكافأتها ضعيفة.” عاد هان فاي إلى قاعدة “حيّ السعادة”. دخل غرفته وأغلق الباب. “لقد حصلتُ على فهم أساسي للمركز الرئيسي. ينبغي أن أغادر لأتواصل مع تقنيات الفضاء العميق وشرطة شين لو.”
ضغط هان فاي زرّ الخروج. غلَت الدماء. كانت هذه أول مرة يخرج فيها من اللعبة عبر العالم السطحي. العملية كلّها بدت غريبة، واستغرق خروجه وقتاً أطول من المعتاد.
“حين غادرتُ من العالم الغامض، الدم كان يسقط من الأعلى؛ أمّا الآن، من السطح، الدم يتفجّر من الأرض.” احتاج الدم عشرة أضعاف الوقت ليغطي المدينة كاملة. وخلال تلك اللحظة شعر هان فاي بخطر رهيب… كان هناك صوت يبحث عنه!
بدأ وعيه يخفت. عيناه جالتا خلال الرماد الرصاصي. رأى الأحد عشر مذبحاً في المركز الرئيسي. الضباب الرمادي كان يتشابك ليشكّل شرنقة رمادية عملاقة. حجمها كان أكبر بعشر مرات على الأقل من تلك التي تحت الزقورة، وقد غطّت نصف المركز الرئيسي!
لا تُحصى الأرواح الصارخة في داخل المذابح. وكلما اصطدمت شظايا الأحلام، نمت الشرنقة الرمادية. لم يمنح الحلم اللاعبين وقتاً كبيراً للهرب.
“إنْ تحكّم الحلم بأرواح الأربعة ملايين لاعب، أيّ وحش ستَلِده هذه الشرنقة؟ شبحٌ من الجيل الأوّل آخر؟” في عقل هان فاي، ذلك الشبح لم يكن مرعباً إلى هذا الحد؛ فلم يكن سوى بحجم مدينة ملاهٍ. “يخطر لي شعور بأنّ شيئاً داخل الشرنقة يراقبني.”
خلع هان فاي خوذة اللعبة. وعاد بنجاح إلى الواقع.
“يجب أن أحذر من الحلم.”
خرج هان فاي من كبسولة اللعب واتصل بهوانغ يين. وبصفته أول لاعب في “الحياة المثالية”، كان هوانغ يين قد دُعي بالفعل إلى تقنيات الفضاء العميق. صباح الغد، سيُرسَل إلى اللعبة مع ٩٩ لاعباً داخلياً. بعد التواصل مع هوانغ يين، اتصل هان فاي بشرطة شين لو، آملاً أن يقنعوا تقنيات الفضاء العميق بمنحه مكاناً.
بمساعدة الشرطة، لن تكون هناك مشكلة كبيرة. بعدها تتبّع هان فاي “شارع السلام” و”باي غُوغُو”. فقد اندلع حريقان في “شارع السلام”. الأول في كوخ القمامة بالجهة الغربية، والثاني في النادي الخاص بأقصى الشرق.
العامل الأعرج وابنته كانا يعيشان في كوخ القمامة. عندما وقع الحريق، كانت الفتاة مقيّدة في المنزل. احترق جسدها. خضعت لعمليات لا تُحصى قبل أن تُنقَذ، لكن حياتها كانت قد انتهت عملياً.
أما الحريق في النادي الخاص فقد اندلع بعد منتصف الليل. مدير شارع السلام، وابناه الاثنان، والعامل الأعرج قضوا في النيران. كلا الحريقين وقعا قبل ثلاثين عاماً، أي قبل ولادة هان فاي.
“كم من الكوابيس جمعها الحلم عبر العقود؟ ومع ذلك لم يستطع بعدُ أن يصنع صندوقاً أسود جديداً؟”
باستعمال طرق عديدة، أخيراً أكّد هان فاي مكان وجود باي غُوغُو. كانت مدينة بالديون للمستشفى، فأُخذت من قِبَل جمعية خيرية. استقلّ هان فاي سيارة أجرة نحو مركز الجمعية. وبما أنّه شخصية مشهورة، فقد عُرِف فوراً. قاده العامل الأقدم في المركز إلى أعمق زاوية فيه. فُتِح الباب، وإذا بامرأة في منتصف العمر ذات وجه وجسد مُشوَّهين بالنار، مستلقية على السرير.
“إنّها باي غُوغُو.”
الأميرة في الكابوس لم تكن سوى امرأة مجنونة لا تستطيع عيش حياة طبيعية. جسدها دمّره الحريق.
“لقد أُرسلت هنا منذ سنين طويلة. أخذها المدير بدافع الشفقة. وقتها قال الطبيب إن دماغها قد أصيب بصدمات جسيمة. حتى إن نجت من الحريق، فلن ينجو عقلها، ولن تعيش طويلاً.” العامل كان ذا انطباع عميق عنها. “لكن لم يتوقّع أحد أن تصمد هذه المدة. وكأنّها لا تدري أنّ والدها بالتبنّي مات في الحريق. تعيش سعيدة، كأنّه لم يتركها أبداً.”
“أبوها لا يزال يرافقها. ففي الحلم، هي دوماً أميرته الصغيرة.” دخل هان فاي الغرفة. كانت باي غوغو النائمة تذرف دموعاً، والوسادة مبتلّة.
“هذا غريب. لطالما ابتسمت أثناء نومها. هذه أوّل مرة أراها تبكي ليلاً.” تبع العامل هان فاي إلى الداخل.
خطوات الأقدام أيقظت باي غوغو. تقوّست في الزاوية، عيناها مملوءتان بالذعر.
“لقد التقينا في الكابوس. والدك أوصاني بأن أرعاكِ…” ما إن نطق هان فاي بذلك، حتّى فقدت عقلها. رطمت رأسها في الحائط، وكأنّها تريد أن تهرب من هذه الحياة إلى الحلم.
“أمسكوها بسرعة!” لم يحدث أي خلل طيلة ثلاثين عاماً. فجأة انفلتت باي غوغو، وكأنّها فقدت إرادة العيش. وجهها مغطّى بالدماء.
“آسف.” احتضنها هان فاي وتركها تهاجمه. لم يقاوم، لكن عينَيه أظلمتا بالحزن. وحده هو كان يعلم لماذا جُنّت فجأة. أسرتها الوحيدة قد رحلت بلا عودة. ساعدها هان فاي والعامل على نقلها إلى الجناح النفسي في “مستشفى الشعب الأول”.
وقّع هان فاي فوراً بصفته الوصي، ودفع التكاليف كلها. انتظر خارج غرفتها. بعد ثلاث ساعات كاملة، هدأت باي غوغو أخيراً. لكن الابتسامة اختفت عن وجهها.
“هل أنت وليّ أمرها؟” الطبيب اندهش حين خرج. “هان فاي؟”
“نعم. أنا وليّ أمرها الآن. كيف حالها؟”
“سيئة جداً. في الواقع، لقد صار لدينا كثيرون مثلها مؤخراً. لم نفهم بعدُ أصل المرض، والأعراض تختلف. لكنّ الجميع لديهم طفرات في الدماغ.” أظهر الطبيب الأشعة لدماغها، وربط النقاط معاً. “انظر. ألا يبدو هذا كفراشة؟”
“فراشة؟” تذكّر هان فاي صوراً مشابهة في فحوص بعض المجرمين.
“نسمّيها متلازمة الفراشة. أجرينا أبحاثاً كثيرة عنها.” وضع الطبيب الصور جانباً. “هذا المرض يؤثر في المرضى وفي المجتمع أيضاً. فمع تطور المدينة الذكية، صار الحاسوب الخارق قادراً على كشف المجرمين المحتملين مبكّراً. لكن المصابين بمتلازمة الفراشة يمكنهم الإفلات من رصد الحاسوب. لا أحد يستطيع التيقّن من أفكارهم الحقيقية. الطفرات الدماغية تضمن أن قلوبهم مخفية عن الحاسوب.”
“هل زاد عددهم مؤخراً؟”
“نعم.” نبرة الطبيب كانت جادة. “كل أسبوع يأتينا مرضى جدد. أطفال وشيوخ. لا روابط بينهم، ولا تاريخ مرضي في عائلاتهم…”
صمت هان فاي وهو يسمع ذلك.
هؤلاء قد يكونون أهداف الحلم. حياتهم ربما تنتهي مثل العامل، لتصير شظايا صغيرة.
“ربما أستطيع مساعدتهم في الواقع كي أمنع المأساة.” تحدّث هان فاي طويلاً مع الطبيب. طلب منه ومن الممرّضة أن يعتنوا بباي غوغو. وأرسل معلومات متلازمة الفراشة إلى رئيس لي شيوي. كان يأمل أن تتغيّر حياة المرضى فلا يبتلعهم اليأس.
الشرطة كانت غارقة في اعمالها. حتى وإن كان رئيس لي شيوي يثق بهان فاي، لم يكن مستعدّاً لإرسال عناصره لرعاية هؤلاء المجانين.
هان فاي كان يأخذ المرضى على محمل الجد. يؤمن أنّه إن تمّ إنقاذهم في الواقع، فسيضعف الكابوس في اللعبة.
اتصل هان فاي بدو جينغ. شركة “صيدلة الخالد” كان لديها العديد من خبراء الدماغ، بسبب تجاربها الداخلية في الجراحة والخلود. تكفيراً عن خطايا الشركة، بنت دو جينغ ٢٧ فريقَ علاج. توزّعوا على المستشفيات لمساعدة مرضى “متلازمة الفراشة”. الشرطة واجهت المنظّمات الثلاث؛ “تقنيات الفضاء العميق” واجهت القراصنة وساعدت في إنقاذ اللاعبين؛ أما “صيدلة الخالد”، فبعد موت غاو شينغ، صارت حرّة.
أبناء فو تيان خضعوا لتحقيق الشرطة. دو جينغ ظهرت لتسيطر على الموقف. أضعفت الحلم بعلاج المرضى. لكن أمراً واحداً أدهش هان فاي: دو جينغ كانت تمهّد الطريق له ليدخل “صيدلة الخالد”. فقد بُنيت فرق العلاج باسم هان فاي. والهدف الجديد للشركة صار الشفاء ومساعدة الجميع.
هان فاي بذل قصارى جهده.
مع هبوط الظلام، ذهب هان فاي وهوانغ يين إلى بيت شين لو. الشرطة أخبرت “تقنيات الفضاء العميق”، فمنحت شين لو مقعداً لدخول اللعبة أيضاً.
“شياو شين، هل تتحسن حالتك؟” وضع هان فاي سلّة الفاكهة بجانب السرير، معبرًا عن قلقه.
“الألم يعمّ جسدي، لكن شكراً لإنقاذي. أشعر أنّك أنقذتني مرات عديدة. هل تعطيني فرصة لأردّ الجميل؟ ما رأيك أن أساعدك في الأسهم؟” جسده كان ملفوفاً بالضمادات.
“لا بأس، لكنّي أحتاج مساعدتك حقاً. هناك مشكلة صغيرة في ’الحياة المثالية‘. نريدك أن تدخل اللعبة لتساعدنا.” بدا هان فاي محرجاً، لكن لحسن الحظ، شين لو تطوّع فوراً.
“لا مشكلة. كنت أنوي دخول اللعبة لتخفيف ألمي. خشيت فقط أن يمنعني الطبيب.” شين لو بدا سعيداً.
حين أصيبت “الحياة المثالية” بمشكلة، ضحّى به غاو شينغ. وعندما وصلت الشرطة، كان شين لو قد فقد وعيه من نزيفه.
“فكّر جيداً.” هوانغ يين أُعجب بعزيمته. أمسك خوذة خاصة تحمل رقماً، صُنعت من “تقنيات الفضاء العميق”، تُمكِّن مستخدمها من دخول اللعبة متى شاء.
“مدينة شين لو محظوظة بوجود أبطال مثلكم.” رفع هان فاي إبهامه. “حين تدخل اللعبة، سنلتقي أمام قاعدة ’الحقيقة المطلقة‘ في المركز الرئيسي.”
“الحقيقة المطلقة؟” تذكّر شين لو أنّ هوانغ يين كان من نقابة أخرى، لكنه اكتفى بالإيماء.
“حسناً. استدعِ الطبيب.” لوّح هان فاي. “شين لو حالة خاصة. لن يدخل مع الآخرين. لديّ مهمّة خاصة له.” كان يخشى أن يلعن شين لو هوانغ يين واللاعبين الداخليين، لذلك رتّب له الدخول قبلهم بلطف.
أزال الطبيب الضماد عن رأسه، ووضع الخوذة بعناية.
في عيني الطبيب نظرة شفقة وإعجاب. حرك شين لو عنقه بصعوبة، وسأل هان فاي: “قلت إن هناك مشكلة صغيرة في اللعبة. ما هي؟”
“لا شيء خطير.” وصل هان فاي السلك الأخير. “بعد أن تدخل اللعبة… لن تتمكن من الخروج.”
“آه؟”
اشتغلت الخوذة. لم يعد هان فاي وهوانغ يين يسمعان ما نطق به شين لو.
“شين لو أولاً تحوّل إلى تضحية على يد المنظمات الثلاث، وكاد غاو شينغ أن يقطع رأسه. والآن، وقد صارت ’الحياة المثالية‘ في خطر، دخل إليها طواعية. ربما كان سيئ الحظ، لكنه رجل عادل.” فتح هان فاي سلّة الفاكهة، أخرج منها التفاح له ولهوانغ يين. “الفاكهة لا تدوم طويلاً. لا تهدروها.”
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
شين لو المسكين
—